مجلة الرسالة/العدد 398/البريد الأدبي
→ رسالة الفن | مجلة الرسالة - العدد 398 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
القصص ← |
بتاريخ: 17 - 02 - 1941 |
المسلمون (قواري) الله في الأرض
وردت لفظة من الجموع الشاذة في قول لابن الخياط (أو غيره) في الإمام مالك:
يأبى الجواب فما يراجع هيبة ... والسائلون نواكس الأذقان
هدْي التقي وعز السلطان التقي ... فهو المطاع وليس ذا سلطان
في كتاب (الحيوان) لإمام أبي عثمان الجاحظ ذي الأحاديث الطلّة المنورة، فقال محققه وشارحه الأستاذ عبد السلام محمد هرون في أمر تلك اللفظة:
(نواكس جمع ناكس وهو من الجمع الشاذ وقد أسهب البغدادي عن نحو هذا الجمع في الخزانة (1: 190 - 195) وفي مجلة الرسالة العدد (315 ص1394) بحيث قيم، واستدرك طيب لهذا الشذوذ).
راجعنا هذا البحث في (المجلة) فألقينا فيه ثمانية عشر جمعاً لكنه قد فاته جمعان ذواشان. ولا نقول: إن سبب هذا الفوت هو قلة الاستقراء أو العجز إذ لا نجهل أنها لغة العرب بل لغات العرب كما أنا ما نسينا ما روى في (الرسالة) عن (رسالة الإمام الشافعي في أصول الفقه): (لسان العرب أوسع الألسنة مذهباً، وأكثرها ألفاظاً، ولا نعلمه يحيط بجميع علمه إنسان غير نبي) وذانك الجمعان الشاذان الفائتان هما القواري والسوابق.
1 - في الفائق: في الحديث: الناس قواري الله في الأرض، وروى المسلمون، وروى الملائكة. وفي الصحاح: الأصمعي: الناس قواري الله في الأرض أي شهداء الله، أخِذ من أنهم يقرون الناس أن يتبعونهم فينظرون إلى أعمالهم. حكاه أبو عبيد في المصنِّف. وفي النهاية: أي شهوده فإذا شهدوا الإنسان بخير أو شر فقد أوجبَ، وأحدهم قار، وهو جمع شاذ؛ حيث هو وصف لآدمي ذكر كفوارس ونواكس.
جرير:
ماذا تعهد إذا عددت عليكم ... والمسلمون بما أقول قواري
راجز:
حدثني الناس وهم قواري
أنك من خير بني نز لكل ضيف نازل وجاري
2 - قال محمد بن مالك:. . . وشذ في الفارس مع ما مائله. قال ابن عقيل: وشذ فارس وفوارس وسابق وسوابق.
حماسي:
إن تُبتدر غاية يوماً لمكرمة ... تلق السوابق منا والمصلينا
القناني في مدح الكسائي:
أبى الذم أخلاق الكسائي وانتهى ... به المجد أخلاقَ الأبُوِّ السوابق
أغلب الظن أن نديدةَ سيبويه قد أحبره تضمين في الفعل (انتهى) أو حذف وإيصال كما سره هذا الجمع اللطيف للأب وهذا الجمع الشاذ، إنهم النحاة. . .
ضبط الكتابة العربية
أصدر معالي وزير المعارف قراراً جاء فيه: أنه رغبة في ضبط الكتابة العربية، بحيث يمكن أن تقرأ في غير تعرض للخطأ واللحن؛ وفي تقريب قواعد اللغة العربية إلى فهم الجيل الحديث دون أن يكون في ذلك مساس بجوهر اللغة وأصولها. ورغبة في تشجيع الأدباء المعاصرين على تصوير الحياة الحديثة في أدب يجمع بين نشر اللغة وروعة الأسلوب، تقرر أن يعهد إلى مجمع فؤاد الأول للغة العربية في أن يدرس ما من شأنه تيسير الكتابة العربية وقواعد النحو والصرف، والتماس الوسائل إلى تشجيع الأدباء على التنافس في الإنتاج الأدبي الممتاز؛ على أن يعرض المجمع على معالي الوزير في نهاية هذا العام ما تصل إليه مباحثه من النتائج.
وقد أبلغ هذا القرار إلى حضرة المراقب الإداري للمجمع للعمل على تنفيذه.
تحريف معنى بيت بالنحو
وعجيب أن يحرف معنى بيت بالنحو وهو لم يوضع إلا لصون اللسان عن الخطأ في الكلام، ليصح المعنى ويستقيم الفهم، وهذا البيت الذي حرف النحو معناه هو قول الشاعر:
لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى ... فما انقادت الآمال إلا لصابر
فأو في البيت من النواصب التي تنصب الفعل المضارع بنفسها عند الكوفيين. وبأن مضمره عند البصريين، وهي في البيت بمعنى إلى، وعلى هذا يكون معنى البيت: ليكونن منى استسهال للمصعب إلى إدراك المنى، لأن الآمال لا تنقاد إلا لمن يصبر على تحمل الصعاب في سبيلها - فهناك صعاب يستسهلها أولاً؛ ثم يكون بعدها إدراك المنى، ويجتمع في ذلك الأمر أن اجتماع السبب والمسبب؛ ولكن علماء النحو لا يرضون إلا أن تكون أو عاطفة مع كونها ناصبة، ويجعلون المعطوف المصدر المنسبك من الفعل المنصوب بها، ويجعلون المعطوف عليه مصدراً متصيداً من الكلام السابق عليها، ويكون تقدير البيت على ذلك العطف الذي يتكلفونه: ليكونن منى استسهال الصعب أو إدراك المنى - وهنا يقع التحريف في معنى البيت، لأن أو العاطفة لها معان غير معنى أو الناصبة، وقد جمع ابن مالك معاني العاطفة في قوله:
خَيِّرْ أبحْ قَسِّمْ بأو وأبْهِمِ ... واشكك واضرب بها أيضاً نُمى
وربما عاقبت الواو إذا ... لم يُلف ذو النطق للبس منفذا
أما أو الناصبة فتكون بمعنى إلى أو إلا، وكلاهما ليس من من معاني أو العاطفة، ولهذا كان تقدير البيت على العطف تحريفاً لمعناه، وخروجاً به عن معنى إلى المقصودة منه.
عبد المتعال الصعيدي
حول الإنتاج الأزهري
قرأت في مقال الأستاذ عبد العزيز محمد عيسى (الإنتاج الأزهري) في عدد الرسالة 397 ما يلي:
(أليس من العيب أن يظل الأزهر إلى الآن يقرأ في سنتيه الأولى والثانية الثانويتين كتباً في البلاغة لمعاصرين من غير الأزهريين وفيه مائة من المتخصصين في البلاغة كل واحد منهم قادر على أن يخرج كتاباً مثلها إن لم يكن أفضل منها)
ولعل هذا الذي يراه الأستاذ لا يراه أحد سواه، أو لعله إذا نظرنا إليه بالعين التي رآه هو بها لعددناه آخر العيوب إذا لم يكن بد من احتسابه أحد العيوب.
وإذا كانت الجامعة المصرية قد تقدمت الجامعة الأزهرية خطوات في الإنتاج والتأليف فهل قال أحد أساتذة الجامعة بوجوب أن تكون كل الكتب التي تقرأ في الجامعة من إنتاج الجامعيين.
ولقد أشار الأستاذ إلى ما سنته وزارة المعارف في إعلانها عن الكتب التي هي في حاجة إليها، وأريد أن أقول في هذا الصدد هل طلبت وزارة المعارف أن يكون المتقدمون للمسابقة ذوي ثقافة معينة أو يشغلون مراكز معينة في شعب التعليم، ولعله ليس ثمة شك في أنه لو تقدم أحد الأزهريين لمسابقة وزارة المعارف ورأت لجنة التحكيم أن كتابه أفضل الكتب المقدمة لما وقع الاختيار على غير كتابه.
محمود أحمد وصيف
كتاب (تشرتشل)
لا شك أن ونستون تشرشل هو رجل الساعة في بريطانيا؛ ويتصل التطور الذي حدث في الحرب أوثق اتصال مع رآسته للوزارة الإنجليزية.
ومن عجب أن هذا الشيخ الكبير لا تزال فيه ذخيرة من الفتاء والشباب تستمد منها إنجلترا في أحرج الساعات التي تمر بها الآن.
ولقد كتب الكاتبون عن أعداء الديمقراطية وذكروا حياتهم؛ ولكن صديقنا محرر المقتطف يكتب أول كتاب عن أول منافح عن الديمقراطية وأول مكافح لشرورها في العالم. ولعله يتحفنا بعد كتابه هذا بكتاب عن حياة (روزفلت) صديق الديمقراطية في العالم الجديد، فإن سير هؤلاء العظماء تعمل عملين: تحييهم من ناحية، وتحيي همم القارئين من ناحية أخرى وكتاب تشرشل ظهر في سوق الأدب في حينه المناسب، وفرصته السانحة، فإن هذا الرجل يزداد نجمه كل يوماً ألقاً وسطوعاً؛ وهو إلى جانب إرادته الماضية وعزيمته المصممة أديب كبير، وأدبه من نوع خلفته القوة وصاغته المشيئة فخرجا أدباً قوَّيا. فله كتاب في وصف الحرب العظمى. وله ترجمة لوالده اللورد راندولف تشرتشل؛ وله مئات من المقالات وعشرات من الخطب التي تفيض بالإيمان القوي: إيمان الواثق بنفسه لا المغرور بما يملك.
يصور هذا الكتاب حياة تشرشل تصويراً عذب السياق، حلو السرد؛ قرأته فما مللته ولا غالب النوم جفوني أثناء مطالعته. وكيف ينام الإنسان وهو يقراً حياة حية يقظة، حياة قوية فتية، حياة ملآى بالمفاجآت والمغامرات.
وتشرتشل من يومه يحب الصيال والنضال، ولعل نضاله اليوم هو أعلى مثل لما يستطيع الرجل الصئول أن يفعل، وهو يتكلم. . . ولكن أفعاله دائماً اكثر من كلامه وقد أشار هو نفسه إلى ذلك في خطبته الأخيرة التي أذاعها على الشعب يوم 9 فبراير حيث يقول: (في أوقات الحرب توجد أشياء كثيرة تستحق القول ولكن شعارنا دائماً الأعمال لا الأقوال)
إن كتاب الأستاذ فؤاد صروف عن تشرشل هو قطعة من أدب الحرب؛ وكثيراً ما كتب صديقنا في أوقات السلم عن العلم والصناعة فأجاد في كل فن تناوله. وهو حين يكتب اليوم عن حياة رجل كُتب له أن يدير أفظع حرب عرفها التاريخ فإنما تجيء كتابته دائماً على الغرار الذي عودنا والنهج الذي طالعنا. وهو غرار فيه وضاحة في التعبير، وتسلسل في الأداء، ومتابعة للحوادث.
لقد قرأنا كثيراً عن وحوش هذه الحرب الطحون، فهل آن لنا أن نقرأ عن مصارعي تلك الوحوش؟
الحق أن كتاب تشرشل هو أول خطوة في هذه السبيل؛ فلعلنا نسمع غداً عن وايفل، وويلسون، وأوكونور، وماكي، وبيغر بروك، وماتكساس، وغيرهم من أبطال النضال وأعلام القتال؟
إن تاريخ هؤلاء العظماء يجب أن يتلى في كل زمان ومكان، ويجب أن ينتقل إلى كل لسان. لأنهم - كما كتبت إليَّ مسز ساتيز الكاتبة الأمريكية - لا يدافعون عن بريطانيا فحسب، ولكنهم يدافعون عن قضية الحق والسلام.
محمد عبد الغني حسن