الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 398/الحديث ذو شجون

مجلة الرسالة/العدد 398/الحديث ذو شجون

بتاريخ: 17 - 02 - 1941


للدكتور زكي مبارك

اتجاه جديد في وزارة المعارف - الهجوم الآثم على الشيخ

سيد المرصفي سينزلون الهاجمين عليه وسيقهر بعض الناس

على الانسحاب من ميدان الدراسات الأدبية واللغوية. . .

والحق أقوى وأغلب.

اتجاه جديد في وزارة المعارف

لا يمرّ أسبوع بدون أن يطّلع الجمهور على أخبار جديدة عن وزارة المعارف، فهي في هذه الأيام مثار حركة ومجال نشاط، والحركة في أقبح صورها أجمل من السكون، لأن السكون في أجمل صوره من نُذُر الفناء

ومن مظاهر الحيوية في وزارة المعارف لهذا العهد خطب الدكتور هيكل باشا، وهي خُطب تشهد بأن هذا الرجل يريد أن يجعل لنفسه تاريخاً في تطّور التعليم، وهو بذلك خليق، فلهذا الرجل لفتات ذوقية واجتماعية تضعه في الصف الأول بين أقطاب الفكر في هذا الجيل

والظاهر أن وزارة المعارف أصبحت من الوزارات المجدودة، فهي منذ أعوام طوال صاحبة الحظ الأوفر من أحرار الرجال. ألم يتول أمورها أعلامٌ كان منهم: زكي أبو السعود، وأحمد ماهر، ولطفي السيد، وبهي الدين بركات، وعلي ماهر، ومحمد علي علوبة، وحلمي عيسى، وعلي زكي العرابي، وأحمد نجيب الهلالي، ومحمود فهمي النقراشي؟

وزارة المعارف هي تاج الوزارات، وإليها يرجع الفضل في تكوين العقول والقلوب والأذواق، وعن وزارة المعارف يصدُر النشاط الأدبي والفني والاجتماعي، وهي صوت مصر في الشرق والغرب يوم يوضع للفضل ميزان.

تلك وزارة المعارف، فما حالها في هذه الأيام؟

كان يُظَن أن المسيطرين على وزارة المعارف قد يفوتهم النظر فيما يوجَّه إليهم من الملاحظات عن طريق الجرائد والمجلات، ثم ظهر أن في الوزارة رجالاً يقرءون ما يكتب ويسمعون ما يقال، وإن كان فريق منهم يعيش في أبراج من العاج!

لقد آمنت وزارة المعارف بأن من الواجب أن يظفر التلميذ المتوسط بالنجاح في امتحانات النقل والامتحانات النهائية، فأوصت بأن (توضع الأسئلة بحيث تكون الإجابة في متناول الأوساط من التلاميذ)

وهذا فتح جديد، فقد كان مفهوماً أن الامتحان من ضروب التأديب، ليصح القول بأن (من المحنة جاء الامتحان)؟

وماذا تغنم الأمة حين ينجح التلميذ المتوسط؟

يقول المتحذلقون إن نجاح الأوساط من التلاميذ قد يجني على سمعة العقلية المصرية، وهؤلاء المتحذلقون هم مصدر البلاء، وهم عند التحقيق بعيدون كل البعد من السياسة الحكيمة في رياضة العقول، والزمن الغافل هو الذي قضى بأن يكونوا من المرِّبين.

إن النجاح - ولو عن طريق التسامح الرفيق - يقّوي الشخصية المعنوية، ويزيد في عزائم التلاميذ، ويشعرهم بأن الجدّ له جزاء، ولو كان أقل مما يجب أن يتحلى به الطالب الرشيد.

لم يعرف المرّبون في مصر أن نتائج الامتحانات العمومية - تلك النتائج الضعيفة الهزيلة - كانت الشاهد على أنهم حُرِموا نعمة التوفيق في إيقاظ الغوافي من عزائم التلاميذ؛ وكانت البرهان على أن الجاذبية بينهم وبين تلاميذهم قد انقطعت أقبح انقطاع؛ وإلا فكيف جاز أن يقضي التلميذ سنة كاملة بين أيدي أساتذته بدون أن يستفيد، أو بدون أن تعي آذانه نصف ما يسمع، أو بدون أن يتجه قلبه إلى معانيَ جديدة تسوقه سوقاً إلى منازل الفضل والتشريف؟

المرّبون هم علة العلل في فساد هذا الجيل، فهم السبب في ذهاب البشاشة من الحياة المدرسية، وهم الذين حولوا الجوّ المدرسي إلى مجازر نفوس، ومصارع قلوب، بفضل ما وَقر في أذهانهم من أن وزارة المعارف لا تريد إلا أن يكونوا جبابرة مستكبرين.

لا يصلح المدرس لمهنة التدريس إلا حين يشعر التلميذ بأنه أبّر به من أمه وأبيه. أما المدرس الجهم الوجه، الغليظ الكبد، القاسي القلب، فله مكان آخر هو حراسة المساجين. ومن العجيب في مصر ألا تنال المدارس من العناية بعض ما تنال السجون! فالسجون مصدر خير على من يعيشون فيها، لأنها تؤهلهم للحياة؛ أما المدارس فهي تؤهل بعض أبنائها للتشرد البغيض، لأنها ترمي ثلاثة أرباعهم في الشوارع بلا رحمة ولا إشفاق، بحجة أنهم لا يجيبون وفقاً لنماذج الإجابة، وهي صور لا يضعها من شابت نواصيهم في التعليم إلا بعد إجهاد الفكر في غَفوات الليل!!

ليت المدرسين يعلمون! ليت المدرسين يعلمون! ولو استطعت لكررت هذه العبارة ألف مرة! ولكن أين من يسمع؟!

يدخل المدرسون إلى أماكن التصحيح في الامتحانات العمومية وهم لا يدركون ما يُقبِلون عليه من شؤون لا يجوز فيها المزاح، فيصنعون ما يصنعون بمصاير جيل بريء لا ذنب له غير الاعتراف بأبوّة أولئك (الراحمين)، وتكون النتيجة أن يفقد أكثر الشبان فضيلة (الاكتراث) لأنهم يشهدون أن المقصر قد يفوز، وأن المجاهد قد يخيب. وأين الفوز في امتحانات لا ينجح فيها بين كل مائة تلميذ أكثر من ثلاثة وعشرين ثم لا يُقبل منهم في الجامعة غير آحاد!

والأمة المصرية التي تبحث عن المعادن المطمورة في الصحراء الشرقية والغربية هي ذاتها الأمة المصرية التي تقتل عواطف شبانها بسيف الامتحانات العمومية؛ ثم يأخذ بعض جلاديها جزاءهم على ذلك القتل، ولم يبق إلا أن تُحلَّى صدورهم بالأوسمة والنياشين!!

غيِّروا بأنفسكم، يا بني آدم، من المدرسين بهذه البلاد. غيروا بأنفسكم، قبل أن يضع الله السم فيما تنالون من أجور الامتحانات!

المعروف للجميع أن البكالوريا في مصر أصعب منالاً من البكالوريا في فرنسا وإنجلترا وألمانيا. فهل نحن أعظم من الفرنسيين والإنجليز والألمان؟

وماذا غنمنا من قوة البكالوريا في مصر وهي لا تكفي للانتساب إلى الجامعة المصرية إلا في حدود أضيق من سمْ الخِيَاط؟

نريد أن نعرف مصاير أبنائنا في هذا البلد الذي قيل فيه إنه مَجمَع الغرائب!

نريد أن نعرف إلى أي حد تنتهي الخصومة بين الجامعة ووزارة المعارف!

ولكن من يبلغ هذا الصوت إلى الرجال المسئولين؟

من يبلغهم هذا الصوت والشيوخ والنواب لا يهتمون بغير مسائل فردية يتقدم فيها طالب على طالب بدرجة أو درجتين؟ ليس المهمّ أن يُستَجوب وزير المعارف عن هذه التوافه من الشؤون، وإنما المهمّ أن يُستجوَب عن مصاير المتعلمين في هذا الجيل.

المهم حقاً وصدقاً أن ينسى الوزير أنه مسئول أمام الشيوخ والنواب، وأن يذكر أنه مسئول أمام الضمير المصري، والضمير المصري يصرخ صراخ الجزع والرعب من ضياع أبنائه بين الجامعة ووزارة المعارف.

وقد ظهرت تباشير تشهد بأن الوزير قد سمع صراخ الضمير المصري لهذا العهد، فمتى يقال إنه نودي فأجاب؟ ومتى نسمع أن التعليم صار من وسائل الحياة الكريمة في هذه البلاد؟ متى؟ متى؟ علينا أن ندعو، وعلى الوزير أن يجيب!

الهجوم الآثم على الشيخ سيد المرصفي

في العدد 391 نشرت الرسالة كلمة بإمضاء محمد فهيم عبية جاء فيها أن الأستاذ السباعي بيومي وصف الشيخ المرصفي (بكثير من الأخلاق الذميمة كالغل والحقد والحسد وسطحية البحث والتطاول الذميم) وأنه (حَكم بأن أخلاقه ذهبت بفضله كما تذهب الريح العَصوف بسحيق التراب)

وفي العدد 392 نشرت الرسالة رداًّ بإمضاء عبد الرحمن أيوب مع كلمة من الأستاذ السباعي بيومي تشهد بأنه أقر ما جاء بذلك الرد، وهو يلخص في أن الأستاذ السباعي حكم بأن الشيخ المرصفي (كان يملكه الغرور) وأن (الأستاذ السباعي في حديثه عن المبرد وما يتصل به إنما يصدُر في ذلك عن دراسة بعيدة الأمد) وأن كتابه ظهر في سنة 1923 على حين لم يظهر كتاب الشيخ المرصفي إلا في سنة 1930، وأن فهارس كتاب الشيخ المرصفي وعناوينه سُرقت من كتاب الأستاذ السباعي، وأن المرصفي لم يكن أستاذ السباعي!

وفي العدد نفسه 392 نشرت لي الرسالة كلمة عتاب موجهة إلى الأستاذ السباعي بيومي، وقد جاء في تلك الكلمة أن الأستاذ تحدث عن أخلاق الشيخ المرصفي بما لا يليق، (فإن كان ذلك الكلام لم يقع منك فانفِه في العدد المقبل، وإن كان وقع منك فسارع إلى الاعتذار، إبقاءً على ما بيني وبينك من وداد، فما أستطيع السكوت عن رجل يعترض لأخلاق الشيخ المرصفي بسوء، ولو كان من أعز الأصدقاء) ثم لقيني صديق عزيز فقال: لم يرضني تحدَّيك للأستاذ السباعي بيومي، فقد كان يتفق في أحيان كثيرة أن يجعل مقالاتك من موضوعات الدروس بدار العلوم وذلك من شواهد الإعجاب.

وعندئذ رجعت إلى نفسي فحفظتُ للأستاذ هذا الفضل، وآثرت الصمت، ولكن الأديب علي محمد حسن كتب إليّ خلاصة ما تجنَّى به السباعي على المرصفي وأكد أنه قال:

(أنا أحذركم من قراءة كتاب المرصفي فإن فيه من الخطأ أكثر ما يتوهم أن يكون في كتاب الكامل من الخطأ، وأنا أدعوكم مرة أخرى إلى إساءة الظن بهذا الرجل، فقد كان ممتلئاً غروراً) وأكد هذا الأديب أن الأستاذ السباعي لن ينكر ذلك الكلام (وقد كان الحضور كثيرين من أساتذة وطلاب)

ومع هذا فقد كان في النية أن أسكت عن الأستاذ السباعي لأنه صديق، ولأن هجومه لن يقلقل مركز الشيخ المرصفي وهو أرزن من الجبال، ولأن الأقدار قضت بأن يكون الأستاذ السباعي من زملاء الأستاذ محمد هاشم عطية والأستاذ أحمد زكي صفوت، وهذه الزمالة تمنحه عندي طوائف من الحقوق.

ثم ماذا؟ ثم رأيت أنه ليس من الصعب أن أدفع الشر عن تاريخ الشيخ المرصفي، وأن أقدِّم في الوقت نفسه خدمة أدبية للأستاذ السباعي، ولن يُخدَم الأستاذ السباعي وهو صديق إلا بجذبه إلى الجدل على صفحات الرسالة في أسلوب رفيق لا يغض من مركزه بين تلاميذه بمدرسة دار العلوم.

وإنما نصصت على الأسلوب الرفيق لأن أكثر الأدباء يفرّون من وجهي بحجة أني لا ألقاهم إلا بقلم تطير على أسلاته شظايا الشراسة والعنف.

وقد استجاب الأستاذ السباعي لهذه الدعوة، وأعلن على صفحات الرسالة أن في الخصومات الأدبية مجالاً واسعاً للبحث والتدقيق.

وما دام الأمر كذلك فأنا أقدم الحقائق الآتية:

أولاً - قضى الشيخ سيد المرصفي شبابه في خدمة كتاب الكامل للمبرد، وظفر من ذلك الجهاد بكتاب اسمه: (رغبة الآمل في شرح الكامل) وقضى الأستاذ السباعي بيومي شبابه في خدمة كتاب الكامل للمبرد، وظفر من ذلك الجهاد بكتاب اسمه: (تهذيب الكامل) فماذا كانت النتيجة؟

كانت النتيجة أن يكون الفرق بين (رغبة الآمل) و (تهذيب الكامل) كالفرق بين المرصفي والسباعي، وهو بونٌ شاسعٌ جدًّا بحيث يعجز عن اجتيازه نوابغ الطيارين من الإنجليز والألمان، ولو كانوا أقدر من بعض الناس على التحليق في جواء الادعاء.

ثانياً - أعلن الأستاذ السباعي أن كتاب الشيخ المرصفي ظهر في سنة 1930 والصواب أنه ظهر سنة 1927 وليس لهذا التاريخ أهمية، وإنما الأهمية للتاريخ الذي أخذ فيه الشيخ المرصفي يشرح الكامل، وهو تاريخ يرجع إلى أكثر من أربعين سنة يوم أوصاه الشيخ محمد عبده بتدريس (الكامل) لطلاب الأدب من الأزهريين، ففي ذلك العهد ثار الشيخ الشنقيطي وطلب إلغاء ذلك الدرس، وكان مفهوماً عنده أن المبرِّد أكبر من أن يتسامَى إلى نقده رجلٌ من المحدَثين، ولكن الشيخ محمد عبده تلطف فأرسل الشيخ إبراهيم عامر إلى الشيخ الشنقيطي ومعه ملزمة من شرح الشيخ المرصفي، فدهش الشيخ الشنقيطي وسارع إلى الاعتذار، ثم صارحَ الشيخ محمد عبده بأن المرصفي لا يقل علماً بأسرار اللغة عن المبرّد.

ثالثاً - كان كتاب (رغبة الآمل) كاملاً من جميع الجوانب حتى في سنة 1915 وقد رأيته بعينيَّ في ذلك العهد ورآه معي الشيخ الزنكلوني طيَّب الله ثراه!

ولن أنسى ما حييتُ تلك العبارة الشعرية التي صرخ بها الشيخ المرصفي وهو يقدِّم إلينا شرحه على كتاب المبرد، لن أنساها أبداً، فقد قال شيخنا العظيم وهو يخاطب المبِّرد:

(الله على أيامك، يا بَطَل!!)

والكتاب الذي كان كمل من جميع نواحيه حتى الفهارس قبل سنة 1915 هو الكتاب الذي سُرِقَتْ بعض فهارسه من كتاب ظهر في أواخر سنة 1923.

رابعاً - لم يكن الشيخ المرصفي يطلِّع على شيء من مؤلفات المعاصرين، فكيف اختص الأستاذ السباعي بتلك العناية؟ تلك والله إحدى الأعاجيب!

خامساً - كان الشيخ المرصفي أول رجل تسامَى إلى نقد مؤلفات الأكابر من القدماء، وكان أول رجل أقرَّ (كرسي الأدب) في الأزهر الشريف، وكان أول رجل جعل للأديب مكاناً بين (جماعة كبار العلماء) فكان بتلك الصفات أوحد عصره بلا جدال.

فماذا صنع الأستاذ السباعي في دار العلوم، ولن يكون إلا الرابع أو الخامس بين أساتذة تلك الدار، مع التسامح الشديد؟

سادساً - برَّأ الأستاذ السباعي نفسه وطهَّر تاريخه من التلمذة للشيخ سيد المرصفي، فأين هو من تلاميذ الشيخ المرصفي وكان منهم محمد إبراهيم هلال، ومحمود حسن زناتي، وأحمد حسن الزيات، وعلي عبد الرزاق، وطه حسين؟

سابعاً - ترك الشيخ المرصفي ذخيرة عظيمة، منها: شرح الكامل، وشرح الأمالي، وشرح الحماسة، وشرح العقد الفريد، وشرح أراجيز رؤية وأراجيز العجاج؛ ومنها: التعقيب على لسان العرب، والنص على أغلاط صاحب المفصَّل والكشاف. فماذا صنع الأستاذ السباعي، وكان عمره موقوفاً على نقل نصوص الكامل من مكان إلى مكان؟!

ثامناً - أثَّر المرصفي في عصره أبلغ التأثير، فكان الرجل يتشرف بالانتساب إليه، كما صنعتُ حين رثيته يوم وصل نعيه وأنا طالب في جامعة باريس، فكم طالباً يسرُّهم أن يقولوا: إنهم تلاميذ السباعي بيومي؟!

تاسعاً - كان تلاميذ المرصفي يقيِّدون جميع ما ينطق به، ولو عن طريق المزاح، وقد قيدتُ من كلامه ثلاثين كراساً، فأين ما قيَّد تلاميذ السباعي من كلامه البليغ؟

عاشراً - دخلتْ مؤلفات الشيخ المرصفي على القلوب بدون استئذان، ولم يدخل كتاب الأستاذ السباعي دار العلوم إلا بعد أن صار أستاذاً بتلك الدار، وبعد أن مات الشيخ علاّم!

أما بعد، فهذه طلائع لغزوة شريفة تنقل عقل الأستاذ السباعي من وضع إلى وضع، وذلك فضلي عليه، وهو واجب الصديق نحو الصديق؛ وقد تلطَّف فأشار إلى أنه سيخاصمني خصومة أدبية، وهي خصومة أرحب بها كل الترحيب، لأني أشعر شعوراً صادقاً بأني موكلٌ بإحياء العزائم والقلوب.

وقد أسرف في الكرم فأعلن أني لن أجترئ على الكتابة بعد أن ينشر في (الرسالة) كلمتين!

وأقول: إني لن أصفح عنه أو يشتغل محرراً متطوعاً بمجلة (الرسالة) ثلاث سنين، كما قهرت أخاً له من قبل على أن يشتغل محرراً متطوعاً بجريدة (البلاغ) ثلاث سنين!

وهي محنةٌ صُبتْ من شاهق على الأستاذ السباعي، فليتحملها صابراً، وليوطن نفسه على أن الخصومة بيني وبينه لن تنتهي قبل بداية شهر مايو، وهو الموعد الذي حدده الشيخ الأسيوطي لنهاية الحرب بين الإنجليز والألمان!!

وكيف يخيفني تهديد الأستاذ السباعي وليس في ماضيه الأدبي غير نقل نصوص كتاب الكامل من مكان إلى مكان، وتلك مهمة يقوم بها أحد النساخين بدراهم معدودات؟!

امثلي يخاف من عواقب الجهر بكلمة الحق وقد قضيت دهري ممتحَناً بعداوات الرجال؟

الأستاذ السباعي يهدد بمقالتين اثنتين، وهو يعرف من نفسه أكثر مما أعرف، فهل يتوهم أني سأخلي له الميدان ليخاطر نفسه كيف شاء؟!

لقد تلطفت معه أكثر مما يجب، ولم يحفظ جميلي، فكيف يراني أعطف عليه وقد تردَّى بثوب العقوق؟

ثم أما بعد، فقد حكمت على الأستاذ السباعي بترك دروسه في دار العلوم ليشغل نفسه بمخاطرتي، وليقول: إن (تهذيب الكامل) أعظم من (رغبة الآمل)، كما كان نجم الأرض أعظم من نجم السماء!!!

وماذا يمنع من أن يكون السباعي أعظم من المرصفي؟ ماذا يمنع وقد اختلت الموازين وفسدت الدنيا إلى أبعد حدود الفساد، حتى جاز للأستاذ السباعي أن يهدد صديقه القديم:

زكي مبارك