الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 406/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 406/البريد الأدبي

مجلة الرسالة - العدد 406
البريد الأدبي
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 14 - 04 - 1941


المجمع العلمي العربي يبعث

كان (المجمع العلمي) قد توقف عمله منذ سنوات سبع، وقد أصدرت مديرية المعارف العامة مرءماً ببعثه وإحيائه، واجمع الأساتيذ أعضاؤه على انتخاب العلامة الكبير الأستاذ كرد علي بك رئيساً له، فصدر مرسوم جمهوري بذلك.

ولا شك في أن المجمع العلمي الذي استطاع بسعي رئيسه وجهود أعضائه - في مدة قصيرة من الزمن - أن يؤدي إلى اللغة العربية ما لم يؤده إليها كثير من الرجالات والمجامع في مدة طويلة، والذي رفع اسم الشرق في ندوات المستشرقين في الغرب سيعود إلى سيرته الأولى: فيحيى ما اندثر من آثار السلف، ويسعى للقضاء على الدجاجلة المتجرين باللغة، ويعنى بانتخاب أعضاء له ممن كانت لهم في اللغة جهود، وفي إصلاحها طرائق، وكان لهم على آدابها وفرائدها وأسرارها ودقائقها اطلاع، دون غيرهم من المتطفلين، ولو كانوا من أرباب الألقاب الجوفاء.

وقد وضع له برنامج واسع ونظام دقيق، وسننوه بهما مرة ثانية.

(دمشق)

(المنجد)

مناصرات كلية الآداب

مناظرات كلية الآداب شائقة ولكنها في دعوتها إلى التفكير أكثر منها في ختامها للتمحيص وهذا شأن المناظرات في كلية الآداب وفي غير كلية الآداب، لأن المناظر شأنه غير شأن المحاضر، ولابد أن يتقيد بجانب الرأي الذي يدافع عنه أكثر من تقيد المحاضر بجانب خاص من جوانب الرأي وليس تمحيص الحقيقة ووضوحها في المقارنة بين أقوال المناظرين وحدها بل هي في التوفيق بين أقوالهما وفيما يظهره هذا التوفيق من آراء قد تسقط في المناظرة للدفاع كل مناظر عما يدافع عنه من الرأي وتمحيص الحقيقة أيضاً في مناقشة الجملة التي هي موضوع المناظرة وهذا ليس من شأنه المناظر وفي بيان أوجه صلاحها للمناقشة واوجه فسادها ويتضح لنا صواب ذلك إذا رجعنا إلى المناظرة التي كان موضوعها (هل يزدهر الفكر في عهد الفوضى أم في عهد الأمان) كما يتضح في المناظرة التي كان موضوعها (هل يكفي التراث الشرقي - أو العربي - لتمام نضوج الذهن). ففي المحاضرة الأولى لم يتضح من الجملة نوع الفوضى ونوع الأمان كما لم يتضح من الجملة الثانية معنى التراث ومعنى تمام النضوج فإن من الفوضى فوضى قد تكون ناشئة من التقاء الثقافات واجتماع الحضارات، وفوضى قد تكون ناشئة عن المحركات النفسية التي تبعث إلى التفكير، وكلاهما قد تكون فوضى نسبية تساعد على التفكير وازدهار الثقافة. كما أن من الفوضى فوضى ناشئة عن اختلال النظام واضطراب الدولة، والفتن والحرب التي تعم وتجعل الحياة غير موثوق من بقائها وتعطل الأرزاق وتشغل المفكر عن الفكر بالتماس طرق تأمين الحياة وطلب الرزق أولاً حتى يستطيع أن يفكر بعد أن يتهيأ له ما أراد، ومثل هذه الفوضى تعطل أمور التفكير وتمنع من ازدهاره. ومن الفوضى فوضى قد تكون بسبب شدة العصبية للرأي؛ فكل طائفة تريد أن تغلب رأيها، فإذا تعدت العصبية للرأي وسيلة الإقناع إلى وسائل القهر والإلزام، وصار النصر في تلك الوسائل سجالاً ومداولة وتبع هذه المداولة الفتك والقتل والنهب. منعت كل هذه الأمور من ازدهار الفكر إلى أن تستقر الأمور. ومن الفوضى فوضى نسبية هي أيضاً نتيجة شدة العصبية للرأي، ولكنها لا تلجأ إلى وسائل الفتك أو لا تدوم على تلك الحال أو لا يكون الفتك سجالا إلى أمد طويل. وهذه قد يزدهر معها الفكر ومن الفوضى فوضى تتخللها مواطن الأمان، أو كما يقولون جزائر الأمان ولا يراد بمعنى جزائر الجغرافي وإنما المراد مواطن أمان يطمئن فيها ويستقر إليها المفكرون إذ لا أمان في بقاع أخرى في الوقت نفسه فيكون ازدهار الفكر في مواطن الأمان لا في أماكن الفوضى ومن الفوضى فوضى لا توجد فيها جزائر الأمان فلا تساعد ازدهار الفكر والأولى مثل دويلات العهد الأخير من الدول العباسية ودويلات مدن الإغريق ودول ملوك الطوائف في الأندلس وغيرها، ومن الفوضى فوضى ناشئة عن عبث النفوس وقلة اكتراثها للجد والحق وهذه لا تعين على التفكير. ومن الفوضى فوضى يعقبها تعمير، وفوضى لا يعقبها إلا الخراب والاضمحلال، وفوضى تكون في أول نشأة الأمم والحضارات، وفوضى في أواخر عهدها. والأمان أيضاً أنواع، فمنه أمان يكون في عهد مجد الدولة وبأسها، واستقرار أمورها، واتساع نطاق تجارتها ونمو ثروتها، وهو أمان يساعد على ازدهار الفكر، وقد تتخلله حروب أو لا تتخلله، وهذا الأمان النسبي هو كالذي كان في عهد الأسرة الرابعة والثانية عشرة والثامنة عشرة في تاريخ مصر القديم، وكالذي كان في العهد الأوجستي في تاريخ روما، وعهد أسرة تيودور والملكة إليصابات في إنجلترا، وعهد لويس الرابع عشر في فرنسا، وعهد هارون الرشيد في الدولة العباسية، وعهد بركليس في الدولة الأثينية، وعهد عبد الرحمن الثالث في الأندلس، وعهد الديمقراطيات والنظم الحديثة بعد الثورة الفرنسية وبعد حروب نابليون. ومن الأمان أن يكون معه الخمود والركود وقهر الفكر والفقر وهذا لا يعين على ازدهار الفكر. فنرى أن موضوع المناظرة الأولى لم يحدد معنى الفوضى والأمان ونوعهما. وإغفاله هذا التحديد لم يكن داعياً إلى تمحيص الحقيقة وإن كان داعياً إلى الفكر. ثم أن موضوع تلك المحاضرة قصر عوامل ازدهار الفكر أو ركوده على الفوضى والأمان ولم ينظر إلى العوامل الأخرى مثل التجارة وأنواعها، وطرق المواصلات وأثرها، والصنائع وأنواعها، مثل مصالح الحكومة، ومثل مقدار الثروة والتعليم الخ. وإذا نظرنا إلى المناظرة الثانية وجدنا أيضاً أن معنى تمام النضوج لم يحدد، ولم يحدد معنى التراث كما اتضح من أقوال الأستاذين الكبيرين اللذين تكلما في المناظرة. ولكنهما كانا متفقين في لباب الحقيقة وإن اختلفا في الظاهر.

إسماعيل فهمي

ليبيا وبرقة

تكتب الصحف فيما تنشره من أخبار عن طرابلس الغرب كلمتي: ليبيا - برقة. والكثير لا يعرف مدلولهما الصحيح ويذهب به الظن إلى أن ليبيا يسمى بها طرابلس الغرب، فلا ظهار الصواب نورد ما ذكره ابن خلدون في تاريخه. قال المؤرخ عن ليبيا: (وهي اسم قبيلة من البربر دخلت تلك الصحراء وعمرتها وهي لا تزال آثارها باقية، وهي تعرف الآن بالتوارق). وعن برقة: (أطلق العرب هذا الاسم على ولاية رومانية كانت تعرف عند قدماء اليونان بالقيروان نسبة إلى قوربنة إحدى مدنها وهي غير مدينة القيروان التي مصرها العرب في أفريقيا بعد الفتح. وقد كان الجزء الشمالي منها يعرف عند اليونان ببنطابلس أي المدن الخمس، لأنه كان فيه خمس مدن كبيرة، الأولى هسبريدرس، وقد سماها بطليموس الثالث (هسبربدرس برنيقة) نسبة إلى زوجه برنيقه وسماها العرب برنيق وتعرف الآن بيني غازي. والثانية برقة وتعرف الآن بالمرج وبها سميت البلاد عند العرب. والثالثة قورينه وبها سميت البلاد عند اليونان، ولا تزال آثارها باقية ويسميها الأعراب قورينه. والرابعة البولونيه وتعرف الآن بمرسى سوسه. والخامسة توخيره أراسينوي وتعرف الآن بتوكره ونشأ فيها في زمن البطالسة مدينتان أخريان وهما بطلمايس وتسعى الآن طولميطة ودونيس دورينا وتعرف الآن بدرنة. وكل هذه المدن على الساحل ما عدا برقة وقورينه فإنهما على بضعة أميال منه. هذا ما أثبته ابن خلدون ومنه يعرف أن ليبيا ليست اسماً لطرابلس الغرب.

أبو القاسم سعيد الباروني الطرابلسي

تأبين الأستاذ فؤاد بليبل

لا تزال أندية الأدب ومجالس الشعر تردد عبارات الأسف على فقد الشاعر الشاب فؤاد بليبل، وتجدد في كل مناسبة أساها على فجيعة الشعر فيه، فقد كان المتصلون به والقارئون له يعتقدون أن سيكون له في الشعر الوجداني اثر مذكور بفضل ما وهبه الله من صدق الشعور وصفاء النفس وعذوبة الروح واستكمال الأداة. والحق أن الحياة القصيرة المضطربة التي حييها فؤاد كانت أشبه بأغرودة البلبل الجريح أدركه الإعياء قبل أن يسكن إلى عشه.

وقد فكر لفيف من أصدقائه أن يقيموا له حفلة تأبين يوم الأحد 4 مايو سنة 1941 بنادي لبنان في شارع توفيق رقم 12 ولا شك في أن هذه الحفلة ستكون مظهراً صادقاً لما يكنه إخوان الأدب والروح من الفجيعة واللوعة لهذا الفقيد الكريم

أخطاء في كتاب

للأستاذ محمود مصطفى أستاذ الأدب العربي بكلية اللغة العربية كتب في الأدب يفرض تدريسها على الطلاب. من هذه الكتب كتابه في (الأدب العربي وتاريخه، في عصري صدر الإسلام والدولة الأموية)، وقد تصفحنا هذا الكتاب فعثرنا فيه على أخطاء نحب أن نلفت إليها أستاذنا الجليل ليتلافاها في الطبعة المقبلة، كما نحب أن نلفت إليها زملائنا الطلاب وجلهم بحمد الله من المشتركين بمجلة الرسالة الغراء.

يقول المؤلف في ص35 (وقوله - يريد النبي ﷺ - لأبي تميمة الجهيمي: (إياك والمخيلة) فقال يا رسول الله نحن قوم عرب فما المخيلة؟ فقال عليه السلام: سبل الإزار)

والصحيح أن النبي قال هذا لجابر بن سليم الجهيمي، لأن تميمة تابعي وليس بصاحبي حتى يخاطب.

ويقول المؤلف في ص127 مفسراً بيت حسان:

كلتاهما حلب العصير فعاطني ... بزجاجة أرخاهما للمِفصَل

(كلتاهما: كلا الماء والخمر. والمعنى في البيت أن الماء والخمر ناتجان عن عصر شيء؛ فالماء عن عصر السحاب، والخمر عن عصر العنب). . . وهذا التفسير خطأ (أولاً) لآن (كلتاهما) للمثنى المؤنث والماء مذكر والمعروف تغليب المذكر على المؤنث (ثانياً) لأنه قال (أرخاهما) للمفصل وأرخى أفعل تفضيل يقتضي المشاركة مع أن الماء لا إرخاء فيه أصلاً. (ثالثاً) لأنه قال كلتاهما حلب العصير والعصير إذا أطلق انصرف إلى عصير العنب. . . والصحيح: كلتاهما التي قتلت والتي لم تقتل في البيت الذي قبله وهو:

إن التي ناولتني فردتها ... فُتِلَت قتلْتَ فهاتها لم تقتل

وهكذا روى الأغاني وخزانة الأدب وشرح ابن هشام لبانت سعاد

ويقول المؤلف في ص175: (. . . فقد قيل: أن عمرو ابن العاص لما رأي مكتبة الإسكندرية أرسل بخبرها إلى عمر. فقال له: إن كان فيها ما يوافق كتاب الله ففي كتاب الله عنه غنى وإن كان فيها يخالفه فلا حاجة اليه، فتقدم بإعدامها: فأحرقها عمر)، وهذا كلام يكذبه المؤرخون. . . ويعتمدون على أن إحراقها كان قبل الفتح. . .

ويقول المؤلف في ص178: (فقد ذكروا أن عبد الله بن المقفع اعترف بأنه دس على المسلمين أربعة آلاف حديث). . . والصحيح أنه لم يكن محدثاً، ولم يقل أحد عنه ذلك، ولم يرو حديثاً واحداً لا صادقاً ولا كاذباً.

ويقول المؤلف في ص182: (عمران ابن حطان السدوسي شاعر فصيح من الشراة، وكان في آخر أيامه من القعدة. . . لأن عمره طال فضعف عن القتال، فكان يدعو بلسانه)

وهذا التعليل نقله المؤلف عن جورج زيدان وهو خطأ. . . ولم يكن عمران في آخر أيامه من القعدة كما ذكر. القعدة فرقة من الخوارج كانوا يرون التحكيم بين علي ومعاوية، ولكنهم قعدوا فلم يقاتلوا. . .

ويقول المؤلف في ص308 مترجماً لجرير: (ولد باليمامة سنة 42هـ في خلافة عثمان)، وهذا خطأ، لأن عثمان توفي سنة 35هـ

ويقول المؤلف في ص309: (وما زال جرير بالبادية حتى قال الشعر. ثم قدم الشام على يزيد بن معاوية وهو ولي العهد، ومدحه بقصيدة منها:

وإني لعفُّ الفقر مشترَكُ الغنى ... سريع إذا لم أرض داري انتقاليا. . . الخ

والصواب أن هذه القصيدة قالها جرير يرد بها على الفرزدق قصيدة على وزنها ورويها وهما معاً في النقائض، وليس فيها بيت واحد في مدح يزيد. . . والصواب أيضاً أن جريراً لم يقدم على يزيد بالشام إلا وهو خليقة. . .)

وبعد، فنحن نقدر الأستاذ محمود مصطفى ونجله، ونعتقد أنه من الأساتذة العاملين في كلية اللغة العربية، وما قصدنا بهذه التصحيحات إلا خدمة الأدب، وخدمة الكتاب، وخدمة الطلاب الذين سيمتحنون فيه آخر العام.

عبد العليم عيسى

1

1