مجلة الرسالة/العدد 396/في عيد الهجرة
→ ../ | مجلة الرسالة - العدد 396 في عيد الهجرة [[مؤلف:|]] |
الحديث ذو شجون ← |
بتاريخ: 03 - 02 - 1941 |
تقليد كريم
يسنه صاحب الجلالة الفاروق
(لكاتب كبير)
لم يكن رأس السنة الهجرية من الأيام التي تحتفل بها الحكومة المصرية بصفة رسمية، وإنما يرجع هذا التقليد المحمود إلى دعوة هتف بها شباب الحزب الوطني قبل أكثر من ثلاثين سنة على لسان (إمام واكد) الذي سُجن فيما بعد مدة طويلة بعد أن حوكم في قضية سياسية كان لها في قلوب الجماهير دويٌّ وضجيج.
وقد استجابت الحكومة لتلك الدعوة في سنة 1327 وكان رئيس الحكومة يومئذ بطرس غالي باشا، فتقرر أن تُغلق المصالح والدواوين في اليوم الأول من السنة الهجرية، وبهذا أضيف يوم الهجرة إلى الأعياد الرسمية.
ولكن الاحتفال بذلك اليوم لم يُصبَغ بصبغة التعميم، فقد كان في بداية أمره مقصوراً على حفلة يقيمها الحزب الوطني في (كلية مصطفى كامل) بحيّ الجمالية. وقد حضرت ذلك الاحتفال مرة واحدة، وهي أول مرة وآخر مرة رأيت فيها الزعيم محمد بك فريد الرئيس الثاني للحزب الوطني. وكان خطيب الحفلة علي فهمي كامل بك، الذي مات وهو يخطب في رثاء محمد فريد، في مساء الحادي والثلاثين من ديسمبر سنة 1926.
ثم اتسع نطاق الاحتفال بعيد الهجرة بعد ذلك، فكان يحتفل به في الأزهر وفي الجمعيات الإسلامية.
ويظهر أن أول وزير أشار بأن تقام الحفلات في المدارس الأميرية تكريماً لعيد الهجرة هو معالي الدكتور محمد حسين هيكل باشا وزير المعارف.
ثم ماذا؟
ثم صار الاحتفال بعيد الهجرة موسماً عظيماً بفضل التقليد الكريم الذي شرعهُ جلالة الملك حين رأى أيده الله أن يحضر الحفل الجامع الأزهر الشريف. وهي أول مرة يظفر فيها عيد الهجرة بمثل هذا الاهتمام المرموق من ملك مصر والسودان، وفي معيته الشيوخ والنواب والوزراء وسفراء الممالك الإسلامية.
وحفلة عيد الهجرة في الجامع الأزهر بالقاهرة تذكِّر بصلاة (الجمعة اليتيمة) في جامع عمرو بالفُسطاط. فالجمعة اليتيمة يحضرها ملك مصر في كل سنة باحتفال جليل في جامع عمرو، لأنه أول مسجد أُسس في الديار المصرية بعد أن فتحها عمرو بن العاص؛ وكذلك ظفر الأزهر بمنغم جديد هو جعله بصفة رسمية مكان الاحتفال بهجرة الرسول.
ولكن بقي شيء وأشياء.
بقى التفكير في جعل هذا العيد موسماً حيويًّا يتصل بأذواق الناس في فنون المعاش؛ ولا يكون ذلك إلا يوم يصبح هذا العيد وله فَرحة دنيوية تشبه فرحة الميلاد في الغرب، وفرحة النيروز في الشرق. وهذه الفرحة لا تتمَّ إلا إذا وصلناه بحياتنا الاجتماعية، فمنحناه فرصة من الوقت تسمح بأن تكون أيامه مجالاً للهدايا والرحلات والانشراح
من الجميل حقاً أن يبكِّر إمام جلالة الملك فيصلي الصبح بمسجد الحسين، ثم يخطب في الناس مذكراً بما عانى الرسول من مكاره الاغتراب في سبيل الدين. ومن الجميل حقاً أن يخطب شيخ الأزهر بعد صلاة المغرب مذكراً بفضل الأذى في إذكاء الأرواح والقلوب
كل أولئك جميل، ولكني أعتقد أنه لا يصيَّر هذا السيد موسماً شَعْبياً بالمعنى الذي نريد، كموسم (المولد النبوي)، وهو موسمٌ اتصل بأذواق الناس إلى أبعد الحدود، وإن لم يصل إلى الغاية في خلق فنون أدبية تذكِّر بالفنون التي خلقها النيروز في العصور الخوالي
فما الذي يمنع من أن تفكر وزارة الشؤون الاجتماعية في تنظيم عيد الهجرة تنظيماً دنيويًّا بعد أن فكرنا في تنظيمه تنظيماً دينياً؟
عيد الميلاد في الغرب له تقاليد دنيوية هي السبب الأكبر فيما له من جاذبية، فكيف يفوتنا أن نجعل لعيد الهجرة تقاليد دنيوية بخصائص تغاير خصائص عيد الميلاد؟
قد يقال إن قرب عيد الهجرة من عيد الأضحى يمنع الحكومة من السخاء بالامتيازات التي تجود بها في الأعياد، وهذا حق، ولكن لا بدّ من التفكير في خلق أسلوب جديد يجعلنا نشعر في أول ليلة من المحرّم بأننا مقبلون على عيد سعيد
تعوّد المصريون أن يذكروا موتاهم في الأعياد الإسلامية، وبذلك ضيعوا على أنفسهم فرصة الانشراح في ليالي الأعياد، فهل يكون عيد الهجرة فرصة لموسم جديد لا تزرف فيه الدموع ولا تشق الجيوب؟
افرحوا، أيها الناس ولو متكلفين!
افرحوا، أيها الناس ولو متصنعين!
افرحوا، افرحوا، فالفَرَح هو الزاد الوحيد الذي لم يذقه الناس جيداً في مصر والشرق
افرحوا لأفرح معكم، ولأوق بفضلكم نعمة الشهود لمواكب الأفراح!
(كاتب)