مجلة الرسالة/العدد 44/من طرائف الشعر
→ بديع الزمان الهمذاني | مجلة الرسالة - العدد 44 من طرائف الشعر [[مؤلف:|]] |
السائلة. . . ← |
بتاريخ: 07 - 05 - 1934 |
الى البحر
للشاعر الوجداني علي محمود طه
قِفْ من الليل مصغياً والعباب ... وتأملْ في المزبداتِ الغضاب
صاعدات تلوك في شِدقها الصخر ... وترمي به صدور الشعاب
هابطات تئنُ في قبضةالر ... يح وترغي على الصخور الصلاب
ذلك البحرُ: هل تشاهد فيه ... غيرَ ليلٍ من وحشة واكتئاب؟
ظلماتٌ من فوقها ظلماتٌ ... تترامى بالمائج الصخاب
لا ترى تحتهن غير وجود ... من عباب وعالم من ضباب
أيها البحر كيف تنجو من اللي ... ل؟ وأين المنجى بتلك الرحاب
هو بحرٌ أطمٌ لجّا وأطغى ... منك موجاً في جيئة وذهاب
اوما تبصرٌ الكواكبَ غرقى ... في دياجية كاسفات خوابي؟
وترى الارض في نواحيه حيرى ... تسأل السحب عن وميض شهاب
ويك يا بحر ما أنينك في الي ... ل أنينَ المروع الهَّياب
امض حتى ترى المدائن غرقى ... وترى الكون زخرة من عباب
إمض عبر السماء مواطغ على الاف ... لاك واغمر في الجو مسرى العقاب
ذاك أويهتكَ الظلامُ دياجي ... هـ وينضو ذاك السواد الكابي
وترى الشمس في مياهك تلقى ... خالصَ التبر واللجين المذاب
أقبل الفجر في شفوف رقاقٍِ ... يتهادى في منظرٍ خلابِ
حُللٌ من وشائع النور زهر ... يتماوجن في حواشي السحاب
وإذا الشاطئ الضحوك تغنى ... حوله الطير بالأغاني العذاب
ونسيمُ الصباح يعبث بالغا ... ب ويثني ذوائب الاعشاب
من الشمس جمرة في ثنايا ال ... موج يذكر ضرامها غير خابي
ومن البحر جانب مطمئن ... قزحيٌّ الأديم غضٌ الأهاب
نزلت فيه تستحمُّ عذارى ال ... ضوءِ من كل بضة وكعاب عاريات يسبحن في اليمِّ لكنْ ... لفّها الرغو في رقيق الثِياب
فإذا البحر يرقص الموج فيه ... وإذا الطير صُدَّحُ في الروابي
راقصات الامواج علْمن قلبي ... راقصات المغرِّد المطراب
وأفيضى عليه من سلسل الوح ... ى نميراً كالجدول المنساب
واستثيري عواطفي ودعيني ... أسمعُ البحرَ أغنيات الشباب
لي وراء الامواج يا بحرُ قلبُ ... نازح الدار ماله من مآب
نزعته منّى الليالي فأمسى ... وهو ملقى في وحشة واغتراب
ذكرياتَ تدنى القصىَّ ولكن ... اين منى منازل الاحباب
أنا وحدي هيمان في لجك الطا ... مي غريقٌ في حيرتي وارتيابي
أرمق الشاطئَ البعيدَ بعين ... عكفت في الدجى على التسكابْ
فسواء في مسمعي من ذَرَاهُ ... صدحةُ الطير أونعيق الغراب
وسواءُ في العين شارقةُ الفج ... رِ أو الليل أسود الجلباب
بيد أني أحسُّ فيك شفاءً ... من سقامى ورحمة من عذاب
أنت مهد الميلاد والموت يابحر ... ومثوى الهموم والأوصاب
فأنا فيك أطرح الآن آلا ... مي وعبء الحياة والاحقاب