الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 388/كما يرانا غيرنا

مجلة الرسالة/العدد 388/كما يرانا غيرنا

بتاريخ: 09 - 12 - 1940


في الطريق. . .

(عن جريدة (الإجبشيان غازيت) عدد 26 نوفمبر سنة 1940)

لمصر وسائل متعددة لتعليم الأوربيين الصبر، ومعظم الذين أقاموا بها

خمسة أعوام إما أن يكونوا:

1 - قد تعلموا الصبر

2 - أو استكشفوا فن (معلهش)

3 - أو انغمسوا في حمأة مرذولة

4 - أو غادروا البلاد وقد تحطمت أعصابهم

ومن أظرف الوسائل التي يستفاد بها الصبر أن تسير في شوارع القاهرة، وما من مدينة أصلح منها لذلك، لأن الإسكندريين مثلاً قد هداهم بعض الغريب من حيل الأقدار إلى اعتياد المشي على الطوار في غير حاجة إلى المزاحمة بالمناكب، ودفع هذا ومنع ذلك من المارة في الطريق، وبغير أن يضطروا المساير إلى الإلقاء بنفسه تحت عجل السيارة أو الترام أو الدراجة أو تحت أرجل الحمير والخيل والجمال الضالة والثيران. ومعظم أهل القاهرة يسيرون كل خمسة منهم معاً في خطوط متعرجة كالتي يرسم بها الضوء جماعة المصورين على لوحات التصوير، وكأن الرجل متى خرج للمسير في هذه المدينة الغريبة قد نسي أن له غرضاً معيناً من المسير، أو كأنه يغضب إذ يعرف أن للغير من هذا المسير وجهة معينة.

ومن المناظر المألوفة في القاهرة مسير أبوين مع طفل أو اثنين أو خمسة من ذوي الأحجام المتفاوتة يصحبهم خادمان أو ثلاثة يحملون خمسة رؤوس من الخس وستة أعواد من القصب. فإذا ما رأيت جمعاً كهذا فخير ما تصنع أن تقفز من الطوار حتى لا يمر فوقك هذا الحشد الذي تتألف من مجموعه دبابة آدمية. ومن المناظر المألوفة كذلك أن يمر بك أربعة أو خمسة من النوبيين (السفرجية) بيد كل منهم عصا يلوح بها يميناً أو يساراً وارتفاعاً وهبوطاً فإذا ما تخطاك دون أن يصيب رأسك بضربة عصا كان من الطريف أن تبل السلطات عن هذا الشذوذ النادر.

ومن المألوف كذلك في شوارع القاهرة أن ترى عشرة من البوابين قد جلسوا على مقاعد مصفوفة على شكل أفقي أو رأسي أو على شكل صليب في منتصف الرصيف، وقد حذقوا فن البصاق في كل اتجاه، ونصيحتنا لكل رجل أو امرأة أو طفل أو طائر إن رأوا منظراً كهذا أن يعودوا إلى منازلهم وأن يؤجلوا المشي في الطريق إلى يوم آخر.

ومن المناظر المألوفة كذلك مشية (العقدة التي لا تنفصم) وهذه المشية تتكون من اثنين من (الأفندية) متوسطي القامة يد كل منهما في يد الآخر وقد تشابكت أصابعهما وهما يسيران في خط متعرج، ولما يعرف العلم أية وسيلة لفك أحدهما عن الآخر. إنهما يسيران على مبدأ الدبابة التي تسير فوق أي شيء أو تحت أي شيء أو تخترق أي شيء. إنهما شديدا التماسك حقاً ومنهما تتكون وحدة ميكانيكية وإن تسميا بأي اسم آخر.

وأخيراً يرى السائر في شوارع القاهرة امرأة يتراوح وزنها بين المائة كيلو والمائة والعشرين يتبعها أربعة أطفال وخادمان وكلب وزنه ثلاثة كيلو جرام، والأطفال الأربعة يبكون، هذا في طلب كعكة وهذا في طلب موز والآخر في طلب عود من القصب أو رأس من الخس أو صفقة من البندق، والأم في انشغالها بالبحث عن (فستان) جديد لا تعنى بمطالب صغارها بل تضرب هذا وتصفع ذلك وتلطم الآخر وهم لا يزدادون إلا صراخاً والكلب يجري من بينهم تحت أرجل المارة ثم يعود.

إن رأيت منظراً كهذا فأسرع بالفرار قبل أن تصيبك من الأم لطمة أو صفعة.

ع