مجلة الرسالة/العدد 454/البريد الأدبي
→ غَيران. . . | مجلة الرسالة - العدد 454 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
القصص ← |
بتاريخ: 16 - 03 - 1942 |
التعاون الثقافي بين مصر والعراق
أقامت المفوضية العراقية بالقاهرة حفلة شاي دعت إليها جمهورا كبيراً من رجال التربية والتعليم بمناسبة انتهاء (مؤتمر تدريس العلوم)، وقد اشتركت فيه الحكومة العراقية بإيفاد اثنين من رجالها الفضلاء: هما الدكتور الجمالي والدكتور عقراوي. أما الحكومة السورية، فقد اعتذرت بخطاب كريم نصت فيه على أن ضيق الوقت حال بينها وبين ما تريد من الاشتراك، وتمنت أن يديم الله على رجال العلم في مصر نعمة التوفيق
وفي الحفلة دار الحديث حول نشاط أعضاء المؤتمر فقلت: أن الذي شرح صدري هو أن أرى وزير العراق المفوض يحضر جميع الجلسات وعلى صدره شارة المؤتمر؛ فقال الدكتور عقراوي: هذا اقتداء بالتقليد الذي سنه صاحب سمو الأمير عبد الإله الوصي على عرش العراق، فهو يحضر جميع المحاضرات التي تلقى في بغداد باسم التعاون الثقافي بين مصر والعراق وفي معيته جمهور من الوزراء والنواب والأعيان، وتلك االتفاتة نبيلة تبين لك عظمة ذلك الأمير الجليل
وانتهزت الفرصة فسألت الدكتور عقراوي عن شعوره نحو المؤتمر فقال: دلني هذا المؤتمر على نواحي جديدة من النهضة المصرية، فأنا الآن أومن بأن لرجال التعليم في مصر آراء لا تقل وجاهة عن آراءً رجال التعليم في الأقطار الأوربية والأمريكية
والحق أن الصلات العلمية والأدبية بين مصر والعراق قويت جدا بفضل تعاون الأمتين، وبفضل الأساتذة الذين أسسوا ذلك التعاون من مثال: السنهوري والزيات وعزام؛ ولم يبلق إلا أن نفهم أن تلك الجاذبية الروحية تحتاج إلى أسندة من الصدق والإخلاص في كل يوم، لتصل إلى كمالها المنشود
وفي هذا المقام اذكر أن سعادة الدكتور فاضل الجمالي حدثني أن معالي السيد تحسين علي، وزير المعارف العراقية، أوصاه بأن يصحبني معه إلى بغداد، وقد أجبت بأن التشوق سيحملني إلى بغداد على غير ميعاد، ولكن الذي يهمني هو أن يوجد مصريون بعواطف عراقية، وعراقيون بعواطف مصرية؛ وعند ذلك ابتسم سعادة الأستاذ شفيق بك غربال وقال: أنت هنا والجمالي هناك! زكي مبارك
أولية سوق عكاظ
ذكر الأستاذ (علي محمد حسن) في الرسالة الغراء (العدد 451) تصيحاً لما في دائرة معارف وجدي إذ جعلت افتتاح عكاظ سنة 540م، قال في خاتمته: (وبعد، فجمهرة الكتب على أن النبي ﷺ ولد عام الفيل، وعلى أن عكاظ قامت بعد الفيل بخمس عشرة سنة فتكون قد أقيمت في سنة 585)
والواقع أن جمهرة الكتب ذهبت إلى هذا، إلا أنه لا يثبت على التحقيق، بل أن سوق عكاظ ليرتفع تاريخها إلى ما قبل سنة 500 ميلادية لهذه الأسباب:
1 - أجمعت كتب السير على أن رسول الله حضر حرب الفجار بنفسه ويحدد بعضها سنة إذ ذاك مستنداً على الحديث: (كنت أنبل على أعمامي يوم الفجار وأنا ابن أربع عشرة سنة) وحرب الفجار كانت في عكاظ إبان الموسم، وذلك بعد عام الفيل بأربع عشرة سنة، فكيف يقولون أن عكاظ أقيمت بعد الفيل بخمس عشرة (انظر أسواق العرب ص 146 فما بعد).
2 - تزوج عبد شمس بن عبد مناف امرأة بعد أن طلقها زوجها لبيعها السمن وراحلتين بخمر شربتها في عكاظ. وهذا الحادث قبل عام الفيل بعقود السنين (أسواق العرب ص290)
3 - قالوا أن عمرو بن كلثوم صاحب المعلقة عاش حول سنة (500م)، وعمرو أنشد معلقته في عكاظ بالموسم، فلا شك إذن في أن السوق كانت قبل هذا التاريخ بسنوات.
مما تقدم لأسباب أخرى لنا أن السوق أقيمت قبل التواريخ التي يذكرونها بأزمان وهي على اقل تقدير كانت قبل القرن السادس الميلادي، ومن أراد زيادة في التحقيق فليرجع إلى كتابنا (أسواق العرب في الجاهلية ولإسلام ص294، 295، 146 فما بعد
سعيد الأفغاني
(أبو العلاء) و (إخوان الصفاء)
نقل الأستاذ عمر الدسوقي في العدد (246) من هذه المجلة الرفيعة قول الدكتور طه حسين بك أن (أبا العلاء المعري) قد اجتمع بإخوان الصفاء إبان إقامته في بغداد؛ وقد استدل الأستاذ الدكتور على ذلك بالبيتين الآتيين:
كم بلدة فارقتها ومعاشر ... يذرون من أسف علىَّ دموعا
وإذا أضاعتني الخطوب فلن أرى ... لوداد (إخوان الصفاء) مضيعا
لورود (إخوان الصفاء) فيهما.
وقد كتب الأستاذ سليم الجندي عضو المجمع العلمي العربي بدمشق مقالاً في مجلة المجمع المذكور: (العدد الثامن، المجلد السادس عشر، 941) بين فيه التناقض الذي وقع فيه الدكتور فيما ذهب إليه، ونفى أن يكون أبو العلاء قد اجتمع بإخوان الصفاء مستدلاً بأمرين:
الأول: أن وقوع كلمة (إخوان الصفاء) في هذين البيتين لا يدل دلالة واضحة على اجتماع أبي العلاء بهم، فقد وردت في شعر كثير من الشعراء الجاهليين والإسلاميين والعباسيين: كالخنساء وأبي حبال البراء بن ربعي الفقعسي، ويسار بن إسماعيل، وعبد السلام بن رغبان، وابن الرومي، وصريع الفواني، وابن المقفع (في كلية ودمنة، باب الحمامة المطوقة)؛ وبدهي أن هؤلاء جميعاً لم يقصدوا بإخوان الصفاء (الجمعية المعروفة)، وإنما أرادوا إخوان المودة الصافية الخالصة
والأمر الثاني: أن معرفة سبب قول هذين البيتين تنفي ما ذهب إليه الدكتور؛ فقد روي ياقوت في معجم لأدباء (ج1 ص175) عن أبي الوليد الدربندي قال: أنشدني أبو العلاء التنوخي في داره عند وداعي إياه (وذكر الأبيات. . .)
هذا، وفي المقال أشياء آخر ذات شان يحسن الرجوع إليها
(دمشق)
صلاح الدين المنجد
في الكتب لا في الصدور
نعم كل شئ في الكتب؛ من يغض في أعماق تلك البحار يجد العب العجاب، ويعثر بالفريد المستطاب، وإن تراثنا العربي لا يمكن أن نهضمه في أعوام ولا قرون، ولا نسيغه بكلمة أو مقال: أنه تراث غني ولكنه مدفون
وما كان الأستاذ الجليل (شلتوت) وهو يتحدث عن (شخصيات الرسول) يجهل أن الذي تحدث به مدفون في بطون الحواشي والمتون، وما كان يجهل أن العلماء أقاموا من أجله العراك والخصام. كان يعلم ذلك، ويعلم أيضاً أن الناس معنيون بالظاهر، واقفون عند القريب، قانعون بالميسور، فأراد أن يضع أيديهم على الداء والدواء ويلفت أعينهم إلى ما خلف الستار والحجاب
وكيف يجهل الأستاذ ذلك وهو أحد مؤلفي كتاب (مقارنة المذاهب)، وهو بحث طريف، وإن كنت أعتب عليه أن يحصر مثل هذا النوع من التفكير بين جدران الكليات، ولا يذاع ليعرف الناس، وليقول المنصفون!
ولقد قال الأستاذ شلتوت في حديث لي معه: أن صح أن ديننا الحنيف يحتاج إلى شيء فهو حسن العرض والإعلان لنلفت إليه أنظار المفتونين بزخرف الأوربيين، فيروا ما فيه من خبايا ودفائن، وميزات وحسنات. ثم قال: أنريد من الناس أن يلتمسوا الدين من حواشي ابن عابدين، وحواشي القليوبي والأسنوي والمحلي؟ الخ
وقد يكون هذا هو الحافز لأستاذنا الجليل إلى أن يلفت لهذه الناحية الأنظار، وخاصة أنظار الذين عموا وضلوا وحسبوا ديننا الكريم عصبية عمياء، فذهبوا ينالون أحرار الفكر بالإيذاء
السيد جمعة
إيجبت
قرأت في جريدة الأهرام كلمة للأستاذ محمد حسني عبد الله تحت عنوان: (لفظة (إيجبت) ولم سميت بها مصر) ذكر فيها أسطورة يونانية، ثم طلب ممن يعلم شيئاً في هذا الموضوع أن يذكره. والى القارئ خلاصة ما وقفت عليه في مطالعاتي:
أطلق اليونان لفظة اجيبتوس على مصر ولا نعرف تمام تاريخ هذه التسمية، إلا أن مصر لم تكن تسمى دائماً أجيبتوس وإنما عرفت قديما بأسماء مختلفة أهمها: كيمي أو كاميت أو خمي بمعنى الأرض السوداء أي الخصبة؛ ومن هذا الاسم اشتقت لفظة كيمياء؛ وذلك هو الاسم الشائع. وسميت أيضاً نهى بفتح النون أو ضمها وأي بلد الجميز؛ وتوميرا - أي الأرض المغمورة، لفيضان النيل عليها. وأطلق عليها الساميون: عبرانيون وفينيقيون وعرب، لفظة مصر، ولعل أصل هذه التسمية جاء من أن معنى مصر في لغاتهم: البلد العظيم. أما كلمة اجيبتوس فلا يزال تدل عليه اصلها موضع التخمين والاستنساج، ولم يستطع أحد أن يقطع فيه برأي. وقد رأيت هذه الكلمة في الأوديسة تشير تارة إلى مصر والمصريين، وتارة أخرى إلى نهر مصر أي النيل؛ وقد أطلق فيما بعد على هذا النهر اسم نيلوس وأصله مجهول أيضاً
وهناك رأي يقول أن لفظة إجيبتوس أصلها مصري. ويحاول هذا الرأي أن يرجع هذه التسمية إلى (هاكابتاح - أو (هاكوبتاح وهو الاسم المقدس لمدينة منف في عهد مينا ومعناه (مكان عبادة بتاح) إذ كان بتاح يعبد في هذه المدينة
وأذكر أني قرأت في كتاب أو مقالة أن هاكابتاح ورد في نص من النصوص القديمة بمعنى مصر، لا مدينة منف، وإن هذه الكلمة نقلها الفينيقيون إلى اليونان فجعلوا منها إيجبتوس. ولو صح ذلك لكان مؤيداً للرأي السابق.
وهناك رأي للدكتور أبات باشا ورد في كتابه مصريات: في فصل أفرده لكلمة إيجيبت تحت عنوان: ' يخالف فيه الرأي السابق ويرجعه إلى العالم بروكش إذ يرى أن اليونان انتشروا في مصر في وقت قريب فتر فيه نفوذ مدينة منف العاصمة وعبادة بتاح المعبود، وقوى سلطان مدينة وقد شاركت مدينة فقط مدينة طيبة في علو الشأن وذيوع الصيت لموقعها على طريق البحر الأحمر ومحاجر وقد لعبت هذه المدينة دوراً كبيراً، وأصبحت مركز التجارة بين مصر وبلاد العرب والهند. ولابد أن اليونان الذين جذبتهم روح التجارة إلى (كيمي) أولاً انتشروا في منطقة فقط وجعلوا من اسمها اسما عامة لمصر فقالوا إجيبتوس أي بلد كبتوس. ويحتمل أن يكون أصل القبط من ذلك. وهكذا إجيبتوس فيما بعد محل كيمي التي اقتصر على نقشها في الآثار
وكثيراً ما أشارت النصوص القديمة إلى الصعيد باسم وقد ذكر العالم لبسيوس عند الكلام على مصادر الذهب: ذهب الحبشة وذهب بلد كبتوس (وقد يكون أصل تسمية بلاد النوبة بوجود الذهب بها فكلمة تعني الذهب). كما أنه ورد في حجر رشيد كلمتا الواحد ترجمة للأخرى
وإذن تكون أرض فقط، وقد يكون اليونان قد وضعوا مكان الفرعونية، الموصول الحرفي اليوناني الذي يدخل على الكلمة لتوضيحها أو للدلالة على صدارة الشيء عدلي طاهر نور