الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 47/حياة وحياة

مجلة الرسالة/العدد 47/حياة وحياة

مجلة الرسالة - العدد 47
حياة وحياة
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 28 - 05 - 1934


بقلم الدكتور محمد كامل الصبي دكتوراه في العلوم الطبيعية

كتاب يقع في نيف ومائتي صفحة، أخرجته جماعة نشر الثقافة بالإسكندرية على خير ما تخرج الكتب، دقة طبع، وحسن نظام، ومتانة ورق، وسلامة ذوق.

ولقد شاء الدكتور الفاضل ألا تقف جهوده عند العلم فرأيناه في هذا الكتاب أديباً، بل قصاصاً عذب الروح، واسع المعارف، متين الثقافة

تلمس في هذا الكتاب النهوض، وتعجبك فيه رغبة فنية لنفس متوثبة، تحتقر تقاليد الماضي البالية، وتتألم لما يرزح تحته المجتمع المصري من أعباء وما يتعثر فيه من قيود، وتتمنى أن ترى ذلك اليوم الذي تنفض فيه مصر عن نفسها غبار القرون وتحكم أغلال الجمود، ومن منا لا يشارك الدكتور عواطفه وآماله؟

ولقد وفق المؤلف إلى وسيلة جيدة لعرض آرائه فصور لنا أولاً الحياة المصرية في القرية، حياة الملاك القادرين والعمال المستضعفين من صغار المزارعين، حياة العتو والاستبداد، والمسكنة والذلة والجهل، ثم أرانا طرفاً من حياتنا المدرسية وما يكتنفها من آلام ومعايب مما شاهده وخبره بنفسه، فالقصة تدور حوله هو وحول حياته في مصر ثم انجلترا، وهنالك في إنجلترا، وصف لنا الكاتب حياة ذلك المجتمع الزاخر في صدق لهجة ودقة ملاحظة، دون أن تميل به عاطفة الوطنية إلى التحيز، بل إن هذه العاطفة كانت تحدوه إلى المقارنة بين حال وطنه وحال ذلك المجتمع في حماسة وصراحة وإخلاص وغيرة

ولقد قام برحلة في عطلته الجامعية إلى هولنده وألمانيا، ولم يفته هناك أيضاً أن يتعرض لمعايبنا الاجتماعية على ضوء ما صادف هناك من رقي عام قوامه الثقافة الفياضة والتضحية الخالصة، وفناء الفرد في المجموع، مما نتحرق ظمأ إليه في مجتمعنا

ولم يقف في كتابه عند النقد فحسب، بل لقد تعرض لكثير من ضروب الإصلاح، وأورد بعض اقتراحات جالت في ذهنه تشهد برجاحة علقه وصدق نظره

بيد أني أعيب عليه أنه يرى كل ما عندنا شراً، ولعل طموحه وتوثبه وشوقه الزائد إلى تغيير الحال وشدة إخلاصه هو الذي يملي عليه هذه الصرامة حين يشكو أو ينتقد، والحقيقة أني قد شاركته رأيه في جملة مسائل أحب الكاتب فتاة في الجامعة، وتعرف إلى فتاتين غيرها، فرأى إحداهما تضحي بشهرتها في سبيل الواجب فتقلع عن القيام برحلة جوية إلى استراليا لتسهر إلى جانب سرير أمها المريضة. ورأى الثانية ترفض خطبة حبيب لها لتعول أهلها، فأكبر هذه الأخلاق، ثم لم يشأ أن يكون أقل منهما نبلا، فضحى بحبه في سبيل عاطفته الوطنية، ولم يشأ أن يتزوج من فتاة تخالفه في طبيعته وآماله، وعاد إلى وطنه مسرعا. وكانت تلك هي خاتمة القصة، وكم نود لو نظفر بمثل هذا الخلق وبمثل هذا الروح، وبمثل هذا النشاط الأدبي ممن يعودون إلى أوطانهم من شباننا الناهض.

محمود الخفيف