مجلة الرسالة/العدد 379/قداسة النقد
→ عراك في معترك. . . | مجلة الرسالة - العدد 379 قداسة النقد [[مؤلف:|]] |
عيناك. . . ← |
بتاريخ: 07 - 10 - 1940 |
لبرناردشو
لا يمكن للحضارة أن تتقدم بلا نقد، ولذلك يجب أن تنقذ نفسها من الركود والتعفن بأن تعلن براءة النقد، ولكن هذه البراءة لا تكون للآراء الطريفة اللذيذة، أو الحكيمة المحترمة فقط، بل أيضاً للآراء التي تصدم من لم يألفوا النقد وتبدو لهم كأنها داعرة أو ثورية أو تدعو إلى الٍزندقة والكفر؛ ولمن يدافع عن إبليس في حق البقاء إذ لعله يكون بشيراً للمستقبل، وهناك صعوبة في التمييز بين الناقد والمعتوه والمجرم، وكذلك بين حرية القول وحرية العمل. فقد يكون من الضرورات الحيوية اللازمة للأمة أن تجيز لأحد الأشخاص الدفاع عن العرى، ولكن قد لا يكون من الصواب أن تترك هذا الشخص يسير وهو عريان في شارع كبير في لندن. وكذلك الحال في كارل ماركس، فإنه كان مقدساً حين كان يكتب ويؤلف في الاشتراكية في قاعة المتحف البريطاني. ولكن لو أن كارل ماركس هذا رفض أن يؤدي أجرة منزله لصاحبه، وأرسلها بدلاً من ذلك إلى وزير المالية، وقتل وكلاء المالك الذين جاءوا لتحصيل الأجرة، أو أطلق الرصاص على المحضرين الذين جاءوا لتوقيع الحجز على أثاثه أو إخراجه من المنزل، لما استطاع أن يدفع عن نفسه حكم الإعدام بالشنق بدعوى حرية النقد. ومعنى هذا أنه لا يمكن للقاضي أن يأذن للناقد بالعمل وفق نقده إلا إذا غير القانون. ونحن ناقصون في التربية المدنية نقصاً خطراً حتى أن كثيراً منا يحسبون أن لهم الحق المطلق في تغيير أخلاق الأمة لمجرد أنهم هم غيروا آرائهم. ومن الناس من لا يفهمون غير المعنى الغامض للاشتراكية ويعتقدون أنها تعني حالاً من الاجتماع ينزل فيه كل إنسان عن كل ما يملك لكل إنسان آخر. ويسألونني من وقت لآخر لماذا أنزل عن ممتلكاتي وأعيش في فقر ما دمت اشتراكياً؟ ومن الناس من يتخيلون أن الاشتراكيين يجب ألاّ يقتنوا السيارات. وقد أوشك بعض هؤلاء أن ينجحوا في أن يجعلوا اقتناء رئيس الوزارة لسيارة خاصة من المسائل العامة التي تستدعي البحث والمناقشة، وذلك حين كان المستر مكدونالد اشتراكياً. ولو أن هؤلاء المعتوهون أدركوا حق الإدراك ما يقولونه لعرفوا أنهم مخطئون حين يفرضون أن الناقد الذي يكره النظام القائم يمكنه أو يجب عليه أن يعيش كما لو كان يعيش في طوباه، أي في النظام الخيالي الذي يتخيله. وذلك أن كل م يمكنه أن يحسب شاذاً في بعض سلوكه الذي تتسامح فيه الهيئة الاجتماعية.
أسكندر البطوسي
الليل. . .
(مهداة إلى الأستاذ الزيات. . .)
للأستاذ أنور العطار
هَذَا هُوَ الَّليْلُ الدَّجِىُّ الإِطارْ ... قد أحْتَوَى الشَّمْسَ وَضَمَّ النَّهَارْ
أَلْقَي وِشَاحاً حافِلاً بالرُّؤَى ... عَلَيْهِ مِنْ سِحْرِ الدَّرَارِي نِثَارْ
طَفَتْ عَلَيْهِ صُوَرٌ حُلْوَةٌ ... مَنْسُوجَةٌ مِنْ أَلَقٍ وَافتِرَارْ
تَلألأتْ أَنْجُمُهُ بالسَّنَا ... وَرُصِّعَتْ أَفْلاَكُهُ بالنُّضَارْ
وَهَبَّ مَلْكُ الَّليْلِ يُغْرِي الرُّبا ... وَيَفْتِنُ النَّهْرَ وَيُصْبِي الدِّيارْ
وَزَوْرَقُ الأَحْلاَمِ في زَهْوِهِ ... حَامَ عَلَى عَذْبِ مُنَاهُ وَدَارْ
تَحْملَهُ المَوْجَةُ ثَرْثَارَةً ... مُنْشِدَةً في صُعُدٍ وَانْحِدَارْ
والشَّطُّ مَغْمُورٌ بِأَصْدَائها ... مَشَى عَلَيْهِ خَشْيَةٌ وَانكِسَارْ
والنَّخْلُ مَفْتُونٌ بِلَحْنِ الهَوَى ... مَاجَ بِه الشَّوْقُ طَويلاً وَمَارْ
يُصْغِي إلى الأَنْغَامِ عُلْوِيَّةً ... وَمَا غِنَاءُ الحُبِّ إِلاّ ابْتِكاَرْ
تَوَهَّجَتْ فَحْمَةُ هَذا الدُّجى ... فَشَاعَ في الآفاقِ مِنها شَرَارْ
يا حُسْنَةُ مِنْ عَالَمٍ سَاحِر ... يكْتَتِمُ النَّجْوى وَيُخْفِي السِّرَارْ
باحَ لهُ الْقَلْبُ بِأَشْجَانِهِ ... وَمَا يُعَانِي مِنْ رَسِيسِ الأَوَارْ
والمُقْلَةُ الْحَمْرَاءُ مِنْ سُهْدِهَا ... نَاجَتْهُ لْهَفَي بدُمُوعٍ غِزَارْ
الأَمَلُ الرَّفّافُ عَنها انْطَوَى ... وَبُلْبُلُ الحُبِّ تَغَنَّى وَطَارْ
السَّامِرُ انْفَضَّ بأُلاّفِهِ ... وَغَابَ فِي حُلْمٍ شَهِيِّ القَرَارْ
وَالرَّكْبُ أَغْفَى بعد طُولِ السُّرَى ... وَلَم يَعُدْ يُلْمَحُ فِي الأَرْضِ سَارْ
وَنَامَتِ الأَدْوُرُ حتى الكوَى ... جَلّلَهَا النَّوْمُ بِضَافِي الدِّثَارْ
يا هَاجِرِي لَم تَكْتَحِلْ مُقْلَتِي ... بالْغُمْضِ مُذْ غِبْتَ وَشَطَّ الْمَزَارْ القَلْبُ مِنْ بَعْدِكَ مِلْكَ الْجَوى ... مُعَذَّبٌ مُخْتَطَفٌ مُسْتَطَارْ
حَذِرْتُ أَنْ نُرْمَي بِسَهْمِ النَّوَى ... فلم يُفِدْ إِلاّ الرَّزَايا الْحِذَارْ
وَحَظُّنا العَاثِرُ أَوْدَى بنا ... وَمَا يُرَجَّى أَنْ يُقَالَ العِثَارْ
هَلْ غَشِيَتْنَا عَادِيَاتُ الرَّدَى ... أَمْ َهلْ بَغَي الدَّهْرُ عَليْنَا وَجَارْ
أَظَلُّ حَيْرَانَ أُنَاجِي الْمُنَى ... كأنَّني فِي غَمَرَاتِ الْعُقَارْ
أَذَّكِرُ الْعَهْدَ فَأَبِكي أَسىً ... وَمَا حَيَاةُ الْقَلْبِ إِلاّ أذِّكَارْ
اللَّيْلُ ذُو الأَنجُمِ أَفْنَيْتُهُ ... مِنْ شِقْوَتِي فِي رِقْبَةٍ وَانْتِظَارْ
وَالسَّهْدُ أَضْنَاني وَلَوْلاَ الْهَوَى ... مَابتُّ نَهْبَ الشَّجْوِ رَهْنَ السبَارْ
أَقْتَاتُ بالوَهْمِ الذي مَضَّنِي ... وَلَم يَدَعْ لِلرُّوحِ إِلاّ الْبَوَارْ
يا هاجري أَوْسَعْتنَيِ حَسْرَةً ... قَلِبي مُعَنَّى وَالْجَوَى مُسْتَثَارْ
أَعِيشُ لِلْبَلْوَى وَمُرِّ الضَّنَى ... فِي نَاظِرِي جَمْرٌ وَفِي الصَّدْرِ نَارْ
يَشُوقِني الْحُبُّ وَأَوْجَاعُهُ ... وَما حَوَى مِنْ قَلَقٍ أَوْ إِسَارْ
وَاَنتَشِى مِنْ ذِكْرَيَاتِ الهوَى ... كأَنما تِلكَ الأَماني خُمَارْ
يا هاجِري لَم تَرْعَ عَهْدَ الهوَى ... أَسْرفْتَ فِي الصَّدِّ وَزِدْتَ النِّفَارْ
أَفِقْ تَجِدْني سَاهِماً سَاهِداً ... ليْسَ لِهذى الروح عَنْكَ اصْطِبَارْ
وَتَلْمِسِ الشَّوْقَ الذي شَفَّنِي ... مُحْتَدِماً فِي لَهَبٍ وَاسْتِعَارْ
أَوْجَعَ قَلبِي وَأَثَارَ الْجَوَى ... وَهَاجَ مِنِّي الْحَسَراتِ الحِرَارْ
الأُفْقُ مَحْجُوبٌ بِسُحْبِ الدُّجَى ... وَالْكَوْنُ مَسْدُولٌ عَليْهِ سِتَارْ