مجلة الرسالة/العدد 448/البريد الأدبي
→ الزهرة العليلة | مجلة الرسالة - العدد 448 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
الكتب ← |
بتاريخ: 02 - 02 - 1942 |
إبراهيم حلمي العمر
لا يمرّ أسبوع بدون نعيم يزفّه إلى روحي بريد العراق، فإخواني في
بلاد الرافدّيْن لا ينسونني، ولا يفوتهم أن يطلعوني على ما يجدّ هنالك
من ثمار الآداب والفنون.
وكان المألوف أن أجد ما يسرني فيما يصل من الجرائد والمجلات، فماذا وقع اليوم؟
جاءت حزمة من أعداد (الأخبار والأحوال والزمان والشهاب) وعلى صدورها جميعاً صورة واحدة لأديبٍ من أصدقائي فعرفت أنه مات. وهل تهتم الجرائد في يوم واحد بنشر صورة لأديب إلا حين يموت؟!
لم يبق شكٌ في أن الأستاذ إبراهيم حلمي العُمَر قد مات، ولن أراه إن قُدِّرت لي زيارة قريبة أو بعيدة لأصدقائي في بغداد، فهو أنسٌ ذهب ولن يعود، وإني لذهابه لحزين، أحسن الله فيك عزائي، يا إبراهيم!
ذلك كاتبٌ مغامر، رضي عنه قومٌ وغضبتْ عليه أقوام، فكان ملكاً عند أولئك وشيطاناً عند هؤلاء، ولكنه في حدود ما عرفتُه كان أدبياً حلو التعبير، بارع الأسلوب، مع أريحية عربية قليلة الأمثال. وما أذكر أبداً أني رأيت منه غير الجميل
كان إبراهيم حلمي العُمَر من أوائل الأدباء الذين نهضوا بالصحافة العراقية كما قالت الجرائد التي لم تر مانعاً من إنصافه بعد الموت، وهل ينتفع الميت بالإنصاف؟!
وإبراهيم هو الذي أنشأ جريدة (لسان العرب) في دمشق منذ أعوام طوال. وقد يكون أول عراقي خلق لوطته صداقات في الديار المصرية قبل أن يصل تعارفُ العرب إلى ما وصل إليه اليوم. ألم يقل من رثوه إنه كان من مراسلي (المؤيد) و (اللواء)؟
سألت عن إبراهيم حين انقطع سؤاله عني فعرفت أنه مريض فغالبتُ وهج القيظ ومضيتُ لعيادته بعد الدرس الأخير في أحد أيام حزيران سنة 1938، فماذا رأيت في داره يومذاك؟
رأيت طفلاً وطفلة يتفاهمان بالتناغي قبل موعد التفاهم بالكلام، كما تتفاهم الحمائم الموصلية، وهما يتصاخبان ويتباغمان بصورة تشهد بأنهما يجهلان أن أباهما مريض ومن المؤكد أن هذين الطفلين وصلا إلى التفاهم بالنطق، وأدركا معنى الحياة والموت، فأين من يواسي هذين الطفلين العزيزّيْن بعد انحسار ظل أبيهما الرفيق؟
الله عز شأنه هو المسئول عن الطب لجراح القلوب
زكي مبارك
1 - من غلط لغوي كبير
في كتاب (نشوء اللغة العربية للأستاذ أنستاس الكرملي) في الصفحة 35: قال ابن فارس في كتابه الصاحبي ما هذا نصه بحروفه (زعم أهل العربية أن القرآن ليس فيه من كلام العرب شيء، وأنه كله عربي، يتأولون قوله جل ثناؤه: إنا جعلناه قرآناً مبيناً)
وفي جريدة الخطأ والصواب في آخر الكتاب نبه على أن (العرب) صوابها (العجم) ولكنه لم يصحح الآية القرآنية، وصوابها (إنا جعلناه قرآناً عربياً)
2 - بَرقة
نشر الأستاذ النشار قصيدته (برقة) وضبطها بفتح الباء. وثم جاء الأديب محمود عزة عرفة فخطأ هذا القيد وقال إن الصواب (بُرقة) بالضم. فرجعت إلى القاموس المحيط فرأيته قال، والبَرقة الدهشة وبلدة بقم وبلدة تجاه واسط القصب وقلعة حصينة بنواحي دوان وإقليم أو ناحية بين الإسكندرية وأفريقية. وفي اللباب في الأنساب لأبن الأثير: البرقي بفتح الباء المنقوطة بواحدة وسكون الراء. هذه النسبة إلى برقة وهي بلدة بالمغرب خرج منها جماعة كثيرة من العلماء في كل فن. . . الخ. وفي معجم البلدان لياقوت: برقة بفتح أوله والقاف أسم صقع كبير يشتمل على مدن وقرى بين الإسكندرية وأفريقية. وفي (المبهج لابن جني) بسط القول في الأعلام المرتجلة والمنقولة
محمد أبو البهاء
كيف تنفح الأحاديث
طالعت ما كتبه الأستاذ محمود أبو رية تحت عنوان (رأي في تنقيح الأحاديث)؛ وإني أشكر للأستاذ الفاضل اهتمامه بهذا الموضوع الخطير، وأرى ما يراه من وجوب تنقيح ما تركه لنا السلف من تلك الأحاديث، وتمييز الصحيح منها على أساس قوة السند وصحة المتن، ولكني أخالفه أن يكون ذلك بتغيير كتب الحديث القديمة، إذ يرى أن نبدأ بالحديث فننخل كتبه، ولا تبقى فيها غير الصحيح مما يخالف متواتر النقل، وصريح العقل، وما أثبته العلم، وشهد به الحس.
فهذه الكتب أصبحت أمانة تاريخية بأيدينا، فيجب أن نبقيها على حالها، لتشهد بحال رجال الحديث في تلك العصور، وتبين مقدار اجتهادهم في تمييز ما صح من الأحاديث، وقد جرت الأمم على صيانة تاريخها من التغيير والتبديل، وعملت على حفظ نواحيه كلها حتى ما يرجع منها إلى الأساطير، وهذا إلى أن عملنا سيقوم على أساس الاجتهاد، وهو يتغير بحسب المجتهدين، ويختلف باختلاف العصور والأحوال.
فيجب أن نبقي كتب الحديث على حالها، وأن نؤلف كتباً جديدة تنصرف فيها نشاء باجتهادنان، ونثبت فيها ما نرى إثباته من الأحاديث، ونحذف منها ما نرى حذفه، وقد يأتي من بعدنا فيعمل في كتبنا ما عملناه في كتب من سبقنا، فباب الاجتهاد مفتوح إلى ما شاء الله، والكمال لله تعالى وحده.
عبد المتعال الصعيدي
فتوى في المذاهب الصوفية
هناك ناحية أخرى من نواحي الإصلاح إلى الآن لم يتعرض لها أحد، وهي لا تقل لخطرها عن إصلاح الأزهر، تلك هي (الطرق الصوفية)
الطرق الصوفية مبثوثة في القرى والدساكر، وهي تلقن العوام وأشباه المتعلمين البدع والضلالات، ولو كنتم ممن يسكنون القرى أو لو كنتم ممن يتصلون برجال الطرق الصوفية عن كثب لجعلتم المجهود الذي توجهونه للأزهر وحده مناصفة بينهما.
وقد اطلعت على الفتوى المرسلة مع هذا في كتاب (الجامع لأحكام القرآن للقرطبي) ج11 صفحة 237، 238 عند تفسير قوله تعالى: (قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى) فعسى أن تنشروها بمجلة الرسالة الغراء ليطلع عليها الملأ رجاء أن يكون في نشرها ما ينفع سئل الإمام أبو بكر الطرطوشي رحمه الله:
ما يقول سيدنا الفقيه في مذهب الصوفية؟ وأعلم حرس الله مدته أنه اجتمع جماعة من رجال فيكثرون من ذكر الله تعالى وذكر محمد ﷺ. ثم إنهم يوقعون بالقضيب على شيء من الأديم. ويقوم بعضهم يرقص ويتواجد حتى يقع مغشياً عليه. ويحضرون شيئاً يأكلونه. هل الحضور معهم جائز أم لا؟ أفتونا مأجورين
الجواب
(يرحمك الله. مذهب الصوفية بطالة وجهالة وضلال وما الإسلام إلا كتاب الله وسنة رسوله. وأما الرقص والتواجد فأول من أحدثه أصحاب السامري لما اتخذ لهم عجلاً جسداً له خوار قاموا يرقصون حواليه ويتواجدون. فهو دين الكفار وعباد العجل.
وأما القضيب فأول من اتخذه الزنادقة ليشغلوا به المسلمين عن كتاب الله تعالى. وإنما كان يجلس النبي ﷺ مع أصحابه كأن على رؤوسهم الطير من الوقار.
فينبغي للسلطان ونوابه أن يمنعهم من الحضور في المساجد وغيرها. ولا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم ولا يعنيهم على باطلهم. هذا مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي واحمد بن حنبل وغيرهم من أئمة المسلمين. وبالله التوفيق)
(كفر المندرة)
أحمد أحمد القصير
النابغة الذبياني في كتاب المنتخب
تركت الخدمة وشغلت نفسي بالزراعة، بعد أن أجهدتها في مراحل التدريس كلها خمساً وثلاثين سنة. ثم أراد الله أن ذهبت يوماً إلى العاصمة، واتفق أن جلست على مكتب لأحد الأصدقاء، فحنّت نفسي إلى ما ألِفَته قديماً، فمددت يدي إلى (المنتخب) الذي ينسب إلى ستة من فحول وزارة المعارف.
فكان من حظي أن وقع نظري على عشرين بيتاً (للنابغة) من عينيته المشهورة التي اشتهرت بشواههدها النحوية والبيانية، حتى تولى شرحها شراح الشواهد كالبغدادي والسيوطي. قرأتها فهالني ما عنَّ لي فيها من مآخذ في الشرح والشكل والإعراب، حتى خيل إلى أن المؤلفات المدرسية التي توجت بأسماء هؤلاء الفحول ليس لهم فيها إلا الأسماء والأرباح، وإلا فكيف أوفق بين علمهم الغزير وخطئهم الكثير! وإليك البيان:
عفا ذو حسا من فرتني فالفوارع. ضبطوا الحاء بالفتح، والمعاجم والسروح تنص على ضمنها.
أتاني - أيبت اللعن - أنك لمتني ... وتلك التي تستك منها المسامع
قالوا: تستك أي تضيق، والمعنى أتتني عنك ملامة يضيق عنها السمع ويأباها. أهـ
وليت شعري أسمع النعمان أم سمع النابغة؟ وأقول: إنما أراد النابغة تستك منها مسامعي فزعاً من هول وعيدك ولومك؛ وإذا كان الضيق من معاني الاستكاك فمن معانيه أياً الضم والانسداد، وهذا هو الذي يناسب مقام الفرع الأكبر الذي حل بالنابغة، فجعله يمعن في الاعتذار والاستعطاف.
مقالة أن قد قلت سوف أناله ... وذلك من تلقاء مثلك رائع
ضموا تاء، قلت: والصواب فتحها. وقالوا: سوف أناله بهجاء أو بأذى، فجعلوا هذا وعيداً من النابغة، لأن التهديد بالهجاء إنما يكون من الشعراء لا من الملوك. وقالوا: تلقاء بمعنى لقاء، أي وذلك مفزع لي عن لقاء مثلك، وفاتهم أولاً أن قوله: أناله معناه أدركه على حد قوله تعالى: (وهموا بما لم ينالوا). وثانياً أن تلقاء هنا معناه جهة أو حذاء على حد قوله تعالى: (ولما توجه تلقاء مدين) وعلى هذا فالمعنى: أتاني وعيدك بأن سوف تدركني أينما اختفيت، وهذا الوعيد منك ومن مثلك من أهل القدرة والسلطان الواسع مخيف مزعج، لا تطمئن معه نفس بعدت عنك أم قربت منك كما قال: ولا قرار على زأر من الأسد.
أتاك بقول هلهل النسيج كاذب ... ولم يأت بالحق الذي هو ناصع
جروا لفظ كاذب، وجعلوه صفة للقول مجازاً عقلياً إذ يقال: كذب الرجل، ولا أعرف كذب القول إلا على حد (عيشة راضية). والأقدمون ينصبونه حالاً من فاعل أتاك، وألمح في النصب إشعاراً بتعمد الكذب، وشاية وإيقاعاً بالنابغة، هذا أبلغ في المعنى.
بمصطبحات من لصاف وثبرة ... يزرن ألالا سيرهن التدافع
كسروا لام لصاف، والصواب فتحها، فقد قالوا لصاف كحذام مكسورة غير منونة، أو كسحاب منونة معربة.
فإنك كالليل الذي هو مدركي ... وإن خلت أن المنتأي عنك واسع
قتل النحاة والبيانيون هذا البيت شرحاً وتحليلاً، وجعلوه من عيون التشبيهات الرائعة، شبه النابغة النعمان بالليل في أن كلاً منهما مع ما فيه من شديد الرهبة والوحشة يغشى مطلوبة بسرعة لا تدع له منحى مهما ظن الفرار ممكناً. أما شراح المنتخب فكل ما قالوه في شرح البيت:
فإن عقابك ومؤاخذتك كالليل؛ أي لا أنجو من عقابك مهما اتسعت أمامي مذاهب البعد عنك والهرب منك. وبهذا أذهبوا روعة التشبيه، إن لم نقل جانبوا غرض الشاعر.
خطاطيف حجن في حبال متينة ... تمد بها أيد إليك نوازع
قالوا: خطاطيف خبر لمبدأ محذوف، أي لك خطاطيف!؟ وأنا أناشدهم الله أفيهم من يقبل من تلاميذ الابتدائي أن يقدروا المبتدأ جاراً ومجروراً!
أتوعد عبداً لم يخنك أمانة ... ويترك عبد ظالم وهو ضالع
رفعوا يترك بعد الواو، والمدارس تعلم الطلبة أن الواو التي يليها المضارع للمعية إذا سبقها نفي أو طلب. ولست أجهل أن الرفع جائز، ولكن المعنى على الرفع غير المعنى على النصب، ولست أشك في أن المعية مقصودة هنا.
وأنت ربيع ينعش الناس سيبه ... وسيف أعيرته المنية قاطع
أبى الله إلا عدله ووفاءه ... فلا النكر معروف ولا العرف ضائع
وتستقى إذا ما شئت غير مصرد ... بزوراء في حاناتها المسك كانع
يصف النابغة النعمان بالسخاء والشجاعة، وأن الله فطره على العدل والوفاء، لا يعرف المنكر، ولا ينسى الجميل، قد تهيأت له أسباب الرفاهية، يشرب ما شاء من أطيب الشراب في كأس من الفضة، كأنها لطيب ما فيها قد لصق المسك بحافاتها، وكل هذا خبر لا دعاء فيه ولا إنشاء؛ ولكن انظر كيف حار المؤلفون الستة في ضميري أبى الله إلا عدله ووفاءه، أهما لله جل شأنه أم للنعمان؟ فقالوا في الشرح: (أي أن الله عادل ليس المنكر مقبولاً عنده، ولا المعروف ضائعاً لديه، وهو جاعل النعمان بإرادته عادلاً، وإن قلنا إن الضمير يعود على النعمان كان المعنى ظاهراً. أهـ). ثم أنظر في البيت الأخير كيف حرفوا كلمة حافات فجعلوها حانات، وكيف غرهم بعض الكتب فاتبعوه؛ وقالوا في الشرح: زوراء دار كانت بالحيرة للمناذرة. وكنع: تراكم ولزق، والبيت دعاء للنعمان!
وليت شعري كم حانة كانت بتلك الدار؟! وما الغرض من تراكم المسك في تلك الحانات؟ ولم جعلوا هذا دعاء للنعمان؟ ولو كان دعاء لفصله عما قبله لاختلافهما خبراً وإنشاء، والدعاء طلب غير الحاصل ليحصل. فهل كان عسيراً على النعمان أن يشرب أي مقدار شاء من الخمر في دار تراكم المسك في حاناتها حتى يتقرب إليه النعمان بالتضرع إلى الله أن يمن عليه بذلك. إن الأقدمين فسروا الزوراء بكأس مستطيلة من الفضة، وأرى أن البيت:
وتسقى إذا ما شئت غير مصرر ... بزوراء في حافاتها المسك كانع
ويروى: في أكنافها المسك كارع
هذه مآخذي على المؤلفين في عشرين بيتاً لو كانت في المنتخب كله لعُدت كثيرة؛ فرجائي من صاحب المعالي وزير المعارف أن يضع حداً لفوضى تأليف الكتب المدرسية؛ فلا تقرر الوزارة كتاباً مهما علا شأن مؤلفه إلا بعد أن يعرض على لجنة من أساتذة دار العلوم الذين امتازوا بالتوسع في علوم اللغة العربية، ولا تقرره الوزارة إلا لمدة سنة على الأكثر.
عثمان أبو النصر
أستاذ بكلية دار العلوم سابقاً