مجلة الرسالة/العدد 442/البريد الأدبي
→ الزنبق | مجلة الرسالة - العدد 442 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
القصص ← |
بتاريخ: 22 - 12 - 1941 |
غُبْر وعَبْر
لخص الأستاذ الكبير ا. ع في كلمته المنشورة بالعدد 438 من الرسالة
القضية التي بيننا حول كلمة (عبر) واحتجاجي لها واحتجاجه عليها.
وكنت قد أزمعت أن أفصل بالشواهد رأي. حتى نشرت الرسالة بالعدد 439 كلمة للأديب محي الدين صابر بدار العلوم يدلنا على رواية أخرى لهذه الكلمة في بيت سوار بن قارب وجدها في تفسير ابن كثير وهي:
فشمرت عن ساقي الإزار ووسَّطَتْ ... بي الدعلب الوجناء غبر السباسب
ثم قال إنه لا يستبعد أن تكون رواية عبر مصحفة عن غبر، ثم نقل عن اللسان أن الغبراء هي الأرض التي لا يهتدي إلى الخروج منها.
وأقول: إنها رواية سديدة جيدة، ويؤيدها كثرة ورود هذه المادة (اغبر - غبراء. . .) في وصف السفر وقطع السباسب والفلوات، ومن ذلك قول ذي الرمة:
وغبراء يقتات الأحاديث ركبها ... وتشفى ذوات الضغن من طائف الجهل
وقول القُلاخ:
وبلدٍ أغبر مخشيَّ العطب ... يضحي به موج السراب يضطرب
وقول ذي الرمة أيضاً:
وغبراء يحمي دونها ما وراءها ... ولا يختطيها الدهر إلا المخاطر
ومع هذا أقول: إن لهذه الرواية وجهاً من الضعف لا يخفي على اللبيب. . .
ذلك أن العامل في كلمة غُبر في رواية ابن كثير هو الفعل (وسطت). . . والكلام بهما مستقيم لا غبار عليه. ولكننا نعلم أن الرواية في بعض المصادر (أرقلت) وهذه لا تتفق مع كلمة غبر جمع غبراء ولا يستقيم الكلام بهما لأن الأرقال هو الإسراع وفعله لازم. فما معنى (وأسرعت بنا الناقة غبر السباسب)؟
زد على ذلك أن الروايات مختلفة في هذه الكلمة فهي (عبر) في جمهرة شعر العرب ص 26، وهي (بين) في سفينة الراغب ص 638، والسيرة الحلبية ج1 ص 267، وشرح لامية العجم للصفدي ج1 ص 18، وهي غبر في ابن كثير.
واختلاف الروايات على هذا النمط - مضافاً إليه وجه الضعف الذي ذكرت يعوز رواية ابن كثير إلى مرجح. فلسنا نستطيع إذن أن نقطع بها إلا بهذا المرجح المنشور
وبعد. . . فقد رجا الأديب محي الدين أن تكون هذه الرواية قد حلت ما بيننا من ألغاز النحو وأحاجيه، وأقول أن القضية قد خرجت من كلمة (عبر) صحيحة كانت أو فاسدة، إلى قضية نحوية أخرى جديرة بالبحث والتمحيص، قلت وقال فيها الأستاذ أ. ع وليس من مصلحة اللغة أن يبتر الكلام فيها. . . هي قضية المصدر الذي يقع حالاً. وإن لي في هذا الموضوع بحثاً للاجتهاد فيه نصيب كبير أرجو أن أوفق إلى عرضه إن اتسع صدر الرسالة لمثل هذه البحوث وإنه لكذلك إن شاء الله
محمد محمود رضوان
رسالة المعلم الإلزامي وكيف ينبغي أن تكون
أبنا في كلمتنا السابقة عما يجب أن يكون عليه المعلم الإلزامي ووعدنا القارئ الكريم أن نجيب على تلك الأسئلة التي طالما جهر بها المشفقون على الأمة عن رسالة المعلم الإلزامي وهل يقدرها المعلم؟ وهل أداها على الوجه المرضي؟ وإذا لم يكن فلماذا.
إما أن المعلم يعرف رسالته فهذا ما لا سبيل إلى جحوده، وإما أنه أداها على الوجه الأكمل فهذه مسألة فيها نظر. . .
قام المعلم بعمله على قدر ما وسعه جهده، ولكنه ارتطم بعوامل قوية حدت من عمله، وأضعفت من معنويته، وكان من أهم تلك العوامل.
1 - أن وضع نظام (التعليم الإلزامي) لم يكن الوضع الطبيعي لمسايرة حاجة المجتمع فلم يحدد له هدف، ولم يرسم له خطة فنظام (نصف اليوم) وتخبط الوزارة في خطط الدراسة والمقررات وعدم الاستعانة بعنصر المعلم الإلزامي فيما يعتروها من مشاكل جعلته يمش حبواً.
2 - عدم تقدير المعلم، لا من الحكومة ولا من الشعب، والحكومة وضعت العراقيل في طريقه ولم توفر له وسائل العمل، والشعب نفسه لم يتهيأ لأن يهضم هذا النوع من التعليم، ونظر إليه نظرة المتشكك الوجل - وكان الناس في هذا فريقين: فريق الأغنياء، وقد خشوا على أنفسهم أن يتعلم الشعب، في هذا انهيار لهم كما كانوا يظنون. . . وفريق العامة، وقد كانوا نحو التعليم كالطبيب المداوي مع مريضه الجاهل.
3 - مرتب المعلم: حددت له الدولة راتباً ضئيلاً لا يكفيه القوت الضروري، فجعلته يئن تحت عبء الحاجة
4 - أرهق بالعمل إلى درجة الإعياء، وضنت عليه الدولة بما يفتقر إليه من كتب ومراجع وأدوات
ولكن المعلم بقي وحده يصارع تلك العوامل بقوى نفسية عجيبة كان من أثرها قيام (اتحاد التعليم الإلزامي)، فساعد المعلم على إزالة تلك الأشواك من طريقه، وأمكنه أن يسمع صوت المعلم لمن بيدهم الأمر، وهاهو ذا قد نجح بعض الشيء، وكان من أثر ذلك أن تهيأت الأسباب لقبول دعوته، وأرهفت الآذان وتفتحت لسماع حجته، فتحركت الوزارة أخيراً فنشطت للعمل، وهاهو المجلس الأعلى ينظر ويبحث.
ولو أن الدولة كرست جهودها لتحقيق مطالب التعليم الإلزامي ويسرت للمعلم أسباب العمل - كفاها مؤونة تلك الجهود التي تذهب سدى من تلك الجمعيات - ولقام هو بأفضل مما تقوم به وزارة الشؤون الاجتماعية
والأمل كبير في الله وبفضل الاتحاد والاعتصام بالعروة الوثقى، ومن كان لهم الفضل في الأخذ بيد المعلم وعلى رأسهم أستاذناً الكبير الزيات أن تثمر رسالة المعلم وينجح التعليم، وأن تنهض البلاد، وفقنا الله إلى ما فيه الخير
محمود محمد عبد
وكيل نقابة القاهرة للتعليم الإلزامي
خطأ في كتاب المفصل
في كتاب (المفصل في تاريخ الأدب العربي) - تأليف بعض رجال المعارف - الأبيات التالية منسوبة إلى ابن رشيق القيرواني:
ولما بدا لي أنها لا تحبني ... وأن هواها ليس عني بمنجلي
تمنيت أن تهوى سواي لعلها ... تذوق صبابات الهوى فترق لي فما كان إلا عن قليل وأشغفت ... بحب غزال أدعج الطرف أكحل
وعذبها حتى أذاب فؤادها ... وذوقها طعم الهوى والتذلل
فقلت لها، هذا بهذا، فأطرقت ... حياء وقالت: كل عائب ابتلى
وهذه الأبيات نسبها أبن رشيق في عمدته إلى علي بن الله من سلالة جعفر بن أبي طالب حيث قال: (ومثل هذه الحكاية ما قاله بعض الكتاب، وقد دخل على علي بن عبد الله بن جعفر ابن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وهو محبوس، أين هذا الجعفري الذي يتديث في شعره؟ قال علي: فعلمت أنه يريدني لقولي: ولما بدا لي الأبيات فقلت أنا هو جعلت فداك)
(العراق - حلة)
جواد كاظم
بين صبري وابن دريد
وقع نظري على أبيات في الغزل لإسماعيل صبري وردت في ديوانه. . . بعثت في نفسي دهشة عجيبة لا لروعتها وفتنتها، بل لأنها خلقت مشكلة عجيبة، فما هي هذه المشكلة؟
المشكلة أن هذه الأبيات بقليل من التحريف اللفظي وجدتها منسوبة (لأبي بكر بن دريد) في مقال للشاعر الكبير محرم بالعدد الثاني من المجلد الثالث لمجلة أبولو (أكتوبر سنة 1932)
أما البيتان الواردان في ديوان صبري فهما:
إن الذي أبقيت في مهجتي ... يا متلفَ الصبِ ولم يشُعِر
حُشاشة لو أنها قطرةُ ... تجول في عينيكَ لم تُنْظَرِ
وأما بيتان (أبي بكر بن دريد) الواردان في مقال الشاعر محرم فهما:
إن الذي أبقيت (من جسمه) ... يا متلفَ الصَّبِ ولم يشعر
(صُبابةُ) لو أنها قطرةُ ... تجول في جفنيكَ (لم تقطر)
فليس من شك في أن صبري قد سرق البيتين وليس له غير تغير لم يوفق فيه. وليس من شك أيضاً في غفلة المحققين لديوان صبري عن هذه السرقة العجيبة.
حسين محمود البشبيشي أيهما أصلح لتعليم الأطفال المعلم أم المعلمة؟
كنت أعتقد بعد أن كتب الأستاذ الزيات كلمته عن المعلمين وبعد أن قدم الأستاذ مصطفى شكري بك تقريره عن التعليم الأولي، أن وجه الحق في هذا الموضوع قد أصبح واضحاً، وأن مجال القول لم يعد في حاجة إلى إعادة، وباب الكلام لا يتسع لزيادة!
ولكني قرأت في جريدة (المصري) رأياً لوكيل وزارة المعارف المساعد الأستاذ شفيق غربال بك استحسن فيه إحلال المعلمات محل المعلمين، وتمنى لو استطاعت الوزارة أن تعمم هذا في جميع المدارس. وقال: (إن إحلال المعلمات محل المعلمين في المدارس الأولية والإلزامية للبنات مشروع عظيم؛ لأن المعلمة كالأم، والأم أولى بحضانة الطفل، ولو استطعنا أن نعمم ذلك في المدارس الأولية والإلزامية، لكان هذا أوفق وأحسن)
قرأت هذا وفهمت منه أن الأستاذ الوكيل يرى أن المعلمة أوفق وأحسن من المعلم حتى في تعليم البنين، لأنها كالأم والأم أولى بحضانة الطفل!!
ولا شك أن هذا الكلام يقال في مقام العواطف لا في مقام التربية والتعليم، وإن حرمان الطفل من عناية المعلم أبلغ في الضرر من حرمانه من رعاية المعلمة! وحاجته إلى أبيه، لا تقل عن حاجته إلى أمه، وإذا قلنا إن المعلمة ستبعث في نفسه الحنان والعطف والرقة والشعور بالجمال، فأنه سيبقى مع ذلك في حاجة إلى من يعلمه الرجولة والشجاعة والحزم والتضحية والبطولة والاعتداد بالنفس
ومن الذي يستطيع هذا غير المعلم؟
أما الحضانة فليست للأم إلا قبل سن التعليم. فإذا بلغ الطفل السابعة كان لأبيه بنص الشريعة؛ لأنه أدرى بتربيته، وأبصر بمصلحته.
وإذاً يكون الاستدلال بحق الأم في الحضانة غير مستقيم مع قواعد المنطق، ولا مع وقائع الحال والناس يرون الرجل الذي تنفرد المرأة بتربيته ناقص الرجولة ويقولون عنه (إنه ابن امرأة!!)
ولم تأخذ البلاد الأوربية إلى الآن بنظرية انفراد المعلمة بتربية الطفل مع أن المرأة عندهم سبقت المرأة عندنا بأجيال! كما أن ثقافة المعلم عندنا أرقى من ثقافة المعلمة، لأن منهاج مدارس المعلمين أوسع من منهاج مدارس المعلمات؛ والمعلم يزيد في ثقافته بالدرس والمطالعة، بينما المعلمة لا تفكر في شيء من هذا بعد خروجها من المدرسة. والوزارة نفسها جعلت مناهج البنين غير مناهج البنات في المدارس الإلزامية! وفي كل هذا ما لا يستقيم مع رأي سعادة الوكيل!
على أن الوزارة قد حاولت تجربة هذه الطريقة منذ خمس سنوات، فأشركت المعلمات مع المعلمين في مدارس البنين. وترتب على هذا أن ساءت الحالة العلمية وأختل النظام؛ لأن المعلمة كانت تقف في وسط التلاميذ حائرة. فإذا ثاروا وعجزت عن إسكاتهم جلست تبكي مغلوبة على أمرها، حتى يأتي أحد المعلمين فيسكت التلاميذ عند رؤيته ويلزم كل وأحد منهم عمله!
وأذكر أن معلمة ذهبت تشكو لرئيس المدرسة تلميذاً، لأنه كان كلما ضربته بالمسطرة على يده يضحك ويسألها المزيد!
واضطرت الوزارة أخر الأمر وبعد أن ضج المفتشون من الفوضى. إلى تخصيص المعلمات بالتعليم في مدارس البنات! وإذن يكون القول بإحلال المعلمات محل المعلمين في المدارس الإلزامية مجازفة غير مؤمنة العاقبة، وفكرة أثبتت التجارب السابقة فشلها!
وأكبر ظني أن مثل هذه الآراء المرتجلة، هي التي أضاعت التعليم الإلزامي، وأفسدت طرائقه، وغيرت حقائقه، وحالت بينه وبين الإنتاج المنشود. ولو أنصف القائمون بأمره لردوا الأشياء إلى أصولها، والأصول إلى قواعدها، ولرجعوا إلى المعلم يسألونه رأيه فيما هم فيه مختلفون، ويستخبرونه عما لا يعلمون.
(المنصورة)
علي عبد الله