مجلة الرسالة/العدد 404/رسالة النقد
→ من ليالي كليوبترا | مجلة الرسالة - العدد 404 رسالة النقد [[مؤلف:|]] |
البريد الأدبي ← |
بتاريخ: 31 - 03 - 1941 |
الفنون الإيرانية في العصر الإسلامي
تأليف الدكتور زكي محمد حسن
للدكتور محمد مصطفى
- 2 -
وفي كلام المؤلف في الفصل الذي كتبه عن (التذهيب) يقول في (ص 70) - بدون أن يذكر المرجع - ما يأتي:
(أما زخارف الصفحات المذهبة، فكانت في البداية خليطاً من العناصر الزخرفية الساسانية والبيزنطية والقبطية، فضلاً عن الرسوم المنقولة من كتب اليهود وكتب المسيحيين من أتباع الكنيسة الشرقية)
وأجمل المؤلف في العبارة التالية لهذه كلامه عن بعض هذه الزخارف.
وقد كتب الدكتور ريشارد أتينجهاوزن بحثاً وافياً عن تذهيب المخطوطات في إيران ووصف هذه (العناصر الزخرفية) في صفحتي 1944 و1945 من هذا البحث
ومن الغريب أن نلاحظ أن الدكتور زكي محمد حسن في هذا الفصل الذي كتبه عن (التذهيب) (ص 68 - 73) لم يشر في أية ناحية منه إلى هذا البحث الذي كتبه الدكتور ريشارد أتنيجهاوزن في نفس هذا الموضوع، مع أن هذا البحث يعد أحدث بحث علمي واف عن تذهيب المخطوطات في إيران، فضلاً عن أن جميع البيانات التي كتبها الدكتور زكي عن التذهيب في إيران في عصوره المختلفة بما في ذلك الحواشي الأربع التي وردت في هذا الفصل من كتابه، قد جاءت كلها ضمن ما كتبه الدكتور أتنيجهاوزن في البحث المذكور وما أروده فيه من حواش
فإننا نرى أن ما كتبه الدكتور أتنيجهاوزن في ص1947 مفصلاً عن ميزات المخطوطات المذهبة في العصر السلجوقي، قد أورده الدكتور زكي مجملاً في الفقرة الأخيرة من ص 70، وفي ص 1951 - 1952 تفصيل ما جاء في الفقرة الأولى من ص 71 عن الطريقة الجديدة في الزخرفة والتذهيب في هذا العصر. وفي ص 1559 - 1956 ما جاء في الفقرة الثانية من ص 71 عن المصحف المحفوظ بدار الكتب المصرية. وفي ص 1960 بما في ذلك الحاشية رقم 1 ما جاء في الفقرة الأولى من ص 72 والحاشية رقم 1 في الصفحة نفسها عن مخطوط الشاهنامة المؤرخ سنة 831هـ. وأيضا في ص 1960 وفي الحاشية رقم 5 ما جاء في الفقرة الثانية من ص 72 والحاشية رقم 2 في هذه الصفحة عن أعلام المذهبين في العصر التيموري. وفي ص1960 - 1961 ما جاء في الفقرة الثالثة ص 72 عن رسوم النبات والزهور. وفي ص 1968 - 1969 ما جاء في الفقرة الرابعة من ص 72 عن أعلام المذهبين في العصر الصفوي. وفي ص 1969 ما جاء في الجملة الأولى من الفقرة الأولى في ص 73 عن بعض ميزات المخطوطات الصفوية. وفي ص 1970 - 1971 والحاشية رقم 9 ص 1970 ما جاء في العبارة الثالثة من الفقرة الأولى في ص 73 بما في ذلك الحاشية رقم 2 في هذه الصفحة عن مخطوط بستان سعدي المحفوظ في دار الكتب المصرية، وما فيه من (رسم بطة تطير بين سحب صينية). وفي ص 1972 والحاشية رقم 5 في هذه الصفحة ما جاء في الجملة الثانية من الفقرة الأولى في ص 73 والحاشية رقم 1 في هذه الصفحة عن مخطوط منظومات الشاعر نظامي
ومما تقدم يتبين أن الدكتور ريشارد أتنيجهاوزن قد سبق الدكتور زكي محمد حسن في سرد الحقائق العلمية عن التذهيب في إيران، وقد كان من الواجب على الدكتور زكي أن يشير، في الفصل الذي كتبه عن التذهيب، إلى هذا البحث، لاسيما وأن جميع البيانات والحواشي التي أوردها في هذا الفصل قد جاءت - كما رأينا - بنفس التسلسل الذي جاءت به ضمن البيانات والحواشي التي كتبها الدكتور أتنيجهاوزن
وفي كلامه عن مسألة كراهية التصوير في الإسلام (ص74 وما بعدها) لم يأت المؤلف برأي شخصي قاطع في هذا الموضوع، بل اكتفى بأن قال: (على أننا لا نميل إلى أن نصدق أن التصوير كان غير مكروه في عهد النبي عليه السلام وعصر الخلفاء الراشدين، بل أكبر الظن أن. . .) ثم بدأ الفقرة التالية لهذه العبارة بقوله: (ومهما يكن من الأمر فإن. . .) وقد أشار إلى آراء العلماء الأوربيين بدون أن يناقشها وبدون أن يذكر شيئاً مما جاء في أبحاثهم العلمية
ويقول في ص 76: (وقد قيل أن العرب ورثوا عن اليهود كراهية التصوير، وإن أقل الشعوب الإسلامية اكتراثاً بتحريم التصوير في الإسلام إنما هي الشعوب غير السامية الأصل وبنى على ذلك قوله في ص 79
رابعاً - إن الإيرانيين قوم من الجنس الآري، ولم يكونوا كالساميين يحسون شعوراً نفسانياً ببعدهم عن التصوير
ولكن نسبة العرب إلى الجنس السامي لا تزال موضع دراسة عند علماء الأجناس. والمسألة هنا مسألة أحاديث نسبت إلى النبي (ص) ويهم المسلمين جميعاً - سواء منهم العرب أو الإيرانيون والشيعة أو النسييون - أن يعرفوا مبلغ صحة نسبتها إليه. وهل تربت كراهية التصوير في الإسلام على هذه الأحاديث أو على عوامل أخرى دخيلة على الإسلام. وإذا تكلمنا عن نسبة العرب إلى الجنس السامي، وجب علينا أن نبحث فيما إذا كان مسيحيو الشرق الأدنى من الجنس السامي أو الآري، وهم كما نعلم من العرب أيضاً، وقد أخذت عنهم مدرسة العراق أو المدرسة السلجوقية (الأسلوب الفني) في التصوير، وكما يعترف المؤلف في ص 84 أن هذه المدرسة (كانت عربية أكثر منها إيرانية، فالأشخاص فيها عليهم مسحة سامية ظاهرة، والأسلوب الفني مأخوذ - إلى حد كبير - عن الصور في مخطوطات المسيحيين من أتباع الكنيسة الشرقية)
وفي ص 80 أورد المؤلف حاشية طويلة عن تصوير مخطوطات كتاب كليلة ودمنة، وكذلك بعض العبارات التي قالها ابن المقفع الذي ترجم هذا الكتاب إلى اللغة العربية، عن فوائد الكتاب تستنتج منها أن التصوير يمكن إرجاعه إلى عصور مبكرة في الإسلام. ولكن المؤلف لم يذكر المرجع الذي أخذ عنه هذه الحاشية. وبالنسبة لما لهذه الحاشية من الأهمية الخاصة في تاريخ التصوير، أقول إنني قد عثرت على حاشية مماثلة لحاشية المؤلف كتبها الأستاذ بوب يعلق بها على ما جاء في كلام الأستاذ كينل عن مخطوط كليلة ودمنة
وقال المؤلف أيضاً في ص 80 (ونحن نذهب إلى أن المسؤول عن طبيعة التصوير الإيراني هي البيئة التي يعيش فيها الفنانون، والأساليب الفنية التي ورثوها عن أسلافهم من سكان الهضبة الإيرانية وبلاد العراق والجزيرة والشرق الأدنى عامة، فإن هؤلاء لم يكن لديهم، من الحفلات والألعاب الرياضية والمناظر الطبيعية والعناية بالتربية البدنية وتقوية الأجسام، ما يمكن أن يدفعهم - كالإغريق مثلاً - إلى دراسة الجسم الإنساني دراسة متقنة والعمل على تصويره أو صناعة التماثيل له بدقة يراعى فيها صدق تمثيل الطبيعة)
ولكن المؤلف يقول في ص 186: (وقد استعمل الخزفيون في الري عدداً وافراً من الزخارف الهندسية والنباتية، ورسموا معظم الحيوانات التي عرفوها في ذلك الوقت، ولاسيما الأرنب وكلب الصيد، كما اتخذوا بعض الزخارف من مناظر الرقص والطرب والموسيقى والصيد، ولعب الصوالجة (البولو) والحفلات الرسمية، بل لقد رسم أحدهم صورة طبيب يقصد سيدة أنيقة)
وعلاقة خزف مدينة الري بالتصوير يقول عنها المؤلف ص 85: (ولعل أكبر دليل على العلاقة الوثيقة بين هذه الصور السلجوقية وإيران أن رسومها تشبه الرسوم الموجودة على الخزف الإيراني المعروف باسم (مينائي) والذي كانت مدينة الري أعظم مراكز صناعته)
ومن عبارة المؤلف عن الخزف نرى أنه كانت لديهم من الحفلات والألعاب ما يمكن أن يدفعهم إلى مراعاة الدقة في صدق تمثيل الطبيعة. ولكني أظن أن السبب في ذلك هو كما قال الأستاذ لورنس بنيون: (إن الروح التي تسود التصوير الإيراني هي روح الخيال، فالإيرانيون يحبون ما هو عجيب ومدهش. والخيال بالنسبة لنا (للأوربيين) هو الهروب من عالم الحقيقة إلى عالم العجائب. أما بالنسبة لهم (للإيرانيين) فهو نسيم الحياة)
ويستشهد المؤلف في ص 129 بمثال ضربه الأستاذ لورنس بنيون ولكنه لم يذكر المرجع. وإني أظن أنه هذا المثال من مقال الأستاذ بنيون في
وفي ص 130 يقول المؤلف (أجل، إن تصوير المناظر الطبيعية لم يكن عندهم فرعاً مستقلاً من فروع التصوير، ولم تكن له المكانة التي وصل إليها عند الغربيين والصينيين، ولكنهم عرفوه. ولم ينصرفوا عنه لعجز، وإنما لأنه لم يوافق طبيعتهم الفنية. واعتقادهم أن الإنسان هو المحور الذي تدور حوله هذه الحياة. فالفنان الإيراني يأخذ من الطبيعة ما يريد، ولكنه لا يتقيد بها.
وقد جاءت هذه العبارة شديدة الاقتضاب بحيث يمكن أن يفهم منها عكس ما يريد المؤلف قوله، وإني أورد فيما يلي عبارة مماثلة من مقال الأستاذ لورنس بنيون لشرح ذلك: (لا تختلف التقاليد الصينية واليابانية في التصوير اختلافاً جوهرياً عن تقاليد الفنانين الإيرانيين فيما يختص بالصور المخصصة لرسم الأشخاص أو الصور التي يرى عليها أشخاص في وسط مناظر طبيعية. أما المناظر الطبيعية نفسها فإنها وإن كانت معروفة في الفن الإيراني، إلا أنها لم تصل إلى الدرجة التي تكون فيها كفرع مستقل من فروع التصوير، فلم تصبح أبداً مرآة تنعكس فيها أعمال الإنسان، بل كانت تمثل فقط صورة لأحد المناظر. وكانت للمناظر الطبيعية في الصين هذه الدلالة، بل وأكثر من ذلك، فإنها كانت محاولة للتعبير عن صلة الإنسان بالكون، وبما أن الكل أعظم من الجزء، وحياة الإنسان جزء من الطبيعة، لذلك نرى أن الصينيين ينزلون تصوير المناظر الطبيعية في أعلى منزلة بين فروع التصوير. وهذا الاختلاف في طبيعة الفن يأتي من الاختلاف في تكوين عقلية الشعوب. فعند الإيرانيين، كما هو الحال عند الأوربيين في أغلب الأحيان، نجد أن الإنسان وأعمال الإنسان هي الموضوع الرئيسي الذي تعطى له أهمية خاصة، أما الطبيعة فتبقى فيما بعد ذلك، ولا تدرس لنفسها)
وفي هذا المعنى يقول الأستاذ بوب والدكتور أكرمان ما يلي: (الحديقة موضوع رئيسي في كثير من الفنون الإيرانية. . . وقد أدى استعمال لوحات القاشاني المباني إلى إمكان تحويل مبنى بأكمله إلى مجموعة ذات ألوان بهجة من الزهور، تكون كتلة واحدة مع الحديقة ذات الزهور الحقيقية التي يقوم المبنى في وسطها. . . وقد تركت الديانة الزردشتية الحياة في الآخرة غامضة ومبهمة؛ أما الإسلام فقد كان صريحاً في ذلك ووعد المتقين بحياة خالدة في جنات النعيم
ويقول الأستاذ بوب وقد كان معروفاً أن الإيرانيين لم يباشروا أبداً تصوير المناظر الطبيعية الخالصة، ولكن لا يكاد المرء يكون نظرية في أي فرع من فروع الفن الإيراني حتى يظهر اكتشاف جديد يقضي على هذه النظرية، وقد وجد الدكتور أجا أوغلو في استانبول اثنتي عشرة غاية في الإبداع والجمال، من المناظر الطبيعية الخالية من أية صورة آدمية
وقد نشر الدكتور محمد أجا أوغلو تسعاً من هذه الصور وهو يقول عن تصوير المناظر الطبيعية ما يأتي:
(وإذا حكمنا بما وصل إلينا من الصور إلى الآن، نجد أن تصوير المناظر الطبيعية لم يعالج كفرع قائم بذاته من فروع التصوير في إيران. . . . وليس هذا معناه أن تمثيل الطبيعة كان غريباً على الفنانين الإيرانيين، فقد كانت المناظر الطبيعية والمباني في أشكالها المختلفة موضوعاً محبوباً لديهم لتمثيل الفروسية والحماسة والمناظر الأخرى. ومنذ بدء ارتقاء فن التصوير يمكننا أن نلاحظ ابتهاجاً آخذاً في الازدياد في معالجة المناظر الطبيعية كموضوع زخرفي).
(له بقية)
محمد مصطفى