مجلة الرسالة/العدد 454/فوق االحياة
→ المصريون المحدثون | مجلة الرسالة - العدد 454 فوق االحياة [[مؤلف:|]] |
غَيران. . . ← |
بتاريخ: 16 - 03 - 1942 |
إِنِّي احْتَرقْتُ وَلَمْ تَدَعْ أَشْلاَئِي ... نِيرَانُ تِلْكَ الْحَسْرَةِ الْهَوْجَاءِ
قَدْ أَوْغَلِتْ بِي نَزْعَةٌ مَدْفُوعَةٌ ... نَحْوَ الْكَمَالِ تَمُدُّ في بُرَحَائي
إِذْ أَنَّ مَا يَسْبِي قُلُوبَ النَّاسِ لاَ ... أَلْقَاهُ حَتَّى فِي ذُيُولِ سَمَائي
أَقْبَلْتُ مِلَْء دَمِي عَلَى الدُّنْيَا وَفي ... قَلْبِي حَيَاةٌ جَمَّةُ الأَهْوَاءِ
وَطَرَحْتُ أَعْوَاِمي عَلَيْهَا شَادِياً ... مُتَنَقَّلاً في الزَّرْعِ والصَّحْرَاءِ
وَنَزَعْتُ عَنِّي كُلَّ مَعْنًى كاَذِبٍ ... وَنَشَدْتُ وَجْهَ النُّورِ في الظَّلْمَاءِ
وَتأَمَّلتْ رُوحِي أَسَارِيرَ الدُّجى ... وَتَغَلْغَلَتْ في ذَاتِهِ السَّوْدَاءِ
وَإِذَا الرِّياحُ تَقُولُ لِي في نُصْحِهَا: ... قِفْ أَيُّهَا السَّارِي إِلى التَّيْهَاءِ!
مَنْ لَمْ تَشُقْهُ اْلأَرْضُ وَهْوَ مُكَبَّلٌ ... نَبَذَتْهُ عَنْهَا عِبْرَةَ الأَحْيَاءِ!
تِلْكَ السُّدُودُ أَقَامَهَا فَوْقَ الثّرَى ... رَبُّ الْوُجُودِ وَضَارِبُ الْجَوْزَاءِ
قُلْتُ اهْدئَي يَا رِيحُ مَا أَنَا مُسْرفٌ ... مُتَطَلِّبٌ في الصَّخْرِ دَفْقَةَ مَاءِ!
وَطَفِقْتُ أّخْبِطُ في الظَّلاَمِ مُنَقِّباً ... عَمَّا وَرَاَء اللَّيْلِ مِنْ أَشْيَاءِ
حَتَّى بَدَا لِي خَلْفَ أَحْجَارِ الدُّجى ... نَهْرٌ يَعِجُّ بأَعْذَبِ الأَضْوَاءِ
وَنَهَلْتُ مِنْهُ فَاكْتَمَلْتُ كَأَننِي ... أَصْبَحْتُ أَسْمَى مِنْ بَنِي حَوَّاءِ
وَتَأَلَّقَتْ مِنْ حَوِلهِ لِي جَنَّةٌ ... عُلْوَّيةٌ مَطْلُوَلَةُ الأَرْجَاءِ
هِيَ عَالَمُ اْلُمُثلِ الرَّفِيَعةِ صَاَغَهَا ... (فَوْقَ الْحَيَاةِ) تَدَفُّقُ الإِيحاَءِِ
أَظْلاَلُها فَوْقَ الزُّرُوعِ مَدِيدَةٌ ... وَنَسِيمُها مُتَعَطِّرُ الأَحْنَاء
وَطَيُورُهَا ذَهَبِيَّةٌ مَسْحُوَرَةٌ ... تَشْدُو فَيَهْتَزُّ الْفَضَاءُ إِزَائي
وَأَخَذْتُ أُرْشِدُ َمْن أُحبُّ إِلى السَّنَى ... وَمَسَابِهِ، وَالنَّهْلَةِ الْبَيْضَاءِ
وَاْلَحَقِّ وَالْخَيْرِ الْذِي يَمْشِي عَلى ... رَبَوَاتِ تِلْكَ الْجَنَّةِ الْعَذْرَاء
لَكِنَّهُم ضَجَّتْ بِهِمْ أَرْوَاحَهُمْ ... ظَمْأَي إِلى الأَوْحَالِ وَالأَنْوَاء
عَادُوا وَفي أَلْبَابِهِمْ لِي لَعْنَةٌ ... مَكْنُوَنةٌ كالسُّمِّ فِي الرَّقْطاَء
قَالوا لقَدْ عِشْنَا عَلَى الدُّنْيَا كَمَا ... شِئْنَا وَشَاَءتْ رِبْقَةُ الأَحْيَاء
مسُتْعَذِ بيِنَ قُيُوَدنَا لاَ تَنْجَليِ ... عَنَّا عَمَايَةُ هذِهِ الظَّلْمَاء
تِلْكَ الْحَوَاجِزُ لاَ نُحِبُّ عُبُورَهَا ... نَحْوَ الّذِي نَخْشَاهُ مِنْ أَجْوَاء ياَ أَيُّهَا الْمَجْنُونُ! إِنَّكَ شَاعِرٌ ... يَقْتَاتُ مِنْ أَوْهَامِهِ الْحَسْنَاءِ
اذْهَبْ فَلاَ كاَنَتْ لَكَ الدُّنْيَا وَعِشْ ... في بُرْجِكَ الْمَمْلُوءِ بِالْخُيَلاَء!
لَكِنَّنِي نَادَيْتُ مِنْ عَلْيَائِي ... مُسْتَعْصِما بِالذِّرْوَةِ الْقَعْسَاءِ:
الْبَرْقُ يُكْسِبُنِي الْتِماَعاً إِنَّنِي ... أُفُقٌ فَضِجُّوا في رِحَابِ فَضَائي!
وَالنَّارُ تَمْنَحُنِي حَيَاةً إِنَّنِي ... ذَهَبٌ فَبُثُّوا النَّارَ في أَحْشَائي!
عبد الرحمن الخميسي