مجلة الرسالة/العدد 387/إلى جمهرة أهل الأدب
→ محاورة أفلاطون الخيالية | مجلة الرسالة - العدد 387 إلى جمهرة أهل الأدب [[مؤلف:|]] |
من وراء المنظار ← |
بتاريخ: 02 - 12 - 1940 |
للأستاذ إسماعيل مظهر
أوجه هذه الكلمة إلى جمهرة أهل الأدب في مصر والأقطار العربية على صفحات الرسالة إقراراً لحق يجب أن يُقر، ورداً لعادية ينبغي أن ترد، وتأييداً لدستور العرف المرعي بين الأدباء والناشرين وأصحاب الصحف على مختلف أنواعها
فقد نشرت مجلة الثقافة الغراء بحوثاً لحضرة الأب أنستانس ماري الكرملي نقداً على كتاب الذخيرة الذي نشره حضرة الأستاذ الدكتور جورجي صبحي بك الطبيب المصري المعروف، فتناول حضرة الأب ما شاء له علمه وبحثه أن يتناول من تصويبات في الكتاب، وحشا نقده وتصويبه بعبارات نال بها من حضرة الدكتور صبحي بك أشد النيل وأسف فيها شر إسفاف، فقد جاء نقده العبارات الآتية:
1 - وهذا هو الجهل المركب الذي لا تركيب بعده وإن اجتمع جهلة العالم كله (العدد 81 ص 37 من الثقافة)
2 - حقيقة أني لا أفهم كيف أن مثل هذا الطبيب حصل على شهادته وكيف يجاز له أن يكون أستاذاً مساعداً في الطب في الكلية المصرية وطبيباً معالجاً في القصر العيني وأستاذاً للغة القبطية والدهماوية (الديموطيقية) إلى آخر ألقابه العديدة (العدد 82 ص 40 من الثقافة).
3 - لما اتضح أن هذا التصنيف (يعني كتاب الذخيرة) ليس لثابت بن قرة، وبان بالعكس أن واضعه قليل البضاعة في علم العربية، والكاتب قبطي من أهل المائة السابعة أو الثامنة للهجرة لجهله الألفاظ الطبية وتشويهه لها، وجهله الأحكام اللغوية ومسخه لها مسخاً شنيعاً، لم يبق ذريعة لإصلاح هذه الأضرار المتنوعة إلا جمع النسخ المطبوعة - وتبلغ الألف عداً صادقاً - وإحراقها وإزالتها من عالم الوجود صيانة لشرف ثابت بن قرة، وشرف الجامعة المصرية التي فقدت شيئاً كثيراً من حسن سمعتها لأنها سعت ببعثها في الدنيا، مروجة إفساد العربية، وباثة الألفاظ المشوهة، وصيانة أيضاً لشرف الدكتور جورجي صبحي الذي خسر كل ثقة من صدور عارفيه، إذا اشتهر عنه أنه لا يفهم ذرواً في العربية ولا يحسن الإنجليزية، ويسئ النقل من لغة إلى لغة، ومثل هذا الأمر في طبيب ط عظيمة لا تقدر نتائجها الوخيمة (العدد 84 ص 40 من الثقافة)
4 - لو كنت وزيراً للمعارف في الديار المصرية لحكمت في أول يوم أتولى فيه الوزارة على الدكتور جورجي صبحي أن يؤدي جنيهاً مصرياً عن كل صفحة من صفحات هذه المذكرة المنسوبة ظلماً وكذباً إلى ثابت بن قرة. ولما كانت هذه الصفحات 186 في اللغة العربية و42 في اللغة الإنجليزية، فيكون مجموع ما يؤدي 228 جنيهاً، ويزاد على ذلك حبسه يوماً واحداً عن كل صفحة أيضاً، فيسجن 228 يوماً. فهذا أقل ما يستحقه هذا الرجل حتى لا يدفعه الغرور إلى نشر كتاب طبي آخر على هذا المثال المشوه ضناً بحياة الناس، وصوناً للغة الضاد، وتأديباً لمن يجرؤ على مجاراة هذا الدكتور في نشر الكتب وتشويهها تشويهاً شنيعاً فظيعاً، يكره في عيون الناس اللغة العربية والطب والعلماء على اختلاف درجاتهم وطبقاتهم، لأن نتائج مثل هذا العمل السيئ إهلاك الناس أولاً وإفساد لسانهم ثانياً، ودفعهم إلى المباهاة بأضرار الخلق ثالثاً.
صاننا الله من هذه الشرور العظام الجسام، ووفقنا لخير الناس من خواص وعوام (العدد 84 ص 40 من الثقافة)
هذا طرف مما جاء في نقد الأب أنستاس الذي نشرته مجلة الثقافة الغراء. ولقد اتفق أني كنت عالماً بأن حضرة الأب سينتقد الكتاب، وأن لهذا النقد تاريخاً قديماً ووقائع ينبغي أن يعرفها أهل الأدب ليظهروا بنشرها على لون من ألوان الأدب في هذا العصر، وليعرفوا شيئاً من العوامل التي تختفي وراء كثير من النقود التي ينشرها حضرة الأب أنستاس في مختلف المناسبات فكتبت نقداً لما نشر حضرة الأب أنستاس وخصصت به مجلة الثقافة الغراء كالعرف السائر، وأرسلت النقد مع كتاب إلى حضرة الأستاذ أحمد أمين محررها. ولقد أرسلت النقد في الثامن والعشرين من أكتوبر فرد إلي في التاسع من نوفمبر مع كتاب من حضرة محرر الثقافة الغراء نصه الآتي:
(جاءنا مقالكم والذي دعانا لنشر مقال الأب أنستاس ما فيه من تصحيح علمي يسوغ لنا نشره. ولكن مقالكم - مع قيمته - معظمه تعريض بالأب أنستاس من غير مناقشة علمية فإذا سمحتم باختيار مقتطفات منه نشرناها وإلا فنحن معتذرون.)
أحمد أمين ولقد توقعت أن نقدي سوف لا ينشر في الثقافة وكان السبب الأول لهذا أني وجهت بعض اللوم لحضرة الأستاذ أحمد أمين لأنه نشر في مجلته ألفاظاً وعبارات كتلك التي وجهها حضرة الأب إلى الدكتور جورجي صبحي وهو له زميل في الجامعة وأستاذ مثله فيها، ولأنه قبل أن ترمى الجامعة المصرية التي هو أحد أساتذتها وعميد كلية الآداب فيها بأنها فقدت شيئاً كثيراً من حسن سمعتها، وأنها تروج إفساد اللغة العربية وأنها تثبت الألفاظ المشبوهة!!
ولئن كبر على حضرة الأستاذ أحمد أمين أن يوجه إليه هذا النقد من كاتب، وعسر على نفسه أن ينشر هذا اللوم في الثقافة، فما كان أجدره أن يهذب نقد الأب ويطلب منه أن يرفع منه تلك الأقوال الثقيلة الجارحة، ولكنه قد أجاز نشر كلمات الأب ورضى بأن يحكم على زميل له في الجامعة أن يدفع غرامة مالية وأن يسجن تلقاء نشره كتاباً قديماً مشوه الأصل، فكيف لا يرضى لنفسه أن يلام وأن يوخز وخزة واحدة تلقاء ألف وخزة نال بها من أستاذ زميل له في الجامعة؟
وبأي حق يطلب الأستاذ مني ألا أعرض بالأب أنستاس ما دام قد أجاز للأب نفسه أن يعرض برجل من أفذاذ المصريين؟ أحرام علينا أن نعرض بالأب، حلال للأب وللأستاذ أحمد أمين أن يعرضا بالدكتور صبحي؟ ومن ذا الذي أعطى حضرتيهما هذا الحق وجعلهما فوق التعريض واللوم ما دام قد أجازاه لنفسيهما؟
فإلى جمهرة أهل الأدب عامة وإلى حضرة الأستاذ محرر الرسالة خاصة، أحتكم وأطلب الحكم، وآمل أن أنصف وأن ينصف معي الدكتور صبحي بك فينشر نقدي في الرسالة في العدد الذي يتلو العدد الذي تنشر فيه هذه الكلمة إحقاقاً لحق لا ينكره علي وعلى الدكتور صبحي إلا جرئ على حقوق الناس
إسماعيل مظهر