الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 361/رسالة الفن

مجلة الرسالة/العدد 361/رسالة الفن

بتاريخ: 03 - 06 - 1940


بواطن وظواهر

عندنا فنانون. . . ولكن!

للأستاذ عزيز أحمد فهمي

10 - من الصحافيين

عبد القادر حمزة باشا

كان للحركة الوطنية في مصر لسان وقلم، أما اللسان فكان لسعد زغلول، وأما القلم فكان في يد عبد القادر حمزة. وقد قضى صاحب اللسان، وظل صاحب القلم يكتب، ولكن ظهرت عليه نوازع جديدة أخذت تتزايد وتتزايد حتى أصبحت أوجه الشبه بين آثار هذا القلم اليوم وبين آثاره في البدء قليلة وغامضة. . . ذلك أن الأستاذ عبد القادر حمزة باشا جنح إلى العقل والمنطق جنوحاً كاد يقطع بينه وبين الجمهور الذي رباه هو، والذي فتح هو عيونه على الحقائق

طار الأستاذ عبد القادر باشا عن مستوى الصحافيين السياسيين وتحكمت فيه استقامة الفكر والأمانة عليه، حتى هان عنده الرواج الشعبي فلم يعد يجري وراء القراء، وآثر أن يوجه القول لمن يريد أن يسمع وأن يفهم؛ وقد تجلت التجربة على أنه يقول ما يجب أن يسمع وأن يفهم. فقد كان هو أول من نادى بوجوب تأليف الوزارة القومية منذ المناوشات الأولى في الحرب الحبشية، فأنكرت البلد رأيه حتى ألفت الجبهة الوطنية بعد أن تحولت المناوشات الحبشية إلى حرب ضروس؛ وحين لم تجد مصر وإنجلترا بداً من تنفيذ فكرته هو، أو الفكرة التي آمن بها وتحمس وانفرد زمناً بالدعوة إليها.

الأستاذ طاهر الطناحي

العمود الفقري في دار الهلال. رباه على الصحافة الأستاذ أميل بك زيدان، فأنشأه أعجوبة بين الصحافيين. الجمهور لا يعرفه كثيراً لأنه لا يوقع المقاولات إلا قليلاً؛ وذاك إذا كتب، فليس عمله أن يكتب، وإنما عمله أن يستكتب أولئك الأقذاذ الذين تطالع دار الهلال قراءه بنفثات أقلامهم، ومن هؤلاء يكون ملوك في بعض الأحايين، وهذه مهمة خطيرة.

زد على ذلك أنه يجمع أعصى المعلومات والبيانات والإحصاءات والصور التي أتقنت دار الهلال فتنة الجمهور بها

للأستاذ طاهر الطناحي هذا المجهود الجبار وينافسه في دار الهلال زميل له هو الأستاذ يوسف أنكونا من غير أن يبذل مجهوداً جباراً، ولكنه يعطي الدار أفكاراً، فهو متخصص في البحث عن أسباب رواج المجلات يستقصيها ويوفرها في مجلة (الاثنين) التي يدير تحريرها، فله في هذا الأسبوع (يا نصيب)، وفي الأسبوع المقبل (مسابقة)، وفي تاليه حملة مصورة منظمة على موطن من مواطن الضعف في الحياة المصرية، وفي الأسبوع الرابع عدد خاص بمسألة من المسائل التي تشغل بال الجمهور، وفي الأسبوع الخامس هدية رائعة، وفي الأسبوع السادس صور تؤخذ للجمهور من قراء المجلة وهي في أيديهم فمن وجد صورته جائزة، وفي الأسبوع السابع باب يفتح في المجلة يتوسط للقراء في الحكومة، ويوظفهم إذا استطاع. . .

أعجوبة هو أيضاً هذا الصحافي الذي لا يعرفه الجمهور. وهو شاب وعمله الأول المحاماة في المختلط، ولست أدري كيف غاب هذا الصحافي الناجح هو وزميله عن الذين اختاروا المدرسين لمعهد الصحافة!

الأستاذ كريم ثابت

أول من اخترع لنا حكاية أن هذا الوزير يستيقظ في السادسة صباحاً ويفطر فولاً وبيضاً مسلوقاً، ويدخن سبعاً وثلاثين سيجارة في اليوم، وأنه يفضل السترة أم صفين من الأزرار على أم الصف الواحد، وأن عنده قطعة اسمها فلة يتفاهم معها بالعربية والفرنسية، وأنه يسقي ضيوفه كراوية ولا يقدم القهوة إلا لمن يطلبها، وأنه يقرأ إلا إذا جلس فاتكأ بذراعه اليسرى على المسند ووضع رجله اليسرى على رجله اليمين، وأنه إذا نام أغمض عينيه، وإذا تكلم حرك لسانه، وإذا مشى هز ذراعيه. . .

الأستاذ عبد المنعم حسن

لا بد أن يصل بإذن الله إلى ما يصبو إليه من مجد صحافي. فهو يقفز من أوربا إلى أفريقية إلى آسيا بحثاً عن تحقيقات يسوقها لقرائه في أحرج الظروف وأسوأ الأحوال. وهذه جهود لا يقوم من الصحافيين المصريين إلا هو والأستاذ محمود أبو الفتح، ولا أذكر غيرهما.

الأستاذ مصطفى أمين

من أسهل الكتاب المصريين هضماً؛ وعلى هذه الميزة فيه فهو بأبي إلا أن يكون مخبراً يغذي فضول القراء بينما هو يستطيع مالا يستطيعه المخبرون من الترويج عن القراء وإنعاشهم. المادة تغريه، ولكني أرجو أن يغريه بالتخصص في الكتابة مغر آخر ذو تأثير ينقذه. . .

11 - من المقرئين

الأستاذ محمود صبح

إذا قرأ القرآن مثل معانيه على قدر طاقته بالإلقاء والتنغيم. ولولا أن لكنه تركية تدركه أحياناً لشدة تأثره بالذوق التركي في الموسيقى لما كان في قراءته عيب، وهو حساس مرهف الأعصاب. متدفق سيال النفس ينفذ إلى سامعه ويجرفه معه

ولكن عقله ملتو. أقولها على ما فيها من شدة فلعله يراجع نفسه إليها فيراها حقاً فيعود إلى قراءة القرآن، ويكف عن أدواره وطقاطيقه التي ثبت له أنه لن يجد من يغنيها له غيره لما في تلحينها من التعقيد، ولما يحتاج إليه إلقاؤها من الفتوة الغنائية. . . وإن كان لا بد له من التلحين فليقنع بالموشحات فهو الأهل لها.

الأستاذ على محمود

عنده ثروة موسيقية هائلة حفظها عن المغنين والمقرئين القدامى فهو يختزن لنفسه من فن الحمولي، ومحمد عثمان، وسيد رويش وسلامه حجازي، ومحمد سالم العجوز، وأبو العلا محمد، والمناخلي وغيرهم، وهو في قراءته يعرض هؤلاء جميعاً وغيرهم، فإذا تجلى الله عليه قرأ القرآن أو أنشد (المولد) بما يفتح الله به عليه من فن روحه هو؛ فعندئذ تسمع صوتاً عالياً من غير شك فيرفعك وينخفض فيضعك، ونساب فيملؤك، فإذا هدأ عنك زفرت وارتحت إذا رد لك السلطان على ترديد أنفاسك بعد ما كان هذا السلطان معه.

الأستاذ محمد رفعت

المقرئ الوديع الذي يزف القرآن إلى النفس (متمسكناً) فما تملك النفس إلا أن تحن له وأن تلين. . .

الأستاذ عبد الفتاح الشعشاعي

فيه من الموسيقى أكثر مما فيه من التمثيل، وفي موسيقاه من الطرب أكثر مما فيها من غيره، وكثيراً ما يخرج بسامعيه عن وقارهم وإن لم يخرج هو عن وقاره. لعله لو غنى القصائد عرض لنا فقيد الموسيقى العربية الكبير الشيخ أبو العلا محمد.

لست أدري لماذا لا يجرب هذه التجربة، ولست أدري لماذا لا تشجعه على ذلك صديقته أم كلثوم بأن تسمعه في قصيدة ثم تغنيها منسوبة إليه!

12 - من المحدثين

الدكتور محجوب ثابت

هذا رجل ضحى بنفسه في سبيل إشباع رغبته في الكلام. له ماض وطني ملحوظ، وجهاد لا يمكن أن ينكر، ثم إن له علماً واسعاً واطلاعاً متشعباً، وله بعد ذلك آراء وأفكار لا يزال يغذي بها المجتمع المصري، ولا يزال هذا المجتمع يأخذها عنه، ومع هذا كله فنصيبه من الجزاء الوطني قليل. فأغلب الذين خدموا بالمناصب والألقاب والأرزاق، ولكنه كان بين القلائل المهملين على كثير ما يتردد ذكره على الألسنة، وعلى كثرة ما يتردد شخصه بين الناس. . . فلماذا؟

لقد أطيب الدكتور محجوب بهذا (التأخر) لأنه كثير الكلام، ولأنه يخلط الجد بالهزل، ولأنه لا يعرف مَنِ من الناس يصلح لأن يخاطبه الإنسان بالنكتة، ومن منهم لا يصلح لذلك، ومن من الناس يستطيع أن يستخلص من النكتة الحكمة، ومن منهم لا يستطيع ذلك. . . لقد اعتبر المصريون الدكتور محجوب فكاهة من الفكاهات، حتى في أشد مواقفه جداً يضحكون منه. . . وهم معذورون. . . فهو يتحمس لفكرته بعواطفه وأعصابه وجوارحه وشاربيه ولحيته، بينما يكفيه أن يتحمس لهما بعقله ولسانه، وإنهما لجديران بأن يخضعا له اقتناع الناس. . .

لست أدري إذا كان الدكتور محجوب يستطيع وهو في سنه اليوم أن يعدل نفسه أو أنه لم يعد يستطيع ذلك، ولكني على أي حال لم أيأس منه، ولا أزال أنتظر له خيراً. . .

الشيخ عبد الحميد النحاس

وإذا كان الدكتور محجوب ثابت محدث المثقفين من الطلبة ومن هم أكبر منهم سناً وعلماً ودراية من أهل المدن، فإن الشيخ عبد الحميد النحاس يعتبر محدث الأقاليم. وهو الصحافي الوحيد الذي يتقاضى من المعلنين أجوراً للإعلانات في جريدته التي لا تصدر على أساس أنه ينشر هذه الإعلانات شفوياً في مجالس والمجتمعات.

وله طوفات في الريف المصري. . . يخرج من مديرية إلى مديرية، ومن مركز إلى مركز، ومن بلد إلى بلد تقام له الولائم، ويجتمع له الناس، وتعقد المجالس ليتحدث فيها، وليقول ما يقول. . .

وهو يقول في كل موضوع كلاماً يلذ للريفيين أن يسمعوه، ويبلغ إعجابهم به إلى أن يحملوه على الأعناق وأن يهتفوا له كأنه غاز أو فاتح. . .

الشيخ عبد العزيز البشري

وهذا محدث الطبقة الراقية. وحديثه شيق سلس جذاب، حاضر الذهن، سريع الخاطر، لاذع النكتة، رائق البال. وهو إلى جانب ما يتقن من فن الحديث يتقن الكتابة أيضاً، وكتابته فيها من أحاديثه، فأحلاها ذكرياته ووصفه لمن قابلهم من الناس، ونقده لما رآه فيهم من العيب، وتسجيله لما وجده فيهم من الحسنات.

ردان

في العدد السابق من الرسالة طالع القراء الاعتراضين اللذين شرفني بهما كل من الأستاذين توفيق دياب ومحمد المويلحي بخصوص ما كتبته في هذه السلسة عن أولهما وعن الدكتور الخفي.

أما الأستاذ توفيق دياب كفاني الأستاذ محمد محمود دوارة الرد عليه بما يجده القارئ في (البريد الأدبي) من الرسالة هذا الأسبوع

وأما الأستاذ محمد السيد المويلحي فقد قال إني بخست الدكتور الحفني حقه إذ أنكرت عليه إنتاجه في الموسيقى بينما هو - فيما يقول الأستاذ المويلحي - قد اخترع آلتين موسيقيتين هما فلوت الحفني والكورية النحاسية.

وردي على هذا هو أن اختراع الآلات الموسيقية من عمل علماء الطبيعة لا الفنانين الموسيقيين، ولا غير

على أني فيما قد جاملت الدكتور الحفني بعض المجاملة إذ قلت إنه موسيقي من نوعي، وأنا لا أعتقد أنني إذا شبهت إنساناً بنفسي حططت من قدره. . . هذا اعتقادي أنا. . .

عزيز أحمد فهمي