الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 463/السيلو هو السيرة والسير

مجلة الرسالة/العدد 463/السيلو هو السيرة والسير

مجلة الرسالة - العدد 463
السيلو هو السيرة والسير
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 18 - 05 - 1942


للأب أنستاس ماري الكرملي

1 - تصدير

زارني ولدي بالروح كوركيس حنَّا عوّاد في 1531942 وقال

لي: (يا أبتِ بينما أنا أتصفّح المجلد الـ 87 من المقتطف

(ديسنبر 1935) ص 630 وقع نظري على هذه العبارة وهي:

(وقد اصطلح العلماء على تسمية هذه المخازن (مخازن

الطعام) باسم سيلو وأصل هذه الكلمة بحسب أقوال الغربيين،

ويظهر أنها استعملت أولاً في أسبانيا والمغرب الأقصى.

فحبذا لو عُني أحد اللغويين بالبحث عن أصل اشتقاقها. وقد

اصطلح على تسميتها في القطر المصري بالصوامع، لأن

الفلاح اعتاد أن يطلق اسم صومعة على المخزن المبني

بالطين الذي يحفظ فيه غلاله، وكان الكاتب جلال حسين أول

من أطلق عليها هذا الاسم في مقالات له نشرت في المقطم)

انتهى.

ثم زاد ولدي على ما تقدم نقله ما هذا إيراده: (ثم تصفحت ما جاء من أجزاء المقتطف في مجلدته التالية إلى هذا اليوم فلم أجد من تعرض لهذا البحث ولم أوفق في عثوري على معرفة الأصل العربي، فهل لك أن تذكر لنا اللفظة المأخوذة منها الكلمة الغربية؟).

فقلت له: إني قد بحثت عنها في معجمي الكبير (المساعد) ولكن البحث عنها في هذا البحرِ الغِطمّ يحتاج إلى وقتٍ، فمتى ما سنحت لي الفرصة أُحقق الأمنيَّة، وأنقل ما قيدته في دفاتري. واليوم قد ظفرت بهذا الموضوع، فآتي به وأطلع الأدباء عليه بنشره في هذه المجلة.

2 - أقسام مخازن الطعام

تقسم مخازن الطعام إلى قسمين كبيرين: قسم يتخذ فوق الأرض وقسم يتخذ في السراديب أي تحت الأرض وليس للغربيين إلا اسم واحد لهذين القسمين وهو (سيلو أما العرب، فقد سمو باسمين مختلفين هذين المخزنين: فالذي يبنونه أو يتخذونه فوق الأرض يسمونه السيرة أو السير، وهو الذي نقل إلى (سيلو الغربية كما سترى) وقسم تحت الأرض وهو المسمى عندهم مطمورة.

3 - السيرة والسير

قال صاحب كتاب الرزدقة في ص 143 - 13 وما يليه:

اعلم أن (السيرة) بالكسر و (السَيْر) بالفتح، أن يكدّس الطعام أو الميرة أكداساً وصُبَرا، ثم يجمع بينها وتصومع، ثم تَسيّغ فتصمد دفعاً لعادية الأمطار والثلوج عنها وحفظاً لها من كل ضرر، فان وضع هذا الطعام أو هذه الميرة في حفرة فهي المطمورة) انتهى بنصابه

وقد نقَّرنا عن السيرة والسير في كتب متون اللغة، وهي عندنا كثيرة لا يرى أمثالها عند كثيرين من أصحاب خزائن كتب أبناء يعرب ولا في دور أبناء الغرب فلم نظفر بما يفيدنا هذه الفائدة المطلوبة هنا؛ ولكن لها وجه وجيه في اللغة، فقد جاء في كتبنا عن أحد معانيها: السيرة: الميرة. فيكون مجيئها بمعنى مخزن السيرة من باب حذف المضاف وإبقاء المضاف إليه، ومنه الآية: واسأل القرية. ومعناه: أهل القرية. وفي الحديث: (وإن مجلس بني عوف ينظرون إليه أي أهل المجلس على حذف المضاف. وفي الأساس: رأيتهم مجلساً أي جالسين. وعندنا من الشواهد ما يقع في جزء من أجزاء هذه المجلة لكثرتها وسماعها عن الأئمة الأعلام الإثبات الذين لا يشك في فصاحتهم ولا في بلاغتهم، ولا في عروبتهم المحضة

وأما (السَيْر) بمعنى السيرة والميرة التي وردت في (الزردقة) فلم نجدها في كتاب لغة؛ لكنا وجدنا في اللسان والتاج وغيرهما (المَيْر) بالفتح بهذا المعنى عينه. وقد رأينا أن (السيرة) بمعنى (الميرة) وردت في كلام الأقدمين ودواوين اللغة، فتكون (السَيْر) للمَيْر من هذا القبيل أي لغة فيها. فتكون (السيلو) من (السير) عن طريق اليونانية، فقد حكى اللغوي العظيم بوازاق في معجمه أصول الألفاظ اليونانية، أن الأغارقة يقولون للسيلو (مخزن الطعام في ص 866 من تصنيفه البديع (بكسر السين) قابلها (بفتح السين) بمعناها فلم يبق شك في أنهما مثل (سِيرةِِ) و (سَير) بكسر السين في الأول وبفتحها في الثاني والمعنى واحد، ثم نقلها عنهم أهل الغرب جميعاً فقال اللاتيين ونقلها عنهم باللام والإنكليز والفرنسيون والإسبانيون فقالوا سيلو أي (باللام)

ولماذا جعلوا اللام في مكان الراء فلأحد سببين: إما لمقاربة مخرج الراء من اللام فأبدلوا إحداهما بالأخرى، وإما لأنهم سمعوها من بعض العرب من قديم الزمان باللام. فالذين نطقوا بها منذ القديم بالراء جاوروا عرباً يلفظون راءها على أصلها. والذين نطقوا بها باللام كالفرنسيين والإسبانيين والإنكليز جاوروا عرباً يجعلون الراء لاماً. وهذا ما ورد نظائره في كلام السلف الصالح القديم فقالوا: هدر الحمام هديراً وهدل هديلاً، واعرنكس الشَّعر واعلنكس أي تراكم وكثر أصله. والعرجوم والعلجوم، وأربَّ في المكان إرباباً وألب فيه إلباباً: إذا قام به. والشواهد لا تحصى لكثرتها.

الأب أنستاس ماري الكرملي

من أعضاء مجمع فؤاد الأول للغة العربية