الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 407/على ذكر المولد النبوي

مجلة الرسالة/العدد 407/على ذكر المولد النبوي

مجلة الرسالة - العدد 407
على ذكر المولد النبوي
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 21 - 04 - 1941


للدكتور عبد الوهاب عزام

الذكر العظيمة في تاريخ الأمم نجوم يهتدي بها في ظلمات الأيام، وأعلام يستبين بها الطريق في ضلالات الزمان، ودعوات إلى الحق والخير تدوي على مر السنين. والزمان بالناس دائر لا يفتر، تعتورهم أحداثه، وتتداولهم غيره، فمن لم يعتصم بسبب من الحق، ويستمسك بعروة من العمل الصالح، ضل وانبهمت عليه السبل، والتبس عليه الحق والباطل، والهدى والضلال. ومن لم يجعل له قدوة من سير العظماء تردد وتحير، والزمان لا ينتظر المترددين الحيارى، أو ضل وهلك، والدهر لا يشفق على الضلال والهلكى.

وإن لنا معشر المسلمين من سيرة رسولنا خاتم النبيين نجوماً نيرات، وأعلاماً واضحات، وأسى تهدي إلى الخير والبر، والتي هي أقوم من أعمال الدين والدنيا. إن لنا من سيرة الرسول الكريم هدي في كل صغيرة وكبيرة من أعمال الفرد والجماعة.

فقط حفظ لنا التاريخ سيرته في بيته ومسجده، وفي سياسة الجماعات، وتربية الأمم، وقيادة الجيوش، وفي الإصلاح بين المتعادين، والقضاء بين المتخاصمين، وفي السفر والحضر، والشدة والرخاء، والحرب والسلم، والغضب والرضا، فما تلقانا حادثة من حوادث الزمان، أو عمل من أعمال الحياة خيرها وشرها، وحلوها ومرها، إلا وجدنا في سيرة سيدنا ونبينا وحبيبنا محمد صلوات الله عليه وسلامه مثلاً عالياً، وأسوة حسنة، ورأياً هادياً، وقضاء فصلاً، يهدينا إلى ما فيه صلاح الدنيا والآخرة. كل فرد منا يجد في سيرة محمد وهديه شفاء دائه، والتحرر من أهوائه، وإصلاح خلقه؛ وكل فرد منا يجد في سيرة نبيه الجهاد في الحياة والصبر على لأوائها، والطموح إلى معاليها، والاستكبار عن دناياها، والإباء على كل ضيم والنفور من كل مذلة

وكل أمة من أمم المسلمين تدوي فيها ليل نهار الدعوة المحمدية تدعوها إلى أن تقوم في أرض الله على عباد الله بقانون الله (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)

وكل أمة على هذه الأرض تجد في هُدى محمد ما يطب ادائها، ويقيم من عوجها. وهل أودى بالجماعات إلا عصبيات باطلة، وأهواء جامحة، وشهوات مسلطة، واست الحق، ونفور من العدل؟ هل كب الناس في جهنم إلا ما استعر في قلوبهم من الضغينة، وثار في رؤوسهم من الهوى؟ وهل يعرف التاريخ كمحمد رسولاً جاء بالشرع الجامع، والأخوة العامة، والعدل الشامل؟ هل يعرف التاريخ كمحمد هادياً ألف بين منازع النفس على قانون من العفة والعدل، وألف بين الإنسان والإنسان على شريعة من المودة والأخوة، وألف بين الأمة والأمة على منهاج من الحق والبر والعمل الصالح لخير الناس أجمعين؟ من رفع للناس لواء الأخوة لا يفرق بين الأبيض والأسود، ولا يميز بين المشرق والمغرب؟: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله اتقاكم). من دعا الناس جميعاً إلى التنافس في الخير على اختلاف أديانهم ونحلهم وأنزل عليه: (ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا يأت بكم الله جميعاً إن الله على كل شيء قدير). (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً، ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما أتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم تعلمون)

أين أنتم من هذه الأخوة الجامعة يا ضلال البشر؟ أين أنتم من دعوة الخير العامة يا دعاة الشر؟ أين أنتم من هذه الرحمة يا قساة القلوب؟ أين أنتم من هذا الصلاح يا فساد الشعوب؟

المسلمون أحق باللوم وأجدر بالتعنيف. فهم أهل هذا الدين وأولى الناس بهديه، وهم هم خذلوه وهجروه، وحفظوا ظاهره وضيعوه. (وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا) فإن ترهم اليوم في فرقة وشقاق فبما ضيعوا أخوة الإسلام، وإن ترهم في مذلة وهوان فبما فرطوا في عزة الإسلام، وإن ترهم أتباعاً فقد علمهم الإسلام مشرعة السيادة فنبذوها، وأعطاهم أزمة القيادة فأضاعوها

أيها المسلمون، هذه ذكرى نبيكم، وميلاد تاريخكم، ومبدأ مجدكم، ومنشأ سعادتكم؛ فإن شئتم لأنفسكم السيادة والسعادة فكونوا أهلاً لهذا الشرف. كونوا بأخلاقكم وأعمالكم جديرين بأن تسموا أمة محمد. ولا تتخذوا الانتساب إلى محمد هزواً ولعباً، وتحسبوا الإسلام أسماء وأقوالاً، فإنما هو الأخلاق والأفعال والجهاد الذي لا يفتر، فمن شاء أن ينتسب إلى محمد فهذه سنته، ومن شاء مجد محمد فهذه طريقته

(يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا).

عبد الوهاب عزام