الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 364/من هنا ومن هناك

مجلة الرسالة/العدد 364/من هنا ومن هناك

مجلة الرسالة - العدد 364
من هنا ومن هناك
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 24 - 06 - 1940


محاكمة بدوية أمام الأمير نوري الشعلان

- السلام على الأمير

- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

- أنحن بحضرة النوري بن شعلان؟

- إي بِلله، وأنتم من؟

- نحن من جبل الدروز ووجهتنا الحجاز

- الله محييكم، أنتم ولد عمنا، كيف حال الأطرش (يريد أبا علي مصطفى الأطرش)

- هو بخير، وهذا تحرير منه لكم

- تحرير؟ إيه أبو والله إنك لحافظ العهود وإيش تبغون بالحجاز؟

- نؤدي الفريضة

- الله محييكم، يا نواف، يا ولدي أكرم الضيوف، وتعيدون عندنا إن شاء الله

- العفو يا زين، وقتنا قصير، ويلزم أن نعود بسرعة للشام

- لا لا، تعيدون رمضان عندنا، ومن يوم للثاني قريب، غداً عندنا قضوة (محاكمة) تجي البدو من كل ناح، وبعد غد العيد، وعيدكم مبارك عليكم

- علينا وعليك يالأمير

المحاكمة

المدعي - صبحكم الله بالخير، اليوم يوم الله، اليوم يوم الحق، اليوم يوم اليمين، ابشر يا مذبوح، أحلف يا ذابح، اليوم يوم الله السلام على الأمير، السلام على ابن شعلان، السلام على قاضي العرب

الأمير - وعليكم السلام يا لعرب، الله أكبر، الله أكبر، نغلوا حججكم (أي قدموا براهينكم)

المدعي - يا قاضي بعدل الله. جيتك جدي، وامشي هدي، ومصّلى على الله والنبي. ودىّ (أريد) منك الحق، والحق فوق الكل ولاحق من الله، لنا بذمة هذا - وأشار إلى بدوي آخر - دم. قتل ابني وفقدنا الشاهد، ولزمته اليمين، فإما برئ، وأما قاتل، والقاتل مقتول

الأمير - وإيش اسم غريمكم؟ المدعي - جديع ابن سمير

الأمير - انهض يا وليدي، ادفع عن نفسك، أنت شاب، وشيخ الفريق ولزمك الدين (اليمين) إن كنت بريئاً برَّاك الله، وإن كنت قاتلاً قتلك العدل، احلف احلف

المتهم - والله يالنوري، الحق من الله، واليمن وزر، أعفوني منها وأنا أعطي الرجل مية بعير

الأمير - قودوا البعير يالربع، وعفوا الراجل من الدين واحجبوا دم العباد

المدعي - لا لا، نريد اليمن حتى نعرف الصح (الصدق)

المتهم - يالربع، بالله ومحمد رسوله، إني مؤديكم ميئتان بعير وجوزوا عن تحليفي وتعوضوا الله، والذي مات مات، ونحن أقارب وإخوان

الأمير - وإيش عندكم يالعرب؟ ميتان بعير تساوي ألفين جنيه. جوزوا عن الدين، واعقدوا الراية حفار ودفان (أي سماح عن الماضي والحاضر)

- وإيش يا ساير؟ المقتول ابنك، والله فوقك، والخطة قدامك (يريدون بالخطة دائرة يرسمها أحدهم على الأرض ليقف المتهم داخلها ويحلف، ويسمونها خطة سليمان بن داود)

المدعي - والله يالعرب ما أنا بائع دم ابني بجمال، أريد من غريمي دين فأما يكون بريئاً فأطلب من قاتل ولدي، وإما يكون القاتل فأقتله بيدي، (واليمين عندهم فريضة متى فقد الشاهد)

المتهم - يا شيخ، جز عن تحليفي، وخذ البعير، فأنا برئ من دم ابنك، ولو كنت أنا القاتل لما خفت منك، وورائي كما تعلم عرب الشرارات وأنت أخبر بالشرارات وبأسهم

المدعي - جُديع، تتهددني بالشرارات؟ أنسيت من هم الحسن؟ ويوم اللي هزمناكم مثل الغنم الهامل، والله لا أرضى منك بغير اليمن ولو ملكتني كل حلال الشرارات

المتهم - وإيش عليه، أنا أحلف، خطو الخطة، أنا رايح أحلف، أنا على باب الخطة، يا عونة الله أنا رايح أحلف، يا ساير خف الله. يا خوي وخذ البعران وجز عن تحليفي وأنا برئ

المدعي - اليمين اليمين

المتهم - أشهدوا يالعرب، اسمعوا يالربع، أنا بالخطة، وهذه عصاتي وهذه يميني: (وحق هالعود، والرب المعمود، وخطة سليمان بن داود، أنا رميت والله قتل) وأنا بوجه ابن شعلان

(أي أنه هو أطلق النار، والله قتل، وهو بحماية النوري ابن شعلان والحماية عندهم ثلاثون يوماً فقط، وبعدئذ أما أن يدفع جنية القتيل، وإما أن يقتل)

نجيب العسراوي

الأمية في العالم

يؤخذ من دائرة المعارف الإنجليزية الحديثة أن عدد الأميين في مصر 92 في المائة (والصواب: 82)، وفي الهند الإنجليزية 92، وفي الصين 80، وفي سيلان 66، وفي غواتيمالا 65، وفي أسبانيا 63، وفي البرازيل 60، وفي كولومبيا 60، وفي البرتغال 60، وفي شيلي 39، وفي الأورغواي 39، وفي الأرجنتين 37، وفي فنزويلا 37.

وفي الولايات المتحدة وزيلانديا الجديدة وكندا وفرنسا واليابان واستونيا وبلجيكا يتراوح الأميين بين واحد وعشرة في المائة

أما في سويسرا والدانمرك وألمانيا وأسوج ونورج وفنلنديا وهولندا وإنكلترا، فعدد الأميين أقل من واحد في المائة

مستعمرات فرنسا

لفرنسا من الممتلكات ما تبلغ مساحته 12 مليون متر كيلو متر مربع، تضم نحو ستين مليون نفس. ففي أفريقية الشمالية: مراكش، الجزائر، تونس، أفريقية الغربية، وتشمل: السنغال، غينية، الشاطئ العاجي، الدهومي، السودان الفرنسي، موريتانيا، نيجر. وفي أفريقيا الاستوائية: توهاد، أوبنغي شاري، توغو، كمرون، كونغو. ثم جزيرة مدغشقر والصومال الفرنسي، وجزيرة رنيون

وفي أسيا: الهند الفرنسية وتشمل على: بونديشاري شاندر ناغور، يانون، كاريكال، ماهه. والهند الصينية وتشمل على كمبودج، أتام، تونكين، لوس. ثم كونتشو

وفي أمريكا: جزائر سان يسار وميكيلان، جزائر الأنتيل غينيا الفرنسية

وفي الأقيانوسية: جزر كالدونية الجديدة، جزر هبريداس الجديدة وغيرها من الجزر الصغيرة

وإذا جمعنا عدد سكان الممتلكات البريطانية والفرنسية بلغ 600 مليون نفس أي نحو ثلث سكان العالم ومساحتها أيضاً تشغل ثلث سكان العالم ومساحتها أيضاً تشغل ثلث مساحة اليابسة

فون كلوك وسقوط باريس

كان فون كلوك قائد الجيش الألماني الذي زحف إلى باريس في أوائل الحرب الماضية، وكاد يدخلها لولا واقعة المارن التي قطعت أمله. وقد اطلعنا في إحدى الصحف الفرنسية على التصريحات التي فاه بها بعد هزيمته في تلك الواقعة التاريخية، قال:

(أنا لم أضع خطة الزحف إلى باريس كما قيل، إذ لم يخطر على بال أن سقوط العاصمة الفرنسية يؤدي إلى إخضاع فرنسا وإجبارها على التسليم، بل كنت أعتقد أن عزل فرنسا عن حلفائها هو السبيل الوحيد إلى إخضاعها، وأن عزلها لا يتم إلا باحتلال سواحلها

كان الإمبراطور غليوم يحضنا على الزحف المتواصل، لكي نستولي على باريس ونضرب معنويات الحلفاء في الصميم؛ وقد أعد علم ألماني مساحته 400 متر مربع ليرفع على برج أيفل بعد احتلال باريس، وكان الموعد المقرر لدخولها في الثاني من سبتمبر غير أن أعجوبة ظهرت في الجيش الفرنسي أنقذت عاصمته وأبطلت خطتنا، فقد اكتشف طيارونا وكشافتنا أن ذلك الجيش الذي كنا نظنه ممزقاً عاجزاً عن الدفاع قد أعيد تنظيمه بسرعة غريبة واستعاد عزيمته ووقف مكانه وقفة المستقتل الذي يؤثر الموت على التراجع

وما كنا نتوقع قط أن رجالاً يتقهقرون أمامنا عشرة أيام متواصلة يتحولون بين يوم وآخر إلى جلاميد لا تزحزح عن أماكنها. تلك هي العجيبة التي لم يرو مثلها التاريخ الحربي!)

من ذكريات الحرب الماضية - داء فرنسا قديم

كتب مسيو بوانكارية في مذكراته اليومية بتاريخ 13 أغسطس 1914 ما يلي: (عرفت اليوم من الجرائد أن مدافع الألمان ما برحت منذ صباح أمس تضرب بون آمسون. ويظهر أن وزير الحربية يجهل ذلك. وقد ألححت عليه أن ينبِّه باسمه واسمي أركان الحرب إلى إهمالها) وكتب بتاريخ 16 أغسطس: (ما أزال بين الشك والقلق والانتظار فلا أعرف عن الحركات الحربية في جبهة القتال إلا النزر اليسير مما ينقله إليّ الضباط. ولما أشير عليّ بزيارة خطوط النار استشرت وزير الحربية فاستصوب فكرتي، ولكنه رأى من واجبه أن يستشير أولاً أركان الجيش العليا التي لم تر زيارتي في الحالة الحاضرة مناسبة فعدلت عنها ممتثلاً. واراني كأحد أولئك الملوك الكسالى الذين يقضون أيامهم في الخمول والدعة فالجيش اليوم هو صاحب الكلمة العليا ولا مندوحة لي عن السكوت والامتثال)

وفي تلك الثناء جاء كليمنسو رئيس الجمهورية وشكا إليه أن أركان الجيش تخفي اندحار الجيوش الفرنسية وتذيع انتصاراً وهمياً، وأبلغه أن الألمان اسروا طابوراً فرنسياً بأسره ونكلوا بآخر. فقال بوانكارية إنه يجهل كل ذلك، لئن أركان الجيش لا تمده بشيء مما يجري في ميادين القتال، ثم قاتل: (لقد طالبت مراراً فما كنت أُجاب إلا بالسكوت)

وكان موقف فرنسا يزداد حرجاً بين يوم وآخر، فالألمان في بلجيكا كانوا يتقدمون بسرعة، والإنكليز تراجعوا حتى فالنسيان موبوج، والجنرال جوفر أمر جيوشه بالانسحاب. وفي ذلك يقول بوانكاريه في يومياته: (أردت وأنا بعيد عن خطوط القتال أن أسعى إلى (الاتحاد المقدّس) بتأليف وزارة جديدة فصدمتني المنازع الشخصية والمشاكسات السياسية. عن فيفياني (رئيس الوزارة يومئذ) محاط بجيوش من المطامع، وقد ذكر لي في جملة المرشحين للوزارة الجديدة بعض أسماء يستحيل قبولها لأنها تدعو إلى الخجل. عاد إليّ ميلران وصرَّح بأنه لا يقبل وزارة الحربية إلا خوّل حق الاتصال مباشرة بالجيش المحارب)

وأراد أوغانجر وزير البحرية أن يحمل مسيمي على الاستقالة من وزارة الحربية، فتظاهر بالإشفاق على صحته قائلاً له بلجة تجمع بين الجد والدعابة: (إن دلائل الجهد ظاهرة عليك، فأنصح لك نصيحة طبيب أن تترك مهمتك الشاقة التماساً للراحة، وإلا اعترتك السوداء). فوقع هذا الكلام في نفس الجنرال مسمي موقع الرضى، فاستقال من منصبه، وذهب إلى ساحة القتال يقود أحد الجيوش

وذكر بوانكاريه أيضاً في يومياته: (طالب المسيو بريان بوزارة العدل، فتخلى له عنها المسيو بينفيني مارتان مثال الوداعة والإخلاص. وطالب دلكاسه، وهو أكثر تعنتاً من بريان بوزارة الخارجية؛ وقد أسمعني الكلام التالي: (إن لاسمي تأثيراً كبيراً لا يستطيع أحد إنكاره. لقد طالما سفهوا سياسي التي رمت إلى تطويق ألمانيا، ولكنها انتصرت أخيراً. فأنا الذي أوجد الاتفاق مع إنكلترا، وأنا الذي عقد المحالفة مع روسيا. ولا شك أن العالم يتوقع أن يراني في كي دورسي). إن لدلكاسه خدمات وطنية جليلة لا تنكر، وكان خليقاً به ألا يذكرها في ذلك الموقف الحرج الذي كان يتطلب التضحية قبل كل شيء. ولكنه أبي إلا وزارة الخارجية التي كان يديرها بمهارة فائقة المسيو غاستون دومرغ الفرنسي الصادق. وشاء فيفياني إزاء تصلب دلكاسه أن يتنزل له عن رياسة الوزارة، فقال له دومرغ:

- أبقَ في مركزك

فأجاب فيفياني:

- إني أتخلى بملء إرادتي لدلكاسه عن مركزي. ولا بأس أن يعزي ذلك إلى عدم كفايتي؛ ففي الحالة الحاضرة لا يهمني نوع الخدمة ولا مجالها)

وقد أثر فيَّ كلام فيفياني كثيراً إذ دل فيه على شخصية كبيرة وإخلاص وطني بالغ فلم أتمالك أن صافحته معجباً مهنئاً