الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 383/رسالة الشعر

مجلة الرسالة/العدد 383/رسالة الشعر

بتاريخ: 04 - 11 - 1940


من أمسيات الخريف

للأستاذ محمود الخفيف

حَتَّامَ تَوحي شَمْسُهُ الغَارِبَهْ ... للنَّفْسِ هَذا الشَّجَنْ؟

حَتَّامَ تَحْكِي لِي المُنَى الذاهِبِهْ ... وَقَدْ تَرَاخى الزَّمَن؟

شُحُوبُهُ في وَجْنَتِي الشَّاحِبَهْ ... يَكشِفُ مِنْ أسْقامِهِ ما كَمَنْ

مَنْ مُبْلِغٌ آسِرَتي الغَائِبَهْ ... أنِّي غريبُ هَاهُنا في الوَطَنْ؟

أمْسُ انْقَضَتْ يا قَلبُ أحْلاَمُهُ ... فَفِيمَ هَذا العَذابْ؟

لا تَنْفَعُ المَحْزُونَ أوْهَامُهُ ... إلاّ كَلَمْحِ السَّرَاب

هَذا الأسَى النَّوَّاحُ أنْغَامُهُ ... كالرِّيحِ أنَّتْ في شِعَاب الهضابْ

وَدَمْعُكَ السَّحَّاحُ تَسْجَامُهُ ... كما هَمَى في القَفْرِ دَمْعُ السَّحَاب

وَأحَزَنَا هَذَي رِياحُ الخَرِيفْ ... نَوَّاحَةً شاكِيَهْ

أرْغُولُها غَنَّى بِهَذا الحَفِيفْ ... ألحَانُهَا النَّاعِيَه

حَشْرَجَةٌ فِيها نَشِيجُ مُخِيفْ ... لم تَخْلُ من أنَّاتِهَا نَاحِيَه

كَمْ أسْلَمَتْ للسُّقْمِ قَلْبِي اللَّهِيفْ ... وَأيقَظَتْ آلاَمِيِ الغَافِيَهْ!

تَهَيَّأتْ لِلْمَوْتِ شَمْسُ الأصِيلْ ... رَاجِفَةً كاسِفَهْ

مَا زَادَ في العُمْرِ النَّهَارُ الطَّوِيلْ ... عَنْ لَمْحَةٍ خَاطِفَهْ!

في مِثْلِ هَذا الوَقْتِ كانَ الرَّحيلْ ... والشَّمْسُ في كَفِّ الرَّدَى راعِفَه

لمْ أنْسَ وَالقَوْلُ دُمُوعٌ تَسِيلْ ... أفْئِدَةً يَوْمَئِذٍ وَاجِفَه

تَجْهَشُ يا أُمَّاهُ هَذا السَّفَرْ ... تَحْزَنُ رُوحي لَهُ

أُمَّاهُ ما أَحْسَسْتُ هَذا الأثَرِ ... في سَفَر قَبْلَهُ!

ولا تُحيرُ الأمُّ غَيْرَ النَّظَرْ ... في شَجَن ما عَرَفَتْ مِثْلْهُ

وَذَاكَ رَبُّ الدَّارِ مَهْمَا صَبَرْ ... يكادُ لا يُبْصِرُ ما حَوْلَهُ

وَالتَفَتَتْ هَامِسَةً بِالسَّلاَمْ ... بَاسِمَةً دَامِعَهْ

وَحِرْتُ وَاسْتَعْصَي عَلَىَّ الكَلاَمْ ... وَانْطَلَقَتْ جَازِعَهْ تَنَاوَحَتْ حَوْلِي بهذَا المَقَامْ ... رِيحٌ عَلَى أوْتَارِهَا القَارِعَهْ

كَمْ نَثَرتَ حَتّى احْتَوَاني الظلامْ ... سِلْسِلَةً من أدْمُعِي الهامِعَهْ

هَاهِي ذِي فِي اليَأسِ تُطْوَى السِّنون ... وَفِي المُنَى البَاطِلَه

يُوحِيِ لِنَفْسِي فِي الخَرِيفِ المَنُونْ ... أطْيَافُهَا المماثِلَهْ

الصَّمْتُ في وِديَانِهِ وَالسُّكُونْ ... وَالمَوْتُ في أوْرَاقِهِ الذّابِلَهْ

والرِّيحُ غنَّتْ نَاحِلاَتِ الغُصُونْ ... ألحَانَ تِلْك الخُضْرَةِ الزّائِلَهْ

فِي الأُفُقِ الغَرْبِّي ألقَى الَمَساءْ ... ظِلاَلَه الحائَمهْ

وَانْطَفَأتْ فِي لاَزَوَرْدِ السَّمَاءْ ... جَمْرَتُهَا القَاتَمِهْ

وَأقْبَلَ اللَّيْلُ وَمَاتَ الضِّيَاءْ ... وَأنْذَرَتني الظُّلْمَةُ العَارِمَهْ

مَعْنىً جَدِيدٌ مِنْ مَعَاني الفَنَاءْ ... يَلمَحُ لِي فِي هَذِهِ الخَاتِمَهْ

فِي كلِّ شَيْء شَاعَ حَوْلي الفُتُورْ ... وَدَبَّ طَيْفُ الكَرَى

فِي الدَّوْحِ والزّرْع وَهَذِي السُّطُورْ ... مِنَ دُورِ أهْلِ القُرَى

تَجسِّمُ الوَحْشَة تِلكَ القُبُورْ ... مَنْظُومَةً فَوْقَ الثَّرَى أسْطُرا

صَائحةً مَهْمَا يَطُل مِنْ غُرُورْ ... فِي العَيْشِ هذا مَصِيرُ الوَرَى!

وَاللاَغِبُ الفَلاّحُ فِي لَحْنِهِ ... أشْجَي مَعَاني الأسَى

لَحْنٌ قَبَسْتُ الشَّجْوَ مِنْ لَوْنِهِ ... وَصُغْتُ هَذَا البُكَا

الذُّلُّ وَالحِرْمَانُ فِي فَنِّهِ ... وَالخَوْفُ وَالجُوعُ وَطُولُ العَنَا

مِنْ شِقْوَةْ الدُّنيا إلى كِنِّهِ ... يَأوِي َوما فِي الكِنِّ غَيْرُ الضّنَى

الخفيف