مجلة الرسالة/العدد 386/السنوسيون
→ كتب لم أقرأها | مجلة الرسالة - العدد 386 السنوسيون [[مؤلف:|]] |
محاورة أفلاطون الخيالية ← |
بتاريخ: 25 - 11 - 1940 |
للأستاذ حسين جعفر
(بقية ما نشر في العدد الماضي)
غزو مصر:
خضع سيدي أحمد الشريف للحركة الإسلامية التي أحياها عبد الحميد الثاني سلطان تركيا وأستمر فيها خليفته. وذلك أدت السنوسية مساعدات مادية قوية للأتراك حينما غزا الطليان طرابلس الغرب سنة 1911، ولما اضطر الأتراك إلى الاعتراف بالهزيمة أستمر سيدي أحمد في حربه ضد الطليان في حربه ضد الطليان يساعده بعض الجنود التركية الذين ظلوا في البلاد - خلافاً لما قضت به معاهدة لوزان - وفي ابتداء الحرب العظمى الماضية لم يكن للإيطاليين غير جزء ضيق من الشاطئ، وكان السنوسيون حكاماً على داخل البلاد، وقد عرضت شروط للاتفاق بين الإيطاليين وسيدي أحمد في النصف الأخير من سنة 1914 وكاد يتم الاتفاق لولا أن السيد أحمد رفض أن يقبل مركز (باي) تحت الحماية وما جاء ربيع سنة 1915 إلا وكان السنوسيون يهاجمون المواني الموجودة تحت يد الطليان
وحوالي هذا الوقت تمكن عدد من الضباط الأتراك والألمان الذين يتكلمون العربية من الهرب إلى داخل البلاد، وبواسطة العروض المختلفة والتملق أمكنهم أن يؤثروا على سيدي أحمد - على كره منه - فيعلن حرب الجهاد ويغزو حدود مصر الغربية. وكان سيدي أحمد متردداً ولم يكن تردده هذا خافياً على الإنجليز في مصر. ولذلك أرسلوا في نوفمبر سنة 1915 أبن عمه السيد محمد بن إدريس من الإسكندرية ليتفق معه على أن يتخلص من مستشاريه الأتراك في مقابل مبلغ من المال، ولكن كان الوقت قد فات لأن سيدي أحمد كان مثقلاً بالأموال والأسلحة التركية والألمانية
وفي نهاية سنة 1915 غزا سيدي أحمد حدود مصر الغربية بجيش عدده خمسة آلاف مقاتل على أكثر تقدير مع عدد من الجند الأتراك يبلغون الألف عداً. وكان الخطر الحقيقي في أن أي نجاح يناله السنوسيون قد يدفع البدو المقيمين على حدود مصر الغربية وفي داخل البلاد نفسها إلى الثورة وبسب الاستعدادات الاحتياطية التي قام بها الجنرال السير جون مكسويل - قائد الجيوش البريطانية في مصر إذ ذك - فشل السنوسيون في إحراز أي انتصار. ولم يأت فبراير سنة 1917 حتى هزم سيدي أحمد هزيمة تامة فتقهقر إلى واحة جغبوب. ويظهر أن عدم نجاح هذا الغزو أثبت بصورة جلية أن طريقة السنوسية لم تكن ذات قوة سياسية أو روحية كما تصور الناس من قبل
وقد بذل الألمان والأتراك جهدهم في استخدام قوة السنوسي الروحية لإحداث اضطرابات في جهات غير مصر ففي السودان أمكنهم أن يؤثروا على السلطان على دينار سلطان دارفور ليثور ولكنه هزم هزيمة قاطعة بقوة مصرية تحت قيادة الماجور ب. ف كيلي في مايو سنة 1916
ولم يكن للسنوسي في باقي أنحاء السودان المصري الإنجليزي إلا أتباع قلائل، فإذا ابتعدنا غرباً متجهين نحو بحيرة تشاد نجد هناك أيضاً بعض الاضطرابات ولكن الفرنسيين في تقدمهم نحو الشمال من بلدة كانين واحتلالهم الحدود الصحراوية واستيلائهم على عين جالاكا - في إقليم بوركو وهي قاعدة السنوسي الجنوبية - في سنة 1913، كل هذا مع بعض المراكز الفرنسية الأخرى كونت حاجزاً دفاعياً ضد غارات السنوسي. أما في المناطق الداخلية من طرابلس فقد كان سلطان السنوسي قوياُ أضطر الطليان معه إلى الانسحاب نحو الشاطيء، وكان سيدي محمد العبيد وهو شقيق السنوسي يحكم فزان حتى مدينة فزان صيف سنة 1917
العلاقات مع الطليان
لم يوافق سيدي محمد الإدريسي وبعض رؤساء الجنوبيين على غزو سيدي أحمد لمصر، وكان سيدي محمد من طول إقامته بمصر قد أكتسب معلومات عن الأحوال التي كانت تعوز سيدي أحمد، والإدريس رجل مسالم بطبيعته. وقد عقدت الحكومتان الإيطالية والإنجليزية معه اتفاقاً في سنة 1917، وأقر شيوخ الطريقة سيدي محمد الإدريس على أن يكون السنوسي الأكبر. وفي أغسطس سنة 1918 وجد سيدي أحمد المقهور والمخلوع أن من الأفضل له أن يغادر طرابلس، فغادرها على ظهر غواصة ألمانية من مصراطة إلى تركيا مع استمرار ادعائه أنه رأس الطريقة وفي سنة 1919 أرسل الإدريس أخاه رضا في بعثة إلى روما وبواسطة اتفاق عقد في نوفمبر سنة 1920 أعترف الإدريس بسيادة الطليان وأعطى لقب أمير وجعل وراثياً في ذريته مع استمرار سلطته على واحات الكفرة وجغبوب وجالو وأدجيلة وجديبة. واستمرت العلاقات السلمية مدة من الوقت ولكن الإيطاليين تحت حكم الفاشيست وجدوا موقفهم هذا متعباً، وكان لديهم أدلة تثبت أن الإدريس كان يشجع الثوار في طرابلس الذين عرضوا عليه أن يكون زعيمهم وأميرهم. ففي أوائل سنة 1923 أعلنت حكومة الفاشيست أن الاتفاق السابق مع السنوسي يخل بكرامة الحكومة ولذلك فهي تنقضه. ولذلك أنسحب الإدريسي في يناير من تلك السنة إلى مصر وظل هناك والظاهر أنه لم يفقد أي سلطان روحي له على الناس وأعلن أتباعه أن السلطان الروحي أهم بكثير من السلطان الزمني. أما في شمال طرابلس فقد ظلت المقاومة السنوسية للطليان تحت زعامة الشيخ رضا وكانت بطبيعتها حرب عصابات
وقد حسن الطليان مركزهم في مقاومة النشاط السنوسي بواسطة اتفاقهم مع مصر في 6 ديسمبر سنة 1925 وقد منحهم الاتفاق واحة جغبوب على أن تكون الحدود جنوب هذا المكان على خط عرض 25 درجة. وبذلك أدخلت واحة الكفرة ضمن الحدود الطرابلسية. واحتلت جغبوب بواسطة الإيطاليين في فبراير سنة 1926 بلا معارضة - وهي بالنسبة للسنوسيين مدينة مقدسة إذ أنها تضم جثمان مؤسس الطريقة السنوسية وكذلك تحتوي على زاوية لتعليم الإخوان
وفي سنة 1927 قام الإيطاليون في شمال طرابلس بحملة منظمة كانت نتيجتها تسليم سيدي رضا في 3 يناير سنة 1928 فنفى إلى صقلية. وفي ربيع نفس السنة احتلت واحة جالو وبعض واحات أخرى واستمرت الأعمال الحربية ضد رجال القبائل بشدة حتى ما جاءت سنة 1929 إلا وكانت واحة الكفرة هي الباقية للسنوسيين
تعاليم الطريقة:
من المحتمل أن عدد الإخوان السنوسيين. ليس كبيراً ولكن لهم أتباعاً ومريدين في كثير من البلاد، وفي حين نجد كثيراً من طرق الصوفيين بلا أساس وبغير ضابط مع تداخل في السياسة تداخلاً غير مجد - نجد السنوسيين شغلوا مركزاً واضحاً ومؤثرا في السياسة، وكل رائدهم في ذلك أحياء الإيمان وتعاليم الإسلام الأول. ويمكن اعتبار الطريقة مقتبسة من الحركة الوهابية. ويفهم من المصادر التي يمكن الاعتماد عليها أن الطريقة ليست عديمة الأساس، وأنها كذلك ليست محافظة بل مجددة. وهي قليلة الأسرار بالنسبة إلى غيرها من طرق الإخوان المسلمين، واستعمال التبغ والقهوة محرم ولكن الشاي مسموح به، وكذلك لبس الملابس. الرفيعة وفي حين أنهم يعترفون بأنهم على المذهب المالكي فإن علماء القاهرة كثيراً ما كتبوا عن انحراف السنوسيين عن الإيمان الصحيح، ومعظم الاتهامات تنحصر في أنهم فسروا القرآن الكريم والسنة بدون الاعتماد على مصادر معترف بها، ولذلك يعتبر العلماء المصريون أن السنوسيين ينشئون بذلك مذهباً جديداً لا طريقة جديدة في العبادة وهم في ذلك يُشبهون الوهابيين خصوصاً في دقة أتباعهم لنصوص الدين
وبصرف النظر عن التعاليم الدينية نجد أن عملهم الرئيسي - وذلك قبل احتكاكهم بنشاط القوات الأوربية الاستعمارية - الغرض منه الاستعمار وتشجيع التجارة، وقد حفروا الآبار ووزعوا الواحات وانشئوا أماكن للاستراحة على طول طريق القوافل ورحبوا بالتجار من طرابلس وبرنو وواداي ودارفور. كل هذا دونه الكتاب الإسلاميون ووكالات الفرنسيين والإنجليز في تقاريرهم
والسنوسيون كانوا على اتصال دائم بالإدارة المصرية في واحة سيوه، ولسنين عديدة خلت كان ممثل السنوسي على وفاق تام مع السلطات المصرية، وإخلاص السنوسيين لرسالتهم لا شك فيه. وأتباع الطريقة خارج المناطق المجاورة لمركزهم من أوساط عالية على نقيض الطرق الإسلامية الأخرى، ووكلاء الطريقة في البلاد أشخاص معروفون أغنياء متعلمون تعليماً جيداً وخصوصاً في فقه الإسلام وهم عادة على وفاق تام مع حكام البلاد التي يعيشون فيها، وهؤلاء الوكلاء يقومون عادة برحلات سنوية إلى الزوايا المختلفة الموضوعة تحت إشرافهم شارحين لأتباعهم تعاليم السنوسية
حسين جعفر
المهندس الزراعي