الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 417/الحديث ذو شجون

مجلة الرسالة/العدد 417/الحديث ذو شجون

مجلة الرسالة - العدد 417
الحديث ذو شجون
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 30 - 06 - 1941


للدكتور زكي مبارك

كلام ينفع! - فائدة تاريخية - أساطير الأولين - اختراع

الأحاديث - محاربة الوثنية - الحصار الفني في الإسلام -

إلى معالي وزير الأوقاف - أجيبوا، يا أصدقاء الرسالة -

الأجاج - بلد الأستاذ أحمد أمين - بين الرسالة والثقافة - أيام

وأيام - يوم البعث

كلام ينفع!

لقيني بعض الأصدقاء وهو منزعج أشد الانزعاج، فقلت: ماذا بك؟ فأجاب: صديقي فلان كان يلقاني في كل يوم؛ ثم انقطعت عني أخباره منذ أيام، وأنا أخشى عليه كوارث هذه الأوقات السود

فقلت: هل كان يحاول الانتفاع بجاهك في شأن من الشؤون؟

فقال: وما الموجب لهذا السؤال؟

فقلت: إن كان ذلك فلا تضجر ولا تنزعج، ولا تتوهم أن سيارة داسته، أو أن قنبلة سقطت عليه، وإنما يجب أن تسر وتفرح، لأن انقطاعه عنك ليس إلا أمارة على أن تعبك في خدمته قد وصل به إلى ما يريد، فاستغنى عن التودد إليك!

فقال: أكذلك يكون إخوان هذا الزمان؟

فقلت: كذلك كان الإخوان من قديم الزمان، وسيكونون كذلك إلى آخر الزمان!

فقال: ولكني مع ذلك مشتاق إليه أشد الاشتياق

فقلت: صبراً ثم صبراً، فستشبع من رؤيته يوم يحتاج إليك، وسيحتاج ثم يحتاج، لأن الله كتب الفقر على من ينكرون الجميل

فائدة تاريخية كان العرب يؤرخون بواقعة الفيل، قبل أن يؤرَخوا بهجرة الرسول، فكيف كانوا يؤرخون قبل هلاك أصحاب الفيل؟

أرَّخ الدميري هجوم أبرهة على الكعبة بأنه كان في أول المحرم سنة اثنتين وثمانين وثمانمائة من تاريخ ذي القرنين

فهل يتفضل أحد كتاب (الرسالة) بتحقيق هذا التاريخ؟

المعروف جيداً أن العرب قبل الإسلام قد اختلفوا في التوقيت، وذلك يشهد بتأثرهم للحركة العلمية عند المصريين والكلدانيين، فهل يمكن الوصول إلى معرفة ما كانوا عليه في التأريخ قبل أن ترج أذهانهم واقعة الفيل؟

والمعروف أيضاً أن العرب قبل الإسلام كانت لهم صلات قوية أو ضعيفة بأمم ذلك العهد، وجرتهم تلك الصلات إلى وقائع لا تمر بدون ضجيج تتناقله الأجيال، وإن مرت بدون تدوين يحدد مواقعها من التأريخ

على أنه ليس من المستغرب أن يكون العرب أرَّخوا بموت ذي القرنين، فقد كان له في أذهانهم صورة صخَّابة ضجَّاجة، ولولا ذلك لسكت عنه القرآن، لأن القرآن لم يذكر من حوادث التاريخ إلا ما كان له في أذهان العرب وجود برَّاق، ليتم الغرض من الاعتبار المنشود.

أساطير الأولين

و (أساطير الأولين) كلمة قرآنية يحكمها القرآن عن العرب الذين يطيب لهم أن يشككوا فيما رواه من أخبار القدماء

وهذه الكلمة تشهد بأن جمهور العرب في تلك الأيام كان يملك ملامح من صور النقد الأدبي، فقد كانوا بشهادة القرآن يقسمون الأخبار إلى قسمين: صحيح ومدخول، وكان من سياستهم في مقاومة الدعوة الإسلامية أن يضيفوا أخبار القرآن إلى القسم المدخول فيجعلوها من أساطير الأولين. وما صدَق من عاندوا القرآن، ولكن إصرارهم على مقاومته بهذا الأسلوب يشهد بما كانوا عليه من مكر ودهاء، وهما من صور الذكاء

اختراع الأحاديث والذي يراجع كتب التفسير وكتب الأخبار يعجب للثروة الأدبية التي سايرت قَصَص القرآن، وهي ثروة لم تورث كلها عن عرب الجاهلية، وإنما ابتدعها فريق من الجاهليين وفريق من الإسلاميين، وهي في جملتها شاهد على براعة العرب في ابتداع الأسمار والأحاديث

ولو اهتمّ كاتب بتلفيق ما اخترع العرب من الأقاصيص المتصلة بالسور القرآنية لكان لنا من ذلك (إلياذة) عربية تفوق الإلياذة اليونانية، وتشهد بأن العرب لا يقلون عن اليونان في سعة التصور وقوة الخيال

فمتى يوجد ذلك الكتاب، ومتى نرجع لماضينا فنعرف ما كان فيه من تصاوير وتهاويل، ليضعف الوهم القائل بأن نصيب العرب من التخيّل قليل؟

محاربة الوثنية

ولكن ما الذي دعا العرب إلى وقف تلك الحركة الفنية، بحيث يُظَنَّ أنهم أقل الأمم عنايةً بزخرفة الأخبار المتصلة بالدين؟

يرجع ذلك إلى تأثرهم بالقرآن في محاربة الوثنية، وهذه الدعوة السليمة في جوهرها كانت السبب في صرف كثير من الأمم الإسلامية عن الزخارف الأدبية والفنية، لأن الزخرف الأدبي والفني لا يقوم إلا على التلوين والتزيين، وذلك ممنوع في نظر رجال الدين، لأنهم يرون الافتنان في زخرفة الأخبار الدينية أمراً لا يليق، فقد يسوق الناس إلى الوثنية من حيث لا يشعرون

الحصار الفني في الإسلام

ما معنى هذا التعبير الغريب؟

أنا مُقبل على عرض مسألة فنية كان لها تأثير في تضييق نطاق الدعوة الإسلامية، وما أحب أن يتهمني أحد بسوء النية، فلي غرض شريف أرجو به من الله الثواب

ماذا أريد أن أقول؟

أقول بصراحة إن الإصرار على تجريد المبادئ الإسلامية من الزخارف الفنية كان له تأثير في عرقلة الدعوة الإسلامية، لأن الذين حَّرموا التصوير وقاوموا الأساطير نسوا أن في الدنيا ملايين لا تقاد لأية فكرة دينية إلا إن كانت موشَّاة بالزخرف والخيال!

ولهذا السبب ضاعت الفرصة في إسلام الأمة الروسية، حين فكرت في اعتناق إحدى الديانات السماوية، منذ بضع مئات السنين

ظلت روسيا على عقائدها الوثنية إلى ما بعد ظهور الإسلام بأزمان طوال، ثم بدا لها أن توازن بين المسجد والكنيسة، فها لها أن ترى المسجد محروما من البريق والرّواء، وراعها أن ترى الكنيسة تحفة من الفن المرصّع بغرائب الخيال

وسألت روسيا بعض علماء المسلمين عن قواعد الإسلام فكان أول ما سمعت هو القول بتحريم الخمر، مع أن نبيّ الإسلام لم يحرم الخمر إلا بتلطف واستدراج

وكذلك كانت غفلة الدعاة عن سياسة القول سبباً في منع الإسلام من دخول البلاد الروسية، كما كانت خشونة المساجد من أسباب الانصراف عن هذا الدين الحنيف

وأقول أيضاً: إن الحكمة في تجريد المساجد من الزخرف كان لها مكان في بداية الدعوة الإسلامية، فما مكانها اليوم ولم يبق أثر للخوف من رجعة الوثنية؟

يجب أن يكون لمساجدنا نصيب وافِ من الزخارف الفنية، ويجب أن تكون على جانب عظيم من الرونق والبهاء، ويجب أن نشعر بأن جمالها يذكّر بجمال الفردوس، لتكون الواحة التي نأنس إليها عند الفرار من هجير الشقاء في طلب المعاش

ما هذا الأزهر القفر الموحش؟

ألا تمتد إليه يد فتنقله من حال إلى أحوال؟

وما جامع عمرو في بلائه بالدنيا والزمان، وهو أول مسجد أقيم في هذه البلاد؟

وما هذه الخرائب المنثورة في الحواضر والدساكر على أنها مساجد؟

أفيقوا من غفلتكم، يا دعاة التقشف المدسوس على الدين، وتذكروا مرة واحدة أن تجميل المساجد من أبواب الاقتصاد، لأنه يغني الناس عن تبديد أموالهم في المشارب والقهوات، وبأي حق تكون بيوتكم أجمل من بيوت الله، إلا أن تكون نياتكم أقيمت فوق خرائب وأطلال؟

إلى معالي وزير الأوقاف

وهو اليوم رجل بارع الأدب، وافر الذوق، متين الدين، وكأنه صورة من محمد عبده أو عبد العزيز جاويش، إلى الشيخ مصطفى عبد الرازق باشا أوجه القول:

في هذه الأيام - ولعل هذا من وحي خاطرك - أخذت وزارة الأوقاف تتأنق في بناية العمارات المرصدة للاستغلال، فلم يَعُد (بيت الوقف) كالذي كان في ذهن حافظ إبراهيم وهو يداعب صديقه حفني ناصف، وإنما صار (بيت الوقف) بِنيَّة تنافس بِنيّة (الجراند أوتيل) في باريس، وصار طلاب المنافع عن طريق العمارات الشواهق يخشون منافسة وزارة الأوقاف

فهل ترى من الخروج على عنجهية بعض المشايخ أن يكون في كل حاضرة مسجد أو مسجدان أو مساجد على أحدث طراز من التأنق في الزخارف الفنية؟

أنت فرصة من فرص السوانح، يا مصطفى باشا، فلن تكون وزارة الأوقاف إلى رجل مثلك في كل وقت، فبادر إلى تجميل بيوت الله، ليزيدك الله جمالاً إلى جمال، وكمالاً إلى كمال، وليكون أسلوبك في الإصلاح، شبيهاً بأسلوبك في الإفصاح

أجيبوا، يا أصدقاء الرسالة

لنا صديق من رجال الأدب يحاول أن يحتكم الى العقل في جميع المشكلات، فما مشكلة اليوم عند هذا الصديق؟

هو يوازن بين الاحتلال والاستقلال، ومن رأيه أن الاستقلال وسيلة لا غاية، فإذا تمت نعمة الرخاء مع الاحتلال فلا موجب لوجع الدماغ في طلب الاستقلال

وأنا أنتظر آراء أصدقاء الرسالة في هذا الرأي الطريف لأنه بالتأكيد من الآراء التي تساور مَنْ مناهم الألمان بنعمة العافية في ظلال الاحتلال!

الأجاج

أشرت في أحد الأحاديث إلى الأجاج، فما الأجاج؟

هو نوع من السمك الجيد، وكان يوجد بالبحيرات المصرية ثم انقرض، ولكن كيف انقرض؟

كان الصيادون لجشعهم، لا لجهلهم، يضيقون عيون الشباك ليجترفوه بالمئات، فكان من أثر هذا الجشع أن انقرض ذلك النوع من السمك النفيس حدثني بهذا الأستاذ عبده حسن الزيات تأييداً لما كنت أقول من أن الفقر سبَبَهُ الخيانة لا الجهل. وهل يجهل أحد أوجه الضر والنفع حتى نقول إن الفقراء يُعذَرون لأنهم جهلاء؟ وهل كان جميع الأغنياء من المزوِّدين بعلم الاقتصاد وعلم تدبير المعاش؟

مازلت أذكر ضحكة الشيخ عبد الباقي سرور، رحمه الله، وقد تلقينا في جريدة الأفكار سنة 1919 شكاية للصيادين من إصرار الحكومة على تضييق عيون شباك الصيد!

كنا نظن عمل الحكومة تعسفاً في تعسف، ولم نكن ندري أن الثروة المصرية تحتاج إلى حرّاس أمناء، ولو كانت مصادر تلك الثروة في أعماق البحيرات

واستطرد الأستاذ عبده حسن الزيات فقال: حضر أحد النواب المقربين إلى سعادة الأستاذ الجليل محمود فهمي النقراشي باشا ومعه وفد من الصيادين المطالبين بتضييق عيون الشباك، وكان النقراشي باشا يومئذ وزير الداخلية، فغضب وقال: (ألا يعرف حضرة النائب المحترم أن هؤلاء الصيادين يريدون أن نعينهم على قطع ما منّ الله به عليهم من مصادر الرزق؟ إن منفعة الصياد في أن تكبر الأسماك، ليبيع بالواحدة لا بالقُفة، وليصبح الصيد من أنواع الفروسية، فما موجب الجشع في تضييق عيون الشباك)

مصر أمة بحرية، ومع ذلك لا توجد عند أهلها النزعة البحرية في الأدب والبيان، إذا استثنينا القصائد والرسائل التي أوحتها الشواطئ منذ أعوام قِلال

أفلا يكون من أسباب انعدام الأدب البحري عند أهل مصر حرمانهم من السمك الجيد في النيل والبحرين والبحيرات؟

بأي حق يجوز أن يقضي المصري سنة بدون أن يرى وفرة الأسماك في الأسواق؟ أليس ذلك برهاناً على أننا لا نجيد الصيانة لثروتنا الأهلية؟

كانت أسماك مصر حديث القدماء من المؤرخين فأين هي اليوم؟

إن أبناء مصر أبادوا التماسيح من مياه النيل، فكيف يبقون على الأسماك؟!

بلد أحمد أمين

جاء في (المنصورة) - وهي المجلة التي تصدرها مدرسة المنصورة الثانوية - أن الأستاذ أحمد أمين منصوريُّ المنبت، وأقول إن الأستاذ أحمد أمين نفسه حدثني أن آباءه من المنوفية، وإن تحلى بالتواضع فلم يدّع أنه من سنتريس ولم يكن يهمني أن يُزيف نسب أحمد أمين إلى المنوفية، ولكن مقاله عن (غاية العالم) أقنعني بأنه موهوب، ولا بأس بإضافته إلى المنوفية، وإن كان في مقاله عبارات سمعت مثلها في تمهيد الدكتور إبراهيم ناجي لبحثه عن (نفسية المرأة) مع فارق بسيط: هو أن الدكتور ناجي أشار إلى المصدر الذي نقل عنه وأن الأستاذ أحمد أمين لم ير موجباً لذلك، فدلنا من جديد على حسن هضمه لما يقرأ من آراء الباحثين، بحيث ينسى أنه ينقل عن هذا المفكر أو ذاك

بين الرسالة والثقافة

تلطف الأستاذ محمد فريد أبو حديد فنقل تحية أدباء السودان إلى مبارك والزيات، وحدثنا أن الخطباء الذين أثنوا على جهوده الأدبية كانوا يقولون إنه من كتًاب (الرسالة) وأن ذلك وقع من نفسه موقع الارتياح، فقد سره أن تكون (الرسالة) على ألسنة جميع الناس في ذلك القطر الشقيق

وأقول إن مجلة الثقافة أخلفت الظن الجميل بعض الإخلاف، فقد كنا نرجو أن تكون أقوى من مجلة الرسالة، وأن تفتح باباً من المنافسة تنتعش به الحياة الأدبية، ويتسع به المجال أمام الشادين من أبناء الجيل الجديد

والحق أن طغيان (الرسالة) على (الثقافة) يسر المتطلعين إلى تقدم العلوم والآداب والفنون، لأنه يشهد بأن القراء في البلاد العربية قد وصلوا إلى غاية من النضج يصعب معها الأمل في إرضائهم بالجهد القليل، و (الرسالة) تبذل جهداً لا تبذله (الثقافة) وإن استندت (الثقافة) إلى علماء من (كل صنف) كما نوه بذلك الأستاذ أحمد أمين

أنا أرجو أن تهتم (الثقافة) اهتماماً جدياً بتخيّر موضوعاتها، وأن تعنَى عناية خاصة بتخير الشعر الذي تنشره؛ فقد يتوهم الناس في بعض الأقطار العربية أن الشعر في مصر لم تبق له موازين يُعرف بها الراجح من المرجوح

والحرص على منفعة (الثقافة) هو الذي أباح أن نوجه إليها هذا النقد الرفيق، مع الاعتراف بما تقدم من الوَقود الجزل لنار الأفكار والعقول

متى يجيء اليوم الذي نرى فيه خمسين مجلة من أمثال (الرسالة) و (الثقافة) بالخصائص التي عُرفت عن هاتين المجلتين، في التسامي إلى أدب القول وإعزاز البيان؟ الله عز شأنه هو المرجو لتحقيق هذا الأمل الجميل

أيام وأيام

وقعت غارتان على الإسكندرية في ليلة واحدة، ومع ذلك لم يُصب غير بضعة أشخاص، فكيف وقعت هذه المعجزة بعد انقضاء عهد المعجزات؟

يرجع السبب إلى أن الغارتين وقعتا في أحياء هجرها أهلوها فراراً من شراسة الخطوب، فما أقسى الدهر الذي يحكم بأن يرى أهل الإسكندرية أن الحياة أفضل من الموت؟

لو كان بيننا وبين الألمان حرب، لكان من المستحيل أن يترك أهل الإسكندرية بلدهم الجميل قبل أن يجعلوه مقابر للباغين والمعتدين، ولكن الظروف الدميمة قضت بأن يعيش الإسكندريون مجردين من السلاح، وما أشقى من يعيش بلا سلاح في أيام لا يأتمر أهلها بغير البغي والعدوان!

هل تنتفع مصر بهذا الدرس؟ ومتى؟ وكيف؟

إن بلاء مصر بزعمائها سيطول، ويطول، ويطول، فمتى يَعقِلون؟

يوم البعث

وأنا مع هذا لا أيأس، ولن أيأس ما دام دم الفتوّة المصرية والفتوة العربية والفتوة الإسلامية، يجري في عروق الفتيان من أهل مصر والشرق

يجب أن نفهم جيداً أن القوات الأوربية صائرة إلى الفناء، لأنها تجاوزت حدود الله، ولأنها تستبيح قتل الأبرياء، ليتم لها ما تريد من إعزاز شرائع الشياطين

(ألمانيا فوق الجميع)!

ذلك مطلع النشيد الألماني، وهو نذير بما سيصير إليه الألمان، فما تغطرست أمة إلا ابتلاها الله بالذل وسلَّط عليها الضعفاء

اعتقد فراعين مصر أنهم سلالة الشمس وأبناء السماء، فأدال الله منهم وعرَّض أحفادهم وأسباطهم لعوادي الاستعمار والاحتلال.

واعتقد الرومان أنهم سادة الناس، فأباد ملكهم بلا إمهال.

واعتقد العرب أن أُرومتهم أشرف من جميع الأرومات، فكتب الله عليهم التخلف، وجعل نصر الإسلام بأيد غير أيديهم لأنهم خانوا عهد زعيمهم الأكبر، ولم يفهموا أن الإسلام دين مبادئ لا دين أجناس

فما مصير ألمانيا وهي تعتقد أنها فوق الجميع؟

إن هذه العقيدة ستأنى على بنيان ألمانيا من الأساس، فستؤلب عليها الشعوب، وستخلق لها أعداءً لا يعرف عددهم غير من تفرد بالعزة والجبروت

(ألمانيا فوق الجميع) و (ألمانيا فوق الجميع) ثم (ألمانيا فوق الجميع)!

ولهذا المعنى وحده ستصير (ألمانيا تحت الجميع)؛ وإن عشنا فسنرى، وإن عشتم فسترون، فما أذل الأفراد والشعوب غير الاعتصام بالسيطرة والاستعلاء

لو كان (لهتلر) مستشار أمين لدله على أن الرجولة ليست في البطش الأحمق، وإنما الرجولة أن تحارب من تسلَّح بمثل سلاحك، أما إيذاء مدينة مجردة من السلاح، فهو عمل لا يقوم به رجل يتوهم أن أمته فوق الجميع

أما بعد، فهذا يوم البعث، وسأعيش بإذن الله إلى أن أرى الأنوار تنتصف من الظلمات، (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب سينقلبون)، وعند الله جزاء المخلصين الأمناء

زكي مبارك