الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 461/القصص

مجلة الرسالة/العدد 461/القصص

بتاريخ: 04 - 05 - 1942

َصْصُ

الآخر. . .

للكاتب القصصي أرثور شنيتزلر

وحدي!. . . وحدي!. . .

أنا جالس إلى منضدتي، والمصابيح تتقد. . . والباب المؤدي إلى غرفتها مفتوح، ونضري يسبح في ظلام الغرفة. . . الأضواء المشعشعة المنبعثة من الدور المقابلة تنعكس على زجاج نافذتي. . . يا الله!. . . كل شيء قد تبدل، وأي تبدل!. . . كانت تسبل بعناية ستائر مكتبي، وتدني بعضها من بعض لتمنع عن تقاربنا، في غيرة لا توصف ضوضاء الشارع والأنوار المجاورة. . .

الساعات تمر، طفت في غرفتي، ثم طفقت أطوف في غرفتها فتمددت على كرسيها الطويل بدون حراك، وأخذت أصوب نظري إلى النافذة، التي تكشف لي عن عالم أصبح بعدها عديم الأهمية. . . ثم وقفت إلى منضدتها، وتناولت بيدي أقلامها الحبرية والرصاصية التي لما تزل تعبق بأريج أناملها. . . انحنيت بعد ذلك على الموقد المطفأ وشرعت أحرك الأوراق والفحم، فكان كل ذلك، وقد استحال إلى رماد، يصر صريراً محزناً، عندما يلامسه المحرك الغليظ الفظ. . .

أذهب كل صباح إلى المقبرة! الخريف المتأخر تنيره شمس باردة، وقحة. . . لا أكاد أبصر الجدار الأبيض عن بعد، حتى أشعر بحرقة في عيني. . . أطوف بين صفوف الأضرحة أراقب الذين يصلون ويبكون، أصبحت أعرف بعضهم، وما يدهشني هذه الطريقة المتشابهة التي تكاد تكون هي هي عند الجميع وتلك الحركات التي يكررها كل منهم كل مرة بدقة فائقة. . . أصبحت أعرف تلك الغادة التي تتهالك عند أقدام ضريح يعلوه صليب، فتجهش في البكاء، وتذرف ذات الدموع، تضع ذات أزاهير البنفسج على الأرض المبللة، ثم تنهض وقد راق لون محياها بعض الشيء، وتنطلق تعدو، حتى تبتعد عن المقبرة بخطوات سريعة، ثابتة. . . أنها تبكي شاباً قضى في الرابعة والعشرين. . . خطيبها بدون شك. . .

ولكن؟. . . كيف تقوى على النهوض؟. . . ومن أي ينبوع تستقي ذلك العزاء الذي يلمع في نظراتها كلما همت بالذهاب؟. . . لشد ما أريد أن أتبعها، وأن أصرخ في وجهها: (لا عزاء أيتها المجنونة البائسة!) ولكن. . . وأنا. . . أنا وقد اعتدت أن أحج كل يوم إلى هنا. . . عم أبحث إذن؟. . .

أولئك النساء ذوات البراقع الحريرية، والقفازات السود، يضايقنني كثيراً. . . لا ريب أني مثلهن، شاحب اللون، منتفخ الأجفان، ولكني وأنا ثمل بشيء سام، منقطع النظير، لا أتحمل هذا التأثر الذي يرتسم على وجود الآخرين، فأنظر بشيء من الحسد إلى كل من تهزه الرعشة التي تهزني. . .

والآن، فإن ثائرتي لتثور لمجرد الافتكار بأن جميع هؤلاء الذين يتيهون بين الأضرحة يفترسهم نفس الألم الذي يفترسني، ذلك الألم الخالد الذي نعجز عن التعبير عنه! أوه! يا للرحمة!. . . جميعهم يتألمون كما أتألم، والأيام تمر، فتجلب أفكاراً جديدة. . . وتبعث آمالاً جديدة. . . وتعيد بصورة أكيدة، ربيعاً ينشر خضرته الصفيقة أمام أبصارنا. . . فيعود الهواء فاتراً، وتعود الأزهار تعطر الجو بأريجها. . . وتعود النساء تبتسم كما كانت تبتسم من قبل. . . فنخدع عن أنفسنا مرة ثانية. . . نخدع عن أنفسنا، وننسى حزننا!!

أقف دائما على بعد بضع خطوات من النجف الذي يواريها. . . عندما يوضع الحجر أستطيع أن أتكئ على درجات الضريح الباردة، وأستطيع أن أنحني على قبرها، وأن أجثو أمامه. . . أما الآن فلا أجرؤ على الاقتراب خشية أن ينهال الحصى على نعشها. . . ورغم ذلك، تنتابني بعض الأحيان رغبة شديدة، لا تقاوم، للارتماء على ذلك النجف، ونبشه بأصابعي. . . إن ألمي لا يعرف الصبر، ولا يجد إلى العزاء سبيلاً. . . إنه ألم وحشي تصطك له أسناني. . . أصبحت أبغض كل شيء. وجميع الناس وعلى الأخص أولئك الذين يتألمون مثلي!!!

هؤلاء الرجال والنساء، والأطفال، الذين أصادفهم كل يوم يثيرون حفيظتي. . . ليتني أستطيع أن اطردهم. . . إن الحزن ليضيّق علي الخناق وبصورة خاصة، عندما يخطر لي أن أحدهم ربما كان قد زار المقبرة للمرة الأخيرة البارحة إذ أحست بسكون ألمه، ولاحظ أنه يخف من يوم لآخر، وهو يعود من مدينة الأموات فعاد منها لا يتألم. . . واستيقظ مع الصباح باسماً!. . . آه!. . .

كم أبغض أولئك الذين يستعيدون ابتسامهم!!!

هل يأتي يوم استعيد فيه أنا أيضاً ابتسامي؟. . . وأنسى؟. . . أن ذكرى شبابي لا تكاد تفارقني: إني لأرى نفسي وقد اجتزت الغابة إلى جانبها. . . كان لابد لي أن أكون سعيداً جداً، وقد كنت بالفعل سعيداً جداً. . . ولكن هنالك لحظات تلتهم في أحشائها كل شيء، تلتهم المستقبل والماضي لأنهما الخلود نفسه!

لم اكن قط من أولئك المتنزهين الهادئين الذين يعبرون الطريق، ويتوغلون في الحقول، ويتمددون بلطف في ظلال الدوح، ليستروحوا النسمات البليلة التي ينعشهم بها صباح منوّر كلا! لم أكن من هؤلاء، وإنما كنت أتسلّق الأشجار، لاستكشف آفاقاً أوسع، وكنت أشاهد الطريق إذ ذلك تتوارى في السهول البعيدة، حيث يحتضر الربيع. . .

في هذه الغرفة، وإزاء هذه النافذة ذاتها، التصقت بي ذات يوم، أخذت تعانقني وتقبلني. . . رعشة باردة هزتني. . . الدقائق، الساعات، الأيام، السنون، كل ذلك طفق يهرب مسرعاً، مسرعاً. . . انتهى عهدنا، دب إلينا الهرم. . . أدركتنا النهاية. . . مثل هذه الأفكار كنت ادنِّس حبنا، باعترافي بقابليته للزوال والفناء، وهكذا كنت ادنِّس ألمي الآن، بتفكيري بأنه قد يأتي يوم استعيد فيه ابتسامي!

ولكن من هو هذا الرجل، ذو الشعور والنظرات الكئيبة؟ ومن يبكي؟. . . انه ليزور كل يوم ضريحاً بجوار ضريح امرأتي. . . وانه ليلفت أنظاري إليه، لأني لم استطع أن أبغضه كالآخرين. . . إنه يأتي كل يوم قبلي، ولا يفارق موقفه حتى بعد ذهابي. . . وقد اكن من الممكن إلا اشعر بوجوده لو لم ألمحه ذات يوم يرمقني بحنان زائد، اربكني وأزعجني. . . فتفرست في وجهه، ولكنه حوله عني شيئاً فشيئاً، ثم راح يبتعد وهو محاذ للجدار. . . من المرجح أنني عرفته قبل اليوم. . . إن وجهه ليس غريباً عني. . .

أين رايته إذن؟. . . في سفر؟. . . في مسرح من المسارح أو شارع من الشوارع؟. . . يخيل إلي انه يشعر بحزني بصورة غريزية. ولعل حزناً كحزني يمضه. . . هذا الافتراض يفسر نظراته التي لا أجد إلى نسيانها من سبيل. . . انه شاب وجميل!

ها قد جلست مرة أخرى إلى منضدتي، أزهار ذابلة تكتنف رسم المرأة التي كانت قرينتي، بل سعادتي، بل دنياي!. . . بدأت افهم الأشياء وأقدرها. . . الأيام التي عشتها أخيراً غشّت على عقلي. . . ولكني انتهيت بأن وجدت نفسي. .

للمرة الأولى منذ شهر، عزمت على أن اشغل نفسي بشيء، أن التمس مكتبتي، أن أنظر في بعض الأوراق، أن أفكر. . . ولكني لم افعل شيئاً من ذلك. . . بل عدت إلى المقبرة. . . كان الليل قد شرع ينشر أجنحة السوء، ولم يكن في المقبرة أحد. . . للمرة الأولى جثوت على ضريحها، وطفقت اقبل الأرض التي حنت عليها فوارتها بين تضاعيفها. . . أخذت أبكي: نعم بكيت لا صوت. . . لا نأمة. . . صمت رهيب. . . هواء ساكن، بارد. . . ثم نهضت التمس الخروج بين صفوف الأضرحة من جهة الكنيسة. . . لا أحد. . . كان القمر يسكب ضوئه على الصلبان والأحجار بصورة لا يمكن أن يفوتني معها وجود شخص ما. . . فلما هممت بالذهاب، صادفت امرأة في نقاب الحزن، وفي يدها منديل. . . إني أعرف النساء. . . كانت الطريق العريضة المؤدية إلى المدينة بيضاء تحت أشعة القمر، وكنت اسمع وقع خطواتي، لم يكن هنالك من يتبعني، وهكذا بلغت منفرداً أطراف المدينة حيث استقبلتني منازل الضواحي، والفنادق، وتردّدت في أذني أصداء الجلبة والضوضاء. . .

أشعر بشيء من التحسن في حالتي. . . الآن وقد عدت، أحس برغبة ملحة ذهبت عن خاطري منذ عهد طويل، أحس برغبة قوية لفتح نافذتي، لأسمع جلبة الشارع، بل لأسمع أصواتاً بشرية، ولكن الليل شاخ وصمت. . . وأناملي تكاد تجمد وأنا أخط هذه السطور. . . والضوء يضطرب رغم سكون الهواء. . .

كنت مستنداً إلى جدار المقبرة وكانت تحجبني عنه صفصافة ضخمة، وقد بكّرت كثيراً لأكون الأول، فأدركت المقبرة وفي غرفة الحضار مصباح. . . توافد بعدي كثيرون، نساء على الأخص. . . وفجأة. . . هو!. . .

اقترب بهدوء من المكان المعتاد، بعينيه الواسعتين، الحزينتين، ثم جثا على قدميه، فبذلت قصارى جهودي لأراه جيداً. . . وإذا به يجثو على ضريح امرأته!!!

انقطعت عن كل حركة. . . وشعرت بأنفاسي تتردد لاهفة، متقطعة!. . . وأحسست بأصابعي تتشنج على أغصان الصفصافة. . . مرت دقائق لم يكن يصلي. . . ولم يكن يبكي. . . وأخيراً نهض وراح يطوف بين الأضرحة بدون وجهة معينة كما كان من عادته أن يفعل. . . فاقتربت من الضريح، ووقفت على مقربة منه مستنداً إلى حاجز حديدي يكتنف ضريحاً آخر، وإذا به يعود من ناحيتي وينظر إليّ بهدوء. . . ثم يستأنف سيره. . . ويمر. . . أردت أن أتقدم منه وان أسأله، ولكني لم افعل بل ظللت أُشيّعه بأنظاري زمناً طويلاً إلى أن اختفي وراء الكنيسة. . .

لا أعرف بماذا كنت اشعر، ولا أعرف بماذا اشعر الآن! ولكن سيأتي يوم، ربما كان غداً أراه فيه، وأستفسره وأعرف كل شيء!

آه يا لها من ليلة! لا أجد إلى الرقاد فيها من سبيل! أن الساعة لما تزل دون الواحدة بعد. . . فلماذا لا أعود إلى المقبرة؟ ولكن ماذا أستطيع أن افعل هناك. . . إلا بضع ساعات صبر! بضع ساعات فقط، وجنوني يعرف له حداً. . . ويتضح كل شيء اجل على ضريح امرأتي! هنالك رايته مرة ثانية!

كنت على خطوات ممدودة منه، فلماذا لم انقضّ عليه؟ ولماذا لم اقطع عليه الطريق عندما شاهدته يبتعد؟

أليس من حقي أن أسأله عن اسمَه؟ وممن أستطيع أن استفهم إذا لم استفهم منه؟

حين حاول تخطي الباب تبعته، ولكن يظهر انه أحس بي اجل لست مخطئاً. لابدّ أن أحسَ بي، إذ حث خطاه مسرعاً، فحثثت خطاي أنا كذلك. ولكني عندما أدركت الباب كان قد غاب عن ناظري، ثم لم ألبث أن أبصرته ثانية يستقل سيارة، حتى إذا صعد إليها انطلقت تعدو به مسرعة. . . ولم تكن هنالك سيارة أخرى، فطاردته راجلاً، ولكنه لم يلبث أن بعد عني كثيراً، فوقفت أشيعه بنظراتي مدة غير قصيرة. كانت الطريق مستقيمة، فما زلت أراقبه عن بعد حتى اختفت السيارة، وتوارت عن الأبصار.

من هذا الرجل الذي يجثو على ضريح امرأتي؟ ومن يكون لها؟ كيف أعرف ذلك؟ وكيف أراه ثانية؟ آه. . . إن ماضيّ بأسره ليتفكك ويتحدد. . . إن ماضيّ بأسره لتعبث به يد المسخ والتشويه!

هل أنا مجنون؟ أم من الممكن أن لا تكون قد أحبتني؟. . . ألم تكن تقف وراء هذا الكرسي؟. . . وتضع شفاهها على جبيني؟ وتلف ذراعيها حول عنقي؟. . . ألم نكن سعيدين معاً؟ ولكن من يكون هذا الشاب الأشقر الجميل، إذن؟. . . ولماذا بدأ لي أن محياه ليس غريباً عني؟. . . أنه ليخيل إلي الآن أني شاهدته مراراً في المسارح والمغاني، جالساً تجاهنا، ونظره عالق بامرأتي لا يكاد يحيد عنها!. . . ألم يكن هو الذي وقف ذات يوم عند مرور سيارتنا، وتبعنا زمناً طويلاً بنظراته؟ من هو إذن؟ من هو؟ من؟ من؟. . . أيكون عاشقاً (أفلاطونياً) لم تعرفه هي؟ ولن تمل إليه قط؟. . . لو كان الأمر كذلك لعرفته أنا أيضاً، إذ كان لابد له أن يبحث عن وسائل يرانا بها في المجتمعات، ويتحدث إلينا. . . ولكن كلا. . . لعّله كان يحذرني. فتعرّف على امرأتي ولم يتعرف على، وتبعها في الشوارع وتجرأ على توقيفها. . . كلا!. . . لو جرى شيء من ذلك لكانت أعلمتني به. . . ولكن هل كانت تعلمني به؟. . . أليس من الممكن أن تكون أحبته؟. ولكنها كانت تحبني!. كانت تحبني؟. من أين لي هذه الثقة؟ إلا إنها كانت تقول لي ذلك؟. جميع النساء يقلن ذلك! والخبيثات يسرفن فيه أكثر من الطاهرات أوه! لابد لي من إيجاده والاستفسار منه. ولكن إذا كانت قد أحبته، فبماذا يجيبني؟ أني أزور ضريحها لأني كنت أحبها، ولكنها لم تعرف ذلك قط! وهل أستطيع أن أضطره إلى الاعتراف بالحقيقة؟ فما العمل إذن؟

وهل أستطيع أن أستأنف الحياة على هذه الصورة؟ لم أشاهده طيلة ثلاثة أيام. كنت أذهب كل يوم ولكنه لم يكن يأتي. . . الحفَّارون يجهلون أسمه، لا يعرفه أحد. . . لعله سافر. ولكنه لابد له أن. . . لابد له أن. . . وإذا كان قد توفي وإذا كان قد توفي؟ لأنه لا يستطيع أن يحيى بدونها! أه. إن هذا الافتراض ليبعث على الضحك، أيكون هنالك رجل أخر لا يستطيع أن يحيا بدونها؟

ليس لي سوى رغبة واحدة، وهي أن أقول له: سيدي المحترم، لا تذهب في تفجعك عليها إلى هذا الحد، إذ من المحقق أنها أحبتني أنا أيضاً!) أريد أن أجعله غيوراً. . .

قذفت برسمها تحت منضدتي. . . هو ذا في وسط الغرفة، على الأرض بين رسائلها المبعثرة، بين تلك الرسائل التي كانت تحفظها في خزائنها وأدراجها. . . فتحتها كلها، ونبشت فيها. . . ماذا وجدت؟. . . رسائل كنت بعثت بها إليها. . . وأزهاراً كنت قدمتها إليها. . . وأشرطة حريرية. . . وتذكارات. . .

لعل بين تلك الأزهار زهرة مقدمة من قبله. . . كيف الوصول إلى معرفة ذلك؟. . . وماذا كنت أبغي العثور عليه؟. . . وهل تحتفظ المرأة بشيء يمكن أن يخونها ذات يوم؟ أفرغت جيوبها. . . قلبت أثوابها. . . باحثاً. . . منقباً. . . عن ورقة رقيقة تكون قد نسيتها سهواً. . . ولكنها لم تكن قد نسيت شيئاً!

لم أعد بعد ذلك إلى المقبرة وأصبحت أرتجف لمجرد التفكير بمشاهدة ذلك الضريح مرة أخرى!

أحيا الآن ساعات أخف وطأة من قبل، لأن الأيام الأولى قد عبرت دون أن يصاب عقلي بخلل، فعليّ أن أمتنع بعدم إمكان معرفة الحقيقة أبداً.

كم أحسد الرجال الذين يعرفون أن نساءهم تخونهم، إذ أنهم متأكدون من مصيبتهم على الأقل! وكم أحسد أولئك الذين إذا أمضهم الشك، استطاعوا أن يراقبوا نساءهم، على رجاء أن تخونهن كلمة، أو نظرة، أو حركة، أو إشارة!

أما أنا فقد قضي علي ألا أستطيع شيئاً من ذلك قط، لأن الضريح أبكم لا يبدي ولا يعيد!

ويتفق لي أحياناً أن أهبّ في الليل من نومي، مذعوراً، يرهقني كابوس هائل لعلني دنست ذكرى امرأة طاهرة، وزوج مخلصة! أه!. . لو أستطيع أن أحب ذكرى تلك المرأة التي منحتني ذلك المقدار العظيم من السعادة!

وأه! لو أستطيع أن أبغض ذكرى تلك المرأة التي خانتني، وعبثت بشرفي وكرامتي!

أعدت رسمها إلى منضدتي. رفعته من الأرض ووضعته في مكانه المعتاد. ولكن لماذا لا أستطيع أن أعبدها و. . . أن أجثو أمام رسمها كما أجثو أمام رسم قديسة، وأجهش في البكاء؟

ولماذا لا أستطيع أن أحتقرها؟ وأن أمزّق هذا الرسم؟ وأن أدوسه بنعالي؟

طيلة ليال عديدة لبثت أحدق النظر في هاتين العينين الصامتتين، الباسمتين، المحاطتين بالرموز والألغاز!

ايزاك شموس