مجلة الرسالة/العدد 388/الحرب في أسبوع
→ كلمات. . . | مجلة الرسالة - العدد 388 الحرب في أسبوع [[مؤلف:|]] |
إلى (الملاح التائه) ← |
بتاريخ: 09 - 12 - 1940 |
للأستاذ فوزي الشتوي
الحرب اليونانية ونتائجها
هل تؤدي الحرب اليونانية إلى انتصار قضية الديمقراطية؟ أو بعبارة أوضح هل يكون الميدان اليوناني الألباني ذا أثر كبير في وضع حد للحرب العامة؟ سؤال وجهه إلى أحد القراء، وهو سؤال طالما سمعته في المجالس، فرأيت أن أوضحه للقارئ. فإن انتصار اليونانيين وتقدم قواتهم السريع أمر غريب كما قال ملكهم. ولم يتوقع أحد أن يكون غزو إيطاليا لليونان سهماً قاتلاً يوجه للحركة الفاشستية، فيكشف عن ضعف عجيب في أحد طرفي المحور.
أما النصر النهائي لقضية الديمقراطية في الميدان الألباني فأمره مستبعد، فإن موقع الميدان الألباني الجغرافي لا يسمح بأن يرى العالم مصرع حكم الإرهاب، وإن كان هذا الموقع يعتبر أحد المنافذ القاتلة لحركات المحور العسكرية والسياسية، فقد كشف عن خطأ كبير، وأتاح للإمبراطورية البريطانية الحصول على مواقع كبيرة الخطورة جعلت الأهداف الألمانية والإيطالية أيسر تناولاً مما كانت عليه.
وليتاح لنا فهم الموقف بسهولة يحسن بنا أن نوضح ناحية من نواحي السياسة العسكرية البريطانية؛ فعندما انهارت فرنسا انهارت معها جميع الخطط العسكرية، سواء في الشرق أو في الغرب، وأصبح الدفاع عن الميادين التي تسيطر عليها أمراً متعذراً فضلاً عن اتباع سياسة الهجوم. ولكن هذا الوضع العسير لم يضعف من عزيمة الإنجليز، فرفضوا الصلح الذي عرضه هتلر وصمموا على مواصلة القتال. ولم يتمكن المحور من استغلال هذه الفترة والقضاء على قوات بريطانيا أو إضعافها في ميادينها بفضل الأسطول البريطاني البحري الذي عرقل مواصلات إيطاليا مع ممتلكاتها في أفريقيا ومنع عنها الإمدادات ومنع ألمانيا أيضاً من غزو الجزر البريطانية.
ويمكن القول أن سياسة إنجلترا العسكرية منذ ذلك الوقت إلى الآن هي سياسة استغلال الفرص. وكانت حماقة موسيليني في غزو اليونان فرصة ثمينة، مكنت القوات البريطانية من الحصول على أربع نتائج باهرة تحقق ثلاث منها وما زالت إحداها في دور التحقيق، وإن يكن جزء منها قد تحقق.
الدوديكانيز
وإحدى هذه النتائج الثلاث زوال أهمية جزر (الدودكانيز) كقواعد حربية إيطالية، فإن استيلاء القوات البريطانية على جزيرة كريت والجزر اليونانية القريبة من الدودكانيز عزلها عن قواعد تموينها، وأصبح اتصال إيطاليا بها أمراً شديد الخطر.
واقتراب القواعد يتيح للدوريات سواء كانت بحرية أم جوية مراقبة البحر مراقبة دائمة، وسرعة الاشتباك بالقوافل الإيطالية سواء بقوات تقصدها من الإسكندرية أو كريت أو اليونان، ومن ثم أوصد الطريق في وجه القوافل الإيطالية فضلاً عن سهولة مهاجمة جزر الدودكانيز واحتلالها من الجزر القريبة منها.
وكانت جزر الدودكانيز طرف قواعد الارتكاز التي تكون خطاً بحرياً طرفه الآخر على شواطئ ليبيا الأفريقية، والغرض منه عرقلة الملاحة في الحوض الشرقي للبحر الأبيض، وفقدان جزر الدودكاينز لأهميتها أو احتلالها يفقد إيطاليا كل سيطرة على الجزء الشرقي لحوض البحر الأبيض المتوسط، أضف إلى ذلك أنها كانت تعتبر إحدى القواعد التي يسهل منها تهديد تركيا في منطقة المضايق وسوريا وفلسطين.
الخسائر العسكرية
ومني المحور أو طرفه الصغير بخسائر عسكرية فادحة لها أثرها في استعدادات إيطاليا في الميادين الأخرى وهي النتيجة الثانية، فلم يكن غزو اليونان نزهة كما ظن موسوليني وأركان حربه، ولكنه كان فاجعة إيطالية، كلفتها عتاداً حربياً ورجالاً وهيبة عسكرية. ولا يتاح لنا الآن أن نكشف الغطاء عن حقيقة هذا الخذلان الإيطالي.
وقالت بعض المصادر إن القوات الإيطالية استعملت في زحفها طرقاً ضيقة محصورة بين الجبال، وكانت قوات يونانية تكمن فيها فلما توغلت الوحدات الإيطالية صبت عليها الجنود اليونانية نارها، وفي الوقت نفسه ثارت بعض القبائل الألبانية وهاجمت مؤخرة الجيوش الإيطالية فتعذر عليها التقدم أو التأخر، واضطر الإيطاليون إلى الهرب بأرواحهم مخلفين عتادهم وذخيرتهم في عملية انسحابهم السريعة.
فإذا أضيف هذا العتاد إلى ما أرسلته إنجلترا إلى اليونان من معونة، فإن استرداد الإيطاليين لمواقعهم السابقة يسبب لهم خسائر فادحة لا تتحملها مالية إيطاليا الضعيفة.
ويتبين من خط الزحف اليوناني كما يرى بعض الخبراء العسكريين أن خطة اليونان تعمل على تطويق القوات الإيطالية إذ توالي زحفها إلى الباسان - وهي منطقة ثائرة تؤيد اليونان وتعادي إيطاليا - ومنها إلى تيرانا فالشاطئ؛ فإذا تحققت هذه الخطة فلا يبقى للقوات الإيطالية إلا الانسحاب من ألبانيا.
صدمة سياسية
وثالثة النتائج هي ضياع هيبة المحور السياسية، فإن دول البلقان التي كانت تحرص على إجابة طلباته بدأت الآن ترى في اليونان بارقة أمل في الاحتفاظ بوحدتها، وفي وقف هتلر عند حد، ولاسيما أنها ترى القوات البريطانية والتركية بجوارها، فبلغاريا التي كانت إلى أمد قريب إحدى نصراء المحور قالت له أخيراً: لا. ويوجوسلافيا التي كانت ترى نفسها منعزلة عن العالم لا يتيسر إنجادها إذا دنت الساعة ترى النصير قريباً منها في اليونان وألبانيا.
وأخطأت السياسة الألمانية خطأ كبيراً بما ارتكبه رجالها في رومانيا باسم الحرس الحديدي، فإن جميع الوعود الألمانية لم يكن لها قيمة، وجميع التضحيات التي بذلتها رومانيا بمشورة هتلر لم تنقذ بلادها من الاحتلال واختلال الأمن، فقسمت أرضها بين الروسيا وهنغاريا وبلغاريا، ومع هذا احتل الألمان أرضها، فهل بعد هذا من داع يوجب الاستسلام؟ وإذا كان اغتيال رؤساء الوزارات هو النتيجة، فإن الساسة ليفضلون أن تحتل بلادهم قهراً وأن يموتوا في ميدان القتال على أن تهدر دماؤهم دون ثمن.
الأسطول السجين
والنتيجة الرابعة للحرب اليونانية هي تحكم إنجلترا في مدخل البحر الإدرياتيكي باحتلالها لكورفو وللشاطئ اليوناني الشمالي والألباني الجنوبي. فمنذ احتل الإيطاليون ألبانيا أصبحوا سادة هذا البحر، وزوال سيادتهم عن ألبانيا أو عن جزئها الجنوبي زوال لهذه السيادة، ويتيح للأسطول البريطاني السيطرة على القوات البحرية الإيطالية التي اتخذته قاعدة حصينة لها فتمعنها من الخروج إلى البحر الأبيض بل قد يتيسر له مقاتلتها فيه.
ونقص القوات البحرية الإيطالية معناه إضعاف مواصلاتها في ليبيا وتعريض قواتها فيها إلى الهلاك جوعاً.
مقتل المحور
والبلقان هو مقتل ألمانيا فليس لها من جهته الخطوط الحصينة التي أعدتها على حدودها الفرنسية، فمنه يسهل غزوها. وكان البلقان في بدء الحرب يتكون من دول محايدة لا يبيح العرف الدولي الاعتداء عليها، وبريطانيا تحرص على هذا العرف، ولكن سياسة ألمانيا الأخيرة أدت إلى كشف هذا المقتل، فأصبحت دول البلقان إما محتلة وإما مشتركة مع المحور باستثناء بلغاريا ويوجوسلافيا ولن تتركهما السياسة الألمانية في أمنهما. فإذا أزال المحور إحداهما زال الحائط المحايد، وسهل على القوات الديمقراطية الوصول إلى الاشتباك بالقوات الألمانية نفسها حيث تتم المعارك الحاسمة.
أما الميدان اليوناني فإن أقصى ما يمكن أن يحدث فيه هو طرد إيطاليا من ألبانيا، ويبقى بعد ذلك احتلال إيطاليا نفسها وألمانيا أيضاً وهو متعذر الآن فضلاً عن أن القوات البريطانية لم تبدأ بعد في تنفيذ سياستها الهجومية فما زالت سياستها حتى الآن سياسة استغلال للفرص.
فوزي الشتوي
بكالوريوس في الصحافة