الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 424/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 424/البريد الأدبي

مجلة الرسالة - العدد 424
البريد الأدبي
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 18 - 08 - 1941


من سوء الترجمة أيضاً. . .

تكلمت في العدد 418 من الرسالة على قولهم (من جديد) وأوضحت أن هذا التركيب مما جناه جهلة المترجمين، وان كتابنا وبلغاءنا قبلوه من غير تفكير ولا بحث، فوشج بلغتنا، وعاد مما لا يستطاع استئصاله منها - كغيره من الطفيليات التي أغارت عليها - ألا بطويل جهاد وكبير عناء

ثم تذكرت بعد أن كتبت تلك الكلمة أني كنت قد قيدت في كناشتي طائفة مما فشا بيننا من أمثلة سوء الترجمة. فعدت أليها، وتخيرت منها ما ارجوا أن أوفق لنشره في هذه المجلة كلما ساعفت الفرصة

فمن ذلك استعمال (عَبْر) (مصدر عبر النهر وغيره: إذا قطعه إلى الجانب الأخر) ترجمة للكلمة الإنجليزية يجعلوها في نسج الكلام ظرفاً - كما يصنع الإنجليز بكلمتهم - فأخرجوها عن معناها ووضعها اللغوي بلا مسوغ مطلقاً

وكثير ما نراها هكذا في البرقيات والتعليقات الحربية، وفي وصف الغارات والحركات العسكرية، وفي الخطب السياسية وغير ذلك

وأني مورد لهذا الاستعمال الخاطئ ثلاثة أمثلة قبستها من الصحف، ليتضح بها المقام

1 - ومن زمن قريب ادعت اليابان لنفسها حق مرور قواتها (عبر) شمال الهند الصينية

2 - وسنواصل كل شهر قذف. . . بالقنابل الشديدة الانفجار كلما فرغت مصانعنا من إخراج طائراتنا الضخمة، أو جاءت إلى هنا (عبر) الأطلنطي

3 - لهذا وصلوا بين باكو وباطوم (عبر) القوقاز بأنابيب

(فظرفية) (عبر) المفتعلة واضحة في هذه المقتبسات، يدل عليها متعلق (الظرف) في كل

وقد يسبق إلى الوهم أن هذا العبث مما يمكن تخريجه على وجه صحيح: كأن يحمل مثلاً على حذف عامل المصدر

ولكن قليلاً من التأمل فيما أسلفت من الأمثلة وفي غيرها يذهب بهذا الوهم. على ان قواعد حذف عامل المصدر وأمثلته مبسوطة مفصلة في موضعها. وليس هذا مما يدخل منها في باب أو يمت له بصلة (ا. ع)

أخبار تهم الأدباء

1 - مضت أسابيع وأسابيع ولم نقرا شيئاً من روائع الأستاذ إسعاف النشاشيبي، ونحن نرجو أن يكون بعافية، فهو من أعاظم الباحثين في هذا الجيل

2 - الفائزون من شعراء العراق في المسابقة الشعرية التي أقامتها محطة لندن للإذاعة العربية هم بالترتيب حضرات السادة: عبد الرحمن البناء، جميل احمد الكاظمي، ومصطفى كامل يأسين وقد وزعت عليهم الجوائز في حفلة أقامها السفير البريطاني في بغداد

3 - والفائزون من شعراء مصر ثلاثة، كان ثانيهم السيد حسن القاياتي، وقد تألم من هذه المنزلة (الثانوية) فان تفضل أحد الموظفين بمحطة الإذاعة المصرية وقدم ألينا أصول القصائد الثلاث فقد نقيم ميزاناً ينصف السيد القاياتي بعض الإنصاف وإن كان يؤذي لجنة التحكيم بعض الإيذاء!

4 - من بين الذين فازوا بعضوية (جماعة كبار العلماء) اثنان من أدباء اللغة العربية؛ وهما الشيخ محمود شلتوت والشيخ محمد عرفة، ومعنى ذلك أن الأدب يزاحم بمنكب ضخم في بيئات العلماء

5 - لم يفصل وزير المعارف في استقالة الدكتور طه حسين، ويقال انه سيعين في مجلس الشيوخ، فان صح هذا النبأ كان فوز للسلطة الأدبية، وذلك بان التعيين في مجلس الشيوخ كانت تراعي فيه اعتبارات لم يكن للأدب فيها مكان

6 - حان الوقت لتقييد أوابد الفصاحة البرلمانية، فقد وقعت في الأسبوع الماضي محاورات في مجلس الشيوخ ومجلس النواب تشهد بأن الفصاحة البرلمانية قد وصلت إلى ابعد حدود التفوق، وسيأتي يوم تباع فيه مضابط البرلمان في المكاتب كما تباع أطايب المؤلفات!

زكي مبارك

وفاة طاغور

توفي الدكتور رابندرانات طاغور شاعر الهند وحكيمها في اليوم السابع من شهر أغسطس، وقد نعته إلى العالم شركة روتر بما يأتي: كان السير رابندرانات طاغور الذي أعلنت الآن وفاته في مقدمة المحبوبين في العالم وفي الهند وقد نال جائزة نوبل في الآداب وألقى محاضرات هبرت في جامعات اكسفورد سنة 1930

ولد في 6 مايو سنة 1861 وتلقى تعليماً خاصاً في القرية التي ولد فيها قبل أن يقيم في كلكتا. ولما بلغ الرابعة والعشرين ذهب إلى الريف ليتولى إدارة مزارع والده، وهناك بدا الكتابة لأول مرة. ومن ذلك الوقت كتب نحو ستين ديواناً من الشعر وعدة مؤلفات نثرية منها روايات وقصص صغيرة ومقالات فلسفية وروايات تمثيلية. وكان السير رابندرانات فضلاً عن نظمه الشعر وكتابته النثر مؤلفاً موسيقياً، فقد نظم اكثر من ثلاثة آلاف أغنية

وفي سنة 939 تلقى في عيد ميلاده الخامس والسبعين رسائل التهنئة من جميع أنحاء العالم وكلها إشادة بفضله كشاعر وروائي وقصصي ومفكر سياسي ومصلح اجتماعي وأستاذ ديني.

وفي سنة 1901 أسس مدرسة في سانتينكتان تحولت فيما بعد إلى معهد علمي دولي يسمى - فسفا بهاراتي - وكان هذا عمله في حياته

وقد اشتهر أيضاً بأنه سائح عظيم، فانه زار إنجلترا في سنة 912 حيث نقل بعض مؤلفاته البنغالية إلى اللغة الإنجليزية، وساح في أوربا مراراً، وكذلك في اليابان وروسيا السوفيتية والصين والولايات المتحدة وأمريكا الجنوبية وإيران وكندا ومصر والعراق

ولما بلغ 63 عاماً شرع فجأة يشتغل بالتصوير بالألوان، وقد أقيم معرض لصوره بلندن في ديسمبر سنة 1983 وكانت هذه الصور خيالية غريبة، أي ما يدور بعقل الشاعر مرسوماً على الورق

وأقيمت لصوره معارض أخرى في برمنجهام وموسكو وبرلين ومونيخ وباريس ونيويورك

وقد مرض السير طاغور فجأة مرضاً خطراً بالحمرة في صيف سنة 937 ولكنه شفي منه. وبعد ذلك كان لغزو اليابان للصين أثر شديد في نفسه؛ وفي أكتوبر سنة 937 أذاع رسالة لاسلكية على مواطنيه الهنود - استنكر فيها وحشية الحربين اليابانيين في معاملتهم للصين

وبعث إلى يوتي ناجوشي الشاعر الياباني تعنيفاً أدبياً مؤلماً بسبب ضرب اليابانيين للصينيين غير المحاربين بالقنابل

ولما بلغ الثمانين من عمره منحته جامعة أكسفورد درجة دكتوراه في الآداب. وقد منحه إياها السير موريس جوير كبير قضاة الهند في اجتماع خاص عقدته لهذا الغرض جامعة اكسفورد في قرية سانتينكتان بالبنغال. . .

وكان لسير رابندرانات طاغور هيئة وقورة خارقة للعادة، فكان كبير الجسم عظيم الرأس، فضي الشعر قد سال على جانبي رأسه في خصائل كثيفة. وكان جميل الوجه ذا لحية بيضاء طويلة وكان يبدو في أرديته الطويلة الواسعة كأنه أحد الروحانيين

وكان ذا صوت جميل وقوة لا تقاوم في الكلام، وكان كلامه يشع الهدوء والسكينة والخير

ولم ير في معظم الأحوال إلا مع الأطفال سواء أكانوا هنوداً أم بريطانيين أم صينيين أم يابانيين؛ فقد كان الأطفال يخضعون في الحال لقوته الجذابة وحبه لهم.

قصص مسرحية للأطفال

القصص من أنفع الوسائل لتهذيب النفوس، وتلقين الناشئين اللغة الصحيحة، ورياضتهم على البيان؛ ومن الممكن أن تكون عوناً للمدرسين على تدرس الحقائق التاريخية في غير عسر، وطريقاً لإتقان فنَّي الإلقاء والتمثيل، وداعية لتآلف التلاميذ وتقوية أواصر المودة بينهم لما تشتمل عليه من حوار مسرحي يصحبه شيء من الحرية التي تخرج بالتلاميذ عن نطاق التعليم الجاف.

ولقد تلوت مؤلف الأستاذ (محمد يوسف المحجوب) فوجدته مبعثاً لسرور القارئ، شاهداً بفضل المؤلف، ولا شك أنه فتح جديد في تدريس القصص المدرسية؛ فهو مصوغ في أسلوب شعري منسجم النغمات، سهل العبارة، متين النسج، برئ من الغرابة والتعقيد، سليم من المحاورات العنيفة التي تسوق الأطفال سوقاً إلى حب اللجاج والمهاترة.

والقصص مشتملة على أغراض نبيلة، فمنها ما يدعو إلى مكارم الأخلاق كقصة (على البحيرة)، وما يربي العاطفة الوطنية وينمي المعارف التاريخية كقصة (قناطر محمد علي) وقصة (فتح مصر). هذا إلى ما يزيد شوق القارئ ويبعث السرور في نفوس الناشئين من جمال الطبع، والعناية بضبط الحروف، وتجميل القصص بالصور المتقنة التي تربي الخيال والذوق السليم.

ولا غرابة في ذلك فالمؤلف معروف برقة العاطفة، ولطف الحس، وهو - كما قال الأستاذ الكبير محمد علي مصطفى في مقدمة الكتاب - (يمتاز بأنه معلم فيه مهارة وحذق، وبأنه خَبَر الأطفال وعرف ميلهم، وبأنه درس هذه القصص لتلاميذه فأحبوها وشغفوا بها، واستزادوه منها).

(المنصورة)

محمود البشبيشي