مجلة الرسالة/العدد 43/الجدول الحالم
→ الهوى والشباب | مجلة الرسالة - العدد 43 الجدول الحالم [[مؤلف:|]] |
من الأدب الفرنسي ← |
بتاريخ: 30 - 04 - 1934 |
تدفق كشعري بالحنان، ولا تكن ... شحيحاً، فهذا الزهر نشوان من ضمَّكْ
ووقَّعْ أناشيد الحياة على الحصى ... ودع صادحات الطير نثمل من لثمك
وسر حالماً ما بين عشبٍ منمق ... وبين شجيراتٍ تضاحكن من حُلمِكْ
تدفق، لأنتَ النايُ يُلهِبُ خاطري ... وأنت شبيهي في صداكَ وفي وسمكْ
تدفق، وُثرْ، وأبعث أغانيكُ حرةً ... ولا تخشى مأفوناً يلوم ولا يدري
ألا إنما الألحان تملك منطقي ... ولحنُك أولى أن يُغَني على شعري
ولحنك آلامي، ثَوَتْ مِلَء خافقي ... سنين إلى أن رُعتَها أنت من فكري
ووثبك بين الرمل، وثبي لدى الصبي ... وعهد الصبي أغلى الذي فات من عمري
ألا حبذا كوخٌ لديك ومرتعٌ ... بشطك أقضي فيه أسعدَ أيامي
لقد ضقتُ ذرعاً بالحياة وأهلها ... وشَردتُ في بحبوبة العمر أحلامي
ونفسي تخاف الناس، حتى كأنني ... أعاشر عجماواتِ تسعى لإعدامي
منعت يميني عن تحية فاجرٍ ... مخافة أن تدمى بمخلبه الدامي.!
الجدول الحالم
تدفق كشعري بالحنان، ولا تكن ... شحيحاً، فهذا الزهر نشوان من ضمَّكْ
ووقَّعْ أناشيد الحياة على الحصى ... ودع صادحات الطير نثمل من لثمك
وسر حالماً ما بين عشبٍ منمق ... وبين شجيراتٍ تضاحكن من حُلمِكْ
تدفق، لأنتَ النايُ يُلهِبُ خاطري ... وأنت شبيهي في صداكَ وفي وسمكْ
تدفق، وُثرْ، وأبعث أغانيكُ حرةً ... ولا تخشى مأفوناً يلوم ولا يدري
ألا إنما الألحان تملك منطقي ... ولحنُك أولى أن يُغَني على شعري
ولحنك آلامي، ثَوَتْ مِلَء خافقي ... سنين إلى أن رُعتَها أنت من فكري
ووثبك بين الرمل، وثبي لدى الصبي ... وعهد الصبي أغلى الذي فات من عمري
ألا حبذا كوخٌ لديك ومرتعٌ ... بشطك أقضي فيه أسعدَ أيامي
لقد ضقتُ ذرعاً بالحياة وأهلها ... وشَردتُ في بحبوبة العمر أحلامي
ونفسي تخاف الناس، حتى كأنني ... أعاشر عجماواتِ تسعى لإعدامي
منعت يميني عن تحية فاجرٍ ... مخافة أن تدمى بمخلبه الدامي.!
تدفق؛ وأنشدْ، إنني وحدي الذي ... يعي كلَّ ما تلقيه من وَحي قيثاركْ
وغيري من الأحياء ألهتهمُ الدُنى ... فصُموا جميعاً عن قريضي وأشعاركْ
لئن كنتَ مغموراً، فلحنك خالد ... وكم ذائع الآثار يعنوُ لآثارك
شدونا كلانا يا غديرُ، فلم أصِبْ ... مُصيخاً، ولم تُلف المذيعَ لأسرارك!
عبرتُ إليك اليوم، والضوء ضاحك ... بصفحتك الخجلي، وقد قاض بشره
وقد هبط النسمُ الجريءُ للثمها ... حدوباً، عظيمَ الشوق، يُسكرُ نُشْرُه
وغرَّدَ عصفورٌ على غصن دوحةٍ ... أغاريد عربيد تزايدَ سُكرُهُ
وصفَّقَ قلبي في الضلوع محاولاً ... عناقَكَ، كي يَهمي بمائكِ شعرُهُ
ألآقل عن الذكرى، وحدِّث عن الهوى ... ولو أنَّ في ذاك الحديث شجيِ قلبي
وقُصَّ الذي تدريه عن ملعب الصبي ... وعن حيرة النجوى، وعن لوعةِ الحب
وقُل عن عهود الغيد ما قد وعيته ... لعل بما ترويه تنفى جوى الصَبِّ
وحَدِّثْ عن الأولى حديثاً مُفصلاً ... فأنيَّ منها فزتُ بالأمل العذبِ
تدفق، وقل يا جدولي، هاهو الضحى ... قد أنساب منه النورُ فوقك كالتبر تبسم، فهذا النسمُ هبَ مداعباً ... مياهَك، فياضَ الطلاقة والبشر
وإن كنتَ لا ترضى عن الحسن والهوى ... لأنك تلقى فيهما غاية الشَرِّ
فكن ثائراً، وارفع بألحانك النهى ... إلى عالم سام من الطهر والبِرِّ. . .
أيَا جدولي المجهول، رَدِّدْ خواطري ... ففيها شفاءٍ النفس من بعض أسقامي
ويا رُبَّ لحنٍ عاثرٍ متكاسلٍ ... يُثيرُ نبوغي، أو يُحَفِّزُ إلهامي. .!
لَكَمْ نحت والإعصارُ يعوي مُدَمِّراً ... بشطْيكَ، والأمواه تلطم أقدامي
وقد لاح في جوف الزعازع وأمضٌ ... تألق نوراً من ذُرى الكوكبِ السامي
إلا فْلنُغَنِّ الآن للنجم، عَلَّةُ ... يُضيءُ لنا ليلاً فتمضي المخاوفُ
لقد عشتُ مجهولاً بشطكِ مُهمَلاً ... يُضيءُ لنا ليلاً فتمضي المخاوفُ
نزفتُ دمائي في مياهكَ كُلها ... بربك قل لي ما عسى أنا نازف؟
عسى أن يشق النجمُ أسدافَ ليلنا ... فتنقذنا الدنيا، ويُجْدِي التعارفُ!
مختار الوكيل