الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 431/من بحوث مؤتمر التعليم

مجلة الرسالة/العدد 431/من بحوث مؤتمر التعليم

بتاريخ: 06 - 10 - 1941


التعليم الأولي والإلزامي

للأستاذ مصطفى شكري بك

المراقب العام للتعليم الأولي

(أستهل الأستاذ مصطفى بك شكري المراقب العام للتعليم الأولي تقريره عن هذا التعليم ببيان مدى اهتمام الدول المختلفة به وما خصته به من اعتمادات كبيرة، وتدرج من ذلك إلى ضرورة العناية به في مصر والعمل على ترقيته).

مراحل التعليم الأولي

أستطرد التقرير فذكر المراحل المختلفة التي مر بها هذا النوع من التعليم في مصر منذ تولت أموره وزارة المعارف وهي ثلاث مراحل: أولها مرحلة الكتاتيب التي انحصرت مهمتها في تحفيظ القرآن وتعليم القراءة والكتابة، ثم المرحلة الثانية التي صدر فيها قانون مجالس المديريات، وأباح لها إنشاء المدارس الأولية؛ وفي نفس هذا العصر قامت الوزارة بإنشاء مدارس المعلمين والمعلمات الأولية.

ثم ذكر المرحلة الثالثة وهي التي بدأت بصدور الدستور عام 1923، وما جاء فيه من أن التعليم الأولي إلزامي ومجاني بالمكاتب العامة، وما تلا ذلك من إنشاء 127 مدرسة أولية سميت (مدارس المشروع)، وكانت مجانية، والدراسة فيها طوال اليوم، وكانت كالمدارس القديمة مع اهتمام يجعلها في أمكنة جديدة، وتأثيثها تأثيثاً حسناً.

وبعد ذلك قامت الوزارة باستعراض جميع النظم التي سبق التفكير فيها لتعميم التعليم الأولي، وعدلت خطتها في تعميم هذا التعليم تعديلاً أساسياً، وقررت مشروع التعليم الإلزامي الحالي على أساس أن نحو خمسة آلاف من المكاتب العامة تكفي لتعليم الأطفال من سن 7 إلى سن 12، باعتبار أن اليوم المدرسي نصف نهار، لتستعمل غرف الدراسة لطائفتين من الأطفال قبل الظهر وبعده، وأن نفقات المعلمين تخفض إلى أدنى حد ممكن، وقد قدرت نفقات هذا المشروع بما لا يتجاوز ثلاثة ملايين من الجنيهات، ووزعت نفقاته على 23 سنة (من سنة 1925 إلى سنة 1948)، على أن تقوم الوزارة كل سنة بإنشاء عدد معين من المكاتب وتحول مدارسها القديمة ومدارس المشروع بالتدريج إلى النظام الجديد (نصف اليوم)، على أن تتحمل الوزارة نفقات إعداد المعلمين ومرتباتهم ومرتبات الخدم وثمن الكتب والأدوات ونفقات التفتيش زيادة على نفقات ما ينشأ من هذه المكاتب في المحافظات. وتتحمل مجالس المديريات نفقات الأماكن وأعدادها، وكذلك الأثاث، وتتولى إدارة هذه المكاتب لجنة فنية تسمى: (لجنة التعليم الإلزامي) مكونة من بعض أعضاء المجالس وبعض موظفين يمثلون الوزارة.

ولما صدر قانون التعليم الأولي لسنة 1933، بدأت الوزارة بتحويل جميع مدارسها (عدا مدارس البنات في المحافظات)، إلى نظام التعليم الإلزامي، وأشارت على مجالس المديريات بأن تنحو هذا النحو في مدارسها. وقد أدى التوسع في التعليم وانتشاره إلى عجز ميزانيات المجالس عن تحمل نصيبها من النفقات، فاضطرت الوزارة إلى أن تتحمل هذه النفقات.

وفي أكتوبر سنة 1934 أنشأت الوزارة في الأقاليم 720 مكتباً عاماً. وقد نص قانون التعليم الأولي بأن تتكفل مجالس المديريات بالتعليم الأولي في المديريات، وتتكفل به وزارة المعارف في المحافظات.

وفي سنة 1935 لاحظت الوزارة أن نظام المكاتب العامة لا يؤهل من يرغبون في التعليم الابتدائي للحاق بمدارسه في سن مبكرة، وأن رياض الأطفال غير كافية لتحقيق هذا الغرض؛ فأعادت إنشاء مدارس اليوم الكامل وجعلت التعليم فيها بالمصروفات، ووضعت لها خطة خاصة تخالف خطة المكاتب العامة وأباحت قبول الأطفال في سن الخامسة.

وقد بدأ تنفيذ القانون المشار إليه في نوفمبر سنة 1936، ثم صدرت لائحة تنفيذية لذلك القانون في نوفمبر سنة 1940.

وهي وإن كانت قد وسعت نطاق إشراف وزارة المعارف على التعليم الأولي بالأقاليم - إلا أنها لا تكفل تنظيم التعليم التنظيم الواجب - ولا تمكن الوزارة من النهوض به إلى المستوى الذي تنشده.

اقتراحات المراقب لإدارة التعليم الأولي والإلزامي

تم ذكر التقرير جملة اقتراحات قدمها الأستاذ المراقب لما يجب أن تكون عليه إدارة التعليم الأولي وهي:

1 - أن تتولى وزارة المعارف دون غيرها أمر الإشراف الفني والصحي والإداري على التعليم الأولي والإلزامي في جميع أنحاء المملكة، وأن يكون الإنفاق عليه من خزانة الدولة وفق الميزانية التي تضعها الوزارة على أن تضم النسبة المخصصة للتعليم الأولي بميزانيات مجالس المديريات إلى خزينة الدولة.

2 - تنظيم المراقبة العامة للتعليم الأولي تنظيماً يتفق مع أهمية هذا النوع من التعليم حتى تتمكن من مواجهة حركة الإصلاح بخطى ثابتة حاسمة.

3 - يلغى النظام الحالي لمديري التعليم ونظام تفتيش المناطق للتعليم الأولي وتستبدل به وظيفة (مدير التعليم الأولي) بكل مديرية ومحافظة على أن تتبع مراقب المنطقة التعليمية. ويشرف هذا الموظف على سير التعليم الأولي والإلزامي وعلى تنفيذ الإلزام وفقاً لحاجة كل مديرية أو محافظة، ويتبع كل مدير تعليم هيئة تفتيش لإرشاد رؤساء ومعلمي المدارس والمكاتب العامة على أن يشجع المبرزون منهم بإفساح مجال الرقى لهم.

4 - تنظيم هيئة التفتيش الصحي على التلاميذ.

5 - إنشاء هيئة إدارية تخصص بكل منطقة لإنجاز الأعمال على وجه السرعة.

ثم أشار التقرير إلى ما يجب أن يكون عليه الغرض من التعليم الإلزامي وهو تثقيف الطفل تثقيفاً عاماً إلى جانب محو الأمية، على ألا يكون التثقيف سطحياً، بل مؤسساً على دعائم ثابتة متينة.

ويرى المرقب أن تبقى سن التلميذ كما هي الآن، أي بين 7 سنوات و12 سنة على أن تكون المكاتب على نظام اليوم الكامل، وأن تكون مدة التعليم 5 سنوات.

نشر التعليم الإلزامي

دنت الإحصاءات على أن نسبة الأطفال المقيدين بالمدارس الأولية والمكاتب العامة تتراوح بين ثلث ونصف الذين في سن الإلزام، وإذا سلمنا جدلاً بإمكان إعداد العدد اللازم من المعلمين والمعلمات لتعميم التعليم فإن تدبير الأماكن الصحية المناسبة وإعداد الأثاث والأدوات للتلاميذ ليس بالأمر الهين كما أن انتزاع هذا العدد من الأطفال من حياتهم اليومية مدعاة لتذمر الأهلين وهم لم يؤمنوا بعد بفوائد التعليم. ويرى التقرير - كأجراء تمهيدي - أن يقتصر التوسع في تعليم الأطفال الذين في سن الإلزام على المدن المتوسطة التي ازدهرت فيها بعض الصناعات. أما فيما يختص بالمحافظات والمدن الكبيرة فإن الحالة تستمر فيها كما هي الآن حيث الإقبال على التعليم فيها مكفول بطبيعة الحال، وأما فيما يختص بالقرى فإن التوسع فيها يكون بالتدريج.

وتقدر مدة تعميم التعليم الإلزامي على هذا الأساس بما لا يقل عن 15 سنة.

مناهج الدراسة

وذكر التقرير جملة مقترحات لإكمال ما في مناهج الدراسة الحالية من نقص وهي تتلخص في جعلها مرنة حتى تناسب البيئة التي بها المدرسة وحذف بعض الموضوعات التي لا تتناسب وإدراك التلاميذ ووجوب الاهتمام بتدريس الأشغال اليدوية والتدبير المنزلي كما يرى تعين بعض مدرسات رياض الأطفال في المدارس الأولية للبنات.

نظام نصف اليوم

وانتقد تقرير نظام نصف اليوم ونادى بضرورة إعادة نظام اليوم الكامل لجملة أسباب: منها أن المقصود من التعليم الأولي هو إعداد الناشئين إعداداً حسناً لا أن يكون تعليمهم سطحياً وإلا كان في ذلك إسراف دون فائدة. ثم أن نظام اليوم الكامل يؤدي إلى مواظبة التلاميذ وخصوصاً في القرى وبذا تقل قيمة ما يتكلفه الواحد منهم في المتوسط.

وزيادة على ذلك فإن المنهج الحالي هو الحد الأدنى لما يجب أن يتلقاه التلميذ، ولا يمكن تلقينه له في أقل من خمس سنوات كاملة، كما أن هذا النظام ييسر أداء كل من التلميذ والمعلم لعمله ويدفع التلميذ إلى الإقبال على المكتب ويحببه فيه. ويرد التقرير على ما يمكن أن يوجه من اعتراض على نظام اليوم الكامل بأنه يباعد بين التلميذ والعمل في الحقل أو المصنع فخلص بأن ذلك وإن كان صحيحاً في القرى الزراعية إلا أنه ليس كذلك في الجهات الصناعية لأن الصغير لا يصلح للأعمال الصناعية في مثل هذه السن المبكرة.

إعداد المدرسين ورفع مستواهم

وختم المراقب تقريره بذكر حالة المدرسين وسوء إعدادهم لوظائفهم وضآلة مرتباتهم التي تتراوح بين ثلاثة وستة جنيهات مما يؤثر في حالتهم المعنوية وإقبالهم على عملهم.

واقترح أن يرفع مستوى مدرسي الإلزام وزيادة ثقافتهم العلمية، وذلك أثناء إعدادهم في مدارس المعلمين والمعلمات الأولية، كما يجب الاهتمام برفع مستوى المدرسين الحاليين بإرشادهم، والنهوض بهم علمياً وفنياً واجتماعياً، كما نادى بوجوب تأمين المدرس على حالته ومستقبله، حتى يعلم أن ترقيته لن تكون إلا نتيجة اجتهاد فقط، كما يجب تخفيض عدد الدروس التي يكلف بها كل مدرس، حتى لا تتجاوز 34 درساً، وهي الآن 46 درساً في المتوسط، كما رأى ضرورة مرتباتهم، حتى يليق بعملهم وتوازي ما يبذلونه من مجهود شاق.