مجلة الرسالة/العدد 381/رسالة الفن
→ الشاطئ والحرب | مجلة الرسالة - العدد 381 رسالة الفن [[مؤلف:|]] |
البريد الأدبي ← |
بتاريخ: 21 - 10 - 1940 |
عهد جديد:
يوم القيامة - مايسة
للأستاذ عزيز أحمد فهمي
1 - يوم القيامة
منذ أنشئت الفرقة القومية وهي تعد الناس بأنها ستقدم لهم في يوم من الأيام أوبرا أو أوبريت، ولكنها لم تبر بوعدها هذا إلا اليوم فقط، ويقال إنها كانت مترددة إلى حد كبير في البر بوعدها هذا؛ ويقال إن عمر جميعي لاقى صعوبات جمة حتى استطاع أن يقنع ولاة الأمور في الفرقة وفي وزارة المعارف بأن إخراج الأوبرا أو الأوبريت شيء لا خطر فيه ولا خوف منه؛ ويقال إن هذه الصعوبات لم تزلل إلا بعد أن كتبت تقارير، وألفت لجان، وعرضت أبحاث، وتبدت وجهات مختلفة للنظر، وتضاربت وجهات النظر المختلفة هذه تضارباً حكومياً ممتازاً. . . ثم انتهى الأمر أخيراً بأن قال ولاة الأمور: لا بأس في أن نجرب هذا النوع لعله يفتح للفرقة فتحاً جديداً، ولعله يقربها من الجمهور تقريباً. . .
ولقد كان. . . وأذن الله سبحانه وتعالى لنا بأن نسمع من الفرقة القومية ألحاناً. . .
القصة:
قال الوالي للأهالي: إن يوم القيامة سيقوم يوم الجمعة المقبل فحزن الذين لهم بسمت الدنيا، وفرح الذين كشرت لهم الدنيا عن أنيابها، وتصدق كثيرون بأموالهم، وفزع كثيرون على أرواحهم وارتبكت سوق التجارة، وانخفضت أسعار الحاجات، وزهد الناس في الدنيا، واستغلها الوالي فرصة فجمع الأموال واكتنز الذهب. ثم جاء يوم الجمعة الموعود فلم تقم القيامة ولم ينفخ في الصور ولم تزلزل الأرض زلزالها، ولم تخرج أثقالها، ولم يقل الإنسان ما لها بل قال الناس: ما للإشاعة المزعجة لم تتحقق؟ وقال الأغنياء: ما لنا وزعنا أموالنا؟ وقال الفقراء. يا خيبتنا في رجائنا، ويا مرارة عودتنا إلى بؤسنا وشقائنا. . . ثم هاج الناس، وكان في البلد شيخ مجذوب فضح الوالي وقاد الثور عليه
هذه هي الناحية التاريخية من القصة، وقد دس المؤلف فيها قصة أخرى غرامية ليحليها به ويزخرفها، فابتدع عاشقاً ومعشوقة وزواجاً وزفافاً يشبع به شغف الذين لا يطيقون أن يظلوا الساعات يشاهدون قصة ولا يرون فيها امرأة. . .
ولست أريد أن أعرض للرواية من الناحية التاريخية فأبحث وراءها لأخرج من البحث بحكم عن صدقها أو كذبها، فهذا أمر أدعه للمؤرخين والباحثين والقارئين والمطلعين، وفي الصف الأول منهم أستاذي الدكتور زكي مبارك الذي قال لي إن في القصة غلطة تاريخية، وإنه سيدحضها
فليدحضها أو لا يدحضها، فأنا لا يعنيني من القصة شيء أكثر من اللذة الفنية التي أستمتع بها حين مشاهدتها، ولست أنكر أني ذقت لذة فنية سائغة في يوم القيامة، فموضوعها كما رأيت طريف، وحوادثها كما رأيت شاذة، وتأليفها لبق ولذيذ. وهذا كله من نعم الله التي لا أحب أن أتلفها على نفسي بمراجعة التاريخ وأسانيده
الإخراج!
قلت في الأسبوع الماضي إن عمر جميعي أجهد نفسه، وأجهد الممثلين معه إجهاداً مضنياً في إخراج هذه القصة، وأقول اليوم إن هذا الإجهاد قد أثمر ثمرته
وإني أعتقد أن الأوبريت الثانية ستكون أبهى من هذه بإذن الله، وأن الثالثة ستكون أبهى من الثانية، وإن أملي في عمر أمل كبير، وقد يكفيه فخراً أنه كان يسأل كل من يتصل به عما يستطيع أن يبديه له من الملحوظات وعما يمكن أن يدلي به إليه من الاقتراحات، مع أنه يعلم أن هذا السؤال قد يؤول تأويلاً سيئاً، ولكنه أعرض عن هذه الأوهام لأنه أراد أن ينجح، وقد نجح، ومادام متلهفاً إلى النجاح هكذا فسينجح أكثر مما نجح وأكثر
التمثيل
لم يشترك في تمثيل هذه القصة من فحول الفرقة القومية إلا اثنان أو ثلاثة ومع هذا فقد سرت في الرواية من أولها إلى آخرها حيوية ملحوظة كان سببها أن الممثلين والممثلات الناشئين الذين أسند المخرج أدوار الرواية إليهم طاوعوه بقدر ما استطاعوا المطاوعة، وقد نتج عن هذه المطاوعة أن توحدت روح التمثيل بين الممثلين، فلم يكن فيهم من أراد أن يبرز على غيره، ولا من أراد أن يشذ صحيح أن بعض الحركات والإشارات والجمل كانت تلقى بأسلوب (إفرنجي). وهذا عيب. ولكنه ليس عيباً قاصراً على هذه الرواية وتمثيلها، فأغلب الممثلين المصريين لا يزالون يتتلمذون على الممثلين الغربيين، ولا يزالون قريبين من أساتذتهم بعيدين عن أنفسهم هم. وهذه حال ستنقضي يوم يكون لنا مسرح قوي يكتب له كتاب مصريون، حوادث مصرية، يعرفها الممثلون المصريون، ويعرفون ذويها ويستخلصون منها ومنهم فنهم عن طريق مباشر، لا بعد أن يصدر هنا الفن عنا إلى أوربا حيث يصنع صناعة غريبة ثم يعود إلينا وهو منا حقاً ولكن بعد أن لعبت اليد الأجنبية فيه. . . كما يحدث لقطننا. . .
الأزجال
كتبها بيرم التونسي، وبيرم التونسي هو بيرم التونسي
يقول في يوم القيامة:
لا الطفل يقول يا باه ... ولا أم تقول ولداه
وملايكة تقول: الله ... حاكم قهار يا ويل. . .
يا ويل الناس يا ويل
دا ميزان منصوب قسطاس ... ورصاص مصبوب ونحاس
فوق روس الناس. . . الخ
الألحان
أربعة عشر لحناً صاغها كلها زكريا أحمد، منها ألحان للمجموعة ومنها ألحان للأفراد، وألحان المجموعة أرسلها زكريا إرسالاً سهلاً في روعة واتساق امتاز بهما على غيره من الملحنين. وأما ألحان الأفراد فقد أودعها زكريا التطريب الشرقي الذي تتذوقه آذاننا وأرواحنا، والذي لا يتعثر في دخوله إلى أنفسنا. وقد كنت أحب أن أفيق ولو للحن واحد من هذه الألحان حتى أصفه لقرائي، ولكني مع كثرة ما سمعت هذه الألحان من زكريا ومن الفرقة لم أملك نفسي إلا أن أنساق لها مذهولاً مأخوذاً، فلست أملك اليوم أن أقول لقرائي شيئاً أكثر من أن أحيلهم على هذه الألحان ليسمعوها وليسكروا بها كما سكرت
على أني سأتربص منذ اليوم لزكريا وألحانه في دنانير، فقد كرهت أن أظل تحت تأثير سحره، وقد عزمت على أن أتحفز له. . .
الغناء
مع أن نجمة إبراهيم ليست من المطربات المعدودات فإنها مغنية بالطبع. يخيل إلي أنها حين تخلو إلى نفسها تغني، وأنها تبث في غنائها لواعجها وهمومها. وهذا هو ما مكنها من أن تمر في يوم القيامة مغنية تلفت السمع وتلفت الشعور
وحسن سلامة مع أنه موسيقي أعده ممن يلهمون في اتجاه خاص هو تصوير نفوس النساء، فإنه استطاع أن يغني كثيراً من عواطف الرجال، وإني أترك حسن سلامة اليوم عند هذا فهو جدير بأن أقدمه إلى الناس على حقيقته في ظرف آخر على اعتبار أنه موسيقي لا مغن
فرقة الألحان
يتقاضى الفرد في فرقة الألحان من الفرقة القومية عشرة قروش في الليلة، وهو يؤدي بصوته وروحه غناء يساوي القروش العشرة. . . فلو أنه أعطى خمسين قرشاً في الليلة أو جنيهاً فإنه من غير شك يكون شيئاً آخر. . .
وماذا أيضاً:
لا أظنه بقي بعد ذلك في يوم القيامة شيء، ولكنه لا يزال بعد يوم القيامة أشياء، هي روايات الألحان التي ننتظرها والتي لا يمكن أن نشبع منها ولا أن نمل
2 - مايسة
قصة تصور حياة البدو المصريين الذين يعيشون على حدود مصر، وما يشعرون به من أنهم حماة السبل المؤدية إليها، كتبها بيرم التونسي زجلاً، ولحنتها ملك، فهي ألحان من النغم في ألحان من الكلام
وقد كنت، إلى أن سمعت ألحان ملك في مايسة، أحسبها مغنية كل ما تستطيعه هو أن تتلقى اللحن من غيرها وأن تؤديه بعد ذلك أداء فيه إتقان يتاح لها من قدرتها على أن تسلس راغبة لمن تريد أن تسلس له
ولكني بعد أن سمعت ألحان مايسة رأيتني أخاف من ملك، وكأني بها قد نفذت إلى عالم آخر غير هذا العالم استرقت منه هذه الألحان، وإلا فمن أين أتتها هذه الشرارة التي اندلعت في روحها فتوهجت فيها هذه الأنغام اللامعة المصقولة
لقد حرت. . . وسألت. . . فقيل لي إن ملك استعانت باثنين موسيقيين أخفت اسميهما، ولكني قلت إن هذه الألحان مطبوعة كلها بطابع واحد، فلابد أن يكون صاحبها واحداً ولا أكثر. ثم إنها ألحان ظاهر جداً أنها حريق امرأة اندلعت في نفسها النار اللطيفة ذات السعير اللذيذ. . .
لست أدري. ولكن هذا هو رأيي. . . وأنا أعلم أن فيه مفاجأة، ولكنه شعوري. ولعل هذه هي المرة الأولى التي يستولي علي فيها الخبل من فن امرأة. . .
إن ملك تتكلف في الغناء أحياناً، وهي تثقل فيه على النفس أحياناً. . . ولها في هذه الأحيان العذر، فما يستطيع الإنسان أن يستنبع روحه في كل حين. . . ولكنها كانت في هذه الألحان نبعاً يتدفق. . .
فهل هذه ألحانها حقاً، وهل ننتظر بعد ذلك منها ألحاناً تشبه هذه. . .
إذا كان الأمر كذلك فعلى الملحنين أن يأخذوا حذرهم. . . وعلى بعضهم أن يتعلم وأن يتذوق
عزيز أحمد فهمي