مجلة الرسالة/العدد 402/ذكرى محمد محمود باشا
→ الغناء والموسيقى | مجلة الرسالة - العدد 402 ذكرى محمد محمود باشا [[مؤلف:|]] |
نشيد اللغة العربية القومي ← |
بتاريخ: 17 - 03 - 1941 |
في ليلة الأربعاء الماضي وعلى منبر الجامعة المصرية أعلنت مصر ممثلة في زعمائها ووزرائها وأدبائها صادق رثائها وخالص وفائها لفقيدها الجليل النبيل محمد محمود باشا. وكان من خير ما قيل في حفلة التأبين هاتان الكلمتان للشاعرين الكبيرين عباس محمود العقاد وخليل بك مطران؛ والرسالة تساهم بنشرهما في هذه الذكرى الجليلة
قال الأستاذ العقاد:
أكبرتُ في غيب الزعيم محمد ... من كان يكبر حاضراً في المشهد
حجب الردى عنا بشاشته ولم ... يحجب بشاشة ذكره المتجدد
هيهات ينتقص الزمان مجادة ... للسيد بن السيد بن السيد
فخر الصعيد، وفخر مصر جميعها ... بالرأي والخلق القويم الأيّد
من يرسل المثنى عليه ثناءه ... مسترسلا في القول غير مقيد
جمع القلوب على المديح وإن مضت ... نهجين بين مصوب ومصعد
لم نقض في هذي الديار قضية ... ومحمد مما قضوه بمبعد
ملء الندىَّ وإن تطامن دقة ... كم دقة شحذت مضاء مهند
في دارة (الفلكي) قبلة كوكب ... يعلو على رصد المنايا الرَّصد
تطوي المغارب جرمه وشعاعه ... متألق في أوجِه لم يخمد
أكبرت مطلعه ولم يك طالعي ... في كل حين عنده بالأسعد
ورأيته أقصى وأقرب رؤية ... فإذا البروج لكوكب متوحد
مهما اختلفت حياله لم يختلف ... سمت السماء ولا علو المقصد
متحرر مما يعاب كأنه ... متقيد المسعى، ولم يتقيد
شفت سرائره فكل سريرة ... فيه تضيئك من سراج موقد
فإذا عهدت المحض من عاداته ... لم تلق يوماً منه ما لم تعهد
عز الكنانة فيه فهي فجيعةّ ... تبلو الكنانة في الضمير وفي اليد
ما في مروءات الشعوب مروءة ... إلا رعته بنظرة المتفقد
البر، والمشهود من آلائه ... بين المحافل دون ما لم يشهد
ومعاهد التعليم بين مشجع ... للعاملين بها وبين مز وإغاثة الأدب اللهيف وإن تشأ ... سرداً فعدد ما بدا لك واسرد
ونزاهة اليد واللسان هداية ... للمهتدين، وقدوة للمقتدي
وصراحة الأخلاق ما اشتملت على ... مستغلق فيها، ولا متأود
والعزة الشماء، إلا أنها ... كالشاهق المخضر لا كالجلمد
وسياسة الوادي ولم يك رابحا ... منها سوى الشجن المقيم المقعد
وعزيمة لا تكره الشورى وإن ... كانت لتكره حيرة المتردد
شيم وآلاء إذا ما استفردت ... كالقطب عزّت في ازدواج الفرقد
عز الكنانة والعزاء ليعرب ... ما بين مُتْهم قومه والمنجد
كم ذاد عنهم والخطوب بمرصد ... والشمل بين مشرد ومبدد
للحق، لا لخبيئة مطوية ... تلقى العداة الرابضين بموعد
ولنصرة الإسلام لا لعصابة ... تسعى إلى الإسلام سعي المفسد
سمح على ما فيه من عصبية ... سهل، وإن أعيا قُوَى المتشدد
لا يستطاع على الخصام عناده ... وعليه تعويل الأخ المتودد
من أكسفورد ولو نماه معشر ... للأزهر المعمور لم تَستعبد
فيه محافظة، وفيه طرافة، ... وأراه في الحالين غير مقلد
ورث الحمية كابراً عن كابر ... والأريحيةَ منجداً عن منجد
غيث الفلاة ونيل مصر كلاهما ... سقياه من أصليه أعذب مورد
فإذا بكت مصر فغير ملومة ... وإذا الحجاز بكى فغير مفند
رحم الإله محمداً وأثابه ... في خلده الباقي ثواب مخلد
كأن السبيل السرمدي سبيله ... فعليه رضوان الإله السرمد
عباس محمود العقاد
وقال الأستاذ مطران:
هل يعالي الذرى مكان اعتصام ... بعد مهواك يا رفيع المقام
ما انتفاع النسر المحلق في الأ ... وج ويرمي به من الأوج رام أي رزء ألم بالعَلَم الفر ... د فألقى الخشوع في الأعلام
أي خطب أصاب أوحد قوم ... فأشاع الأحزان في أقوام
ما جناه الردى بحجبك عنهم ... سبقته جناية الأسقام
فتحملت في ليال طوال ... ما تحملته من الآلام
كان عمرٌ قضيته في اضطلاع ... بالمعالي وفي مساع جسام
فيه أسرفت بالعزائم حتى ... لكأن المبذول بعض الحطام
جدت في حبك البلاد بأغلى ... ما به جادها شهيد غرام
همم بَلغتك أسمى الأماني ... من ثراء ورتبة ووسام
وأعزَّت بك البلاد وإن لم ... نقض أقصى ما رمته من مرام
فلأمر عاق المهيمن حقاً ... عن قضاء ومطلباً عن تمام
مصر تبكي محمداً بفؤاد ... أثخنته السهام بعد السهام
كلما لاح كوكب في ذراها ... كوَّرته حوادث الأيام
ينقضي الدهر وابن محمود باق ... خالد الذكر في بنيها العظام
الزعيم الخليق منها ولا مَ ... نٌّ عليه بالحب والإكرام
الرئيس النزيه في كل معنى ... من معاني ولاية الأحكام
الوزير النهاض ما حَزَبَ الأم ... ر بأعبائه الثقال الضخام
الخطيب الذي لمنبره الع ... الي جلال كمهبط الإلهام
الأديب الذي إذا جالت الأقلا ... م جَلّى في حَلبة الأقلام
الرصين الرزين إلا إذا ما ... عجل الرأي خطة الإقدام
العدو المبين للمتجني ... والنصير الأمين للمستضام
الولي الأوفى لكل موال ... والمذم الأكفى لراعي الزمام
رجل كامل الرجولة لا ير ... مي بعزم إلا بعيد المرامي
ليس يُعنى بالترهات ولا ين ... ظر إلا من المكان السامي
طبعته شمس الصعيد ولكن ... لم يطل منه محمل الصمصام
والنفوس الكبار ليس عليها ... حرج من تضاؤل الأجسام أسمر اللون يعتريه شحوب ... قد ترى فيه صُهبة الضرغام
يتلقى الأحداث عسراً ويسراً ... وعلى الثغر منه وشْك ابتسام
ليس بالأصْيَدِِ العَيوف ولا بال ... لبق المجتدي تحايا الأنام
شيعته البلاد والحزن غلا ... ب على الصبر في الدموع السجام
جيشها ناكس السلاح تماش ... يه وئيداً شجية الأنغام
وعلى جانبيه مشترفات ... جزعات مخفوضة الأعلام
ووراء السرير تَطَّرد الأف ... واج والهام تلتقي بالهام
أمة أزْجت الجنازة في أس ... نى مجال الإكبار والإعظام
يا محييِّ محمد وهمُ صف ... وة مصر التقت بهذا المقام
عظم الله أجركم إن وعد ... الله حق للصابرين الكرام
يا شقيقيه إن بيت سليما ... ن بأن تبقيا متين الدَّعام
يا بنيه بسنة الله لوذوا ... فبها برء كل جرح دام
قاسمتكم مصر الرزيئةَ فيه ... وعلى قدرها مدى الاقتسام
فاخلفوه بالحق واتخذوا من ... هـ لكم خير مرشد وإمام
إن تلك الحياة إن تصلوها ... لحياةٌ جديرة بالدوام
خليل مطران