مجلة الرسالة/العدد 425/رسالة الشعر
→ الإنجليز والعمل | مجلة الرسالة - العدد 425 رسالة الشعر [[مؤلف:|]] |
العاطفة الحيرى ← |
بتاريخ: 25 - 08 - 1941 |
من جراح الحرب!
للأستاذ محمود حسن إسماعيل
(مهداة إلى الذين نضر الله أيامهم بالغنى واليسار، فتركوا أيام الشقاء والبائسين صرعى على أعتابهم بلا رحمة ولا إحسان. . .! وإلى الذين شردتهم ويلات الحرب في كل مكان. .)
عَبِيدَ الْخَزائِنِ. . . طُوفُوا بِهَا ... كما طافَ نَعْشُ الْهُدَى بالصَّنَمْ!
وَأَدُّوا الصَّلاَةَ بِأَعْتَابهاَ ... عَسَاها لَكُمْ كَعْبَةٌ أَوْ حَرَمْ
وَبُثُّوا الْكنُوُزَ حَدِيثَ الْهَوَى ... لَعَلَّ شَذا المَالِ يَرْوِي النَّهَمْ
وَقَفْتُمْ هَوَاكُمْ وَأَحْلاَمَكُمْ ... عَلَى أَخْرَسٍ سَرْمَدِيِّ الْبَكَمْ
لَهُ رَنَّةٌ في حَشاكُمْ لَها ... صَدَى عَازِفٍ عَبْقَرِيِّ الرَّنَمْ
غَزَا رِقُّهُ دَهْرَكُمْ مِثْلَماَ ... غَزَا النُّورَ لَيْلٌ دَجِيُّ الظُلَمْ
عَبَدْتُمْ جَمَاداً عَلَى وَجْهِهِ ... لِجُرْحِ النَّدَى آهَةٌ تَبْتَسِمْ
ظَلَمْتُمْ صِبَاهُ فَشَيَّبْتُمُوُ ... هُ كما شابَ في الدَّهْرِ مَعْنَى الْقِدَمْ
سَجَنْتُمْ خُطاَهُ بأَيَّامِكُمْ ... وَلُذْتُمْ بِهِ في زَوَايَا الْعَدَمْ
إِذَا امْتَدَّ ضَوْءٌ لِمِحْرَابِهِ ... ذَبَحْتُم خُطا الشَّمْسِ فَوْقَ الْقِمَم
وَإِنْ رَفَّ حُلْمٌ عَلَى مَهْدِهِ ... نُسِخْتُمْ فَنَاءً لِهَذَا الحُلُمْ
سَهِرْتُمْ عَلَيْهِ كَأُمِّ الوَحِيدِ ... سَرَى اللَّيْلُ فِيهَا هَوىً يَحْتَدِمْ
قُلُوبٌ سَواهِدُ مِثْلُ الْعُيُونِ ... شَرَايينُهَا سَاهِداتُ الضَّرَمْ
وَقَفْتُمْ بهَا وَقْفَةَ الدَّيْدَبَانِ ... وَطفْتُمْ بهَا طَوْفَةَ الْمُسْتُلِمْ
عَلَى رَصَدٍ كَفَّنَتْ سِرَّهُ ... بَدٌ سِرُّها في الجَمْاَدِ الأصَمّْ
يُسَمُّونَهُ المَالَ وَهْوَ الذَّي ... يُمِيلُ الْحُظوظَ وَيُمْلِي النِّعَمْ!
أَمَا جَاَءكُمْ نَبَأٌ عَنْ أَسَى ... جِراحَاتُ مِصْرِ بِهِ تَضْطَرِمْ؟
بَكَى الثَّغْرُ حَتَّى سَرَى دَمْعُهُ ... مَعَ الرِّيحِ رُؤْيَا لَهِيبٍ وَدَمّْ
يُعَاتِبُكُمْ مَوْجُهُ في الضِّفَافِ ... وَلِلْمَوجِ شِعْرٌ شَجِيُّ النَّغَمْ إِذَا أَذَّنَ الْفَجْرُ في أُفْقِهِ ... يُؤَذِّنُ عِزْرِيلُ فَوْقَ الأَكَمْ
فَتَهْوِي قُصُورٌ لها في السَّماَ ... جَبينٌ عَلَى النَّجْمِ عَالٍ أَشَمّْ
وَتَهْوِي قُبُورٌ عَلَى أَرْضِهَا ... تَكادُ مِنَ الْهَوْلِ تَبْكي الرِّممْ
أَلا مَنْ لِسَارِينُ تَحْتَ الدُّجى ... يُسَقَّوْنَ مِنْ كُلِّ بُؤْسَى وَهَمّْ
تُهَاجِرُ أَيَّامُهُمْ وَالطّوَى ... بأَحْشَائِهَا وَقْدَةٌ مِنْ ضَرَمْ
لَهُمْ سِيرَةٌ رَاحَ يَرْوِي الأسَى ... أَسَاها بِدَمْعٍ كَسَيْبِ الدِّيَمْ
دِيَارُهُمْ أَقْسَمَتْ لاَ تُرَى ... فَبَرَّ الْخَرابُ لها بالْقَسَمْ
فَلمَّا تَهاوَتْ عَلَى أُسِّهَا ... وَدَكْ الثّرَى صَرْحُها المُنْهَدِمْ
مَشَى المَوْتُ أَعْمَى ضَريرَ الْعَصَا ... يُنَقّلُ في كُلِّ عُمْرٍ قَدَمْ
تَنُوحُ بِكَفَّيْهِ زَمَّارَةٌ ... إِذا نَامَ زَمَّارُها لمْ تَنَمْ
نماَ غَبُهَا في خَرابِ الْبِلَى ... وَطَافَ بِهِ الشُّؤْمُ يَسْقيِ الأَجَمْ
سقَا فَرْعَهُ مِنْ صُرُوفِ الزْمانِ ... رَزَاياَ مُشَعْشَعَةً بالنِّقَمْ
بأَدْغَالِهِ لاذَ جِنُّ الْفَلا ... وَبومُ الدُّجى بِذَرَاهُ اعْتَصَمْ
نماَ غابُها. . . لَيْتَهُ ما نماَ ... وَلاَ مِنْ حَشاهُ عَوَى أَيُّ فَمْ
إذا وَلْوَلَتْ في ظَلامِ الضِّفَافِ ... أَصَابَ الْبِلى مِنْ صَداها صَمَمْ
فَلا صَرْخَةُ الطِّفْلِ تَلوِي خُطاهُ ... وَلَوْ ذابَ فِيهَا حَشا كُلِّ أُمّْ!
مُفاجِئَةٌ لا تَعِي مَا الوُعُودُ ... وَلا مَا الْعُهُودُ وَلا مَا الْحُرَمْ؟
إِذا صَفَرَتْ ذَابَ قَلْبُ الضِّيَاءِ ... وَدَسَّ الدُّجى وَجْهَهُ الْمُدْلَهِمْ
تَخَيَّرَتِ اللَّيْلَ مَسْرَى نِدَاها ... كَمَارِدَةٍ تَشْتَكي لِلسُّدُمْ
عُوَاءُ الذِّئَابِ لَدَى نَوْحِهَا ... أَلَذُّ اسْتماعاً وَأَشْجَى نَغَمْ
تُنَادِي فَيَنْشَقُّ جُرْحُ الأَثِيرِ ... عَلَى قَاذِفَاتِ اللَّظَى وَالْحُمَمْ
طَوَائِرُ لمْ يدْرِ سَاقيِ الْحَدِيدِ ... أهَوْلاً سَقَى قَلْبَهَا أَمْ ضَرَمْ؟
وَهَلْ سَاقَها لِلْوَغَى سَائِقٌ ... مِنَ الْجِنِّ أَمْ عَاصِفٌ مِنْ عَدَمْ
يُغِيرُ بها وَالْكَرَى نَائمٌ ... وَلَيْلُ الْحِمى رَاهَبِيُّ الْحُلُمْ
وَلِلنِّيلِ إِغْفَاَءةٌ أَقْبَلَتْ ... عَذارَى الْخَيَالِ بها تَسْتَحِمّْ سَجَا وَاطْمَأَنَّ كَأَنِّي بِهِ ... نَبِيٌّ يُبَارِكُ خَطْوَ النَّسَمْ
وفي وَجْهِهِ قِصَّةٌ لم يَزَلْ ... مَعَ اللهِ قِرْطَاسُهَا وَالقْلَمْ!
أَغَارَتْ عَلَيْهِ رِيَاحُ المَنُونِ ... فَضَجَّ لَها مَوْجُهُ المُرتَطِمْ
وَحَالَتْ مِنَ الرُّوْعِ شُطْآنُهُ ... نِدَاءً يَصِيحُ بِمَوْتَى الْهِمَمْ:
مَشَى نَافِخُ الصُّورِ في أَرْضِكُمْ ... فَكُونُوا الْبَشِيرَ لِبَعْثِ الأُممْ
دَعُوا الهوْلَ يأتِي كما يَشْتَهِي ... فَإِنْا أَلِفْنَاهُ مُنْذُ الْقِدَمْ
يُديِرُ عَلَيْنَا خُطَا السَّافِيَاتِ ... عَلَى جَبَلٍ سَرْمدَِيِّ الشَّمَمْ!
عَلَى خَمْرَةِ الصَّبْرِ مِلْنَا بِهِ ... نَشَاوَى بِسِحْرِ الأسَى وَالأَلمْ
فَمَنْ رَامَ كَيْدَ الْحِمَى وَيْلَهُ ... سَيُشْقِيهِ جَبَّارُهُ المنتَقِمْ!
وَيَسْقِيهِ من سُخْرِيَاتِ الْفَنَاءِ ... عَتِيٌّ عَلَى الدَّهْرِ يُدْعَى الْهَرَمْ
أَبُو الْهَوْلِ فِينَا يَسُوقُ الزَّمانَ ... وَيَرْعَى اللَّيَالِيَ رَعْيَ الْغَنَمْ
فَمَا الْهَوْلُ؟ ما خَطْبُهُ إِنْ دَجَا ... سِوَى هَاجِسٍ بِخُطاَنَا أَلَمّْ
دَعُونَا نُحَيِّ الوَغَى وَاللَّظَى ... وَإِنْ كَرْبُها في ثَرَانَا احْتَدَمْ
فما يَصْرَعُ الْمِحَنَ المُبْكِيَاتِ ... إِلاّ الذي ذاقَها وابتَسَمْ!
دَعُونَا نُحَيِّ لَهِيبَ الْخُطُوبِ ... وَإِنْ جَمْرُها في حَشانَا اضْطَرَمْ
سَئِمْنَا حَيَاةَ الزَّمَانِ المَرِيضِ ... وَعَيْشَ الزَّمَانِ السَّقِيمِ اَلْهرِمْ
دَعُونَا نُقِمْ مَجْدَنَا في النُّجُومِ ... فَمِنْ ضَوْئِها قد نَسَجْنَا الْعَلَمْ
سَتَعْصِفُ أَيَّامُنَا بالوُجودِ ... وَتَهْزَأُ أَروَاحُنَا بالْعَدَمْ
وَنَبْنِي جَدِيداً لِتَارِيخِنا ... كَفَانا فَخَاراً بِسِحْرِ الْكَلِمْ
تَمرَّدَتِ الأرْضُ تبْغِي الوُثوبَ ... فَمَا بَالُنَا بالْكَرَى نَعتَصِمْ
أَلا فَلْنَقُمْ من عَمِيقِ الرُّقادِ ... فلاَ بَعْثَ لِلجِيل إِنْ لمْ نَقُمْ!
محمود حسن إسماعيل