الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 458/من غزل الملوك

مجلة الرسالة/العدد 458/من غزل الملوك

بتاريخ: 13 - 04 - 1942


للأستاذ عبد الله مخلص

كنتُ أعددت بعض فصول من كتاب باسم (العاطفة عند العرب) وبينها فصل عنوانه سلطان الحب وحب السلاطين فرأيت أن أنقل شيئاً منه لقراء الرسالة ترويحاً عن نفوسهم المكروبة في هذه الأيام السود. قال سليمان بن الحكم المرواني الملقب بالمستعين وهو من بني أمية:

عجباً يهاب الليث حدّ سناني ... وأهاب سحر فواتر الأجفان

وأقارع الأهوال لا متهيّباً ... منها سوى الإعراض والهجران

وتملكت نفسي ثلاث كالدمى ... زُهر الوجود نواعم الأبدان

ككواكب الظلماء لحن لناظر ... مْن فوق أغصان على كثبان

حكّمت فيهن السلو إلى الصبا ... فقضى بسلطان على سلطاني

فأبحن من قلبي الحمى وتركنني ... في عز ملكي كالأسير العاني

لا تعذلوا مَلكاً تذلّل للهوى ... ذلّ الهوى عزّ وملك ثاني

ما ضر أني عبدهن صبابة ... وبنو الزمان وهن من عبداني

إن لم أطع فيهن سلطان الهوى ... كلفاً بهنّ فلستُ من مرّان

وقال الخليفة هارون الرشيد العباسي يرثي جاريته هيلانة:

فارقت عيشي حين فارقتها ... فما أبالي كيفما كانا

كانت هي الدنيا فلما ثوت ... في قبرها فارقت دنيانا

قد كثر الناس ولكنّني ... لست أرى بعدك إنسانا

وكان للخليفة المأمون العباسي جارية بارعة الجمال ظريفة حاذقة بالغناء ونظم الشعر تدعى عريب وقد كان اشتراها من أخيه المعتصم بمائة ألف دينار ثم أعتقها، وكان المأمون شديد الكلف عظيم الشغف بها فقال مداعباً لها:

أنا المأمون والملك الهمام ... على أنى بحبّك مستهام

أترضي أن أموت عليك وجداً ... ويبقى الناس ليس لهم إمام

فقالت يا أمير المؤمنين والدك أعشق منك حيث قال: ملك الثلاث الآنسات عناني ... وحللن من قلبي بكل مكان

مالي تطاوعني البرية كلها ... وأطيعهنّ وهنّ في عصياني

ما ذاك إلاّ أنّ سلطان الهوى ... وبه قوين أعزّ من سلطاني

ويرى القارئ أن الرشيد أغار على أبيات ابن الحكم الأموي

وقال المعز لدين الله الفاطمي:

لله ما صنعت بنا ... تلك المحاجر بالمحاجر

أمضى وأقضي في النفو ... س من الخناجر في الحناجر

ولقد تعبت ببينكم ... تعب المهاجر في الهواجر

وقال أيضا:

أطلع الحسن من جبينك شمساً ... فوق ورد في وجنتيك أطلاَّ

وكأن الجمال خاف على الور ... د جفافاً فمدّ بالشعر ظلاَّ

وقال السلطان سليم - بن السلطان بايزيد العثماني - فاتح مصر:

لولا الإله وحرّ نار جهنمَّ ... لعبدتُه وسجَدتُ بين يديه

وهذه أشعار بعض الأمراءِ والوزراء الذين كانوا ملوكاً بالفعل في إدارة الممالك وعبيداً في دولة الحب

قال الأمير عبد الله بن طاهر بن الحسين من أمراءِ الدولة العباسية:

نحن قوم تليننا الحدق النج ... ل على أننا نلين الحديدا

طوع أيدي الظباء تقتادنا العي ... ن ونقتاد بالطعان الأسودا

نملك الصيد ثم تملكنا البي ... ض المصونات أعيناً وخدودا

تتقي سخطنا الأسود ونخشى ... سخط الخشف حين يبدى الصدودا

فترانا يوم الكريهة أحرا ... را وفي السلم للغواني عبيدا

وقيل إن هذه الأبيات هي لأصرم بن حميد ممدوح أبي تمام

وقال محمد بن عبد الملك الزيات الوزير العباسي:

صغير هواك عذّبني ... فكيف به إذا احتنكا

وأنت جمعت من قلبي ... هوًى قد كان مشتركاَ وحسن رضاك يقتلني ... وقتلي لا يحلّ لكا

أما ترثي لمكتئبٍ ... إذا ضحك الخِليّ بكا

وقال سيف الدولة علي بن عبد الله حمدان صاحب حلب يصف حجزه إحدى جواريه في قلعةٍ عندما خاف عليها:

راقبتني العيون فيك فأشفق ... ت ولم أََخلُ قطّ من إشفاقِ

ورأيت العدوّ يحسدني في ... ك مجدّاً بأنفس الأعلاقِ

فتمنيتُ أن تكوني بعيداً ... والذي بيننا من الودِّ باقِ

ربّ هجرٍ يكون من خوف هجرٍ ... وفراق يكون خوف فراقِ

وقال طلائع بن رزيك من وزراء الدولة الفاطمية من أبياتٍ:

الناس طوع يدي وأمري نافذ ... فيهم وقلبي الآن طوع يديه

فاعجب السلطانٍ يعمّ بعدله ... ويجور سلطان الغرام عليه

والله لولا اسم الفرار وإنه ... مستقبح لفررتُ منه إليه

عبد الله مخلص