مجلة الرسالة/العدد 463/البريد الأدبي
→ من التاج | مجلة الرسالة - العدد 463 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 18 - 05 - 1942 |
حول ابن الرومي وصداقات الأدباء
كتب (ابن درويش) في العدد السابق من الرسالة كلمة يقول فيها ما معناه أنه كشف ثغرة نفذ منها إلى ذكائي، وأنه نسب إلى ابن الرومي بيتين ليسا له وإنما هما من نظمه وفيهما من جنون الفكرة وطلاء التعبير - كما قال - ما عزب فهمهما على فطنة أديبنا الكبير، فمن هم بنو النضر؟ ومن أولئك الألفان الرضع على التحديد. . .؟
ويتفق هذا في الوقت الذي يسألني فيه بعضهم: لم لا يسدد الأدباء الشيوخ خطى الأدباء الشبان. . . فهل من حاجة إلى هذا السؤال أو جواب عليه وهذا واحد من الناشئين يستهدي الأدباء الشيوخ على هذا المنوال؟
ونعود فنقول إن الثغرة التي كشفها صاحب السؤال إنما دلت على شيء لا يريده هو؛ وذاك أن العقاد رجل تلهمه البصيرة ما يكشف النيات قبل أن يكشفها أصحابها، فعرف أن صاحب السؤال عابث لا يجد في طلب الفهم وقال: (إن الأسئلة ضربان: سؤال يوجهه صاحبه وقد اجتهد في أن يعرف غرض الكاتب فهما سائران في طريق واحد، وسؤال يوجهه صاحبه وكأنه اجتهد في نقيض ذلك. ونقيض ذلك هو ألا يعرف غرض الكاتب وأن يتخذ له وجهه غير وجهته وطريقاً غير طريقه، فهما مفترقان لا يتقاربان. وأحسب أن الأديب الذي وجه إلي ذلك السؤال لم يجتهد في معرفة غرضي بمقدار اجتهاده في الحيدة عنه. . .)، فهل أراد صاحب السؤال هذا أو هو لا يعرف ما يريد؟
أما الواقع فهو أنه لا يعرف ما يريد؛ لأنني على فرض تصديقي نسبة البيتين إلى ابن الرومي لم يكن في ذلك شيء يستحق الدلالة عليه أو يستحق عناء التلفيق. فليس مطلوباً مني أن أذكر كل بيت في ديوان ابن الرومي المخطوط الذي لا تتداوله الأيدي؛ وليس مطلوباً من ابن الرومي أن يعتصم شعره من بيتين بالغين أدنى الحضيض من مراتب الرداءة والغثاثة؛ وليس من البعيد أن يكونا منسوبين إليه في بعض كتب الأدب ولا من المستحيل أن يكون راويهما شريفاً مستحقاً للتصديق
فلو صدقت أنا نسبة البيتين إلى ابن الرومي لما كان في ذلك عجب، إنما العجب أن أجزم بالنفي فأتعدى أمانة العلم إلى شعوذة المجون. . . فكيف وقد ألممت بالحقيقة وقلت إنن أذكر أنني قرأت البيتين في الديوان؟
أما كلمة (النضر) التي ظن صاحب السؤال أنها كانت خليقة أن تهديني إلى تأليفه للبيتين فسبب ذلك جهله بمعنى الكلمة لا جهلي أنا بمعناها ومدلولها. وهذان هما البيتان اللتان وردت فيهما الكلمة
سقته ثدي السحب من مرضعاتها ... أفانين مما لم تقطره مرضع
كألفي رضيع من بني النضر ضمنوا ... محاسن هذا الكون، والكون أجمع
فلو كانت كلمة النضر بغير معنى كما توهم صاحب السؤال لجاز أن يعاب معنى البيتين
ولكن (النضر) هو جد بني هاشم، وبنوه هم بنو هاشم من قريش. وعلى هذا يصح أن يكون معنى البيتين أن بستاناً حافلاً بالأزهار التي رضعت ثدي السحب جمع متفرق الجمال كما يجمع بنو هاشم محاسن الكون وهم رضعاء. . . وهذا معنى كما قلت لا يعاب.
نعم هو معنى لا يمكنني أن أعيبه إلا إذا كنت في جهل صاحب السؤال بمعنى كلمة النضر ولست كذلك بحمد الله
وبعد، فإنني أدع لحضرات القراء أن يصفوا هذا السائل بما يستحقه، وأكتفي بأن أستخرج من سؤاله دليلاً آخر لم يرده حين استباح عبثه المعيب. . . ذلك أننا على حق في معاملة أمثاله بما يشكونه وهم عابثون
ولنا عودة إلى صداقات الأدباء، وما كتبه الأستاذ توفيق الحكيم بصددها في مقال تال.
عباس محمود العقاد
مأساة فرنسا للأستاذ الصاوي
الأستاذ أحمد الصاوي كاتب طريف أنيق: ظريف في اختيار موضوعه، وأنيق في ابتكار عرضه. وطرافته في الأداء والوضع، لا يماثلها إلا طرافته في الإخراج والطبع. والصفة الغالبة أو المزية الفارقة فيما ينتجه الأستاذ الصاوي هي الذوق. والذوق ملكة الفنان ومِلاك الفن. وأجمل ما في أسلوبه من صفات البلاغة الإيجاز والحياة والتنوع، وذلك سر ما يشعر به قارئه من الجاذبية واللذة. ولعل صاحب (إبر النحل) قد وصف نفسه أصدق الوصف بهذا العنوان؛ فهو في رياض الأدب والفن تلك النحلة التي لا تنفك طائفة على الزهر، أو عاكفة على الرحيق، تلسع أحياناً وتغسل دائماً؛ وهي في لسعها وعَسلها تدافع عن الخير وتنتج الخير
(مأساة فرنسا) هي كما قال الأستاذ الصاوي وثائق (يمكن مع التسامح أن تعد شبه دائرة معارف شائقة لهذه الحرب، تشمل الحوادث الطريفة والأسرار الخفية التي لا تنشرها الصحف من حربية وسياسية واقتصادية ونفسية - إلى أعمال الجاسوسية والدسائس والمنافع والفتن التي تهدم البلدان من الداخل - معروضة بطريقة نزيهة واقعية. وهي ملخصات كتب شهود عدول من أعظم كتاب العالم)
وذلك هو الوضع الصحيح لموضوع هذا الكتاب؛ أما أسلوبه ومعرضه وشكله فتمثيل وتفصيل لما ذكرناه وأجملناه في صدر هذه الكلمة.
الزيات
بين ديكارت وابن يعيش
نعلم كيف أثبت ديكارت وجود نفسه، فقد قال: أنا أشك فأنا أفكر، فأنا إذن موجود.
وبالأمس كنت أقرأ في شرح ابن يعيش على مفصّل الزمخشري فوقفت فيه على قوله: (. . . ألا ترى أنك إذا قلت: عدمتُني، فمعناه علمتُني غيَر موجود. ومحال أن تعلم شيئاً وأنت غير موجود، لأنك إذا علمت كنت موجوداً، وصحته على الاستعارة) ص88 ج 7 ط المنيرية (ولا طبعة مصرية غيرها فيما أعلم).
فأنت ترى أن ابن يعيش المتوفى سنة 643 هـ سبق ديكارت الذي عاش في النصف الأول من القرن السابع عشر (1596 - 1650) إلى الشعور بالفكرة التي قام عليها عمود من أعمدة فلسفة أبي الفلسفة الحديثة.
سبق أبنُ يعيش ديكارت إلى الشعور بهذه الفكرة، ولكن ديكارت جاء بعد ذلك فصاغها في منهج فلسفي متين، فكان هذا الفرق بينهما.
أفلا يوحي هذا بالا نتهم الشرق بقصور عقله وألا نغالي في تمجيد عقل الغرب؟
المنهج وحده هو الذي ينقص الشرق.
السيد يعقوب بكر رفع عيسى
قرأت في العدد (462) من مجلة الرسالة الغراء فتوى فضيلة الأستاذ الجليل محمود شلتوت في رفع عيسى عليه السلآم، فوجته يذهب فيها إلى ما رآه بعض المفسرين من أن الرفع كان بعد الوفاة، لقوله تعالى (إني متوفيك ورافعك إلي) وقد رأى فيها أن المراد رفع المكانة لا رفع الجسد، ولو حمله على رفع روحه إلى الملأ الأعلى لكان أولى وأقرب
ولكني أرى مع هذا أنه إذا كان لهذا الرأي ما يرجحه مما جاء في تلك الفتوى، فإن للرأي الآخر المشهور وجوهاً ترجحه أيضاً، لأن الثابت من التاريخ أن أمر عيسى عليه السلام قد انتهى في اليوم الذي وقع فيه الصلب على من شبه به، فإذا كان عيسى عليه السلام قد توفي في ذلك اليوم ولم يرفع جسده إلى السماء، فإن إلقاء شبهه على غيره وصلبه بدله لا يكون مفهوماً من الناحية التاريخية، لأن وفاته تحقق الغاية التي يطلبها خصومه من صلبه، فلا يكون هناك داع إلى ما حصل من ذلك الصلب، بل إن إلقاء الشبه على غيره في هذه الحالة لا يمكن قبوله، لأن موته لا يجعل سبيلاً إلى اشتباه غيره به، وكل هذا على الرأي المشهور ظاهر كل الظهور، وقد أجابوا عن الآية السابقة بأن واو العطف فيها لا تقضي ترتيباً، فمن الجائز أن يكون توفي بعد الرفع، ومن الجائز أن تحمل الوفاة على النوم، كما قال الله تعالى: (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها)
وإني أرى بعد هذا أن الأجدر بنا ترك الاشتغال بمثل هذه المسائل، لأنه لا يضرنا في ديننا أن يكون عيسى قد توفى ولم يرفع جسده، ولا أن يكون جسده قد رفع حياً، فذلك أقرب إلى أن يكون من الغيب الذي استأثر الله بعلمه، لأنه حصل بدون أن يراه أحد، فكان سراً لا يعلمه إلا الله تعالى ومن وقع له.
عبد المتعال الصعيدي
كم ذا يكابد عاشق
قرأت كلمة الأستاذ المفضال (إبراهيم أبو الخشب) بالرسالة يسأل فيها عن حكم (ذا) في مثل هذا التعبير
وأعتقد أنها زائدة على رأى من يجيز زيادة الأسماء وكما قرر الخضري في حاشيته على ابن عقيل عند الكلام على (ذا) في باب (الموصول) وعليه خُرّج قول الشاعر:
دعي ماذا علمت سأتقيه ... ولكن بالمغيّب خبريني
في أحد قولين
ويجوز أن تكون اسماًَ موصولاً (على رأى الكوفيين فإنهم لا يشترطون في موصوليتها أن يسبقها (ما) أو (من) كما ورد في الخضري والصبان)
وعلى الوجه الثاني تكون (كم) استفهامية مراداً بها التهويل ويكون الكلام على حذف مضاف والتقدير (كم مقدار ما يكابد. . .) أو لا حاجة إلى التقدير فإن الاسم الموصول (ذا) مدلوله متعدد بقرينة المقام
وعليه يُخرّج قول أبي الطيب:
وكم ذا بمصر من المضحكات ... ولكنه ضحك كالبكا
ولعل في هذا مقنعاً الأستاذ (أبي الخشب)
(المنصورة)
محمود البشبيشي