مجلة الرسالة/العدد 394/يا قمر!
→ ويلات السَّلم. . .! | مجلة الرسالة - العدد 394 يا قمر! [[مؤلف:|]] |
اللورد روبرت بادن باول ← |
بتاريخ: 20 - 01 - 1941 |
للأستاذ محمود البشبيشي
يا سمير الحزين في خلوته، ورفيق السعيد في جلوته!
كل ما فيك سحر. . . وكل ما فيك بشْر
سحر يغمر القلوب بشعاع النور فتطرب
وبشر يشمل النفوس فترتاع الآلام وتهرب!
. . . لا حزن معك. . . ولا ضلال بظلك يا قمر!
يا هادي الساري في البيداء. . . وقاهر الظلمة بالضياء
شراع أنت للملاح لا يبلى مع الزمن، ولا يضطرب مع الريح فيصيبه الوهن! يقهر موج البحر، كما يقهر أمواج الفكر، فتسير السفينة بفضله في أمان! ويهدأ الملاح فيصوغ لك شكره في ألحان
كم لك على الأمواج من قُبل ليست كالقبل! بل زادت عليها معنى النور!
قبلُ من نور! يا سحرك يا قمر! ترقص من فرحة اللقاء، على ثغور الماء. . .
قبلُ من نور! يا سحرك يا قمر! تخشى الرقيب فتضطرب وتنتقل!
ولا تقع في اضطرابها وتنقلها إلا على شفة من موج، أو خد من زورق!
قبلٌ من نور! يا سحرك يا قمر! تبعث الغيرة في قلوب الأشجار الحالمة، في الضفاف النائمة، فتمد لك أوراقها ثغوراً تطمع في قبلة من نور!
. . . ومن عجب يا قمر أنك تقبلها وتقبلها غير ما هائب ولا خائف من عتاب الأمواج وثورة قلوبها
للحقائق المجردة فعل السحر في كل شيء، تنزل بالغنى إلى الفقير لتقربه من النجاة، وترتفع بالفقير إلى الغنى لتشعره بالحياة
. . . فكيف وحقيقتك يا قمر من نور!!
تنزل بالسماء في معنى الشعاع إلى الأرض لتقول لها إنك لا زلت تراباً!! وترتفع بالأرض إلى السماء في معنى الظلال وانعكاس النور لتقول للسماء إنك لا زلت سماء ما دام فيك ضياء في نورك يا قمر معنى قلب المؤمن، ولا يلمس شيئاً من أشياء الحياة إلا طهره!
في نورك يا قمر معنى كلمة الحق! لا تحل في مكان إلا خرجت منه كلمة الكذب!!
في نورك يا قمر معنى كلمة الحب! لا ترن في مكان إلا جعلت من صخوره قلوباً!
في نورك يا قمر ماذا في نورك يا قمر؟!. . .
حقيقة أنت. . . ولكن حقيقة متغيرة. . .!
فأنت عند الجاهل قرص لا أكثر ولا أقل من ضياء وسناء!
جُعلت لتخفف من وحشة الانتقال من معنى النور إلى معنى الظلام
لا يعلم من سرك غير أنك تغيب لتطلع الشمس، وأن الشمس تغيب لتطلع أنت!
وأنت في عين الفيلسوف حقيقة النور، ولسان السماء الذي تخاطب به الأرض لتذكرها أن هناك رقيباً عليماً خبيراً يرى كل شيء حتى دبيب الخواطر في النفوس!
ومن عيونه المحسوسة لو عقل القوم! عيونك يا قمر.
عجباً يا قمر! نظرة سطحية جعلتكَ قرصاً من ضياء، ونظرة عميقة جعلتكَ عيناً من سناء! فما نظرة العاشق إليك يا قمر؟
نظراته لا تنتهي إلى أمد. كل نظرة فيها تنعطف على نظرة انعطافاً لا نعلم كيف يكون، لأنه من أسرار قلبه وأسرار نورك! تقلبت على قلبه وجوه الأيام فيها من لقاء وما فيها من فراق فنظر إليك يا قمر كأنما فيك مفتاح قلبه، وتكلم كلاماً، إني لا أعلمه، فهل تعلمه يا قمر؟
لقد أحصرني التطول إلى أسرار نظراته إليك، فهل من معين منجد ومساعد منشد؟
أين أنت يا دكتور مبارك وهذا الموقف موقفك! وإنك لناصح أمين لا تعرض الرأي على تهمة؟
وأين أنت يا زيات وهذا حديثك (في الجمال)، فإن المعاني هنا أصبحت لقلبي قُلْباً؟
وإني لأخوض في أوعاث وأوعار!
فما نظرة العاشق إليك يا قمر!
يا قمر! أنت قمر!
وهذا كل ما يستطيع الشاعر أن يقول لأنك فوق كل ما يقول نعم أنا لا أستطيع أن أصفك وصفاً يحمل كل معانيك يا قمر
ويكون في ألفاظه معنى النور والسحر والجمال والأحلام
لا أستطيع غلا إذا قلت: أنت يا قمر!. . . يا قمر
وهكذا لا توصف الحقيقة إلا بالحقيقة!!
يا أفكاري! لقد تمجّدت اليوم رغم الجاحدين الحاسدين
لقد بلغت اليوم عرش النور خفافيش الظلام
لقد أنصت لك القمر وتفتحت آذان السماء!
يا أفكاري لقد تمجدت اليوم، فأنصت لك القمر!
يا قمر هاأنذا أناجيك فهل تسمع النجوى؟
هاأنذا أعيد لك أنشودتي المنظومة شعراً يأرج ويتوهج بعبيرك وأنوارك. . .
يا أيها القمر السخي بنوره ... فيم احتجاجك عن وحيد ساري
في ظل نورك حين تبدو باسما ... أرب النفوس ومتعة الأنظار
كم في الدجى مذ غبت من متأمل ... بين النجوم ينوء بالأكدار
أمهديء الأفكار إن جد السرى ... هل رحمت مبلبل الأفكار
يا مشرق القسمات طبعك رحمة ... فإلام تتركني لوقت سرار
يا باعث الأنوار تنتظم الربى ... والوهد، طال الشوق للأنوار
(انظر القمر، وارقب الخطر، واسأل القدر!)
محمود البشبيشي