مجلة الرسالة/العدد 399/الفنان
→ من وراء المنظار | مجلة الرسالة - العدد 399 الفنان [[مؤلف:|]] |
البريد الأدبي ← |
بتاريخ: 24 - 02 - 1941 |
(مهداة إلى الصديق النابغة صلاح الدين طاهر)
للأستاذ عبد المعطي حجازي
كلما أسفر في الليل القمرْ ... مثل معنى في خيال الشاعرِ
أو مشى الموج صفوفاً واندثر ... كأمان هجستْ في خاطرِ
أو سرى برق أو انهلَّ مطر ... كسنا الشرِّ ودمع الحائرِ
أو تهادي في الأصيل الجدْوَلُ ... خافتَ الأنغام حلو النَّبراتْ
قبس الفنان عنها ... بعض ألحان الخلود
وجلى للناس منها ... بعض أسرار الوجود
وإذا احمرَّتْ من العُتب خدود ... أوشكتْ من خجل تستعرُ
وإذا ماست من الدلَّ قدود ... عبث الكاس بها والوتر
وإذا ثارت على الصدر نهود ... يأمر الثوبُ فلا تأتمر
أو تناجت في الشفاه القُبل ... فتلاقت فاستحالتْ لثماتْ
ترجمتها رشة الفن ... ان للحسن نشيدا
وكستها روعة الأل - وان إبداعاً جديدا
وجمال العيش في صبح الربيعْ ... وجلال الموت في ليل الخريف
والمنى تشرق في الوجه البديع ... والأسى يعصف بالقلب الضعيف
وحنان الأم للطفل الرضيع ... ووميض الغدر في وجه المخيف
وابتسام الدهر لما يقبلُ ... وعبوسَ الحظ عند النائبات
كلها أصداء حس ... وخيال عبقري
مزجت سعداً بنحس ... وجميلاً بِزَرِي
أيها السابح في دنيا الجمالْ ... كشعاع الشمس في الروض الأنيق
تنثر النور وتلقى بالضلال ... كسناء العين من الهدْب الرشيق
تمزج الحس بألوان الخيال ... مثلما يمزج بالماء الرحيق
أنت للفن نبي مرسل ... شهدت عيناي منك المعجزات أنت ظل الله في الأر - ض افتناناً وابتداعا
أنت وحي الشمس للرو ... ض حياة وشعاعا
أيها الطائر كالنسر الجسورْ ... بجناحين: سمَوّ وابتكار
تحت ظل الغصن أو فوق الصخورْ ... ترسل الوحي إلى غير عثار
فإذا الطوَّد على الرق سطور ... وإذا الروض نزيل في إطار
وإذا الماضي جديد مقبل ... هب كالنائم من طول سُبات
أيها الجبار هذا الكو ... ن مَعْنًى في خيالك
وصدى سجله الفن ... ليحيى في ضلالك
أيها الساهر والناس نيامْ ... تصنع الحسن وتلهو بالخلود
أيها الراهب في دير الظلام ... تكشف الأستار عن لغز الوجود
هذه دنياك، دمع وابتسام ... وأغاريد عِذاب ورعود
ونعيم بالأماني مثقل ... وجحيم مستطير الجمرات
أنت عنوان الحياة=أنت رمز للزمان
مستبد أنت عات ... ورفيق أنت حانِ
إن يكن في الأرض سحر أو جمالْ ... فهو الفنان في الدنيا سناهْ
أو يكن في الحب شوق أو ملال ... فهو الفنان للحب صداه
أيكن للشمس نور أو جلال ... فهو الفنان مشكاة الحياة
ذلك الفنان وحي منزل ... انطلقَ الصامتَ بل أحيا الموات
أوقفت ريشته الدهر ... فلبى واستجابا
وكستْ من خلدها العمر ... مدَى العمر شبابا
بَشَر مثل جميع البشر ... رفعته ريشه عن مستواهْ
كاد لولا قطرة من حذر ... يزدري الناس ويحيا كإله
إنه الفنان، صوت القدر ... وهوي الفنان دستور الحياة
هو دنيا رف فيها الأمل ... وثوى اليأس ودارت دائرات
عالَم تصطخب الآلا ... م والآمال فيه ويظل العقل والأفها ... م فيما يحتويه
(الإسكندرية)
عبد المعطي حجازي