مجلة الرسالة/العدد 403/الحديث ذو شجون
→ دوائر معارفنا الإسلامية | مجلة الرسالة - العدد 403 الحديث ذو شجون [[مؤلف:|]] |
في العقد ← |
بتاريخ: 24 - 03 - 1941 |
للدكتور زكي مبارك
هذا عيب، ولكنه جميل - الظلم البغيض - عتاب موجه إلى
الأستاذ الزيات - الدين الإسلامي في المدارس الأجنبية -
تجربة جديدة للتعاون بين المصريين والأجانب - دفع
اعتراض - هل انتهزت وزارة المعارف فرصة الإضرابات
الدولية لتصفي ما بينها وبين المدارس الأجنبية؟ - للحق
والتأريخ.
هذا عيب، ولكنه جميل
أشار أديب غاب عني أسمه في مقال نشره بمجلة (الرسالة) إلى أني أتقاضى أجرا على ما أنشر من المقالات والبحوث في الجرائد والمجلات، وهي إشارة جرت مجرى التعريض، فكان معناها أن قبول الأجر على المقالات والبحوث عيب، وهو حقيقة عيب، ولكنه عيب جميل، إن كان الكسب الشريف من العيوب
ويظهر أن جمهور القراء في مصر لا يعرفون ما صارت إليه الصحافة المصرية، فهي اليوم أعمال اقتصادية يراد منها الربح كما يراد التثقيف. ورجال الاقتصاد لا ينفقون إلا بحساب، ولا يخرج الدرهم من أيديهم إلا بعد أن يطول حوله الجدال، وتلك أكبر مزية من مزايا رجال الأعمال، فهم الصالحون صلاحية حقيقية لتصريف الأمور بعقل وتدبير وسداد، والكرم رذيلة شنيعة حين يصدر عن رجال الأعمال، لأنه يشهد بأنهم حُرِموا مزية الضبط والتدقيق. فان سمعتم أن كاتبا يتقاضى أجراً على مقالاته في إحدى الجرائد فاعرفوا أن ذلك لم يقع إلا في سبيل الحرص على منفعة تلك الجريدة، فهو ليس إعانة تقدم إلى الكاتب وإنما هو ربح حلال يناله الكاتب تعويضاً على ما بذل من إجهاد الفكر في التحرير والإنشاء. وان سمعتم في مصر جريدة لا تنشر آلا ما يقدم إليها بالمجان فاعرفوا إن تلك الجريدة صائرة إلى البوار ثم الزوال، لان القراء لا ينتظرون الكتاب المجهولين، وإنما ينتظرون الكتاب المعروفين، والكاتب لا يعرف في وطنه إلا بعد أن يشيب فؤاده في مساورة الأبكار من الحقائق والمعاني
وما أريد بهذه الكلمة أن أقول أني جدير بالانتفاع بما أنشر في الجرائد والمجلات، فهذا القول قد يعد من الزهو في موطن لا أريد فيه غير توجيه النصح إلى من يسألونني من وقت إلى وقت عن إمكان الاستفادة المادية من الصحف المصرية وفي توجيه النصح إلى هؤلاء أقول:
لا تصدقوا أن في مصر جريدة تدفع قرشا واحدا لكاتب على سبيل المعونة والتشجيع، ولا تصدقوا إن الصحفيين اليوم يجوز عليهم التلطف، كما كان يجوز على أسلافهم الكرماء من أمثال علي يوسف وعبد العزيز شاويش وأمين الرافعي، فتلك أيام خلت، وأصبحت الصحافة قوة أدبية واقتصادية لا ينتفع بخيرها إلا أقطاب البيان، ومن اجل هذا صح القول بأن الصحافة المصرية تحتل المكان الثالث في العالم بعد الصحافة الإنجليزية والصحافة الأمريكية، وستظل كذلك ما دام فيها رجال يعرفون انه لا عيب في أن تقوم الأفكار بالأموال، إن جاز الوهم بان الأفكار توزن بموازين الأموال
الظلم البغيض
للظلم أشكال وألوان، فهناك ظلمٌ حُلوٌ عَذْب هو ظلم من يستملح منهم الدلائل، وهناك ظلم تافه هو ظلم من لا يقدمون ولا يؤخرون، وهناك ظلم بغيض هو ظلم من تحسن إليهم فيسيئون إليك. فالذين يعيبون علينا أن نتقاضى أجراً على ما ننشر في الجرائد والمجلات فيهم أناس يظنون فينا القدرة على كل شئ، فهم يدعوننا في كل وقت إلى تزكيتهم عند أصحاب الجرائد والمجلات، ليجولوا ويصولوا، كما يجول ويصول من وهبوا القدرة على التصرف بالخواطر والقلوب
ولو عرف هؤلاء أن حرفة الأدب الغانم قد تحكم على صاحبها بأن يموت قبل الأوان بعشرين عاما أو ثلاثين لزهدوا في الظفر المكسوب بثقة القراء، وهل يثق القراء بكاتب إلا بعد أن يطمئنوا إلى أنه يسود القرطاس بالدم لا بالمداد؟ ثقة القارئ عروس غالية يقدم إليها الكاتب خاتماً قد أتخذ حديده من الدم الذي سفحه على سنان القلم في الليالي الطوال آه، ثم آه!!
من يصدق أن الكاتب الموثوق بكفايته البيانية لا ينقل عواطفه إلى قرائه إلا بعد أن تنفعل خواطره انفعالاً يحولها إلى نسيم تنتعش به أرواح الوجود؟
من يصدق أن الكاتب الذي يؤثر في عصره وزمانه لا يجود بكلمة من كلماته إلا وهو يجود بأكواب جِرار من دم الكبد والقلب
ومع هذا يقال أنه أجير لأصحاب الجرائد والمجلات!!
ولو قَدَرت مصر الكاتب حق قدرة لعرفتْ أنه عنوانها الصحيح في الشرق والغرب؛ فبفضل الكاتب قيل أن مصر زعيمة الأمم العربية، وبفضل الكاتب قيل أن صحافة مصر تزاحم الصحافة الإنكليزية والصحافة. الأمريكية. وهل من القليل أن نكون في الصحافة أعظم من أمم كثيرة تفوقنا في النفس والأموال؟
عتاب موجه إلى الزيات
إذا صح هذا - وهو صحيح - فكيف يجوز للأستاذ الزيات أن ينشر في مجلته تعريضاً بأجر يتقاضاه كاتبٌ صاحب (الرسالة) بصدق وإخلاص أكثر من أربع سنين؟
ومن الزيات الصديق؟
هو الرجل الذي يؤذيني بين قرائي وأصدقائي، فما ينشر لهم كلمة أقدمها إليه إلا بعد اختبار دقيق
أريد أن أعرف كيف يجوز للزيات أن يسمح بنشر كلمة فيها تعريض بمن ينتفعون بجهاد الأقلام، وهم أعظم من الذين ينتفعون بجهاد السيوف؟
وكيف يكون من العيب أن ننتفع بجهودنا الأدبية وهي جهود نخدم بها المجتمع كما يخدمه المشتغلون بالمحاماة والتدريس؟
وإذا جاز أن ينشر في الرسالة تعريض بمن ينتفعون بثمرات أقلامهم، ففي أي مكان ينتظر أرباب الأقلام كلمة الحق في الثناء على ما يقدِّمون من تضحيات، وهم أقل المجاهدين حظا من الثواب على الجهاد؟
ومتى نجد روح الوفاء إذا عز وجوده عند من قضوا أعمارهم في الأنس بمعاني الأدب الرفيع؟ وما هو الأجر الذي يقدم إلى الكتّاب في مصر حتى تصوب إليهم سهام التجريح؟
مازلنا نشكو الغبن الذي يلاحق الصحافة الأدبية في هذه البلاد، فليس أمام الكاتب الأدبي فرصة واحدة من الفرص التي يتمتع بها الكاتب السياسي، لأن مصر التي برعت في خلق العصبيات السياسية، لم تفكر في خلق العصبيات الأدبية، والكاتب السياسي قد يستطيع التمتع بإجازة يتذوق فيها طعم الراحة شهراً أو شهرين مع حفظ حقه في المرتب؛ أما الكاتب الأدبي، فهو مقهور على معاقرة الكدح الموصول، إلا أن يغنيه الله عن ذلك الأجر الممنون
من المزعج أن تُنسى حقوق الكاتب الأدبي، وهو يعاون معاونة جدية على ترقية الصحافة الأدبية، وهي صحافة لم تكن ولن تكن إلا لونا من ترف العقول، وهي الشاهد على إن الأمة لها في عالم الفكر مطامح وآمال، ولكن أين المنصفون؟
ونحن قد زهدنا في خدمة الصحافة السياسية، وهي الصحافة التي يخطب ودها أقطاب السياسة ورجال الأعمال، والتي تمكن أصحابها من نواصي المناصب العالية، فهل كنا من الموفقين في إيثار ذلك الزهد؟ هيهات. . . فما كان زهدنا في الصحافة السياسية إلا ضرباً من الخذلان!
قد نعزّي أنفسنا فنقول: إن الجهاد في الميدان الأدبي أبقى على الزمان، وتلك والله علالة المهزومين؛ وإلا فكيف يُحسد الكاتب الأدبي على الانتفاع بجهوده الأدبية، وهي لن تصل به إلى منازل المجد إلا يوم يتولى أمور الناس رجل في حصافة ابن العميد، أو عقل سعد زغلول؟
وما هي تلك المنافع التي نعير بها في مجلتك، يا صديقي الزيات؟
وما الذي استفدت أنت من خدمة الأدب، وبيدك مجلة أدبية تضر بها وتنفع؟
كل ما غنمته هو السلامة من مزالق الشبهات، وذلك مغنم عظيم جداً، ولكنه قليل الوزن في العصور الممسوخة، عصور الزهد في معالي الأُمور. ولو اعتدل الميزان - كما رجونا ألف مرة - لكان للصحافة الأدبية مكان مرموق في هذه البلاد، ولكنه لن يعتدل إلا بعد أحيان طوال، ويومئذ ينسى الناس أن مصر عاش فيها أقوام حفروا أساس الصحافة الأدبية بأسنة الأقلام، وهم محرومون من عطف الصديق المواسي، والناصر الرقيق ومهما تكن العواقب، فذلك حظي وحظك، وحظ إخوان كرام رضوا بالشقاء في خدمة الصحافة الأدبية ليرضوا شهوة العقل، وللعقول شهوات أقوى وأعنف من شهوات العيون والقلوب
وهل أقبلنا على الصحافة الأدبية طائعين؟
لا، والله، فما أقبلنا على هذا المورد إلا مسوقين بسوَّاقٍ حُطَم، هو القلم المفتون بافتراع المعاني
وجملة القول أن ما يعاب عليَّ يعاب عليك، فمتى تكثر العيوب؟ ومتى يكثر القادرون على الانتفاع بثمرات الأقلام؟
العيب الحق هو أن تشهد الوقائع بأن الذين ينتفعون من الصحافة الأدبية لا يزيدون عن آحاد، لأن أدباء مصر لم يستطيعوا إلى اليوم أن يصيّروا الأدب غاية وجودية، يحيا بها الناس كما يحيون بالطعام والشراب
فهل يستطيع من عابوا عليَّ الانتفاع بقلمي أن ينتفعوا بأقلامهم؟
وهل فيهم من جُعِل رزقه في سنان قلمه، كما جُعل رزقي في سنان قلمي؟
ليت الله يكثر من المنتفعين بأقلامهم، لنؤمن ونصدق بان القلم صارت له دولة في هذه البلاد!
ليت، ثم ليت!!
الدين الإسلامي في المدارس الأجنبية
قرأت في الجرائد خلاصة ما انتهى إليه البحث بين وزارة المعارف ونظار المدارس الأجنبية فيما يتصل بتعليم الدين الإسلامي للتلاميذ المسلمين بتلك المدارس، وقد فهمت مما قرأت إن البحث وصل إلى غايتين:
الأولى انه لا يجوز أن يعلم تلميذ ديناً غير دينه ولو رضى أهله بذلك
الثانية أنه يجب تعليم الدين الإسلامي للتلاميذ المسلمين بالمدارس الأجنبية
وقد حدثني بعض من شهدوا تلك المحادثات إن نظار المدارس الأجنبية لم يعترضوا على النص الذي يوجب ألا يتعلم التلميذ ديناً غير دينه، لأنهم لا يريدون فتح باب الفُرقة والخلاف بين أبناء هذه البلاد، ولأنهم يعرفون انهم مؤتمنون على ضمائر من يدخل مدارسهم من أبناء المسلمين
أما النص الذي يوجب أن يتعلم التلاميذ المسلمون مبادئ الدين الإسلامي فقد وافق عليه نظار المدارس الأجنبية بعد جدال بسيط، وكانت حجة المجادلين إن بعض المدارس قد تتعدد فيها الديانات والمذاهب، فمن الإرهاق لجدول الدروس أن تخصّص فيه ساعات لتدريس ديانات التلاميذ على ما بينها من تباعد واختلاف، وهنا وجدت وزارة المعارف الحل فرضيت بأن تكون دروس الدين الإسلامي في أيام الآحاد
ذلك ما حدثني به الصديق الذي شهد تلك المباحثات فما الذي أملك في التعقيب على هذا الموضوع الدقيق؟
أواجه الموضوع بصراحة تنفعنا وتنفع ضيوفنا الأجانب فأقول: تنقسم المدارس الأجنبية إلى قسمين: مدارس مدنية ومدارس دينية
أما المدارس المدنية فهي على أتم استعداد لتدريس الدين الإسلامي في دورها، لأن نظامها يقوم على احترام جميع الديانات وإن كانت غير ملزمة بتدريس الديانات، وما دام الرأي العام في مصر يرى أن الدين الإسلامي مادة أساسية في تثقيف التلاميذ المسلمين فهي لا تمانع في أن يكون في دورها مكان لتعليم أولئك التلاميذ مبادئ ذلك الدين
بقيت المدارس الدينية، وهي مدارس لا يُطلب منها غير الحياد، فكيف نفرض عليها أن تعلم الدين الإسلامي في دورها؟ إنما يجب أن نسهل عليها هذه المهمة فنتولى تعليم من بها من التلاميذ المسلمين في دور المدارس المصرية وفي أيام الآحاد
ذلك ما رأته وزارة المعارف، وهو رأي أرادت به مجاملة المدارس الدينية، حتى لا يقال إن وزارة المعارف تجرح إحساس الأجانب من رجال الدين
كل هذا جميل، وجميل جدا، وجدا جميل، كما يعبر الدكتور طه حسين
ولكنه إن وقع فسيشهد بأننا جميعا نعيش في عصور الظلمات؛ فنظار المدارس الأجنبية لا ينكرون أن الإسلام دين يتقرب به إلى الله مئات الملايين. فكيف تضيق به مدرسة يديرها أوربيون أو أمريكيون، وقد نشأوا في بلاد لا ترى من العيب أن تدرس الأوهام والأضاليل حتى تشعر بالحرج في السماح بتدريس الدين الإسلامي (وهو إن لم يكن وحيا من السماء كما يزعم من خاصموه فهو بلا جدال أقوى صورة من صور الضمير الإنساني، وأعظم شاهد على سيطرة الفكر والعقل والوجدان)
لو جاز لي أن أتهم وزارة المعارف لقلت إنها تريد اختبار بعض رجال الدين من الأجانب، فهي تريد أن تجرب مبلغ استعدادهم لتقبل التعاون السليم من شوائب الأغراض، فما الذي سيصنع أولئك الرجال في الرد على وزارة المعارف!
أنا أرجح أنهم سيفكرون في منافع تلاميذهم من المسلمين فينظمون لهم دروس الدين الإسلامي بطريقة تعفيهم من التردد على المدارس المصرية وفي أيام الآحاد
فما هي تلك الطريقة؟
في المدارس الأجنبية نظام مدرسي يسمى نظام آل وهو النظام الذي يسمح بأن يقسم التلاميذ إلى فرق مختلفة في وقت واحد. فمن السهل أن يُتَّبع هذا النظام في تدريس الديانات في المدارس التي تختلف فيها الديانات، وعندئذ يذهب الخطر المتوقع من إرهاق جدول الدروس
دفع اعتراض
قد يقال إن في تدريس الدين الإسلامي بالمدارس الأجنبية فتحا لأبواب الشقاق بين التلاميذ المختلفين في الدين
وأجيب بأن إغفال الدين الإسلامي هو الذي يخلق ذلك الشقاق، لأنه يفرض على التلاميذ المسلمين أن يتصوروا أنهم مضطهدون، ويوحي إليهم فكرة الوهم بأنهم يتعلمون في مدارس تضمر لدينهم معاني العداء المكشوف أو الملفوف
فما مصلحة تلك المدارس في إغفال الدين الإسلامي؟
وما الموجب لأن يتعبونا بتجديد خصومات نحب أن تموت؟
الواقع أن بعض نظار المدارس الأجنبية لم يجدوا من يدلهم على اتجاهات الأفكار والعقول في هذه البلاد. ولو وجدوا من يرشدهم لأعفونا وأعفوا أنفسهم من الدخول في محرجات تؤذينا وتؤذيهم أعنف الإيذاء
للمدارس الأجنبية ماض جميل في نشر اللغات الحية بالديار المصرية، وذلك الماضي الجميل يحتاج إلى حارس أمين من
الحاضر الجميل. . .
فمن يبلغ بعض نظار المدارس الأجنبية أن الصديق الحق هو الذي يرشدهم بصدق وإخلاص إلى جلية الأمر في مواطن قد اشتبكت فيها الأوهام والظنون؟
إن صدقت النيات في تحقيق ما تم عليه الاتفاق بين وزارة المعارف ونظار المدارس الأجنبية فسيكون لتلك المدارس مستقبل أروع وأجمل من ماضيها الرائع الجميل
ثم دفع اعتراض
قيل وقيل إن وزارة المعارف قد انتهزت فرصة الاضطرابات الدولية لتصفي ما بينها وبين المدارس الأجنبية، وذلك القِيل كذب وافتراء، فوزارة المعارف تفكر في هذه الشؤون منذ أعوام طوال، وهي بالفعل قد قررت التفتيش على جميع المدارس الأجنبية منذ سنة 1938 يوم كان الحديث عن وقوع حرب عالمية رجماً بالغيب، فمن التجني على وزارة المعارف أن يقال إنها تنتهز فرصة الاضطرابات الدولية لتحقق أغراضا سليمة لا يطعن في سلامتها إلا أهل الأغراض والأهواء
أما بعد فقد علمت أن قانون التعليم الحر سيعدل بعد تلك المباحثات تعديلاً يضمن السلامة من أخطار الخلاف بين المصريين والأجانب، ويؤكد الثقة والصفاء بين أولئك وهؤلاء
للحق والتاريخ
حدثني صديق شهد تلك المباحثات أن أعضاء اللجان الفرعية من الأجانب عز عليهم أن تنتهي في أسابيع، فقد راعهم أن يعرفوا أن في وزارة المعارف رجالاً موسومين بالرفق واللطف في معالجة الدقائق من المعضلات، وكانوا يتوهمون أنهم لن يلقوا إلا رجالاً يغنيهم الاعتصام بالحق عن مراعاة الرفق واللطف
وكذلك حثني ذلك الصديق أنه لم يكن ينتظر أن تتم تلك المباحثات في أسابيع، فقد كانت الأراجيف شاءت أن تصور بعض رجال التعليم من الأجانب بصورة من يعادون العروبة والإسلام في هذه البلاد. ثم شاء الله أن تشهد الظروف بأنهم أبرياء من تُرًّهات تلك الأراجيف
ذلك ما حدثني به الصديق الذي شهد تلك المباحثات، وهو لم يخبرني بجديد، فقد اتصلت بنظار المدارس الأجنبية عدداً من السنين فلم أجد منهم غير الأدب واللطف والذوق، ولم أشهد عليهم غير الاهتمام بمراعاة العواطف المصرية، كتب الله لنا ولهم التوفيق في خدمة العلوم والآداب والفنون.
زكي مبارك