مجلة الرسالة/العدد 425/نظرات في التربية
→ بمناسبة الذكرى الرابعة عشرة | مجلة الرسالة - العدد 425 نظرات في التربية [[مؤلف:|]] |
كليلة ودمنة ← |
بتاريخ: 25 - 08 - 1941 |
اللعب وأثره في حياة الطفل
للأستاذ رفعة الحنبلي
لكل إنسان في هذه الحياة أهداف يرمي إليها، لكنهم قلما يشتركون في هذه الأهداف؛ إلا أن هنالك غاية واحدة يشترك البشر كلهم فيها. هذه الغاية هي السعادة.
إن هذه الغاية التي عرفها علماء النفس (بعامل اللذة) تكيف أعمال الإنسان، وتتحكم في تصرفاته، وتدفعه إلى سلوك السبل التي توصله إليها فتمهد له حياة مرحة وعيشة رخية
وفي الواقع أن هذه اللذة قد تختلف باختلاف البيئة والوسط وقد تتباين بتباين الجنس والعمر، فاللذة التي تنساق إليها الفتاة أو المرأة هي غير اللذة التي يتجه إليها الفتى أو الرجل، كما أن لذة الأطفال هي غير لذة المراهق والشيخ
بيد أن البيئة والوسط لهما أثرهما في توجيه هذه اللذة وتكييفها حسب النظم الاجتماعية والقوانين الأخلاقية، والطرق التربوية التي يعيش الفرد في كنفها ويتفيأ ظلها؛ ولذة الطفل تتمركز في لعبه المختلفة الأنواع، فهي أولى رغائبه، وقبلة أنظاره، ومحط آماله، وهدف أحلامه
والتربية الحديثة تقوم على تهيئة الوليد للمستقبل، أي أنها تؤهله للحياة، والتأهل للحياة إنما يكون في الاهتمام بميوله، ومعرفة غريزته، وتعهد حاجاته في دور طفولته الذي هو وقت نموه وتقدمه، لذا كان من أقدس الواجبات على المرء أن يهتم بهذه المرحلة من حياة الوليد، وما تفتقر إليه من عناية
وما العناية إلا تهيئة أجواء من الحياة، تسمح للوليد بالنمو الطبيعي في الجسم والعقل والخلق، ولا يتوقف هذا النمو على ما يكتنفه من العوامل التربوية والاجتماعية، وما يحف به من العناصر التهذيبية والأخلاقية وحسب، بل يتوقف على ترك قوى الأطفال وغرائزهم وميولهم في جو حر طليق لا يقيده نظام ولا تحده إرادة؛ والطبيعة هي الجو الطليق للطفل، توجب عليه أن يعيش عيشة الأطفال، وتلزمه أن يحيا حياتهم، وتحمله على أن يلعب لعبهم، من تلقاء نفسه، وبكامل حريته، كما تتطلب مصلحته، وتقتضي غريزته
فالطفولة هي أهم الأدوار التي يمر بها الإنسان إذ تكون طبيعة الوليد سريعة الانفعال شديد التأثر بما يعرض في دائرة حسه، والتي يتأهب عقل الطفل فيها لقبول المؤثرات التي تمتزج في مزاجه الرخص، فتبعث فيه صفات تختلف قوة وضعفاً تبعاً لتلك المؤثرات
إن العوامل التي لها الأثر العميق في تربية الوليد وتهذيبه كثيرة، والعناصر التي لها النصيب الأوفر في تنشئته تنشئة تتلاءم مع غاية الحياة وفيرة؛ على أن اللعب هو أهم تلك العوامل والعناصر في حياته، فاللعب إنما هو استعداد للحياة كما يقول العلامة (كروس). وقد ذهب المربي الكبير (فرويل) - وهو أول من أبتكر روضات الأطفال - إلى أبعد مما ذهب إليه زميله فهو يقول: (من خطل الرأي وعقم الفكر، أن ننظر إلى اللعب كشيء لا وزن له ولا قيمة؛ ولكن من حسن الرأي وبعد النظر، أن ننظر إلى اللعب كعامل له حيويته ومؤثراته وغايته. إن لعب الأطفال لأشبه بالبراعم لحياة الإنسان، فإن كانت هادئة أو مضطربة، ونشيطة أو خاملة، خصبة أو مالحة، مفعمة بالسعادة أو مغمورة بالألم، وتحمل رمز السلام أو صدى الحرب، كل هذه تتصل اتصالاً وثيقاً باللعب التي تغمر الطفل مدة طفولته)
ولابد لنا من أن نعرض نظريات اللعب المتعددة التي أختلف علماء النفس في أمرها وتفاوتت بحوثهم فيها، ليقف الإنسان على عواملها ودوافعها
ذهب بعضهم إلى أن اللعب ليس إلا ظاهرة من ظواهر الراحة، أو بعبارة أخرى ليس اللعب إلا فترة من الوقت يأخذ الجسم فيها قسطه من الراحة، والفكر حظه من الهدوء؛ ولا يسع المرء إلا أن يتساءل لماذا يطيب اللعب للإنسان، بعد أن يكون تعباً منهوك القوى، متوتر الأعصاب، اكثر مما تطيب له الراحة؟ ألا نشاهد الأطفال يرغبون في اللعب ويلتمسون فور نهوضهم من فراشهم؟ والحيوان ألا تراه يلعب من الصباح حتى المساء دون أن يقوم بعمل ما؟
وراح يزعم البعض وعلى رأسهم (شيلر) - وناصره بعد ذلك الفيلسوف الإنجليزي الكبير (سبنسر) - أن اللعب يمثل فيضان القوة الزائدة في الطفل؛ ويعلل ذلك أن القوى الحيوية تزداد عنده ازدياداً كبيراً في وقت لا يمكنه أن يصرفها إلى أي عمل ذي أهمية، فتتكتل هذه القوى، وتنساب إلى الشعب التي تكونت - فيما مضى من الأيام - في الجهاز العصبي، فتحدث في الطفل فيضاناً يدفعه إلى اللعب.
ولا ريب أن تكتل هذه القوى الفياضة بدفع الطفل إلى اللعب، ويساعده على التبسط به، ولكننا نجد أحياناً بعضاً من الأولاد - على الرغم من التعب الذي يستولي عليهم من جراء أعمالهم - لا يزالون يلعبون لعبهم حتى إلى وقت إغفائهم! وقد نشاهد أيضاً أن بعض المرضى من الأولاد، يفزعون إلى ألاعيبهم، يلعبن بها ويعبثون، قبل إبلالهم من مرضهم وحتى قبل استكمالهم قواهم ونشاطهم!
ويرد (ستانلي هول) أسباب اللعب إلى عوامل وراثية بعيدة خلفتها الأجيال الماضية. فيقول: إن اللعب ليس الأقوى بدائية للأنسال السالفة ورثها الطفل وأحتفظ بها. وهذا الرأي يطابق ما ذهب إليه (هيكل) من أن الطفل يمثل في لعبه ما مر على الإنسان من الأدوار في نشوئه
وما اللعب في نظر (هول) إلا عبارة عن ارتياض ضروري لإخفاء بعض الوظائف التي أصبحت عديمة الفائدة؛ فالهدف الذي أراده من نظريته هذه هو أن اللعب ليس وسيلة للقضاء على هذه الوظائف وتكييفها وإعدادها لقبول حياة جديدة
على إن أهم تلك النظريات التي فازت بإعجاب قسم كبير من علماء النفس هي نظرية (التدريب الإعدادي) ? وأول من فكر فيه وتعمق في دراستها العالم الكبير عام 1896 في كتابه (ألعاب الحيوان)
أراد هذا العالم أن يتجه في درس اللعب إلى ناحية جديدة - بعد أن لمس عقم نظريات زملائه - فولى وجهه شطر الناحية البيولوجية من بحثه ليقف على دقائقها وليعرف كنه أسرارها. ولقد وفق (كروس) في نظريته هذه توفيقاً كبيراً، حتى أنه أدرك القوى العقلية وتفهم اضطراباتها، لا عند الإنسان فحسب، بل عند الحيوان أيضاً
ولو أردنا أن نبحث، على ضوء هذه النظرية القوى الفعالة للعب، لوجدناه يختلف جد الاختلاف في جماعة الإنسان، ويتباين بتباين أنواع الحيوان. فالهرة الصغيرة تقبع في ركن من أركان الحجرة، منبسطة اليدين، مغمضة العينين، مرهفة السمع، حتى إذا ما اهتزت أمامها ورقة ما أو سحبت من أمامها، تراها قفزت عليها قفزة سريعة، وداعبتها بيديها فترة من الزمن، ثم مزقتها بأنيابها، فكأنها بعملها هذا تستعد للحياة وتهيئ نفسها للقفز على فريستها في المستقبل. والجدي الذي يمارس النطاح منذ صغره يعد نفسه للحياة التي عرفت عنه، فلكل حيوان غريزة خاصة به، أتته عن طريق الوراثة البعيدة أو القريبة من الفصيلة التي ينتسب إليها، فتظهر هذه الغريزة واضحة جلية - وان كانت في بدئها ضعيفة إلى حد ما - منذ النشأة الأولى
وقد تتفاوت مدة نمو هذه الغرائز في الحيوان بتفاوت درجته في سلم الحياة، فالحيوانات الدنيا تحتاج إلى مدة أكثر مما تحتاجه الحيوانات العليا، لاستكمال نمو غرائزها واستيفاء قوتها؛ وقلما نجد غريزة في حيوان آخر، فالهرة تقفز على الورقة إذا ما اهتزت أو تحركت، ولكنه يتأهب للنطاح حالاً إذا وجد أمامه جدياً آخر؛ فالهرة تجهل النطاح، كما أن الجدي يجهل القفز، لأن لكل منهما غريزته الخاصة به
كذلك نرى للإنسان غرائز بقدر ما لديه من أنواع اللعب: فغريزة للصيد، وثانية للقتال، وأخرى للمداعبة وغيرها. . . على أن هذه الغرائز الموروثة لا يكتمل نموها ولا تستوفي حيويها إلا باكتساب واقتباس جديدين؛ ولن يفوز الإنسان بهذين العنصرين الهامين إلا بعد ممارسة اللعب الذي من شأنه أن يعد المرء للحياة الصحيحة. لذا وجب على الإنسان - وهو أكثر الحيوان طفولة - أن يلعب، ويلعب كثيراً سنين عديدة، كي يمسي فيها بعد إنساناً جديراً بالحياة؛ إذ أن اللعب، في الواقع، يروض بعض قواه الفعالة، ويروض معها بعض وظائف أعضائه، ويسمو هذا الترويض بالإنسان إلى ما يصبو إليه من أهداف سامية وغايات نبيلة
هذه هي أهم تلك النظريات التي أشبعها علماء النفس درساً وبحثاً، ولا بد لنا من الرجوع إلى البحث عن أثر الألعاب في حياة الإنسان بعد أن أتينا على ذكر عواملها المتعددة
والواقع أن اللعب لا يعني الراحة ولا التسلية؛ وإنما هو عمل حيوي للإنسان، له الأثر الأكبر في حياته، كما أن له خصائص بيولوجية، تسهل على المرء سبل التقدم، وتمهد له طريق الحياة
فالرغبة في اللعب إنما تنبثق من الغريزة الكامنة فيه، فيختار من الألعاب ما يتفق وميوله ورغباته وتساعده على بلوغ هدفه. على إن هذه الرغائب وهذه الميول تتنوع بتنوع العوامل الاجتماعية والخصائص الفردية، إذ تعبر عما يختلج في نفسه من هذه الخصائص وتفصح عن نفسيته بأجلى مظاهرها وأخذت التربية الحديثة تواجه هذه الميول وتتعهد هذه الخصائص، فتوجهها إلى النواحي الاجتماعية والأعمال الإنسانية التي قد يقوم بها المرء في المستقبل
يقول (فرويل): (ليس للمشرف على الوليد إلا أن يوجه تصرفاته، منذ نعومة أظفاره، في الوقت الذي يرتع ويلعب بين ألاعيبه الكثيرة، إلى معرفة خصائصها، وأن يظهر له أثرها في نفسيته وخلقه) وهي إلى ذلك تمتاز بأنها العامل الأقوى في نموه العقلي والجسدي
فالأبحاث التي قام بها العلامة الفرنسي أكدت لنا أن هنالك اتصالاً وثيقاً بين النمو الجسدي والنمو العقلي، أو بالأحرى بين صحة الجسم ونزوة العقل ووثبة الفكر. لذلك نرى أن الألعاب التي يتهالك عليها الطفل، في بدء حياته، والتي يختلف إليها بين آونة وأخرى تساعده على هذا النمو الذي أشار إليه (بينه) والذي يلازمه طول حياته الأولى؛ فالاعتناء بالألعاب هو وسيلة لتحسين العقل والجسم معاً
يحتاج الوليد، في الواقع، إلى كثير من اللعب، فالقوانين المدرسية التي تحتم عليه الصمت والجمود، لا تتلاءم مع حياته، وما يتطلبه من حرية، وما ينشده من استقلال. لذلك أدرك (فرويل) أن المعهد ليس هو البيئة الخاصة التي تلائم الوليد، لأنها تقيد حريته وتفقده حيوية وتخمد نشاطه. وهذا ما حداه إلى إنشاء روضات الأطفال يلعبون ويغنون ويرقصون في جو حر طليق يتعهدهم كما يتعهد البستاني نبات روضته
فالنظم المدرسية الحديثة حتمت على المربين تعهد الأطفال تعهداً كلياً، وإغراءهم على اللعب بالألاعيب وبشتى الوسائل، وترغيبهم فيها بمختلف العوامل، مما حداهم إلى وضع مقادير وفيرة من الألاعيب الجميلة بين أيديهم، يختلفون إليها برغبة وشوق، ويتصرفون بها بحرية تامة. والطفل لن يكون طفلاً إذا لم يفزع بين حين وآخر إلى اللعب لأن طبيعته تقتضي ذلك
وقد يثير منظر هذه الألعاب فضول الطفل، فيدفعه إلى تفهم أسرارها والوقوف على دقائقها، وما يحيط بها من إبهام وغموض، فيتفتح عقله على آفاق جديدة، وتنكشف نفسه على أجواء ظريفة، ويتقوى جسمه وتتصلب أعضائه، فينعم بالعقل النير، ويتمتع بالجسم القوي، ويتزود بالمعرفة الواسعة
لذا وجب على المربي أن يُذْكي غريزة اللعب في نفس الولد، ويستحث رغباته، ويلهب فضوله للاستقراء عن خصائص هذه اللعب والوقوف على ماهيتها، لأن هذا الاستقراء هو في الواقع من أهم العوامل التي لها الأثر الأكبر في إيقاظ القوى الفكرية فيه، ورفع مستواه الأدبي والعقلي والخلقي؛ بل يجب على المربي ألا يهمل رغبات الطفل - التي هي خلجات نفسية وقتية - وألا يتجاهل فضوله الذي يرتبط إلى حد ما بالبيئة والوسط والعمر. فالإهمال يورثه قلة المعرفة، والتجاهل يخمد فيه الدافع النفسي للعمل الذي من شأنه أن يرسم لنا خطوط نفسيته ويبين ما يجول في خاطره
هذا إلى أن التربية الجسمية والخلقية والعقلية تتصل اتصالاً مباشراً بالألعاب التي يتسلى بها الأطفال؛ وقد تختلف هذه الألعاب باختلاف حداثتهم، وقد تتباين بتباين عواملها، إلا أن الهدف الأسمى والغاية المثلى منها هي تربية الوليد تربية سامية صحيحة.
فاللعب يرمي إلى إنماء الجسم وتقوية البدن، وإلى غرس الفضيلة في النفس، وتزويد العقل بشتى المعارف والعلوم، فصفاء القلب، وجمال الأدب، وطيب الخلق، وإظهار التعاطف، وإبراز العادات الحسنة، وتقوية الميول الاجتماعية، وجميل المعاملة، وحسن المعاشرة، وحب الإنسانية، إنما تكتسب عن طريق الألعاب
ولما كان الوليد يميل بطبيعته إلى العمل ويندفع بغريزته إليه - واللعب أول مظهر من مظاهر العمل - كان الهدف التربية الحديثة أن تصاغ أعمال التربية الأولى في صور الألاعيب، معدة لتصريف غرائز الطفل وتوجيه ميوله ورغائبه توجيهاًيعود عليه بالنفع في مستقبل حياته، فاللعب إذاً هو بمثابة وسيلة هامة لتكوين الطفل تكويناً أدبياً. فليست (الحركات والألاعيب التي يأتيها الطفل، يقصد إشباع الرغبات، وسد أطماع النفوس وحسب، ولكنها مختارة لغايات تهذيبية وأخلاقية وأدبية).
ولما كانت التربية تبتدئ عملها منذ الدقيقة الأولى التي يبصر الطفل فيها النور، والتي تتمشى جنباً إلى جنب مع الطفولة، وتستمر معه طوال حياته، وجب أن تعاون التربية الطبيعة على الوصول به إلى الغاية المقدرة له، ويتوقف نجاح نشأة الطفل على قوة بدء التربية. لذا كانت العناية بالتربية الأولى في دور الطفولة التي هي أهم أدوار الحياة، تفوق كل عناية، وهذا ما عاناه في قوله: إن التربية تبتدي منذ المهد
وماذا يراد بالتربية الأولى؟. . . أليست هي التي ترمي إلى (إنماء قوى الأطفال الجسمية، وتمرين حواسهم وإيقاظ مداركهم، وحملهم على تعرف مظاهر الطبيعة حولهم، ووقفهم على أسرار الاجتماع، والتعاون على الأعمال، وتوجيه نفوسهم إلى النافع في الحياة؟)
أليست هي التي ترمي إلى إنماء الجسم وإيقاظ العقل وإحياء القلب؟ أليست هي التي تحتم جعل أساليب التعليم سائغة شائقة، تبعث في نفس الوليد الغبطة، وتنفخ فيه أسباب المرح، وتملأ قلبه بهجة وسعادة؟. . .
ليس اللعب في نظر المربين إلا وسيلة للتربية الأولى التي شأنها أن تؤدب النفس، وتهذب الخلق، وتقوم الطباع، وتوجه الغرائز. وما اللعب إلا العامل الأقوى في تهيئة تلك الأجواء التي تتطلبها التربية، وتلك الآفاق التي ترغب في إحاطة الوليد بها؛ فاللعب من أهم الأحداث في حياته - إن لم يكن أهمها - لأن من خصائصها التهذيب والتأديب والتثقيف، فضلاً عن تفتح النفس لألوان من المعرفة، وانفساحها لصنوف المؤثرات والأحاسيس، وتهيؤها للحياة المقبلة
وهو إلى ذلك - أي اللعب - يمثل دوراً اجتماعياً من الطراز الأول في الهيئة الاجتماعية. وإذا ما رجعنا إلى رأي العالم، كار نجده يقول: إن الألعاب لها الأثر الكبير في إنماء شعور التكتل عند الفرد، وهذا التكتل له الشأن الخطير في حياة الإنسان وفي رفع المجتمع البشري. وقد ذهب هذا العالم الكبير إلى أبعد من هذا الحد، فزعم أن كثيراً من الألعاب تساعد المرء على التخلص من بعض الغرائز الموروثة غير الاجتماعية والتي يتضرر المرء منها، إن هي بقيت متأصلة فيه
غير أن هذا التخلص لا يراد به سوى التسامي بهذه الغرائز وتوجيهها توجيهاً سامياً، فالانفعالات في الوليد أوجدوا لها علاجاً اجتماعياً أطلقوا عليه (التسلية النفسية) التي تتسامى بغرائزه غير الاجتماعية، وقت انفعالها إلى النواحي الاجتماعية كتربية الحيوان وتعهد الأزهار وغيرها
وقد تأثر العلم قديماً ولم يزل يتأثر حتى الآن، بالألعاب التي يتلهى بها الإنسان، وبفضل هذه الألعاب اكتشفت أول خصائص الكهرباء، وظهرت الدراجة، وحلت بعض المعضلات وتمتع العالم بشتى الاختراعات ومختلف الاكتشافات
إن الألعاب التي يلعبها المرء والملاهي التي يلهو بها هي عوامل لها الأثر في ترقيته وتكوين خلقه وميوله وتحديد وجهة نظره في الحياة، فهي عوامل في تربيته يؤثر فيه أثراً مستمراً، فتشكل أخلاقه وعقله من يوم يحل في هذا العالم إلى يوم يغادره) فهي وسيلة لتأديب نفسه وتهذيب خلقه وتنمية ذوقه
وإذا ما غمرنا الطفل بالألعاب الكثيرة ووسائل اللهو فكأننا غمرناه في بيئة هي أسبقها إلى التربية الحقة، وأدناها غاية منالبيئات الأخرى.
(بيروت)
رفعة الحنبل