مجلة الرسالة/العدد 391/خطرات سريعة
→ الأزهر وبعثاته العلمية | مجلة الرسالة - العدد 391 خطرات سريعة [[مؤلف:|]] |
كلمات. . . ← |
بتاريخ: 30 - 12 - 1940 |
قصة كتاب الديارات
للأستاذ صلاح الدين المنجد
كتب إليَّ أخي من عمَّان يطرفني بما كتبه الأديب السيد كروكيس عواد تعليقاً على المقالة التي أثبتناها نحن عن الديارات
ولقد كنت بين إقبال على الرد وأدبار عنه، فقد عجبت من أمر من يدعي التحقيق والتدقيق (والعناية التي تفوق حد الوصف) ويسوق الدعاوى، ويغرق في الثناء على نفسه؛ ثم يعترف بأن الجهود كلها ليست جهوده، وأن الأساتيذ العلاَّمات أمدّوه بكثير من تلك المعلومات، وأرشدوه إلى تلك الملاحظات، وأن الكتاب بعد ذلك سيحمل اسمه
وقد سنحت لي خطرات أردت أن أثبتها هنا ليتضح للقرَّاء مبلغ صحة ما ذهب إليه الأستاذ
(أ) والحق أنه أتيح لنا نشر قصة كتاب الديارات أن نتمتع - ويتمتع معنا القراء - بأسلوب عربي مبين، وسبك رصين، وعرض لأسماء المستشرقين ثمين، أشباه فيشر وكيشر ولاهين، وأسلوب لا اعوجاج فيه ولا سقطات إلا ما يربو على الثلاثين!. . .
(ب) ولكن الأستاذ - مع الأسف - لم يجد في مقالنا شيئاً ولا أقل مما يريد. . . وما ندري ماذا كان ينتظر من لمح موجزات تنشر في مجلة أسبوعية للتعريف بكتاب سنصدره بعد حين!. . . ترى أكان ينتظر أن نصبّ له فيها كل ما هبّ ودبّ، وما اتصل إلى الكتاب بسبب، وما لم يتصل، وأن نصوغ له قصة كقصته، فيها دعاوى كدعاواه. . . فنرسم للقراء كل خطوة خطوناها إبان عملنا. . .؟ أم كان ينتظر أن يجد الكتاب كله في مقال واحد، مشروحاً مضبوطاً، مفهرساً مهمشاً، كما قدم له ذلك الأستاذ مصطفى والأب أنستاس؟
(ج) وعلى كل فقد كان اتفاقاً طريفاً - كما يقول كوركيس أفندي - أن يقوم باحثان بنشر كتاب واحد. ولا أدري لم ساق الأستاذ تلك المحاكمة التي دارت بينه وبين نفسه. . . فانتهت إلى عزمه على نشر الكتاب (خدمة للعلم بذاته)
مع أن الأمر جلل لا يستحق أن يستغرق ربع عامود في المجلة. . . لأن كتاباً يقوم عليه أستاذ يتقن اللغة الآرامية. . . وتدور فكرة نشره في رأسه منذ سبع سنوات، ويصححه أستاذان علامتان، يضعان له الملاحظات ويضيفان إليه الهوامش، ويحققان فيه ويدققان. . .
إن كتاباً هذا شأنه وتلك قصته لحرى ألا يهمل نشره
ومهما يكن من أمر فإن تنفيذ ما عزم الأستاذ عليه سيكون حادثاً عظيماً وخطوة واسعة نحو التدقيق الصحيح. . . لأنه سيضم الفهارس المختلفة (وكلها في غاية الضبط) والملاحق الواسعة (وكلها على ما يرام)
(د) ومن يدري كيف يكون الكتاب كتاباً إذا هو لم يضم الفهارس التي يفخر الأستاذ بها وقد كنا نتمنى ألا يضيع الأستاذ وقته في الإشادة بها، لأنه عمل آليّ لا يُفخر به يستطيع المبتدئون أن يقوموا به
(هـ) بقيت هذه الإشارات الكثيرة إلى نسخة (فيشر) وإلى نسخة (الكرملي)، وإلى (العناية التي تفوق حدود الوصف) في استنساخ النسخة (الكرملية). وما ندري إن كان تعداد النسخ على هذا النمط يوهم القراء أن هناك طائفة من النسخ لهذا الكتاب
(و) ويصر الأستاذ على قراءة النسخة البرلينية، مع أننا ذكرنا في مقالنا الأول أن للكتاب نسخة قليلة الضبط كثيرة الأخطاء في دار الكتب المصرية، كما ذكر لنا ذلك صديقنا الأستاذ شكري فيصل، وأثبته - كما أظن - صاحبكم حبيب الزيات
(ط) أما الملاحظات التي أراد كوركيس أفندي أن نتغاضى عن ذكره لها فنقول فيها:
أولاً: لم نرتجل الرقم ارتجالاً - كما يفعل بعض من يعرفهم الأستاذ - فقد وجدنا الرقم هكذا على النسخة التي عندنا، ولقد أثبت الرقم نفسه، فيما أظن، السيد حبيب الزيات في كتابه (الديارات النصرانية في الإسلام) وكنا نود لو يهب الله لنا علم الغيب، إذن لاستطعنا معرفة الأرقام الصحاح. . . وقد أثبت ذلك أيضاً تيمور باشا على النسخة. . . ولعلكم تستطيعون أن تسألوه من أين أتى به. . . ولكن. . .
ثانياً: ولقد كان الأستاذ في غنى عن أن يسوق إلى القراء هذه القائمة الطويلة من أسماء المؤلفين. . . فنحن لم نقصد في قولنا إن أول من نقل عن الكتاب هو السيد حبيب الزيات. . . إلى التعميم الذي يشمل كتب المستشرقين في اللغات الأجنبية
ولو دقق الأستاذ لوجد أن السيد حبيب الزيات هو أول من نقل عن الكتاب كما قلنا. أما كتاب (الصليب والإسلام) فلم نتشرف بمعرفته، وأحسب أن الأستاذ كوركيس أفندي يقرنا أن هناك فرقاً كبيراً بين الإشارة إلى الكتاب في هامش مقال أو في ثنايا كتاب وبين النقل عنه والبحث فيه
وعلى كل فالأستاذ يشير في مقاله إلى كتاب الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري الذي ترجمه السيد أبو ريده، ويحتج بأصله الألماني الذي نشر في سنة 1917، وما من شك في أن الأستاذ لم يطلع على الأصل الألماني قبل الترجمة، ولكنه يوهم القراء أنه بعيد عهد بالكتاب وبمن نقل عنه وأشار إليه، ولو في هامش من الهوامش
ثالثاً: أما الملاحظة الثالثة فقد أجهد الأستاذ نفسه في تقسيم الأديار لينتهي إلى القول بأن ثمانية وثلاثين ديراً كانت في العراق وأنه امرؤ عراقي، وأنه موظف بدار الآثار، وأنه لم يستطع تعيين المواقع الحقيقية إلا لعشرة منها، ولو دقق الأستاذ فيما كتب عن الأديار وخصوصاً ما كتبه ياقوت والعمري والبكري والشابشتي، لوجد أنهم يحدون الدير، ويقولون إنه يقع في شرق كذا، وغرب كذا بجوار كذا على ضفة كذا، وتلك كلها حدود تقريبية يستطيع معها الباحث المدقق أن يعلم موضع الدير منها، ولا شك في أن الأستاذ كوركيس قد لاحظ أن (لوسترانج) قد حدد في مخططه الذي وضعه لبغداد بين سنة (150 - 300) للهجرة أماكن كثير من الديارات، كدير سمالو وغيره، (وإن كان الأستاذ مصطفى يخطئ لوسترانج) وبدهي أننا لم نسلك في تحديد الديارات والإشارة إلى محالها، ما يسلكه موظفو دار الآثار ومأمورو التسجيل، وإنما رأينا أن ذلك يقرب للأذهان محال تلك الديارات
ولعل الأستاذ كوركيس يدري بعد هذا كيف يمكننا أن نضع للأديار مخططاً
(ك) أما وفاة الشابشتي، فنحن لم نكن في معرض ترجمة المؤلف والتحقيق في سني حياته، وما قصدنا بمقالنا إلى الظهور وإيهام الناس أننا نحقق وندقق، وإنما ذلك شيء تركناه لغيرنا! وما كلمتنا عن الشباشتي إلا إشارة سريعة. . . خاطفة
(ل) على أنه مهما يكن من أمر قصة كتاب الديارات التي أطرفنا بها الأستاذ عواد، فإننا أفدنا منها أموراً كثيرة كنا نجهلها، فقد عرفنا أنه ذو اطلاع ومعرفة بأسماء المستشرقين، وأنه سيجمع في كتاب يضع عليه اسمه جهود عالمين، وأنه موظف بدار الآثار وعالم من علماء العراق، وملم باللغة الآرامية
هذا ما بدا لنا على تلك القصة ذكرناه وللأب أنستاس، وللأستاذ مصطفى تحياتي على جهودهما. . . أما كتابنا الذي بدأنا به منذ شهور، ولم نستعن في تحقيقه بأحد، فسيظهر غداً، وإن غداً لناظره قريب
(دمشق)
صلاح الدين المنجد