مجلة الرسالة/العدد 442/مسابقة الأدب العربي لطلبة السنة التوجيهية
→ على ذكرى (عيد الميلاد) | مجلة الرسالة - العدد 442 مسابقة الأدب العربي لطلبة السنة التوجيهية [[مؤلف:|]] |
بحث مقارن ← |
بتاريخ: 22 - 12 - 1941 |
ديوان حافظ إبراهيم
للدكتور زكي مبارك
تمهيد - اهتمام العرابي باشا بنشر آثار الأدب الحديث - شرح ديوان حافظ والنص على (محاسن) الشارحين - درس الديوان - توجيهات أدبية - المحدث حافظ إبراهيم - ما هو السر في انتصار شوقي على حافظ؟ وما قيمة حافظ على وجه التحديد؟
تمهيد:
لما شعر (شوقي) رحمه اللهّ بأن الشيخوخة بدأت تراوحه وتغاديه أقبل بجدّ على طبع (الشوقيات) ليأمن الخوف على شعره من الضياع قبل أن يموت.
واتفق بعد ظهور الجزء الأول والثاني من (الشوقيات) أن قضيت ساعة مع (حافظ) في منزل السيد حسن القاياتي فاقترحت عليه أن يجمع أشعاره على نحو ما صنع شوقي، فأجاب بعبارة تنذر بالتسويف، ويرجع ذلك إلى أن (حافظ) لم يكن يملك من الصبر على المراجعة بعض ما كان يملك (شوقي)، فقد كانت حياته اليومية مهدًّدة بالقلق، وكان لا يجد الأنس، في غير الانتقال من مكان إلى مكان، ليخرج من عزلته البيتية بمحادثة من يصادف من الرجال.
وبعد أن انتقل حافظ إلى جوار الله في صيف سنة 1932 قام جماعة من أصدقاءه وقرروا الاحتفال بذاكره، وكانت لهم يومئذ مشروعات عظيمة، منها تأليف كتاب في إظهار عبقريته يشترك فيه فحول الباحثين؛ ومنها طبع ديوانه، وإقامة قبره على قواعد عالية تذكّر الناس بمنزلته السامية؛ ومنها دعوة الأدباء في سائر الأقطار العربية للاشتراك في حفلة التأبين، إلى آخر ما يجود به الخيال في مثل تلك الحال.
وفي ذلك العهد كتبت كلمة (البلاغ) قلت فيها أن تلك القرارات لن ينفذّ منها شيء، ورجوت أصدقاء (حافظ) أن يقفوا وفاءهم على عمل واحد وهو طبع الديوان، فقد كنت أعرف أن أدبائنا في اغلب أحوالهم رجال أقوال، لا أعمال وهل صنعوا شيئاً في إنقاذ ما ترك (زكي باشا) من الآثار الأدبية، وفيها نفائس قد لا يجود بمثلها الزمان؟ وهل تضنهم يلتفتون إلى جمع ما تبددْ من آثار (محمد مسعود)؟.
لم يصنع أصدقاء حافظ شيئاً يؤكد الوفاء لذلك الروح الوهاج ولكن الله لم يشأ أن يضيع حافظ في هذه البلاد، فكانت تلك الالتفاتة الكريمة من وزير المعارف الأسبق، (علي زكي العرابي باشا)، الألتفاتة التي قضت بأن يُطبع ديوان حافظ على نفقة وزارة المعارف، وأن يكون ظهوره بداية لطائفة من المطبوعات تُحي ما يُخاف عليه من آثار الشعر الحديث، فقد كان من العجب أن تكون مصادر الأدب في القرن الثاني أقرب إلى الأيدي من مصادر القرن الرابع عشر، وتلك ظاهرة لا نسكت عنها إلا كارهين.
وفي هذا المعنى كتبت في جريدة المصري مقالاً جاء فيه:
(أن العرابي باشا أخذ جزاءه الأوفى يوم ظهر ديوان حافظ، فقد استطاع أن يؤدي إلى اللغة العربية خدمة جليلة بأحياء شاعر كان في عصره ملء المسامع والأفواه والقلوب. . .
وما الذي يمنع أن يتفضل فيشير بطبع مجموعات وافية مما نظم الشعراء وكتب الكاتبون منذ فجر النهضة الحديثة إلى اليوم؟! أنه خليق بأن يجعل ديوان حافظ فاتحة لعهد جديد من المطبوعات العلمية والأدبية التي تشهد بما صنعت مصر في العهد الحديث وهو أن حقق هذه الرغبة فسيمكنّ الأدباء في مصر وفي سائر الأقطار العربية من الوقوف على طلائع النهضة الأدبية، وهي نهضة نرجو أن تقوى وتستفحل لتُشعر الأبناء والأحفاد بأن لهم لغة قوية تطاول اللغات الحية وتسابقها في ميادين العلوم والأدب والفنون. فأن قال الوزير إن أمثال هذه الأعمال مما يقوم به الأفراد لا الحكومات فإنا نجيب بأن الحال في مصر تختلف عما عداها بعض الاختلاف؛ لا يزالون يودون أن ترفع عنهم حكومتهم كثيراً من التكاليف ومن شواهد ذلك مطبوعات الجامعة المصرية ومطبوعات دار الكتب المصرية؛ فهذه المطبوعات يعجز عنها الأفراد، ولا تستطيع المكاتب أن تنهض بها إلا بجهد عنيف. وما بالنا نلح على الوزير في تحقيق هذا الغرض؟ أنه يعرف أن دراسة الأدب الحديث مقررة في المدارس الثانوية والمعاهد العالية، ودراسة هذا الأدب ستضل ضعيفة ما دامت المصادر بعيدة عن أيدي الأساتذة والطلاب؛ فهو حين يحقق هذا الغرض يؤدي خدمة أساسية لا كمالية، ويجعل أبناءه في المدارس الثانوية والعالية قادرين على التمكن من ناصية الأدب الحديث، وهو كذلك سيسن شريعة جديدة لأمثاله من وزراء المعارف في مختلف الأقطار العربية؛ فقد نسمع بعد قليل أن وزراء المعارف في الشام والعراق والمغرب والحجاز قرروا نشر ما اندثر عندهم من معالم الأدب الحديث، وعندئذ تقترب هذه الشعوب بعضها من بعض، وتضيع مآرب الباغين العادين من خصوم لغة القرآن)
وإنما أعدت هذه الفقرة من مقال نشرته قبل سنين لأني أجد فيها دعوة يجب أن تجدد في كل يوم، فما تزال الحكومات العربية قليلة الالتفات إلى أهمية الأدب الحديث، وما يزال في الدنيا أقوام يرون الأدب الجديد أقل قيمة من الأدب القديم، مع أن أدبنا في أكثر نواحيه أعظم حيوية من أدب القدماء، وهو يصور ما نحن عليه من قوة وضعف، وإيمان وارتياب
شرح ديوان حافظ
شرح هذا الديوان ثلاثة من أهل الأدب، هم الأساتذة: أحمد أمين، وأحمد الزين، وإبراهيم الإبياري. وقد نص الأستاذ أحمد أمين في المقدمة على أن هذا الشرح أُريد به ثابتة الأدب وناشئة الشعر، ولم يُرَد به الخاصة والمنتهون
ومعنى هذا الكلام أنهم قد يوضحون ما لا يحتاج إلى توضيح رعاية لإفهام المبتدئين
وكان الأمر كما قالوا في المواطن التي تسعفهم فيها المعجمات، كأن يقولوا إن السدة هي الباب، والشجون هي الأشواق
أما إذا احتاج للشرح إلى بحث فالمبتدئون في حكم المنتهين، ولا موجب للعناء!
ومن أمثلة ذلك:
1 - وردت في شعر حافظ كلمة (آذار) فقال الشارحون: (شهر من شهور السنة المسيحية معروف)
فهل في الحق أن المبتدئين من شبان مصر يعرفون آذار؟ كان الواجب أن ينص على أن (آذار) هو شهر (مارس)
والقول بأن آذار من شهور السنة المسيحية خطأ في التاريخ؛ والصواب أن يقال من شهور السنة الشمسية، فقد عرف التقويم الشمسي قبل المسيح بأزمان طوال
ونحن اليوم نقول سنة قمرية وسنة شمسية أما أسلافنا من العرب فكانوا يقولون: سنة هلالية وسنة خراجية
2 - ورد في شعر حافظ اسم (مائي) فقال الشارحون: (هو صاحب مذهب المانوية المشهور)
فهل يمكن القول بأن مذهب المانوية مما يعرف المبتدئون؟ ثم أراد الشارحون أن يعينوا الوقت الذي ظهر فيه (ماني) فقالوا إنه ظهر في أيام سابور بن أردشير
وأقول إن هذا الكلام كان ينفع من يعيشون قبل ألف سنة، يوم كان العرب على بينة من تواريخ الاكاسرة، أما اليوم فهو كلام غامض المدلو.
3 - ورد اسم (روسو) في شعر حافظ فقال الشارحون:
(روسو كاتب فرنسي معروف، وهو صاحب كتاب الاتفاق الجمهوري)
وما أعرف شيئاً عن كتاب (الاتفاق الجمهوري) ولعلهم يريدون كتاب (العقد الاجتماعي) إلا أن يكونوا أبصر مني بالأدب الفرنسي، وذلك جائز!
4 - وكلمة (معروف) كثيرة الدوران على ألسنة الشارحين: فأبو تمام شاعر عباسي معروف، والبحتري شاعر عباسي معروف، وجمال الدين الأفغاني فيلسوف معروف، ومحمد باشا سعيد هو الوزير المعروف، إلى آخر ما نثروا في الشرح من هذا اللفظ المعروف!
5 - والترقيم خطأ في بعض الأحيان، فقد جاء في المقدمة أن حاجة الشاعر إلى الخيال الخصب أقوى من حاجة الناثر، والعبارة صحيحة، ولكنها ختمتّ بعلامة التعجب، ولا موجب لذلك.
6 - وأشير في المقدمة إلى (حادثة المؤيد) بلا نص على مكانها من صفحات الديوان، فهل أهملت لأنها من الحوادث المعروفة؟
7 - وكذلك أشيرَ إلى (وداع اللورد كرومن)، والصواب (لورد كروم)، لأن (كروم) في هذه العبارة لا يقع موقع عطف البيان، وإنما يقع موقع المضاف إليه من المضاف، وهذا أمر قد يخفى على المبتدئين، كما خفي على الأستاذ أحمد أمين.
8 - وفي المقدمة: (لئن نقص حظ حافظ في الخيال فقد غطى عيبه شيوع الجمال في سائر نواحيه)؛ والصواب (لقد) وحافظ نفسه يقول:
لئن هَدَوْكم لقد كانت أوائلكم ... تهدي أوائلهم أزمان أزمان
وقد عثرت على شواهد وقعت فيها الفاء في مكان اللام في مثل هذا التعبير، وإذن تقبل تلك العبارة بقول مرجوح، وإنما أدافع عن هذا الخطأ لأنه وقع في بعض أشعاري!!
9 - وفي ص 151 ج1 قال حافظ في محمد المويلحي:
فإذا نثرت على الصحيفة خِلتها ... غرساً ألحّ عليه صوب قطار
وجاء في الشرح أن القطار جمع قطر بفتح فسكون وهو المطر، ثم قال الشارحون: إن الديوان المطبوع فيه (نثار) مكان (قطار)
وأقول: إن الصواب إثبات (نثار) وتصحيح كلمة (غرساً)، فيكون للبيت:
فإذا نثرت على الصحيفة خلتها ... عرساً ألحَّ عليه صوب نثار
والنثار هو المعروف في مصر بالنقوط في يوم العرس، وذلك هو المراد.
10 - وفي ص 66 ج1 قال حافظ في تحية واصف غالي:
مازلت تُلقي على أسماعهم حججاً ... في كل ناد وتأتيهم بسلطان
حتى انثنيت وما للعُرب بحتريٌ ... على البناء ولا زار على الباني
والصواب وضع كلمة (الغَرب) مكان (العُربْ)
11 - وفي الصفحة عينها أن رينان هو الفيلسوف الفرنسي المعروف الذي رد عليه الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده فيما رمى به الإسلام والمسلمين من تهم، وما نعرف أن الشيخ محمد عبده كانت له مواقف مع رينان، وإنما كانت له مواقف مع هانوتو، أما الذي ردّ هجوم رينان على المدنية الإسلامية فهو جمال الدين الأفغاني
12 - وفي ص60 ج1 قال حافظ:
فانبرت ظبية الشام وقالت ... بعض هذا فقد رفعت الشآما
وجاء في الشرح: أي قولي بعض هذا، إذ لا نستحق كله.
والصواب أن يقال في الشرح: أطوي بعض هذا، فما نستحق كل هذا الثناء
13 - والاضطراب في رسم الأعلام الأعجمية يقع أحياناً في هذا الشرح، فهو جُو الشاعر الفرنسي نراه مرة هيجو ومرة هوغر ومرة هوجو؛ وهنا نذكر أن الأعلام الأوربية نُشرتْ جميعاً بحروف عربية، وكان يجب أن ترسم أيضاً بالحروف اللاتينية ليُعرف نطقها بالضبط، فإن تعذر هذا على الأستاذين أحمد الزين وإبراهيم الإيباري، فقد كان يسيراً على الأستاذ أحمد أمين.
14 - والأخبار الأدبية المتصلة بقصائد حافظ لم تأخذ حقها من البيان، وستصير هذه الأخبار من المنسيات بعد حين، فكان من الواجب أن تسجل قبل أن تضيع، فإن لها أهمية في توضيح مرامي ذلك الشاعر العرَّيض.
15 - وسكت الشارحون عمن سيفهم إلى شرح (القصيدة العمرية)، وقد شُرحتْ مرتين: شرحها المرحوم محمد بك الخضري، وشرحها المرحوم مصطفى بك الدمياطي، والنص على مثل هذا واجب في الطبعات العلمية. وكان يجب أيضاً أن يُنص على تأثير هذه القصيدة في الشعر الحديث، فعلى غرارها صاغ الشيخ محمد عبد المطلب (القصيدة العلوية)، وصاغ الشاعر عبد الحليم المصري قصيدته في الجد الأكبر للملك فؤاد، وكان لتلك القصائد رنين في المحافل الأدبية، وقد تكون مصدر الوحي للشاعر أحمد محرم في (الإلياذة الإسلامية).
درس الديوان
المقرر للمسابقة هو الجزء الأول، ولكن النظر في الجزء الثاني ينفع، لأنه يكمل صورة حافظ الشعرية
وفي الجزء الأول مقدمة كتبها الأستاذ أحمد بك أمين، وهي مقدمة وافية، ومراجعتها بعناية تعين الطلبة على اجتياز الامتحان
ونقدم التوجيهات الآتية:
أولاً - جاء في الجزء الأول أشعار تصور أشجان حافظ حين كان في السودان، فيجب الرجوع إلى ما يتصل بهذه الناحية في الجزء الثاني
ومع هذا لا يستطيع الطلبة تصور محنة حافظ بأيامه في السودان، إلا إن نظروا في كتاب (ليالي سطيح)؛ والرجوع إلى هذا الكتاب مفيد جداً؛ ففيه صفحات هي أقوى وأجمل من كل ما هتف به حافظ في دنياه؛ وقد تكون أعظم ما أُِثر من الثورة على الاستبداد
وكان حافظ يحفظ (ليالي سطيح) عن ظهر قلب، كما يحفظ قصائد الجياد، ومن لم ير حافظ في (ليالي سطيح) فهو عن أدبه من الغافلين
ثانياً - حافظ كثير الكلام عما عرف من الرجال، فديوانه ليس إلا صوراً جميلة أو دميمة لخلائق من أتصل بهم من قرب أو من بُعد، ولهذا تقل في شعره التأملات النفسية، لأنه دائماً موصول بالمجتمع
ثالثاً - حافظ كثير التعريض في مدائحه وأهاجيه، وهو تعريض لم يظفر بما يستحق من الشرح، فإن استطاع الطلبة أن يواجهوا لجنة الامتحان بأشياء سكت عنها الشارحون فقد يظفرون بطيف من الثناء!
رابعاً - قد أرخت أكثر قصائد حافظ، وبقي فريق منها بدون تأريخ، فعلى الطلبة أن يبحثوا عن المناسبات، وإليهم هذا الشاهد:
في ص 201 ج1 قال حافظ أبياتاً في توديع شوقي يوم سافر إلى مؤتمر المستشرقين، وننظر في الشرح فنجد إحالة على الحاشية رقم 5 ص50. فإذا رجعنا إلى تلك الحاشية لم نجد كلاماً عن المؤتمر ولا عن مكانه في التاريخ، فماذا نصنع؟
نرجع إلى الجزء الأول من الشوقيات، وهو أيضاً مقرر لمسابقة الأدب العربي، فنجد أن ذلك المؤتمر عُقِد في جنيف (سبتمبر سنة 1894)
خامساً - وقد يظن أن الشارحين دونوا جميع قصائد حافظ، وليس الأمر كذلك، فلحافظ قصائد لم تضف إلى هذا الديوان وسندل الشارحين على تلك القصائد عند الطبعة الثانية
سادساً - قال الأستاذ أحمد أمين إن الحزن الذي غلب على طبيعة حافظ هو الذي قضى بأن تكون أكثر قصائده في المراثي.
ونقول إن الرثاء كان يفرض على حافظ في كثير من الأحايين، ومن هنا تقل اللوعة في أكثر مراثيه، فيستر الموقف باجترار حوادث التاريخ
سابعاً - قيل وقيل إن حافظ لم يكن من أهل الصدق في الغزَل والتشبيب، فما سبب ذلك؟
يرجع السبب إلى أن ضجيج المجتمع شغل حافظ عن سحر الجمال، وقد يرجع إلى ضعف في حاسته الذوقية من هذه الناحية، فالإحساس بالجمال يتفاوت عند الشعراء، كما تتفاوت الحواس عند سائر الناس
وربما جاز القول بأن حافظ كان في سريرة نفسه من عبيد المجتمع، فهو يغني على ليلى المجتمع قبل أن يغني على ليلاه، والمجتمع كان ينتظر منه البكاء على المصائب اليومية، قبل أن ينتظر منه التغريد فوق أفنان الجمال
ثامناً - تشهد أشعار حافظ بأنه كان ابن زمانه وابن وطنه، فلم تكن له نزعة فلسفية ولا وثبة إنسانية إلا في أندر الأحيان، وأشعاره في مآسي بعض الأمم الشرقية أو الغربية لم تكن إلا صدى للعواطف المصرية في ذلك الحين، وهي في الأغلب عواطف تخلقها الجرائد والمجلات
المحدث حافظ إبراهيم
نقول في شعر حافظ وفي نثره ما نشاء، ونتجنى عليه كما نريد؛ أما حافظ المحدث فهو أديب لم تر مثله أندية الأدب منذ أجيال طوال
وما ظنكم برجل كان الزعيم سعد زغلول يتشهى حديثه كما يتشهى عودة الشباب؟
لا أذكر أني رأيت رجلاً في مثل ظرف حافظ، ولا أكاد أصدق أن الدنيا ستسمح بأن يكون له ضريب أو مثيل
سألت أستاذي الشيخ (رنيه دوميك) عن أهم خصائص أناطول فرانس فأجاب:
,
ولو أن شاعرنا حافظ كان يكتب كما كان يتكلم لكان سحره في اللغة العربية شبيهاً بسحر أناطول فرانس في اللغة الفرنسية
وبراعة حافظ في الحديث هي التي قضت بأن ينتصر عليه غريمه شوقي. . . كان حافظ يتحدث ويتحدث إلى أن تنفد قواه فلا تبقى له قدرة على الغناء؛ وكان شوقي يصمت ويصمت ليستجم فتبقى له القدرة على السجع والهُتاف. والقوى الإنسانية لها حدود، وإلا فكيف جاز أن يكون المدرسون أعجز الناس عن الشعر والخطابة والتأليف؟
ألا يرجع ذلك إلى أنهم يضيعون نشاطهم في الدرس، فلا تبقى لهم عافية يساورون بها تلك المواهب الأدبية؟
أراد حافظ أن يمتع أهل زمانه فأضاعوه. كان زينة الأندية والمحافل، وكان حديثه أشهى من وعد الحبيب بعد طول الجفاء، وأطيب من اندحار الرقيب، وأشهى إلى النفس من الانتصار على السفهاء، إن كان الانتصار على السفهاء من الممكنات!
عليك - يا حافظ - تحية الشعر والنثر والحديث
وإلى روحك في عالم الخلود، نقدم آيات الثناء، يا حجتنا الباقية على أن مصر مهد الروح المتوهج والقلب الخفاق زكي مبارك