مجلة الرسالة/العدد 362/النقابات الإسلامية
→ إلى أين. . .؟ | مجلة الرسالة - العدد 362 النقابات الإسلامية [[مؤلف:|]] |
من نواحي المجتمع ← |
بتاريخ: 10 - 06 - 1940 |
للأستاذ برنارد لويس
ترجمة الأستاذ عبد العزيز الدوري
(تتمة)
يأتي مصدرنا الثاني من النصف الثاني للقرن التاسع عشر. ففي سنة 1884م قدم إلياس قدسي (وهو سوري) إلى مؤتمر المستشرقين الدولي نتائج بحثه في السنة الفائتة عن طوائف (دمشق) ويجب اعتبار هذا البحث مصدراً تاريخياً وإن كان حديث العهد، لأن معظم ما يصفه قد اختفى دون أن يدرس ثانية.
يخبرنا قدسي أنه كان على رأس جميع طوائف المدينة (شيخ المشايخ) وكان هذا المنصب وراثياً في عائلة خاصة، ولا يمكن انتخابه أو إقالته أو استبداله بشخص آخر. وكان دوره قابلاً للانتهاء إما بوفاته أو باستقالته (ويكون ذلك أحياناً بتأثير السلطان) وقد كان في زمن أقدم الحاكم الأعلى في جميع شؤون الطوائف. ويحدث المحدثون أن سلطته (أي شيخ المشايخ) كانت في زمن ما واسعة جداً تمتد حتى إلى حق الحكم بالموت. وعلى كل فقد احتفظ لزمن طويل بحق سجن أو تقييد رجال الحرفة أو ضربهم بالسياط. وكان يعيش على وقف وراثي. وقد أنقصت سلطته إلى حد كبير بعد (التنظيمات) أي الإصلاحات العثمانية في القرن التاسع عشر وأصبح مركزه رتبة شرف فقط. وكان شيخ المشايخ في زمن بحث قدسي عالماً كبيراً ولكنه يجهل تماماً جميع الحرف. وكان عمله الوحيد المصادقة على تعيين رؤساء الطوائف الذين يعينهم الأساتذة
ويظهر أن رتبة شيخ المشايخ كانت مختصة بدمشق فقط إذ لا يوجد لها أثر في أية مدينة أخرى. لم يكن باستطاعة شيخ المشايخ حضور جميع اجتماعات الطوائف شخصياً. لذلك كان يرسل موظفاً خاصاً يسمى (النقيب) في حالة وجود اجتماع لترقية بعض الأعضاء إلى صناع أو أساتذة أو لأي شيء يخص المجموع، وعندما كانت وظيفة شيخ المشايخ مهمة وذات نفوذ كان له عدة نقباء. لكن قدسي وجد نقيباً واحداً (زمن بحثه) له معرفة بالحرف وبشؤون الطوائف وهي الصفة التي كانت تنقص الشيخ.
ويلي شيخ المشايخ - شيخ الحرفة - ينتخبه أكبر أعضاء النقابة من بين أبرع ماهري الحرفة، ولم تكن تتبع أية قاعدة في الأولوية سواء أكان ذلك من جهة السن أم طول زمن العضوية فقد يكون الشيخ، وقد كان كذلك في كثير من الحالات، شاباً حدثاً، بل كان يطلب فيه أن يكون فاضل الأخلاق، عاملاً ماهراً محترماً بين رجال الطائفة قادراً على تمثيلهم أمام السلطان. كان منصب الشيخ وراثياً في بعض الطوائف، ولكنه خاضع دائماً لمصادقة المنتجين. ويعين الشيخ لكبر سنه، ويمكن استبداله إن وجد أنه غير جدير بمنصبه. وكانت واجباته: دعوة الاجتماعات وترأسها، وملاحظة المحافظة على مستوى الطائفة، ومعاقبة مخالفي قواعد الحرفة، وتنظيم شئون العمل (وكان هذا يفوض إلى الأساتذة)، والإجازة إلى درجة صانع أو أستاذ، وأن يكون رأس الطائفة المسئول في كل العلاقات مع الحكومة. أما فيما يخص انتخاب الشيخ فقد لاحظ قدسي أنه لم يكن ينتخب بالأكثرية، فعند خلو كرسي الرئاسة يجتمع الأساتذة المتقدمون، ويتناقشون في المرشحين القابلين للانتخاب فإن لم يتفقوا على شيء يعين شيخ المشايخ شيخاً على كل حال. ثم يثبت شيخ المشايخ الشيخ الجديد في حفلة خاصة. كان للشيخ مساعد يسمى شاويش، وعلاقته بالشيخ كعلاقة النقيب بشيخ المشايخ مع هذا الفرق الهام وهو أنه بينما كان النقيب يعين بواسطة شيخ المشايخ كان الشاويش لا يعين إلا بموافقة المنتجين. ولم تكن للشاويش سلطة خاصة. بل كان ممثلاً، وضابط تنفيذ لشيخ الحرفة. ويخبرنا قدسي أن منصب شاويش قديم جداً ولكن الاسم حديث
يشتغل المبتدئ من غير أجرة لعدة سنوات حتى يصل إلى سن الرجولة، وتصبح له مهارة في الحرفة (على كل كان البعض ينال أجراً أسبوعياً زهيداً حسب ما يستحق). ثم يصبح بعد ذلك صانعاً، فإذا لم يتقن حرفته ويتقدم إلى أستاذ بقيت أجوره واطئة ومنع من الاشتغال لحسابه الخاص
كان الصناع في زمن قدسي يشكلون هيكل الطائفة، وكانوا أكثرية عظيمة. ويخبرنا أنهم كانوا حافظي سر الطائفة وناقلي أسرارها ما يليهم
ثم يمضي قدسي في وصف مطول لحفلات الإجازة. يدخل في ذلك اليمين بالمحافظة على أسرار الطائفة والصنع الجيد، وكذا الرسوم والقوانين المتقنة التي تنظم كل مظهر من مظاهر حياة رجال الطائفة مع كل العلاقات والإشارات المعمول بها. وأخيراً يشير قدسي إلى التشابه بين هذه الحركة وبين الماسونية الحرة في أوربا متسائلاً عما إذا كانت هناك علاقة بين الاثنين
يكفي ذكر الملاحظات عن الطوائف المصرية حيال هذا الوقت لنتبين بعض الاختلاف فشيخ المشايخ غير معروف هنا. وإنما نجد الطوائف تحت رئيس البوليس. . . كان لرئيس الطائفة (ويدعى هنا شيخ الطائفة) سلطة نظارة العمال وتسوية الخلافات فيما يتعلق بمهنهم ومعاقبة المخطئين وكان يدعو مجلساً من المختارين (نواب رئيس الطائفة) عند الضروريات يشكل محكمة قضاء لرجال الطائفة. ولم تكن توجد درجة صانع، بل كان المبتدئ عند إجازته يرفع إلى منزل اسطي أو أستاذ رأساً. وكان يطلب منه صنع شيء نموذجي
ويهمنا بصورة خاصة معرفة أنه كان في طوائف القاهرة نوع من أنواع التأمين ضد البطالة والمرض يتعاون في ذلك جميع الأعضاء
لم تستطع كل هذه التشكيلات التي دامت دون تغير تقريباً حتى القرن التاسع عشر، وأحياناً حتى القرن العشرين مقاومة هزة الفتح الأوربي، ففي كل محاولة في البلاد الإسلامية أخذت طرق الإنتاج القديمة تفسح المجال لطرق جديدة، وهكذا بدأت الطوائف تنحل. وتحولت هذه التشكيلات في أغلب الأحيان إلى اتحادات النوع الأوربي كما اشتركت بعض نقابات تونسية وسورية، ومن الهند الصينية الهولندية في اتحادات العمال الدولية، وهناك نقابات أخرى في دور انتقالي
بقي علينا أن نذكر ناحية غريبة من حياة الطوائف الإسلامية (أي ما يعرف بالطوائف الوضعية)، فمن أزمان متقدمة نجد في البلاد الإسلامية طوائف منظمة كاملة في مراسيمها ونظمها وتقاليدها من نوع آخر من الحرف كاللصوص وقطاع الطرق فكانت (لبني ساسان) أو (نهابي القاهرة) المنظمين سطوة عظيمة لمدة طويلة. وفي دور الفوضى في عصر الخليفة العباسي المقتفي 1106 - 1136م سيطرت طوائف اللصوص في بغداد على هذه المدينة وهذه الطوائف التي لم تكن لها دون شك أية علاقة بطوائف الصناع الحقيقية ساعدت على حط سمعة هذه الطوائف؛ وكانت يتخذها أعداء الطوائف وسائل للتهجم عليها ما هي النتائج العامة التي تستخلص من هذا العرض للطوائف الإسلامية؟ يظهر لي أننا نستطيع أن نستخلص أربع خصائص تميز تنظيمات النقابات الإسلامية من تنظيمات النقابات الأوربية كما يلي:
أولاً: على العكس من النقابات الأوربية التي ظهرت لخدمة عامة معترف بها ولها امتيازاتها وتدار من قبل السلطات العامة للأمير أو البلدية أو الملك نشأت النقابات الإسلامية من تلقاء نفسها، من الشعب، وتكونت لا إجابة لحاجة الدولة، بل إجابة لحاجات كتل العمال أنفسهم، كما أن النقابات الإسلامية اتخذت، خلال فترة قصيرة، إما عداوة مكشوفة للدولة، وإما عدم ثقة. وقوبل ذلك بالمثل من قبل السلطات العامة سياسية أو دينية. ويظهر مدى هذا الشعور ضد السلطات الحاكمة من بروزه المفاجئ في القرن العشرين في الدور الهام الذي لعبته النقابات في الثورة الإيرانية، ومن التطور المريع للنقابات الإسلامية إلى كتلة ثورية في الهند الصينية. وفي الرابطة القوية بين هذه النقابات وبين الشيوعية الأوربية. ولا ينقص قيمة هذا الاستنتاج منح بعض الأمراء السنيين وضعاً مقيداً للنقابات للحصول على تأييدها كما لا ينفي وجود خلافات في بعض الأحيان بين الحكام الأوربيين والنقابات كون هذه المؤسسات أميرية
ثانياً: تنتج الخاصة الثانية لحياة النقابات الإسلامية أولا مما ذكرناه الآن، وثانياً من حالة طرق الإنتاج التي لم تتغير في الأراضي الإسلامية منذ القرن الثاني عشر حتى القرن التاسع عشر. فلا يوجد في تاريخ النقابات الإسلامية ما يماثل الازدهار العظيم في النقابات الأوربية في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، الذي انتهى بانقسام هذه النقابات إلى سادة وصناع: (طبقتين مختلفتين ومتعاديتين). وفي ارتفاع السادة السياسي والاقتصادي العظيم، وفي تنظيم نقابات خاصة للصناع كسلاح في نضال الطبقات العنيف الذي نتج. أما في الإسلام، فقد بقي الأستاذ والسيد والصانع والمبتدئ طبقة واحدة في المجتمع على اتصال شخصي قريب فرتبة الصانع وهي مؤقتة وانتقالية دائماً، وفي أكثر الأحيان غير موجودة، لم تتطور أبداً إلى منزلة اجتماعية دون أمل في الارتقاء إلى رتبة أستاذ، فالنقابة الإسلامية لخلوها من التفريق الاجتماعي الداخلي الذي يقسم النقابة الأوربية، حافظت على خاصتها التي انطبعت بها عندما ظهرت في القرنين العاشر والحادي عشر، وهي المساواة بين أفرادها كطبقة في المجتمع في شكلها الخاص كثورة العمال ضد ارتفاع الرأسمالية الاقتصادية والتجارية عندئذ.
ثالثاً: والميزة الثالثة في الطوائف الإسلامية: هي كونها تضم أفراداً من مختلف الطوائف فبينما أبعدت الطوائف الأوربية من صفوفها حتى المسيحيين المختلفي المذاهب، نجد الطوائف الإسلامية مفتوحة لليهودي والمسيحي والمسلم على السواء، بينما تجد بعض الطوائف الإسلامية تسودها الأغلبية الغير مسلمة
رابعاً - وختاماً يجب أن نلاحظ أهمية الحياة الداخلية الروحية في النقابات الإسلامية، فعلى العكس من الطوائف الأوربية لم تكن النقابة الإسلامية تشكيلاً مهنياً فقط فمذ أن كانت النقابة تشكل جزءاً من نظام الدعاية الإسماعيلية حتى الوقت الحاضر احتفظت هذه النقابات دائماً بمثلها المتأصلة فيها وقوانينها الأخلاقية والأدبية التي كانت تدرس لكل المبتدئين في نفس الوقت الذي تعلم فيه الحرفة.
عبد العزيز الدوري
(الرسالة): عالج الأستاذ برنارد موضوع الطوائف الإسلامية علاجاً حساً، ولكن ضعف المترجم وجهله ببعض المصطلحات التاريخية أصابا بشيء من التفكك والغموض.