مجلة الرسالة/العدد 44/العلوم
→ بين الموسيقى الشرقية والغربية | مجلة الرسالة - العدد 44 العلوم [[مؤلف:|]] |
في البحوث الروحية ← |
بتاريخ: 07 - 05 - 1934 |
ويسألونك عن الأهلة
للدكتور احمد زكي
- 3 -
سطح القمر
إذا اعتمدنا في حكمنا على الأمم القديمة من مصرية وكلدانية وهندية وفارسية على المرقوم مما خلف التاريخ، واعتمدنا عليه وحده، خرجنا على أن هؤلاء القدماء وُفقوا إلى دراسة مدار القمر دراسة دقيقة كشفت عن أهم الصفات الخاصة بهذا المدار، أما رأيهم في القمر نفسه، ما جوهره وماذا عليه؟ فلم يصلنا مما قد كانوا علموه من ذلك شئ.
ومن أقدم ما نعرف في هذا الصدد ما أرتاه العالم الإغريقي طاليس (640 - 550 ق م) فقد ارتأى ان القمر ان كان أكثره من الشمس، فان بعضه يخرج بالاشعاع من القمر نفسه. ودلل على ذلك بأن الأجزاء المعتمة من الأقمار الجديدة والأهلة لا تعتم كل الاعتام، بل يبقى فيها برغم احتجابها عن الشمس بقية قليلة من ضياء تتبينها العين.
ومن القدماء الفلاسفة الفيثاغوريون علموا أن القمر كرة بلورية ملساء ينعكس منها الضياء كما ينعكس على المرايا، وتتراءى فيه صور الأشياء كما تتراءى في المرايا، فالمناطق التي تظهر على سطح القمر بيضاء ناصعة، أو سمراء داكنة، ليست إلا صورة الكرة الارضية انعكست فيه ببحرها وخلجانها، وجبالها ووديانها، وتابعهم في ذلك ارسطو، فأظهر جهلا كجهلهم تاماً بأبسط قواعد الضوء وانعكاساته، وبما لاشك كان معلوما في هذا العصر من الحال التي عليها دار القمر. فهذه القواعد الضوئية والمعلوم من المدارات القمرية لا يمكن ان يؤلف بينها العقل العادي - بله عقل أرسطو - وبين أن القمر يرينا دائما وجها وأحداً وصورة واحدة لا تتغير. فلو أنها كانت صورتنا تنعكس الينا لتغيرت حتما باختلاف أوضاعنا واوضاعه.
وسبق هذه الآراء وتخللها وتبعها آراء أخرى للأقدمين كثيرة، كان من الطبيعي أن تحظى من الخيالى بحظ أكبر من الحقيقة لعجز العين الإنسانية عن استيضاح ما هنالك.
ثم جاء جاليليو، وفي عام مايو عام 1606م وجّه إلى القمر أول منظار صنعه، فعلم من تلك النظرات الأولى أن لا ملاسة في سطح القمر، وأنه سطح خشن فيه خروج وفيه دخول، وفيه تكسر وفيه انحناء والتواء. ثم تهيأ له منظار الأكبر فحرره إليه، فرأى لأول مرة جبال القمر تمتد في سلاسل كسلاسل الأرض، تدور على الأغلب في حلق يضيق ويتسع. ورأى على حافة الأهلة الداخلة نقطا لامعة في بقع سوداء، عرف أنها قمم الجبال، نالتها وحدها الشمس فأضاءت، بينما الوديان المحدقة بها في ظلام بهيم، وتتبع ظلال تلك الجبال القمرية فوجدها تطول وتقصر، كما تطول وتقصر الجبال الارضية بشروق الشمس عليها وغروبها عنها. إنما الذي حيره أن جبال القمر ووديانه كانت تنير بغتة، وتظلم بغتة، كانت تعرف البياض الخالص والسواد الخالص، وتجهل ما بين هذين الطرفين من درجات، بينما جبال الأرض لا تكاد تنالها الشمس حتى يصيب الوديان من نورها نصيب ولو ضئيلاً. حيرة إحتارها جاليليو من تلك الحيرات الغوالي التي كثيرا ما تنكشف عن حقيقة غالية، حيرة نعرف الآن انها كانت أول دليل على أن القمر لا جو له ولا هواء يلفه كهوائنا، فان هذا الجو الارضي، وهواء دينانا هذا الذي نعيش فيه، يكسر أشعة الشمس إذ تمر فيه فينشرها وينال بها فيما ينال مواقع تلك الظلال التي لولاه لكانت سوداء كالليل، وظلماء كالظلال على القمر.
واستخدم جاليليو أطول تلك الظلال في تقدير أطوال الجبال وخرج من ذلك على نتائج وارتأى أول من رأى فوهات القمر، وهي جبال كالبراكين الأرضية تتقور قممها كالجفان، شبهها كما تراءت له بالعيون على ذيل الطاووس.
ورسم جاليليو خريطة للقمر تحكم له بالحذق وتقضي له بالمقدرة، إذا ذكرنا ان منظاره لم يكبر أكثر من ثلاثين ضعفا، ولكن فاق خريطته في الاتقان وسبقها في التفصيل ما تلاها من خرائط الباحثين، فأصبحت هي ولا قيمة لها إلا المتعة بالقديم.
تبع جاليليو رجال نذكر منهم هيفيليوس وريكسيوني وكسيني وشروطر ولو هرمان وبير ومدلر ووب وشمت بحثوا القمر، فزادوا في قوة المنظار، وأكثروا من رؤية التفاصيل، ودونوها على الورق تارة وعلى المعدن تارة أخرى، وبذلوا في ذلك مجهودات كبيرة، وصبروا وصابروا على المشقات الكثيرة، لاسيما مشقة العين وجهد البصر وألم التحديق.
وانتصف القرن الثامن ففكر القوم في استخدام الفوتوغرافيا في تصوير الأقمار والنجوم فكانت فتحا جديداً.
يتبع
أحمد زكي