الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 47/العلوم

مجلة الرسالة/العدد 47/العلوم

بتاريخ: 28 - 05 - 1934

ُلوم

النظريات الحديثة في تعيين الجنس ذكر أم أنثى

بقلم منير غندور ليسانسييه في العلوم

عندما يولد الطفل يكون قد حدد مصيره، ذكراً كان أم أنثى، من تسعة أشهر، منذ تألفت أول خلية من خلايا الجنين بالتحام خلية كبيرة تقدمها الأم وتسمى بويضة، مع خلية أخرى من الخلايا الكثيرة العدد التي يقدمها الأب، وتسمى خلية منوية (سبارماتوزيد ثم تتضاعف الخلايا وتنمو سائرة في أحد اتجاهين.

ولكن تحت أي تأثير تأخذ الخلية الأولى الاتجاه الأول أو الثاني؟ ترون هنا أهمية معرفة ما يدخل من عوامل لتعيين جنس الجنين من الناحية العلمية البحتة ومن الناحية التطبيقية أيضاً، إذ لا يخفى أنه لو توصلنا إلى معرفة العوامل التي تجعل الذكر ذكراً والأنثى أنثى وطرق استعمالها حسب مشيئتنا (فنوصي) على ذكر أو على أنثى حسب الحاجة لقلبنا النظام البشري الحالي.

إن علم (البيولوجيا) توصل اليوم إلى معرفة هذه العوامل وأزاح كل غطاء عنها، ولكن رجاله لا يزالون يكررون التجارب ليتمكنوا من استخدام هذه العوامل حسب مشيئتهم. وهذه التجارب التي أجريت أخيراً في هذا الصدد، وقد خصها مسيو جان روستان بكلمة أجملها فيها، هي التي بعثتني على الكتابة في هذا الموضوع لأبين العوامل التي تدخل في تعيين الجنين والاتجاه الذي يأخذه علماء البيولوجبيا الحديثين في تجاربهم هذه.

لنأخذ الخلية الأولى المكونة للجنين: لقد أصبح أكيدا اليوم أن هذه ستكون ذكراً أو أنثى تحت تأثير (الكروموزومات) وهذه عبارة عن ذرات متناهية الصغر توجد في نواة كل خلية. وفي الجنس البشري يوجد ثمان وأربعون (كروموزوم) عند المرأة، 46 متشابهة ثم اثنان متشابهان، ولنسمهما وعند الرجل 46 متشابهة ثم اثنان يختلف كل واحد منهما عن الآخر، ولندعهما

أما البويضة و (السبارماتوزيد) فهما لا يحتويان إلا على نصف عدد الكروموزومات الذي تحتويه الخلايا العادية فكل بويضة تحتوي على + 23 أما السبارماتوزيد فـ 50 % من مجموع عدده تحتوي على + 23 و 50 % على + 23.

إذاً بين السبارماتوزيدات التي يقدمها الأب نوعان مختلفان، نوع يحتوي على + 23 ونوع يحتوي على + 23. وعلى حسب ما تلتقي البويضة بالنوع الأول أو الثاني يكون الكائن الناتج أنثى (بويضة مع سبارماتوزيد) + 23 أو ذكراً (بويضة مع + 23) وفي مجموع الكروموزومات التي يقدمها الأب 50 % من + 23 و 50 % من + 23 فللكروموزوم الأول إذا نفس الإمكانية التي للثاني للالتحام مع البويضة وهما يخضعان في التحامهما مع البويضة، تارة هذا وتارة ذاك للمصادفة في الأعداد القليلة. في الإعداد الكبيرة لقانون - الاحتمال - ونحن نرى أن نسبة عدد الذكور للإناث في العالم يخضع تقريباً لنسبة 12 (أعني في المواليد). أما وجود المذكار (المرآة التي عادتها ولادة الذكور) والمثناث (المرأة التي عادتها ولادة الإناث) فهذا لا يعني أكثر مما يعنيه الحصول في لعبة (الروليت) مثلاً على نفس اللون مرات عديدة متتابعة. إذ نسبة مجيء اللون الأول واللون الثاني تبقى خاضعة في الأعداد الكبيرة، 500 ألف مرة مثلا، إلى نسبة12.

إذاً لقد قال العلم كلمته في هذا الموضوع.

القسم الثاني من هذا البحث هو أن نستطيع إدخال النوع الذي بالتحامه مع البويضة يعطي ذكوراً وحده، والنوع الذي يعطي إناثاً وحده.

أما إدخال الخلايا المنوية الاصطناعي فهذا ما يستطيع أن يقوم به المتمرنون عند الحيوان كما عند الإنسان مع قليل من الاحتياط. ولكن فصل النوعين عن بعضهما لم يتم إلى الآن برغم كل ما أجرى من محاولات.

وأول ما يتبادر إلى الذهن إمكان وجود فرق في الحجم بينهما فنستطيع حينها أن نفصل الأول عن الثاني بسهولة. ولكن شيئاً من هذا لم يلاحظ. وهناك فكرة بثها وقال بتحقيقها عالمان روسيان هما: وهي افتراض أن الكروموزومات تحمل كهربائية على سطحها، كأكثر الذرات الحية المعلقة في وسطها الطبيعي، وأن هذه الحمولة الكهربائية هي سلبية عند نوع وإيجابية عن النوع الثاني. وفي هذه الحالة يكون من السهل فصل هذين النوعين عن بعضهما بمجرد تأثير مجرى كهربائي.

طبق هذا الافتراض على كروموزومات الأرنب، وكانت النتيجة أن الكروموزومات التي وجدت على القطب الإيجابي أي المكهربة سلبياً أدخلت لعشر أرنبات والعشرة أعطت ذكوراً، والكروموزومات التي وجدت على القطب السلبي أي المكهربة إيجابياً لعشر أخريات أعطت ثمانية منها إناثاً واثنان ذكوراً. والكروموزومات التي وجدت بين السلبي والإيجابي أعطت ذكرين وأنثيين:

وقد ذكر (جان روستان) الأبحاث الأخيرة التي قام بها طبيب ألماني يدعى في هذا المعنى. ونتيجة هذه الأبحاث هو أن الوسط القلوي يناسب النوع من الكروموزوم الذي يسبب ذكوراً، والوسط القليل الحمض يناسب مسببي الإناث. وهكذا يكفي لكي تحمل الأم ذكراً أن تحقن موضعياً بكربونات الصودا مثلا قبل الجماع. ويؤكد (انتار بارجار) نجاح هذه الطريقة عند الست والأربعين من النساء اللاتي تقدمن إليه خلال سنة 1932.

ولكن العلم لا يستطيع الجزم بعد في هذا الموضوع. ولا يمكننا أن نقبل نظرية لها من الأهمية ما لهذه معتمدين على بضع نتائج لم يقم بها إلا فئة قليلة من علماء البيولوجيا. غير أنه لا يبعد أن يصل العلم بعد قليل إلى حقيقة نهائية في هذا الموضوع.

ولنفرض أن العلم وصل إلى هذه الحقيقة فهل ينتج عن إمكان إعطاء ذكر لأي كان؟ لا. فنحن لا نستطيع أن نعطي ذكوراً أو إناثاً إلا لمن نقصتهم الذكور أو الإناث لتصرف الصدفة الوحيد ولكن هناك خلايا منوية، من منتجات الذكور مثلا، تكون ضعيفة التركيب ينقصها شيء أساسي كامن فلا يمكنها الوصول إلى البويضة أو إذا أمكنها ذلك والتحمت معها يقف عند حد ما نحو الجنين، أو يتم ولكنه يولد ذا علة جسمية أو عقلية. والدليل على هذا ما نراه عند المرأة المئناث. فالمرأة التي عادتها ولادة الإناث نراها (في كثير من الأحيان) بغتة، بعد أن تكون وضعت أربع بنات أو خمسا تلد ذكراً ميتاً أو يعيش قليلا ثم لا يلبث أن يموت دون أن تظهر علة ما خارجية. ثم تسقط ذكراً لم يتم نموه ثم ذكراً ميتاً أو ابله.

وهنا أستطيع أن أقول، دون أن أبحث المسألة من وجهتها الفلسفية إن قانون المصادفات الذي تكلمت عنه في البدء والذي يجري على حسبه تلقيح البويضة إما بخلية منوية + 23 أو بخلية منوية + 23 يكون فوقه في تأثيرات وصفات بيولوجية عميقة لا يحيط بها بعد علمنا.

وعلى كل حال فأنتم ترون ما قد يثيره تحقيق هذه الفكرة من مشاكل فلسفية واجتماعية.

ورأيي أنها لن تتعدى النظريات، وفي هذا، أي تحقيقها النظري عظيم رضى العالم وغايته الوحيدة، وإذا تعدتها للحيوان فهي لن تطبق على الإنسان لأنها لن تزيد في أكثر الأحيان إلا في إشقائه وإكثار المسؤولية التي تقع على كاهله.

منير غندور