الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 428/معركة الأطلنطي

مجلة الرسالة/العدد 428/معركة الأطلنطي

بتاريخ: 15 - 09 - 1941


للأديب محمد شاهين الجوهري

(لا تكاد خطبة من خطب تشرشل تخلو من ذكر (معركة الأطلنطي)، على صفحات هذا المحيط تقوم معركة من أشد المعارك وأعنفها، فهي المعركة التي ستكتب السطر الأخير من سطور الحرب. وفي هذه المعركة يتعاون السلاح الجوي الألماني مع سلاح الغواصات، فتضرب الطائرات الألمانية الموانئ والمدن الإنجليزية لتنهك قوى بريطانيا في الداخل، وتفتك الغواصات بالقوافل التجارية في عرض المحيط. وإذا كان يجري في هذا المحيط شريان الإمبراطورية البريطانية الحيوي، فلا عجب إذا رأينا ألمانيا تبذل قصارى جهدها لتقطع هذا الشريان لتمنع عن بريطانيا ما يأتيها من معونة ومدد، بينما تعمل بريطانيا على أن تبقى على هذا الشريان إذ في بقائه بقاؤها)

المصانع الأمريكية تعمل فتنتج المؤن والعتاد الحربي؛ واتفاقية الإعارة والتأجير تبيح إصدار هذه المؤن وهذا العتاد إلى بريطانيا. وفي الجزر البريطانية يرابط المدافعون عن الديمقراطية، ويفصل المحيط الأطلنطي بين هذا المدد الأمريكي وبين المدافعين عن هذه الجزر. وفي هذا المحيط ترتع الغواصات الألمانية متعاونة مع الطائرات في معركة لا تعرف هوادة ولا رحمة ضد السفن الإنجليزية. ويرمي هتلر من وراء هذه إلى غرضين:

أولهما إضعاف إنجلترا بتدمير موارد ثروتها الداخلية وأحواض سفنها وموانيها، وشل حركة إنتاج السفن والذخائر الحربية.

وثانيهما منع المدد الذي يصل إلى بريطانيا من الخارج بإغراق سفنها في المحيط، وعزلها عن أمريكا. وعندئذ يسهل عليه مهاجمة بريطانيا

تبلغ هذه المعركة شدتها في فصل الربيع. ففي هذا الفصل تتقشع السحب التي كانت تخيم على آفاق المحيط فتجعل عمل الغواصات والطائرات عسيراً، وتبدأ الغواصات الألمانية تجوب المحيط باحثة عن السفن البريطانية، وتنطلق الطائرات الألمانية في الجو لتساعد الغواصات في المهمة الملقاة على عاتقها. وقد كان المتحمسون للطيران في ألمانيا يعقدون آمالاً كباراً على السلاح الجوي ضد الملاحة البريطانية، فكانوا يعتقدون أن قاذفة القنابل قادرة على أن ترسل أية سفينة حربية إلى أعماق المحيط، ولكن التجارب برهنت على هذا السلاح لم يحقق ما بنى عليه من آمال، ولذا أصبح عمل الطائرات الألمانية الرئيسي هو القيام بمهمة استكشاف مواقع السفن واتجاهاتها وإبلاغ ذلك باللاسلكي إلى الغواصات لتهاجم هذه السفن

وعدد السفن الذي يصل إلى بريطانيا سالماً هو الذي يقرر إن كان في مقدورها أن تحافظ على سلامة هذا الخط الحيوي بينها وبين أمريكا، وأن تضمن دوام وصول الإمدادات إليها. ويقول المستر نوكس: (إن هتلر يعمل على ألا تصل المؤن والذخائر إلى بريطانيا، لأن في وصولهما هزيمته. إننا لا نرضى لمنتجاتنا أن تغرق في الأطلنطي، وستلحقنا الهزيمة إذا رضينا بذلك. يجب علينا أن نفي بوعدنا ونساعد بريطانيا لأنها عانت كثيراً في الحرب الكبرى الماضية لما كان قد لحق أسطولها من الوهن من جراء نشاط العدو. ففي أبريل من سنة 1917، أغرقت الغواصات الألمانية من السفن البريطانية ما حمولته مليون طن تقريباً. وكان الألمان يتوقعون انهزام بريطانيا في ذلك العام، ولكن تطبيق نظام القوافل البحرية ووصول المدمرات الأمريكية، وسفن الحراسة، واختراع الأجهزة المخبرة عن الغواصات، قد أضعف كثيراً من خطر الغواصات).

ويحاول هتلر الآن جهد طاقته كسر شوكة بريطانيا البحرية ويبذل في ذلك أعنف الجهود. فإن دخول إيطاليا الحرب، وما يحرض به اليابان من قيامها بمناورات دبلوماسية وعسكرية، إنما هي خطة يرمي من ورائها إلى إرغام إنجلترا على استخدام أسطولها في ميادين بحرية متعددة لتتوزع قواه، وتقل مقدرته، ويصبح من السهل على هتلر أن يضربه الضربة القاضية. وأن مجرد وجود الأسطول الإيطالي في البحر المتوسط قد أضطر بريطانيا إلى الاحتفاظ بوحدات عديدة من أسطولها في هذا البحر في وقت تحتاج فيه إلى هذه الوحدات في الأطلنطي لتعمل ضد الغواصات، وفي حراسة القوافل. وقد فطنت بريطانيا إلى ذلك وعملت من جانبها على إحباط السياسة الألمانية فأجرت بعض القواعد البحرية للولايات المتحدة، أو بمعنى آخر ألقت مهمة الدفاع عن هذه القواعد على عاتق الأسطول الأمريكي، وذلك لتقلل من الأعباء الملقاة على عاتق الأسطول البريطاني وتوجه قواه لمناهضة العدو وتأمين طرق قوافلها التجارية وضمان وصول الإمدادات إليها

عندما بدأت الحرب كانت بريطانيا تملك من السفن ما حمولته 18. 5 مليون طن، أضيفت إليها حمولة قدرها 8. 5 من

الأطنان حصلت عليها إنجلترا من الدانمرك وبلجيكا وفرنسا

وألمانيا وإيطاليا والنرويج وهولندا، ومن هذا المجموع الذي

يبلغ 27 مليوناً من الأطنان أغرق الألمان ما حمولته خمسة

ملايين طن أي ما يعادل 51 ما تملكه بريطانيا تقريباً

من أين لبريطانيا أن تحصل على ما يسد هذا النقص؟

تنتج بريطانيا من السفن سنويا ما حمولته 1. 500000 طن. ولكي تسهل المهمة الملقاة على عاتقها أدخلت بعض تعديلات على بناء السفن، وذلك بالتخلي عن كل ما ليس له مهمة رئيسية في السفينة. وقد صار يبنى الآن نوع من السفن يكبر حجم السفن العادية مرتين ونصفاً، ويمكن بناء أجزاء هذه السفن في مصانع في داخلية البلاد بعيدة عن غارات الطائرات الألمانية على أحواض السفن. ويبلغ حمولة ما أمدت به الولايات المتحدة بريطانيا في عام (1941) 1000000 طن. كما تقرر أن تمدها أمريكا بما مقداره 2000000 طن في عام (1942)، وسيبلغ هذا المدد خمسة ملايين طن في عام (1943) وبلغت حمولة ما وصل بريطانيا فعلاً 1. 500000 طن يضاف إليها خمسون قطعة أعطيت لبريطانيا بموجب قانون الإعارة والتأجير. وسيرسل إليها 150 قطعة تبلغ حمولتها 1. 500000 طن. وهناك مورد آخر لبريطانيا وهو السفن المحجوزة في موانئ الولايات المتحدة، ويبلغ عددها 58 قطعة حمولتها 589000 طن

تلك هي الموارد التي تجد فيها بريطانيا عوضاً عن بعض ما تفقده. هذا ويبذل العمال جهوداً جبارة لبناء أكبر عدد من السفن، كما يضرب السلاح الجوي موانئ الغزو الألمانية ملحقاً ما استطاع من الخسارة بهذه الموانئ وأحواض السفن. ولا يألو رجال البحرية جهداً في مكافحة الغواصات والقضاء عليها؛ وبذا تعمل بريطانيا على زيادة الإنتاج وتقليل الخسارة مما يساعد كثيراً على سد هذا النقص

وغنى عن البيان أن لسيطرة النازي على البلاد الساحلية في أوربا أثرها العظيم في سير معركة الأطلنطي، فإن الغواصات الألمانية تتخذ من موانئ النرويج شمالاً إلى موانئ فرنسا جنوباً قواعد تكمن فيها. وهذا قد أعطى ألمانيا ميزتين هامتين:

أولاهما إن ألمانيا باستيلائها على هذه القواعد أمكنها أن تستخدم غواصات صغيرة الحجم تسع من خمسة رجال إلى عشرة، بدلاً من الغواصات الكبيرة التي تسع من ثلاثين رجلاً إلى أربعين، وبذلك قلت الخسارة التي كان يتحملها الألمان من إغراق غواصاتهم كما زاد عدد الغواصات لتي تعمل في المحيط. والميزة الثانية إنه باستيلاء ألمانيا على النرويج وفرنسا مكن الغواصات الألمانية من أن تتفادى الخطر الذي كانت تلاقيه في الحرب الماضية حين كان من المحتوم عليها أن تمر بحقول الألغام التي كان ينشرها الإنجليز في مضيق دوفر وبحر الشمال كلما أرادت الوصول إلى قواعدها على الساحل الألماني. فللإنجليز الآن إذا ما حاولوا تضييق الخناق على الغواصات الألمانية يجب عليهم أن يبذروا حقول الألغام على طول الساحل الأوربي، وهذا يعد من أصعب الأمور وأشقها على الأسطول البريطاني نظراً لوقوع هذه السواحل تحت رحمة القواعد الجوية الألمانية. كذلك فقدت بريطانيا ميزة كانت لها في الحرب الماضية وهي عدم استخدام الموانئ الأيرلندية الغربية كقواعد للسفن مما يضطر الدوريات البحرية أن تقطع للقيام بدورياتها رحلات أشق كثيراً مما كانت في الحرب 1914

وإذ كان في استيلاء ألمانيا على هذه السواحل كسب لها

وخسران لبريطانيا، فبريطانيا قد سعت من جانبها لإيجاد

وسائل تفسد على الألمان ما اكتسبوه من ميزات فزودت سفنها

بأجهزة ترشد إلى مكان الغواصات، وقذائف الأعماق التي

تتفجر تحت سطح الماء وهي تعتبر من أفتك الأسلحة

بالغواصات. وكذلك وفق الإنجليز إلى نوع جديد من السفن

يعرف باسم (الكورتيث) وهو عبارة عن مدمرة صغيرة تجمع إلى بساطة تركيبها سرعتها وسهولة إدارتها وتبلغ تكاليف هذه

المدمرة الصغيرة 108 تكاليف بناء المدمرة العادية؛ فلا يزيد

ثمنها على نصف مليون من الجنيهات، وتحتاج إلى عدد قليل

من البحارة لا يزيد عن الأربعين، ويبلغ طولها نصف طول

المدمرة؛ وحمولتها أربعمائة طن وسرعتها 25 عقدة بحرية

في الساعة. ويمكن بناء عشر مدمرات من هذا النوع بدلاً من

مدمرة واحدة كبيرة. وتحمل هذه المدمرة مدفعين من عيار 4

بوصات وقذيفتين للأعماق. ولما ثبت نجاح هذا النوع من

السفن في محاربة الغواصات قامت كندا ببناء 80 قطعة.

وتبني إنجلترا الآن 300 قطعة من هذا النوع. هذا وقد زودت

كل سفينة تجارية بمدفع ضد الطائرات والغواصات لتكون

أقدر على حماية نفسها.

وهكذا تبذل الدولتان قصارى جهودهما وتقذفان بثمرات إنتاجهما في هذا المحيط حيث تدور المعارك الكبرى

محمد شاهين الجوهري

معهد الصحافة العالي بالجامعة الأمريكية