الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 363/حركات الإصلاح الإسلامية

مجلة الرسالة/العدد 363/حركات الإصلاح الإسلامية

مجلة الرسالة - العدد 363
حركات الإصلاح الإسلامية
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 17 - 06 - 1940

3 - أزمة إسلامية

للدكتور علي حسن عبد القادر

دكتور في الفلسفة والعلوم الإسلامية من جامعة برلين

ومدرس بكلية الشريعة

تقوم على قمة حركات الإصلاح الحديثة شخصية ليس لها في الواقع دخل أو اتصال مباشر بالحركة الوهابية التي أسلفنا الكلام عنها، وقد وصف الشخصية بحق جولد زيهر (بأنها صورة غريبة ظهرت في الإسلام أثناء القرن التاسع عشر).

ذلك هو جمال الدين الأفغاني (1838 - 1857) (الذي كان فيلسوفاً، وأديباً، خطيباً، صحافياً، وفوق هذا كله كان. . . سياسياً) والذي قال عنه براون في كتابه الثورة الفارسية: (بأنه أثر خالد باق على الأجيال)

ولقد رحل جمال الدين من أفغانستان وجاب العالم الإسلامي وأوربة؛ بل ومن الممكن أيضاً أن يكون قد جاب بلاد أمريكا!

وهو يعتبر - بدون شك - أباً لأفكار الجامعة الإسلامية:

أن لا نخلط بين أغراض هذه الجامعة وبين ما كان يحاوله عبد الحميد من انقلاب في السياسة العملية. ومن الحق أن نقول: إنه كان أول من دعا إلى اتحاد ساسة للمسلمين في وجه أطماع الغرب. ولكنه كان مع ذلك يحس في قرارة نفسه بالحاجة الماسة لبناء جديد من العالم الإسلامي تدخل فيه عناصر حرة، ويقطع ما بينه وبين التقاليد الموروثة من صلات وأواصر. ونظراً إلى أن جمال الدين الأفغاني كان ذا نزعة صحفية، وكانت له وجهة نظر سياسية في الغالب تؤثر فيه، ونظراً إلى أنه لم يكتب كثيراً، فإنه من الصعب أن نحقق تأثير هذه الشخصية الهائلة فيمن حولها. ورغماً مما أثاره في الغرب من ضجيج، فإنه من الصعب أن نستشف دخيلة نفسه ولن يحصل هذا أيضاً، فإننا لا نعرف من أين جاءته هذه الدوافع. بل أنه لم تصلنا تأثيراته في شكل محدد لأن تأثيره كان في الغالب في ثوب المعلم والمحرك أكثر مما هو في ثوب الكاتب؛ ولهذا فإنه من الخير لنا أن نحكم على الث نضجت على يديه. وهنا يثبت لنا أنه يرجع إليه الفضل في تلاميذه الذين هم كبار رجال الإصلاح وذوو اليد الطولى فيه وهم يشكرون له كل ما عندهم من خير

وعند ظهور جمال الدين الأفغاني كانت تتردد في الهند بعض أصوات، ويدور القول حول إصلاحات آخذة في النهوض في وجهات وأشكال مختلفة، ولكننا لا نعرف بالدقة مدى ارتباط جمال الدين ببدء الحركة في الهند وهل كان له فيها يد أو كان الأمر بالعكس، فهما من ناحية التأثير يتلاقيان معاً عند خطر واحد، وفي العصر الحاضر مع هذا يعتبر جمال الدين عند الشباب في الهند الممهد العظيم للطريق

وكانت تربة الهند في أوائل القرن التاسع عشر قد مهدت من ناحية تأثرها قليلاً أو كثيراً بالوهابية العربية، وكانت الحال في الحقيقة تبدو متفقة معها، ولو أن شكل الحركة الوهابية الشعبية المتحنثة لم تكن هي التي غذت الحركة الهندية الإصلاحية في روحها فإن التجديد في الهند صدرت عن طبقة غير مثقفة تثقيفاً عالياً، وكل ما هنالك أن هذا التقابل بين هذه الحركة والحركة الوهابية يمكن أن تشرحه وتفسره هذه اليقظة التي جاءت من تلك الهزة العنيفة التي صدرت من المركز الإسلامي بالبلاد العربية

وقد ظهرت حركة الإصلاح في الهند للعيان في شكل حركة عقلية على رجال مثل سيد أحمد خان مؤسس مدرسة عليكرة (المتوفى سنة 1898) قديماً، ومن أمثال أمير علي وخودا باخشا حديثاً، وقد تأثر هؤلاء الهنود تأثراً عميقاً بما هو ظاهر ملموس في وطنهم على الأخص من تأخر المسلمين وما أصيبوا به من ضرر بالغ من جراء جمودهم إزاء المدنية الحديثة، وهم على العموم - مخالفون في هذا جمال الدين - لم يندفعوا بدافع سياسي، بل أنهم اعتبروا خضوع الهند للإنجليز أمراً ضرورياً وأمراً مرغوباً فيه لذلك، كما أن حركتهم لم تصدر أولاً وبالذات من أفكار دينية اقتنعوا بها. وكل ما هناك أنهم عرفوا الثقافة الغربية واتصلوا بها، فقاموا بحركتهم تحت تأثير تأخر المسلمين. وإنهم كمسلمين محبين للإسلام - كما أحسوا - كانوا يرون أن الإسلام الصحيح الخالص لا يقف في طريق الثقافة الحديثة بأي شكل، وأنه في الأصل هو الدين الوحيد صديق العلم والتقدم. وعنوا (الإسلام الصحيح) ولم ينكروا أن الإسلام على ما هو عليه في الوقت الحاضر فيه ما بجانب الإصلاح وقد جاء هذا كما قالوا من أن البحث المستقل في مراجع الدين الأصلية - يعنون الاجتهاد - غير جائز، وأن الناس خاضعون للتقليد الأعمى من جراء الإجماع الذي طغى على الإحساس وجعل الفقه جامداً مقيداً، وأن أفكار المتأخرين سويت بتعاليم الرسول

وقد رفضوا الأخذ بأحاديث كثيرة وتمسكوا بشدة بالقرآن الكريم

وقد اعتقد المسلمون بالهند - وليس ذلك بصحيح دائماً من الناحية التاريخية - بالمعتزلة الذين صوروهم بأنهم المفكرون الأحرار واتخذوهم كمثل عليا في التجديد. وسموا أنفسهم أحياناً بطيبة خاطر (بالمعتزلة الحديثة) لأنه فيهم قد ظهرت إلى الحياة أغراض هذه الفرقة الإسلامية الحرة وجهودها

ويظهر من طبيعة الأشياء أنهم أخذوا تعاليم من طريقة هذه المدرسة القديمة مما لم يفكر فيه بعد فمن هذا فكرة (تطور الفقه) التاريخية (فهم - أي المعتزلة - يرون بالنسبة للأعمال الإنسانية أنه لا يوجد قانون دائم وإن النظام الإلهي الذي ينظم سلوك الإنسان نتيجة للتقدم والتطور، وأن الله نظم أوامره ونواهيه في شكل متدرج متطور من القانون)، وقد بحثوا باجتهاد وذكاء في شرح المعاني والأغراض في القرآن والحديث الذي يستعملونه إذا خالف ذلك أفكارهم في سبيل التدليل على أن الإسلام الصحيح يحض على العناية بالعلم بلا قيد ولا شرط ولا يخالف نتائجه، وهنا أظهروا حقاً صورة للإسلام كمثل أعلى.

على أن هذه الطريقة التي استعملها رجال الإصلاح وإن كانت لا تقوى أحياناً على النقد التاريخي، فإنه مما يستحق التقدير حقاً كفاح هؤلاء الرجال في قضية أضاءت في نفوسهم، والمهم في الحكم إنما هو الغاية لا الطريقة، وهي ليست إلا محاولة لتحرير الإسلام من قيود المدنية للقرون الوسطى

والأمر الغريب هنا هو أن الخطوة الأولى لهذه الغاية الجريئة وهي رفض الفقه الإسلامي لم يقم بها على أساس ثابت مأمون ولم تأخذ اهتماماً عمليا؛ ويظهر أن حالة التقوى تمنع من ذلك

ولكن بجانب هذا قد مهد الطريق الآن لفهم التاريخ فهماً واضحاً لتقبل الفكرة التي تقول أن النظم المعتبرة تاريخياً لا يمكن أن تبقى سائدة دائماً، وفي آخر الأمر يكون قد تم الانتصار على مبادئ الضعف، وأكملت على الأقل خطوات خطاها المدافعون الأحرار عن المعارف الدينية

هذه هي كلمة الأستاذ هرتمان عن حركة الإصلاح في الهند، أما حركة الإصلاح بمصر فموعدنا بها المقال الآتي إن شاء الله تعالى

علي حسن عبد القادر