مجلة الرسالة/العدد 374/البريد الأدبي
→ قصة الفيتامين | مجلة الرسالة - العدد 374 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
القصص ← |
بتاريخ: 02 - 09 - 1940 |
ما أسعد الأشقياء في الحب!
لا أعرف من هو الأستاذ صلاح الدين المنجد الذي يكتب إلى
(الرسالة) من دمشق، ولا أعرف كيف فاتني التعرف إليه وقد زرت
دمشق أربع مرات وشربت فيها أكواب الرحيق
وهل يهمني من أمره أكثر من العرفان بأنه استجاب لدعوة الوجود فهتف بالحب؟
تلك وثيقة روحية تصل بيني وبينه على بعد ما بين القاهرة ودمشق، فإن كنت لم أره بعيني فقد رأيته بقلبي. وإن أخطأ القلب في وزن مزاياه فلا ندم ولا أسف، لأنه على كل حال قد نشأ في رحاب (جيرون) وإن كان في روحه وقلبه أعظم مما قدرت فما ذلك أول حظ يفوتني في دنياي، فقد فاتني الأنس بملاعب الإسكندرية في هذا الصيف، وفاتني النعيم برؤية اللؤلؤ المنثور فوق مرابع دمياط، وحرمتني المقادير نعمة العتب على (عيون المها وراء السواد)
وماذا يريد هذا الأديب من توجيه القول إليّ وهو يتحدث عن ظلال هواه؟
لعله سمع أن في مصر كاتباً فضحه الحب فلم يُعد يبالي أكاذيب اللائمين، وأقاويل العاذلين، فحدثته النفس بأن يوجه إليه القول، والعاشقون رفاق
هو ذلك، يا رفيقي، ولكن دنيا القاهرة غير دنيا دمشق، ورحم الله الشاعر عبد الحليم المصري إذ يقول:
مصرٌ بنا ضاقت فما حالكم ... في قطركم يا شعراء الشآمْ
فأنت في بلدك يهتف بك الشوق فتتذكر بلواك بالحب ثم لا تجد من يعذلك فتقول: هذا كاتب يمزح في أوقات الجد فيتحدث عن الصبابة والوجد في أيام الحرب
وحالي غير حالك، يا رفيقي، فدنيانا في مصر تخضع لخطوب وصروف خلقها الحقد على البلابل العنادل، ليخلو الجو لنعيب البوم، من أن البوم قد انعدم في مصر منذ أجيال طوال، كما انعدمت الثعالب والذئاب، ولم يبقى في بلدنا ما يلهو به الصائد غير تعقب أسراب الظباء في طريق الهرم أو طريق السويس وقد أردت أن أتغنى بأزهار الصباحة في وطني، الوطن الذي لا تقع فيه العيون على غير ما يزيغ البصائر ويضل العقول، فلم أظفر مع طهارة القلب بغير الاصطباح باللوم والاغتباق بالتثريب، مع أن وطني هو الذي أبتدع النشيد المحبوب:
(صيد العصاري يا سَمَك)، ومع أن الجمال في مصر لا يقاس إليه الجمال في أي أرض إلا حين تذكر مسارح الغزلان في الشام وفلسطين ولبنان والعراق
فإن باركتم (الجبل القائم كالفارس الأسمر الجميل) فهي عُلالة تنسون بها أن مصر لها في دولة الحسن سلطان لن يزول، لأنه المحور الذي ترتكز إليه (وحدة الوجود)
كل ما في مصر جميل، ولكن أين الشعراء؟
كان للشعر الوجداني دولة أيام الوزير محمود سامي البارودي بطل القلم والسيف، ثم صار الحديث عن الحب بدعة لا تليق برجل من الوزراء، فأين من يُبلغ أهل مصر أن الحديث عن الحب لم يغض وزير المعارف الأسبق في العراق وهو معالي الأستاذ محمد رضا الشبيبي، على أيامي في صحبته أطيب التحيات؟
لا بد من يومٍ أغر في خدمة وطني، وهو اليوم الذي أهتف فيه بأن مصر هي الوطن الأول للشعر والجمال والفنون
بأي حق يهتف الهاتفون بالحسن في دمشق على حين يخرس الشعراء عن الهتاف بالحسن في القاهرة، وهي بلا جدال عاصمة الشرق؟
أيكون بلدك أجمل من بلدي يا صلاح الدين حتى يصح لي أن أسكت ويجب عليك أن تنطق؟ نهركم هو بَرَدَى الذي يصفق بالرحيق السلسل
وأين بردى من النيل؟ وهل في الدنيا كلها نهر سبق النيل إلى المدنية وإلى الحديث عن أوطار القلوب في الغسق والشفق؟
وهل يكون الفرات في الطغيان أعظم من النيل في الوفاء؟
وهل ترى جمال العراق ينسيني جمال وطني، الوطن الذي أجد الظلم فيه أعذب مذاقاً من العدل، مع الاعتراف بأن شعراء العراق سبقونا إلى وصف النشوة برحيق الوجود؟
وأين الأرض التي تخرج الثمرات أربع مرات في العام الواحد كما تصنع أرض مصر، مصر التي ولد فيها موسى منشأ فيها عيسى وصاهرها محمد، عليهم أفضل الصلوات؟! هي مصر التي تجهل عذابي في هواها، وهي غادر ظلوم
فلا تحسبوا هنداً لها الغدر وحدها ... سجيَّةَ نفسٍ كلُّ غانيةٍ هندُ
وإن عشت فسأنتقم للوطن الذي يظلمني من الذين يجورون عليه فيزعمون أن للحسن دولة في غير شارع فؤاد بالقاهرة أو طريق فاروق بالإسكندرية أو شارع عباس بمصر الجديدة أو طريق البحر في شبين الكوم أو شارع الحمراء في أسيوط.
زكي مبارك
1 - حول كتاب (الديارات) للشابشتي
ذكرت في تضاعيف الشروح التي علقت بها على مقالتي (يوم من أيام المتوكل) في العدد 269 من (الرسالة)، أن (الشاذ كلاه) معناها (مهرجان التاج) وذلك نقلاً عمن يفقه اللغة الفارسية عندنا. على أنني عثرت في مجلة المجمع العلمي العربي (ص 137 من الجزء الخامس من المجلد الثالث) على مقالة لأحمد تيمور باشا عن الألفاظ العباسية التي ذكرها صاحب (نشوار المحاضرة)، ذهب فيها إلى أن معنى (شاذ) بالفارسية (الفرِح والسرور) وأن معنى (كل)، وأصلها (جل) الورد. فيكون معنى (الشاذ كلى): (نوع من أنواع اللهو كان يعمل سروراً بالورد) وضبطها (شاذ كلي) بألف مقصورة، وما أدري ما الفرق بين (شاذ كلى) و (شاذ كلاه) من حيث انتهاؤها
وما ذهب إليه العلامة تيمور باشا هو أصوب وأقرب. . . مما ذهبت إليه فأثبته إقراراً للصواب.
2 - (أجهل من الكناني)
قرأت في (ثنايا) مقالات الأستاذ علي الطنطاوي - التي يصف فيها رحلته إلى الحجاز وصفاً سهلاً رائعاً - مثلاً أستشهد به وما أدري من أين جاء به. فقد قال: (إن دليلهم كان أجهل من الكناني وأصحابه في اللغة العربية. . .). فهل للأستاذ أن يبين لنا سيرة هذا الكناني، ويدلنا على مصدر هذا المثل، ويجلو لنا الوقائع التي دفعت العرب إلى القول (أجهل من الكناني) فأنا لم أجد فيما بين يدي من كتب من يذكر مثل هذا الاسم وهذا المثل. وله مني الشكر والإعجاب.
(دمشق)
صلاح الدين المنجد
إلى الأستاذ صلاح الدين المنجد
سلام الله عليك ورحمته. وبعد فأني الآن مهاجر من القاهرة إلى المنصورة. ولو كنت في القاهرة لما استطعت أن ألخص شيئاً من كتاب (كتاب الشعور بالعور) للصلاح الصفدي لأنه من نفائس دار الكتب المصرية وذخائرها التي حفظتها الدار الآن في مكان حصين صيانة لها من (الغارات الجوية).
وموعدنا إن شاء الله زوال الحالة الحاضرة.
محمود حسن زناتي
أمين الخزانة الزكية
هي كنية الإمام الصادق
جاء في كتاب (نقد النثر) لأبي الفرج قدامة بن جعفر الكاتب البغدادي في الصفحة السادسة: (وروى عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال لهشام: يا هشام إن لله حجتين حجة ظاهرة وحجة باطنة، فأما الحجة الظاهرة فالرسل، وأما الباطنة فالعقل). غير أن الشارحين الدكتورين أو الأستاذين - على التغليب فيهما - طه والعبادي علقا في أسفل الصحيفة المذكورة على كنية (أبي عبد الله) بأنها كنية الحسين بن علي عليهما السلام، والحق أنها كنية الإمام جعفر بن محمد الصادق، إذ نجد الخطاب في هذه الرواية لهشام، وهشام هذا هو أبن الحكم أحد متكلمي الشيعة، وكان معاصراً وتلميذاً للإمام الصادق
على أن ما تحمله الرواية من أسلوب ومن تقسيم للحجة إلى ظاهرة وباطنة ومن بيان حجية العقل، كل هذا مما يلائم العصر الذي عاش فيه الصادق لا العصر الذي عاش فيه الحسين عليه السلام.
(بغداد) (ع)
كتاب قصص القرآن
ظهرت الطبعة الثانية من كتاب قصص القرآن لبعض الأفاضل من المدرسين بقيادة الأستاذ الأكرم محمد أحمد جاد المولى بك. وقد أُهدي إلي فقرأته فأعجبت به إعجاباً شديداً وحمدت لهؤلاء الأخوان عاطفتهم النبيلة التي حدت بهم إلى إبراز مثل هذا السفر. وأي عمل أنبل من تحبيب القراء - والناشئين منهم خاصة - في قصص الرسل الكرام. وقصص غيرهم ممن ذكرهم القرآن للعبرة والموعظة؟
لقد وفق الكرام الكاتبون في عرض كل قصة مستقلة غير مفرقة، وحالفهم النجاح في معظم القصص من حيث طريقة العرض ومن حيث الأسلوب العربي الخالي من شوائب العجمة، والدقة في العبارات، وتحري الصواب والمعقول من آراء المفسرين وذلك جدير بمن كان مثل الأستاذين علماً وفضلاً وخلقاً
غير أني أرى في الكتاب مآخذ لا تؤثر كثيراً في قيمته وأثره. ومن ذلك أنه خال من مصور تبين الأماكن التي وردت في القصص، ومقدمته خالية من آراء المستشرقين في قصص القرآن، مع أن جاد المولى بك عليم بما في هذه الآراء الغربية من مغالطات، فلِمَ لم يرد عليها وهو خير من يستطيع ذلك؟ وقد خلت المقدمة من ذكر الغاية التي من أجلها وردت في القرآن أنباء الرسل، وهي تثبيت فؤاد النبي، لتكون له أسوة حسنة في إخوانه من رسل الله: (وكلاًّ نقص عليه من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك). ومما بدا لي فيه أن القصة قد تذكر في أكثر من سورة فيكتفي من ذلك بسورة واحدة في الذيل، مثل قصة سيدنا صالح
هذه بعض هفوات قد لا يراها غيري كذلك وأرى تلافيها أولى من تركها، وكفى هذا السفر جودة أن تعد عيوبه
وليقرأ القارئ قصة طالوت مثلاً أو قصة موسى أو عيسى أو شعيب، فسيجد لساناً عربياً مبيناً، وقصصاً مرسلاً محبوباً شائقاً سائغاً وحكمة عالية بالغة، وعبرة لأولي الألباب.
(القاهرة) عبد الرزاق إبراهيم حميدة
حول مقال
سيدي وأستاذي:
جاء في مقالة الدكتور زكي مبارك التي نشرت (بالرسالة) في العدد 370 تحت عنوان (الحديث ذو شجون)، أنه حين عرض على الدكتور مشرفة بك عميد كلية العلوم الخطاب الضائع قال له هذا العميد: العواطف من القوى الأساسية في حياة الإنسان، ولا بد لتلك القوى من غذاء
فقال الدكتور المبارك:
العواطف تحتاج إلى غذاء كما تحتاج العقول؟ هذه فلسفة لم أسمع بها من قبل، وأوحى إلى القراء بما يأتي:
الدنيا في حرب فلا تصدقوا الدكتور مشرقة وإن كان عميد كلية العلوم، واقضوا أوقاتكم كلها في متابعة أخبار الحرب بين الإنجليز والألمان، فأخبار الحرب هي زاد العواطف والعقول في هذه الأيام العجاف
ففهمت من هذا القول أن العواطف تحتاج إلى غذاء كما تحتاج العقول، وهذا ما صرح به الدكتور مشرقة وأنكره عليه الدكتور مبارك وحث القراء على عدم تصديقه. وكل ما هنالك أن الغذاء في الأول لم يعين ولم يقصر على نوع، وفي الثاني بينه الدكتور زكي بأنه أخبار الحرب في هذه الأيام
فما هذا الإشكال؟ آمل أن يفسره لنا أستاذنا صاحب الفكرة تفسيراً يطل بنا على مقصده السامي، ويهدينا سواء السبيل، ولا زالت عند حسن ظنه بي، والسلام عليكم ورحمة الله.
(الزيتون)
فوقية كامل
كتاب الشعور بالعور
قرأت في الرسالة عدد (367) كلمة للأستاذ صلاح الدين المنجد من دمشق بعنوان (أصحاب العاهات ونوادرهم) يقول فيها إن نخبة من الأدباء تجمع الآن أخبار أصحاب العاهات ونكاتهم وأنها لم تعثر إلا على القليل من أخبار العوران وملحهم. ويسرني أن أنقل إلى حضرة الأديب المنجد أن في المكتبة الخالدية في بيت المقدس مخطوطاً فريداً اسمه (كتاب الشعور بالعور) تأليف الأستاذ صلاح الدين أبو الصفا بن أيبك بن عبد الله الصفدي الشافعي وهو صاحب كتاب نكت العميان الذي نشره المغفور له العلامة أحمد زكي باشا في مصر سنة 1910
أما المخطوط الذي نحن بصدده فعدد صفحاته 190 وقد كتب سنة 841 للهجرة ونسخ بخط الرقعة بالحبر الأسود وهو يشتمل على ست مقدمات ونتيجة ويقول المؤلف (إنني سميته كتاب الشعور بالعور ورتبته على مقدمات ونتيجة، المقدمة الأولى فيما يتعلق بذلك من اللغة، المقدمة الثانية فيما يتعلق بذلك من حيث التصريف والإعراب، والمقدمة الثالثة فيما يتعلق بحديث الدجال وكونه أعور، والمقدمة الرابعة فيما له بالأعور علاقة من الفقه، والمقدمة الخامسة فيما جاء من الأمثال والنوادر في حق الأعور وغير ذلك، المقدمة السادسة فيما جاء من الشعر في العور والعوران، النتيجة في سرد من كان أعور على حروف المعجم) انتهى. هذا وقد ترجم المؤلف في هذا الباب سيرة سبعة وسبعين أعور
ولد المؤلف سنة 696 هـ وتوفي بدمشق سنة 764 هـ وقد ترجمه السبكي في الجزء السادس صفحة 94 وجاء ذكره في الدرر الكامنة لأبن حجر الجزء الثاني في حرف الخاء صفحة 87. وللمؤلف تأليف كثيرة بعضها مطبوع وبعضها مخطوط ومن أهمها كتاب الوافي بالوفيات وهو لم يطبع.
(بيت المقدس)
أحمد سامح الخالدي