مجلة الرسالة/العدد 413/ألقاب الشرف والتعظيم
→ وا شقيقاه!! | مجلة الرسالة - العدد 413 ألقاب الشرف والتعظيم [[مؤلف:|]] |
من أشجان الربيع ← |
بتاريخ: 02 - 06 - 1941 |
عند العرب
للأب أنستاس ماري الكرملي
- 4 -
9 - القيصر
هذه الكلمة واضحة الأصل اللاتيني وهو وكثيراً ما ينقل الحرف إلى القاف العربية أو الكاف، والحرف إلى السين أو الصاد العربيتين. وأما قول القلقشندي في صبح الأعشى (5: 482): (وأصل هذه اللفظة في اللغة الرومية (جاشر) بجيم وشين معجمة فعربتها العرب (قيصر)) فغير صحيح البتة؛ لأن (القيصر) بهذا التعريب أقدم من تعريبها بصورة (جاشر) فهذه بالنسبة إلى تلك محدثة، وقد قيل أو يقال اليوم (جُيْزر) وتلفظ بالأحرف الإفرنجية العصرية. وأما الرومان الأقدمون فكانوا يقولون والسين تلفظ سيناً صريحة لا زاياً كما يلفظونها اليوم، إذا وقعت بين حرفين مليلين. وكذلك كان الرومان يقولون في أول الأمر (بيسو) لا (بيزو) ولا (بيشو). وكانوا يقولون (ألياقيم) لا (الياجيم) ولا (الياشيم) ولا (الياسيم). وأما قولهم اليوم (ألياجيم) بالجيم المعقودة، فمحدث بالنسبة إلى قولهم القديم (ألياقيم) أو (ألياكيم).
وأما متى أبدلوا اللفظ الواحد من اللفظ الآخر، فحدث رويداً رويداً، ومن شخص نافذ الكلمة إلى شخص دونه، ومن بلد إلى بلد حتى عم اليوم البلاد الإيطالية كلها. وأما علماء ألمانيا فيعودون إلى لفظ كافاً حينما وقعت بدون أدنى تغيير، فيقولون (كيكرو) ولا يقولون (شيشرو) ولا (جيجرو) ولا (سيسرو)
ومن الغريب أن العرب تَبعتْ لفظ الرومان في عصرهم، فكان اللفظ القديم (قيصر) ثم صار (شيزر)، فقالوا: (قلعة شيزر) ولم يقولوا: (قلعة قيصر) وهي والآن صاروا يقولون (جيزر) ولفظها القلقشندي (جاشر) وهو لفظ لا ينطق به أحد، لأنه كثيراً ما يصحف الألفاظ الأعجمية فيجعل سينهم شيناً معجمة، ويجعل الجيم المثلثة المعقودة جيماً عربية أو جيماً مصرية. وكل ذلك خطأ.
وقال القلقشندي بعد ذلك: (ولها (أي لكلمة قيصر) في لغتهم معنيان: أحدهما الشعر، والثاني الشيء المشقوق) اهـ
قلنا: اللفظة التي تدل على شعر الرأس عند الرومان هي (قيْصر يَسْ) (قَيْصر) كما توهمه القلقشندي. فيحتمل أن يكون السبب لتسمية (قيصر) هو ما يقوله، نقلاً عمن سمع عنه
وقال القلقشندي بعد ذلك: (واختلف في أول من تلقب بهذا اللقب منهم: فقيل أغانيوش أول ملوك الطبقة الثانية منهم. سمي بذلك لأن أمه ماتت وهو حمل في بطنها فشق جوفها وأخرج فأطلق عليه هذا اللفظ، أخذاً من معنى الشق؛ ثم صار علماً على كل من ملكهم بعده. وقيل أول من لقِّب بذلك يوليوش الذي ملك بعد أغانيوش المذكور. وقيل أول من لقب به أغشطش. واختلف في سبب تسميته بذلك، فقيل: لأن أمه ماتت وهو في جوفها فشق عنه وأخرج، كما تقدم القول في أغانيوش. وقيل لأنه ولد وله شعر تام فلقب بذلك، أخذاً من معنى الشعر كما تقدم. ولم يزل هذا اللقب جارياً على ملوكهم إلى أن كان منهم هرقل الذي كتب إليه النبي صلى الله علي وسلم)
قلنا: إن الذي عندنا أن قيصراً سمي كذلك من معنى الشعر لا من معنى البقر (أي شق البطن)، لأن أول من سمي بقيصر لم يكن خشعة (أي مُخرجاً من بطن أمه ببقره). بل كان مولوداً وعلى رأسه شعر، وهو أكتافيوس أو أكتابيوس. هذا فضلاً عن أنه كان خشعة لسماه السلف (خشعة) لأن هذه الكلمة معروفة عندهم، وما كانوا سموه (قيصراً)
10 - الأطربون
قال في تاج العروس في مادة (طرب): والأطربون: البطريق. كذا في شرح أمالي القالي. وحكي عن ابن قتيبة: أنه رجل رومي. وذكر الجواليقي. وقال ابن سيدة: هو الرئيس من الروم. وقال ابن جني في حاشيته: هي خماسية كعضرفوط فعلى هذا وضعه النون والهمزة، والصواب: أن وزنه أفعلون من الطرب. وهذا موضع ذكره استدركه شيخنا) انتهى
قلنا: الاطربون غير البطريق، وكان في أول أمره: حاكم القبيلة، ثم جعل حاكماً على الجند فحاكماً عليهم مع سلطة هيباط. ولو اتخذ عبارة اللسان لكان أحسن. فقد قال ابن مكرم: (الاطربون: من رؤساء الروم وقيل: المقدم في الحرب، وقال عبد الله بن سبره الحرشي:
فإن يكن أطربون الروم قطَّعها، ... فإن فيها بحمد الله منتفعا
قال ابن جني: هي خماسية كعضرفوط) اهـ
قلنا: وأما ما حكي عن ابن قتيبة أنه رجل رومي، فليس من الموضوعات، فقد كان رجل اسمه (اطربونو) وكان الدوج السابع عشر للبندقية توفي سنة 912
وأما قولهم هو الرئيس من الروم؛ فكلام لا يحصل منه شيء. فالرؤساء طبقات. وهناك رؤساء مدنيون وعسكريون وروحانيون وأصحاب مهن إلى ما شابهها. فقولهم هو الرئيس من الروم كلام مبهم؛ والأحسن ألا يذكر مثل هذا التعريف الخالي من حلية تحليه
وقول ابن جني أنه خماسي هو القول الحق الذي لا ريب فيه
وأما قول الشارح: أن وزنه أفعلون من الطرب، فالقسم الأول من عبارته صحيح، أي أن وزنه أفعلون. وأما القسم الثاني أنه من الطرب، فهو الخطأ بعينه، لأن الكلمة ليست عربية بل هي رومية (لاتينية) ومعناها في الأصل: حاكم القبيلة كما قلنا. وهل يعقل أن الرومان يسمون رئيساً من رؤسائهم المدنيين باسم عربي؟ فهذا لا يعقل. فموضع ذكره إذن في (أط ر ب ون)، لأن جميع أحرف الكلمة الدخيلة أصول كما اتفق عليه جمهرة اللغويين بلا شاذ واحد
11 - الفرناس
12 - البرنس
وهو البدء عند العرب؛ والفرسان تعريب فرن (س) ا (ب) س ونقل الحرف الإفرنجي إلى الفاء أو الباء، أشهر من أن يذكر. وكان حق السلف أن يقولوا فيها (فرنكابس) لكنها ثقيلة وليس لها وزن عربي فخففوها وحملوها على مركب عربي ليرحب بها أهل الذوق السليم. ولم يذكر أحد أنها معربة. وهي في لغة الرومان تفيد (الأول في قومه)
والظاهر أن بني عدنان لم يعرفوا معناها حق المعرفة لأسباب، منها:
أنهم ذكروها في مادة (ف ر س) اعتقاداً منهم أنها عربية النجار
أنهم ذكروا لها معاني قاربوا فيها الحقيقة لكنهم لم يصيبوها، فقد شرحوها بقولهم: (الفرناس كفرصاد: رئيس الدهاقين أو الفري. عن ابن خالويه. . . والأسد الضاري، وقيل الغليظ الرقبة.
وقال ابن خالويه: سمي الأسد فرناساً، لأنه رئيس السباع، ونونه زائدة عند سيبويه، كالفُرَانس بالضم. والفرناس أيضاً: الشديد الشجاع من الرجال، شبه الأسد. قال النضر في كتاب الجود والكرم: والفِرْنَوس كفِرْدَوْس من أسماء الأسد. حكاه ابن جني وهو بناء لم يحكه سيبويه، وأسد فرانس كفرناس فُعائل، وهو مما شذ من أبنية الكتاب) أهـ
فالكلمة إذن عرِّبت على صور مختلفة، واختلاف اللغات آت من عجمة اللفظة، وسمى العرب الأسد (فرانس) و (فرناس) و (فرنوس) لأنه الأول بين السباع كما قال ابن خالويه، وكما يقول الفرنسيون:
وكتاب العرب نسوا ما عربه السلف فنقلوا اللفظة الإفرنجية بلا أدنى تغيير في عهد العباسيين، فسموا الفرناس (برنس) نقلاً عن الفرنسية والذين نقلوا هذا اللفظ بهذه الصورة هم جميع المؤرخين الذين دونوا الوقائع في القرون الوسطى. وإذا عذرنا الجميع من هذا التعريب الحديث فلا نعذر ابن شداد قاضي حلب صاحب كتاب النوادر السلطانية، في المحاسن اليوسفية، فقد قال في حوادث سنة 586 هـ (1190 م): (إن البرنس صاحب إنطاكية، خرج بعسكره نحو القرايا الإسلامية) أهـ
فنستنتج من هذا: أن العرب كانوا يتصرفون في اللفظة الواحدة على مناح شتى، اعتماداً على ما يسمعونه في عصرهم وبلادهم لا على ما نقله أجدادهم، ولا على ما يرونه مدوناً في دواوين من تقدمهم من السلف، بل يعتمدون على لغة الأقوام الذين يطوون بساط أيامهم بين ظهرانيهم. فإذا سلمنا بهذا، عذرنا ابن شداد نفسه لجريه على هذا المنحى من صنع الناطقين بالضاد.
وهل تعلم ما كان اسم البرنس عند بني مُضر في أقدم الزمان؟ كانوا يسمونه (البدء) أي الأول وهو معنى البرنس الأجنبية. والدليل على ذلك ما ذكره ابن خلدون في كتابه العبر، وديوان المبتدأ والخبر (2: 263 من طبعة بولاق): (ولما هلك عمرو ابن عدي، ولي بعده على العرب، وسائر مَنْ ببادية العراق، والحجاز، والجزيرة، امرؤ القيس بن عمرو بن عدي، ويقال له (البدء)، وهو أول من تنصَّر من ملوك آل نصر، وعمال الفرس) اهـ، وكانت وفاته في نحو سنة 338 للميلاد. فالبدء إذن قديمة بمعنى البرنس
وكلام ابن خلدون هذا مقتبس من تاريخ الطبري (1: 833 وما يليها): (وكان من عمال سابور بن أردشير، وهرمز بن سابور، وبهرام بن سابور، بعد مهلك عمرو بن عدي بن نصر بن ربيعة على فُرَجِ العرب من ربيعة، ومُضَر، وسائر من ببادية العراق، والحجاز، والجزيرة يومئذ، ابنٌ لعمرو بن عدي، يقال له (امرؤ القيس البدءُ)، وهو أول من تنصَّر من ملوك آل نصر بن ربيعه، وعمال ملوك الفرس. وعاش فيما ذكر هشام بن محمد، مملكا في عمله، مائة سنة وأربع عشرة سنة) اهـ.
وفي التاج: (البَدءُ: السيد الأول في السيادة. والثُنيان الذي يليه في السُؤدْدَ. قال أوس بن معري السعدي:
(ثنياننا إن أتاهم كان (بدئهم) ... و (بدئهم) أن أتانا كان ثُنْيانا) اهـ
فلم يبق شك في أن (البدء) يقابل البرنس عند الإفرنج والثنيان يقابل الدُوق عندهم.
(له صلة)
الأب أنستاس ماري الكرملي
من أعضاء مجمع فؤاد للغة العربية