مجلة الرسالة/العدد 45/سبيل الخلاص من الامتيازات الأجنبية
→ الخيال الطارق | مجلة الرسالة - العدد 45 سبيل الخلاص من الامتيازات الأجنبية [[مؤلف:|]] |
مقياس الرقي ← |
بتاريخ: 14 - 05 - 1934 |
للدكتور عبد الرزاق احمد السنهوري
الأستاذ بكلية الحقوق
- 1 -
قد لا يكون هذا الموضوع الذي أعالجه وثيق الاتصال بالموضوعات الأدبية والعلمية التي اعتاد كتاب الرسالة أن يطالعوا بها قراءها. ولكني مع ذلك لا أتردد في أن أرسل بمقالي هذا إلى الرسالة. فان مسألة الامتيازات الأجنبية أصبحت في هذه الأيام من أكبر المسائل خطراً وأشدها تعقداً. والرسالة تتسع جوانبها لكل مسالة تشغل الرأي العام.
وما بي أن أعالج الامتيازات الأجنبية من نواحيها المألوفة: الامتيازات جائرة، لا يتفق أصلها التاريخي مع حقيقتها الواقعة، لا يصح أن تستسيغها أمة لها حظ من الكرامة، لا يجوز التواني عن المطالبة بإلغائها، بل هي قد سقطت بتغير الظروف طبقاً لمبادئ القانون الدولي المعروفة. كل هذا أصبح معروفاً مستقراً في الأذهان. وإنما يعنيني أن أتلمس سبيلا عملياً إلى التخلص من هذه الامتيازات.
وإنه ليبدو لي ضرورياً أن تكون للحكومة المصرية خطة مرسومة للتخلص من الامتيازات الأجنبية. أما ترك الأمر للظروف فليس بمنتج شيئاً ولا يتفق مع ما لمسألة لا تقل في الأهمية عن مسألة الاحتلال الإنجليزي للبلاد. فالتخلص من الاحتلال مع بقاء الامتيازات لا يفيد كثيراً، إذ نبقى مقيدين في أهم مقدمات السيادة الداخلية للدولة: التشريع والقضاء والإدارة. فلا يصح إذن في مسألة لها هذه الأهمية أن نترك أنفسنا تسوقنا المصادفات وتسيطر علينا الحوادث. ولقد شاءت المصادفة أن يتنحى رئيس إحدى الدوائر في محكمة مصر المختلطة عن نظر أحد القضايا، فترتب على هذا التنجى هذه الأزمة الحالية التي لا نزال نخوض غمارها وإني لأخشى، ونحن نعتمد على المصادفات، أن ننصرف عن هذه المسألة الحيوية بمجرد انتهاء المناسبات التي دعت إلى الاشتغال بها. فكم سبق هذه الأزمة أزمات شغلت الرأي العام قليلاً أو كثيراً، ثم ما لبث أن انصرف عنها، ولم يعد يذكرها، حتى تقوده المصادفة المحضة للعودة إليها. ثم إني لأخشى أن تقتصر الحكومة المصرية ف معالجة هذه المسألة الخطيرة، على ناحية أو ناحيتين منها، مكتفية بما ساقته المصادفات أمامها من المشاكل، فتفاوض في رياسة الدوائر أو في مسألة اللغة العربية، أو في غير ذلك من المسائل التفصيليلة. وما هذه وغيرها ألا أعراض لمرض مستحكم، لا تجدي فيه معالجة الأعراض دون استئصال مواطن الداء. يجب أن يكون للحكومة المصرية خطة شاملة عامة لمعالجة مسألة الامتيازات في مجموعها. وهذا ما جعلني أدلي برأي في هذا الموضوع الخطير، وادعوا رجال القانون إلاالإدلاء بآرائهم، حتى تتمحص الآراء، فترتسم أمامنا الخطة العملية لتخليص البلاد من هذه النكبة.
لا يجوز أن ننسى أن مسألة الامتيازات لها جانب سياسي غير جانبها القانوني. وقد يكون هذا الجانب السياسي هو أشد الجانبين استعصاء على الحل. وكل محاولة ترمي إلى إيجاد حل عادل للمسألة، ولا تبدأ بمعالجتها من جانبها السياسي، مقضي عليها بالفشل. إنجلترا تزَّعم لنفسها حق حماية المصالح الأجنبية في مصر. وقد تقدمت بهذه الدعوى في مشروع ملنر، وفي تصريح 28 فبراير، وفي مشروع كيرزون، وفي كل المشروعات التي تلته. وقد كانت تفرع على هذه الدعوى دعوى أخرى لا تقل عنها انتقاصاً لسيادة البلاد: كانت تطلب أن تأخذ من مصر تفويضاً تتولى بمقتضاه مفاوضة الدول ذوات الامتيازات. ثم نزلت عن هذه الدعوى منذ المفاوضات التي دارت مع المرحوم ثروت باشا. ويظهر أنها أخذت تفكر أخيراً في الرجوع ثانية إلى هذه الدعوى.
فهناك أمران يجب الاحتراز منهما في أية محاولة نقدم عليها لحل مشكلة الامتيازات: (أولاً) ألا نعطي لإنجلترا سبيلا لمفاوضة الدول ذوات الامتيازات. فان المعاهدات التي تقوم عليها الامتيازات الأجنبية قد ورثنا بعضها عن تركيا وعقدنا البعض الآخر مع الدول. فقيام إنجلترا بالمفاوضة ليس معناه إلا تسليما منا بدعواها حماية المصالح الأجنبية. وإلا فان الوضع الطبيعي للمسألة يقتضي إلا يكون تعديل هذه المعاهدات أو إلغاؤها إلابمعاهدات تكون مصر طرفاً فيها. ولا يمنع هذا من تلمس معونة إنجلترا ووساطتها الودية في المفاوضات التي تقوم بها الحكومة المصرية مع الدول، والفرق كبير بين ان تبذل إنجلترا وساطتها لتأبيد جهودنا وبين ان تكون هي الطرف المفاوض. (ثانياً) أن تلقى بنا رغبتنا الملحة في التخلص من الامتيازات فيما هو أشد خطراً منها. فما دامت إنجلترا على دعواها من حماية المصالح الأجنبية، فان أي حل توافق عليه يكون من شأنه تأييد هذه الدعوى وتدعيمها. فالواجب إذن أن ننظر في المسألة من أساسها، وأن نقدم معالجة دعوى إنجلترا في حماية المصالح الأجنبية على معالجة الامتيازات، ولا نحاول الثانية قبل أن ننتهي من الأولى. وإلا فان التسليم لإنجلترا بحماية الأجانب في مصر انتقاص خطير من سيادة البلاد، وفتح الباب لتدخل الإنجليز في شؤوننا الداخلية.
نرى مما تقدم أن المساعي التي تبذلها مصر في إلغاء الامتيازات الأجنبية يجب أن تكون مسبوقة بتفاهم تام مع إنجلترا، على أن تعديل هذه الامتيازات أو إلغاءها لا يكون إلا على أساس أن تسترد مصر حقوق سيادتها التي انتقصت منها هذه الامتيازات؛ لا أن تنتقل هذه الحقوق إلى إنجلترا. فإذا تم هذا التفاهم، سواء أكان ذلك في مفاوضات عامة شاملة لحل المسألة المصرية في مجموعها، أم في مفاوضات خاصة بهذه المسألة إذا لم يتهيأ السبيل لمفاوضات عامة. يمكن بعد ذلك تلمس السبيل العملي للوصول إلى إلغاء الامتيازات.
ونحن نقترح سبيلا عمليا يكون سيرنا فيه مقروناً بالحكمة، فلا نتخذ تدبيراً إلاإذا دعت إليه الضرورة. نحاول اولاً التفاهم مع الدول ذوات الامتيازات أنفسها على تعديل النظام الحالي للامتيازات، فقد أصبح هذا النظام يصطدم مع الكرامة والعدالة والمصلحة. فان لم تفلح عرضنا على إنجلترا أن تؤيدنا في إلغاء الامتيازات بإعلان يصدر من جانبنا، بشرط ألا تجعل من هذا التأييد وسيلة لتثبيت دعواها في حماية المصالح الأجنبية؛ فان لم نفلح أخذنا على أنفسنا مسئولية إلغاء المحاكم المختلطة وإلغاء الامتيازات معاً، أو الاقتصار على إلغاء النظام الأول دون الثاني. ونفترض في كل هذا أن الشعب المصري يؤيد الحكومة التي تتولى اتخاذ هذه التدابير، إذ لا يجوز لأية حكومة مصرية لا تحوز ثقة الشعب أن تقدم على إلغاء الامتيازات، فان الأقدام على هذا الأمر الخطير يقتضي أن يكون للحكومة سند من الشعب، والحكومة التي تفقد هذا السند ليس أمامها إلا أن ترتمي في أحضان إنجلترا، فتجر على البلاد نكبة أشد وبالا من نكبة الامتيازات.
وها نحن أولاء نفصل ما أجملناه، ونقسم السير في الطريق الذي نقترحه إلى خطوات:
الخطوة الأولى
تستصدر الحكومة المصرية مرسوماً بإلغاء المحاكم المختلطة طبقاً لقانون نمرة 28 سنة 1921، وتنشر هذا المرسوم في الجريدة الرسمية، حتى يكون الإلغاء نافذاً بعد سنة من نشره.
الخطوة الثانية
بعد نشر هذا المرسوم تدعو الحكومة المصرية الدول ذوات الامتيازات إلى الدخول معها في مفاوضات بشأن تنظيم الحالة التي ستجد عقب إلغاء المحاكم المختلطة
ونحن نشدد في استصدار المرسوم بإلغاء المحاكم المختلطة ونشره قبل الدخول في مفاوضات مع الدول، لأن هذا هو السبيل لإقناع هذه الدول بأن الحكومة المصرية ومن ورائها الأمة تؤيدها، قد عقدت العزم على السير في طريقها، ولو لم تؤد المفاوضات إلى اتفاق، وان مصير المحاكم المختلطة قد أصبح محتوماً، فلا مناص من إلغاء هذه المحاكم مهما كانت نتيجة المفاوضة. وفي هذا معنى خطير لا يفوت الدول، ولا يمكن إلاأن يكون مؤثراً في سير المفاوضات.
وتكون الدعوة إلى المفاوضة مصحوبة بمذكرة تبين فيها الحكومة المصرية الأسس التي تقترحها لإقامة النظام الجديد الذي يعقب إلغاء المحاكم المختلطة.
وفي رأينا أن تكون هذه الأسس مبنية على دعائم ثلاث: (أولاً) إيجاد محاكم جديدة تحل محل المحاكم المختلطة، ولكنها تختلف عنها اختلافاً كبيراً من حيث تقوية العنصر المصري فيها، فهي ستكون محاكم مصرية قانوناً وعملاً، (ثانياً) استرداد ما فقدته الدولة المصرية من حقوقها التي لا تأباها عليها نفس الامتيازات حسب وضعها الأصلي، كحقها في سن تشريعات عقارية ولوائح بوليس تسري على الأجانب دون موافقة الدول. واسترداد الحقوق التي أنكرتها عليها المحاكم المختلطة الحالية من طريق التوسع في تفسير اختصاصها توسعاً لا يسيغه المنطق القانوني الصحيح. ثم استرداد الحقوق التي أنكرتها المحاكم المختلطة، لا من طريق التوسع في التفسير، بل من طريق خرق التقاليد القضائية أو النصوص القانونية الصريحة. فان المحاكم المختلطة، وهي معقل الامتيازات الأجنبية في مصر قد عملت على تقوية الامتيازات من هذه الطرق المختلفة. توسعت في تفسير النصوص فحملتها مالا تحتمله، كما فعلت في نظرية الصالح المختلط وفي تفسير معنى الأجنبي. ثم خرقت التقاليد القضائية بإنكارها على القاضي المصري أن يتولى رياسة دائرة هو أقدم أعضائها، دون أن يكون هناك في القانون ما يمنعه من ذلك. ولجأت أخيراً إلى إنكار النصوص الصريحة، كما فعلت عندما أنكرت على اللغة العربية أن تكون لغة رسمية تنطق بها الأحكام ويجري بها التقاضي.
(ثالثاً) توقيت النظام الجديد الذي يحل محل النظام القديم، حتى يتهيأ لمصر في الوقت المناسب أن تتخلص من هذا النظام الجديد أيضاً كما تخلصت من النظام الذي سبقه، ولا يكون في البلاد إلانظام واحد في التشريع والقضاء يسري على جميع سكان مصر.
وتطبيقاً لذلك نرى أن تدعو الحكومة المصرية الدول لعقد معاهدة يكون من حق الحكومة المصرية إنهاؤها بإعلان يصدر من جانبها بعد سنة من تاريخ نشر هذا الإعلان. وفي حالة إنهاء المعاهدة لا يعود النظام الحالي للمحاكم المختلطة بل يعتبر هذا النظام قد ألغي بصفة نهائية. وتتناول المعاهدة جوانب ثلاثة: التشريع والقضاء والإدارة.
1 - التشريع
ينص في المعاهدة على أن التشريع المصري يكون نافذا على الاجانب، بما فيه التشريع المالي، إذا مضى ثلاثون يوماً من عرض هذا التشريع على الجمعية العمومية لمحكمة الاستئناف المختلطة الجديدة (وسنبين تشكيلها فيما بعد) دون أن تقدم هذه الجمعية اعتراضاً على التشريع المذكور. ولا يجوز الاعتراض على أي تشريع مصري إلاإذا كان هذا التشريع يتضمن مبادئ تتنافى مع المبادئ العامة التي يقرها العالم المتمدين في التشريع تنافياً يخل بالعدالة. وتبين الجمعية العمومية المسائل التي لاحظت فيها هذا التنافي. فإذا اقتنعت الحكومة المصرية بوجهة نظر الجمعية العمومية لا يكون التشريع نافذاً على الأجانب ذوي الامتياز، وإن لم تقتنع كان لها أن ترفع الأمر إلى محكمة لاهاي. أما فيما يتعلق بالتشريع المالي فلا يجوز للجمعية العمومية أن تعترض على ضريبة تفرض إلاإذا أخلت بالمساواة فيما بين الأجانب، أو فيما بينهم وبين المصريين، عدا الضرائب الخاصة بالأجانب التي يكون لها نظير في البلاد المتمدينة. ولا يعتبر إخلالاً بالمساواة أن تفرض ضريبة على جميع السكان، حتى لو تبين أن عبء هذه الضريبة يقع على عاتق الأجانب أكثر مما يثقل كاهل المصريين، بسبب أنها تتناول أعمالا يغلب فيها العنصر الأجنبي كالشركات. وإذا اعترضت الجمعية العمومية على تشريع مالي لانه لا يحقق المساواة المطلوبة، كان للحكومة المصرية أن ترفع الأمر إلى محكمة لاهاي. ويستثنى من الأحكام المتقدمة ما يأتي:
(1) أي تشريع يعدل أو يلغي حكماً من أحكام هذه المعاهدة، فهذا لا يكون نافذاً على الأجانب ذوي الامتياز إلا بعد الاتفاق مع دولهم على ذلك
(2) التشريع الخاص بعقار، بما فيه الضرائب العقارية، فهذا يكون نافذاً على الأجانب دون حاجة إلى عرضه على الجمعية العمومية لمحكمة الاستئناف المختلطة
(3) لوائح البوليس التي تفرض عقوبة لا تزيد عل عقوبة المخالفة، وهذه أيضاً تكون نافذة دون حاجة إلى عرضها على الجمعية العمومية. وغني عن البيان أن التشريعات التي تطبقها المحاكم المختلطة الحالية (كالتقنينات الستة المعروفة) تعتبر تشريعات نافذة دون حاجة إلى عرضها على الجمعية العمومية، إلاإذا رأت الحكومة المصرية تعديل هذه التشريعات (وستظهر ضرورة ذلك بنوع خاص في القانون الجنائي وقانون الإجراءات الجنائية وعند تنقيح القانون المدني)، ففي هذه الحالة تعرض التعديلات التي يراد إدخالها على الجمعية العمومية على النحو الذي بيناه فيما تقدم.
هذه هي المقترحات الخاصة بالتشريع، ونتولى الآن تبريرها. فهي قسمان: قسم أقرته إنجلترا في المقترحات التي عرضتها على مصر عند ما دارت المفاوضات المختلفة بين الدولتين. وقد ورد ذكر ذلك في المذكرة البريطانية المتعلقة بالامتيازات في المفاوضات التي دارت بين المستر هندرسون ومحمد محمود باشا إذ جاء فيها ما يأتي: (وسأكون مستعداً للاتفاق على أن تقوم الجمعية العمومية للمحاكم المختلطة في المستقبل بإبداء كل موافقة لازمة لتطبيق التشريع المصري، ومن ضمنه التشريع المالي، على الأجانب، إلافي حالة التشريع الخاص بتشكيل المحاكم المختلطة وتديد اختصاصاتها، فانه لا ينفذ إلا بموافقة الدول عليه. ويكون على الجمعية العمومية للمحاكم المختلطة أن تتثبت من أن التشريع المشار إليه لا يناقض المبادئ التي يجري العمل بموجبها عادة في التشريع الحديث الذي يسري على الأجانب. وأنه فيما يتعلق بوجه خاص بأي تشريع ذي صفة مالية لا يوجد تمييز غير عادل ضد الأجانب بما فيهم الشركات الأجنبية، (انظر الكتاب الأخضر الخاص بهذه المفاوضات ص10). ومن هذا يتبين أننا لم نأت بجديد إلافي شيء واحد. فالمذكرة البريطانية تشترط موافقة الجمعية العمومية على كل تشريع مصري يراد سريانه على الاجانب، أما نحن فنكتفي بعدم اعتراض هذه الجمعية على التشريع المقدم إليها. والفرق ما بين الأمرين ظاهر، ففي الحالة الأولى يجب أن تكون هناك أغلبية توافق على التشريع حتى يسري على الاجانب، أما في الحالة الثانية فيجب أن تكون هناك أغلبية تعترض على التشريع حتى لا يسري على الأجانب، فإذا انقسمت الجمعية في أمر تشريع إلى فريقين متساويين في العدد، لم يسر التشريع على الأجانب في الحالة الأولى وسرى في الحالة الثانية. ولا يخفي ما لهذا الأمر من الأهمية إذا لوحظ أن نصف أعضاء الجمعية العمومية يجب أن يكون من المصريين كما سنبين ذلك فيما يلي. أما فيما يتعلق برفع الأمر إلى محكمة لاهاي، فهذا هو المبدأ الذي تقرر في المفاوضات التي دارت بين إنجلترا ومصر.
والقسم الثاني من هذه المقترحات جديد، وهو خاص بالتشريع العقاري وبلوائح البوليس. هذه تشريعات نريد ان نسترد فيها حقوق مصر الضائعة. فان للمشرع المصري حتى بمقتضى الامتيازات الأجنبية، الحق في أن يسن قوانين تسري على الأجانب، دون حاجة لموافقة الدول أو لموافقة الجمعية العمومية لمحكمة الاستئناف المختلطة، إذا كانت هذه القوانين خاصة بالعقارات في مصر، سواء أكانت هذه القوانين مالية (أي تفرض ضريبة عقارية) أم غير مالية. وذلك أن الأجانب لم يسمح لهم قانوناً بتملك عقار في مصر إلاعلى أساس الفرمان العثماني الصادر في سنة 1867، وقد اشترط هذا الفرمان في تملك الأجنبي للعقار أن يخضع للقوانين واللوائح التي يخضع لها الرعايا العثمانيون، وأن يدفع جميع التكاليف والضرائب التي تجبى أو يمكن أن تجبى في المستقبل على العقارات في المدن أو في القرى، تحت أي شكل كانت، وبأي اسم سميت. فمن حق مصر أن تسترد هذا الحق الضائع، فإن اغتصابه منا خرق للامتيازات الأجنبية نفسها التي يحتج بها الأجانب علينا وكذلك الأمر في لوائح البوليس، فقد كان لمصر سن هذه اللوائح، وكانت تسري على الأجانب قبل وجود المحاكم المختلطة نفسها. وتأيد هذا الحق بنص المادة العاشرة من القانون المدني المختلط، وبنص المادتين 331 و 340 من القانون الجنائي المختلط
(تتمة البحث في العدد القادم)
عبد الرزاق السنهوري