الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 468/المصريون المحدثون

مجلة الرسالة/العدد 468/المصريون المحدثون

مجلة الرسالة - العدد 468
المصريون المحدثون
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 22 - 06 - 1942

35 - المصريون المحدثون

شمائلهم وعاداتهم

في النصف الأول من القرن التاسع عشر

تأليف المستشرق الإنجليزي ادورد وليم لين

للأستاذ عدلي طاهر نور

تابع الفصل الحادي عشر - (الخرافات)

يستعمل كثير من المصريين - والنساء غالباً - (الميعة المباركة) لإبطال الحسد. والميعة مزيج من عقاقير مختلفة ستذكر فيما بعد، وتجهز وتباع في الأيام العشرة الأولى من شهر محرم فقط. وكثيراً ما نرى حينئذ بائعي الميعة يتجولون في شوارع القاهرة صائحين: (يا بركة عاشورا المبارك، أبرك السنين على المؤمنين يا ميعة مباركة) ويحمل بائع الميعة فوق رأسه صينية مستديرة يغطيها بقصاصات من الورق المختلف الألوان، ويضع عليها المزيج الثمين؛ ويتوسط الصينية كوم كبير من ثُفل مادة قاتمة الحمرة تستعمل للصبغة، وتمزج بقليل من الميعة والكزبرة، والحبة السوداء. ويحيط بالكوم الكبير أكوام أصغر، أولها من الملح الملون الأزرق والنيلج، وثانيها من الملح الملون الأحمر، وثالثها من اللون الأصفر، ورابعها من الشيح، وخامسها من تراب اللبان. وتلك هي مواد الميعة المباركة. ويدعو المشترين عادة البائع داخل المنازل، فيضع الصينية أمامه، ويتناول صحناً أو قطعة ورق حيث يضع من الميعة بقدر رغبة المشتري. فيأخذ من كل صنف قليلاً ويضيف إليه مقداراً آخر المرة بعد المرة منشداً أثناء ذلك دوراً طويلاً يبدأ هكذا: (باسم الله وبالله، ولا غالب إلا الله، رب المشارق والمغارب، كلنا عبيده، يلزمنا توحيده، وتوحيده جلاله) وبعد أن يثني على فضائل الملح يقول: (أرقيك من عين البنت، أحمي من الخشب، ومن عين المره، أحمي من الشرشرة، ومن عين الولد، أحمي من الزرد، ومن عين الراجل، أحد من المناجل. . . الخ) ثم يروي كيف أبطل سليمان حسد العين، ويعدد بعد ذلك الأمتعة التي لا يخلوا منها المنزل على الأرجح فيرقيها جميعاً من الحسد. واكثر عبارات هذه الرقية مضحكة جداً، إذ هي ألفاظ أدخلت للسجع فقط. ويحتفظ المشتري بالميعة المباركة التي تباع الحفنة منها بخمسة فضة طول العام التالي فيحرق قليلاً منها كلما خشي حسد العين بحيث يتصاعد الدخان إلى المحسود

جرت العادة عند طبقات القاهرة العليا والوسطى أن يعلقوا في احتفالهم بالعرس القناديل في الطريق أمام منزل العريس، وكثيراً ما يحتشد الجمهور حول قنديل كبير جميل لمشاهدته، فالعادة حينئذ أن يُلهوا المشاهدين بكسر جرة كبيرة، أو بحيلة أخرى حتى لا تسبب عين حاسد سقوط القنديل. وكثيراً ما تحدث حوادث تؤيد إيمان المصريين بخرافاتهم المتعلقة بالحسد. ومثل ذلك ما رواه صديق لي: من مدة قصيرة رأى جملاً يحمل جرتي زيت كبيرتين فصاحت امرأة أمام الجمل: يا سلام! يا لهما من جرتين عظيمتين! ولم يقل الجمّال: صلي على النبي؛ فلم يلبث الجمل أن سقط وكسرت رجله وكسرت الجرتان. وقد أخبرني أحد أصدقائي القاهريين بشكوى أسردها هنا توضيحاً لما قررت. قال صديقي: (لما عدل الباشا عن احتكار بيع اللحم منذ أيام أصبح الجزارون يذبحون الحيوانات ويبيعونها في حوانيتهم. ومن المزعج تماماً أن ترى الخروف الجميل معلقاُ أمام عين الجمهور كاملاً بذيله وأعضائها فيشتهيها كل سائل يمر بجانبها فكأنما يتناول المرء سماً) وقد شكا إلي طاهٍ الشكوى نفسها فكان يفضل أن يكلف نفسه مشقة الذهاب إلى دكان جزار لا يعرض اللحم على أنظار المارة ولو كان بعيداً.

يضع الكثير من تجار العاصمة وغيرها من المدن المصرية على واجهة حوانيتهم ورقة كتب عليها اسم الله أو اسم الرسول أو الاسمان معاً أو الشهادة أو البسملة أو حديث نبوي أو آية قرآنية مثل: إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً (سورة الفتح الآية الأولى) نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين) (سورة الصف آية 13) أو ابتهال إلى الله مثل (يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم). وكثيراً ما ينطق التاجر بهذا الابتهال عندما يشرع في فتح حانوته صباحاً، وكذلك الباعة المتجولون كبائعي السلع الصغيرة والخبز والخضر الخ. عندما يخرجون لجولاتهم اليومية. والعادة أيضاً أن يضع الرجل من الطبقة السفلى أول نقد يتناوله على شفته وجبهته ثم في جيبه

وكثيراً ما نرى في القاهرة غير الكتابات التي تعلق على الحوانيت هذا الدعاء (يا الله) ينقش على أبواب الدور الخاصة والعبارتين: (الخلاق العظيم هو الباقي) أو (هو الخلاق العظيم الباقي) ترسمان بأحرف كبيرة على الباب كحرز وتذكرة لرب الدار أنه بشر يتوفاه الله وكثيراً ما تكتب هذه الكلمات على باب الدار إذا كان صاحبه السابق أو أغلب سكانه السابقين أو جميعهم قد توفوا

إن أفضل الوسائل لإبعاد العلل والأمراض كتابة آيات من القرآن في وعاء من الفخار يصب فيه قليل من الماء. ويرج حتى تزول الكتابة ثم يشرب المريض الماء المنقوع فيه هذا الكلام المقدس وهو ما يلي: ويشف صدور قوم مؤمنين (سورة التوبة آية 14). يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور (سورة يونس آية 57). فيه شفاء للناس (سورة النحل آية 69). وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين (سورة الإسراء آية 82). فإذا مرضت فهو يشفيني (سورة الشعراء آية 80). قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء (سورة فصلت آية 44) ومن هذه الآيات أربع لا تشير إلى أمراض الجسم وإن استعملت لذلك، بل تشير إلى أمراض العقل. وتشير الآية الثالثة إلى فضائل العسل. وقد سألت شيخي أن يبين لي موضع هذه الآيات من القرآن فرجاني عندئذ ألا أترجمها بلغتي لأن ترجمة القرآن بغير ذكر النص الأصلي محرمة، لا لأنه خجل من جريان العادة باستعمال هذا الكلام طلسما فكره أن يعرف مواطني ذلك. وقد أوضح لي اعتقاده التام في تأثير هذه الآيات حتى على المريض الكافر وأظهر ثقته التامة بقوتها. وقال ملاحظاً: (إن الرسول (صلعم) قال: لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً). وقد هدأت وسواسه في ذلك بإخباره أن للقرآن ترجمة إنجليزية

ويعطى للمريض أحياناً لشفاء الأمراض وإزالة أثر السموم جرعة ماء في طاس معدني نقش بداخله آيات قرآنية ورسوم وأشكال طلسمية. وقد أهدى إلي أخيراً في القاهرة طاسة مثل هذه أعجب بها أصدقائي المسلمون كثيراً. وينقش أيضاً خارج الطاسة كتابات تعدد فضائلها، وتشير إلى خواصها من إبطال السموم، والحسد وشفاء الأمراض والعلل والموت. وقد رأيت هنا طاسة أخرى كالسابق وصفها تماماً، غير أن نقوشها زالت قليلاً ويعتقد أن أسرار القرآن كثيرة جداً. وفي ذات يوم رفضت أن أتناول طعاماً خشية الضرر فنصحني بقراءة سورة قريش إلى آخر (الذي أطعمهم من جوع) وأن أردد هذه العبارة الأخيرة ثلاث مرات. وقد جزم لي أن في هذا وقاية أكيدة من كل سوء أخشاه

عدلي طاهر نور