مجلة الرسالة/العدد 356/رسالة الشعر
→ من وراء المنظار | مجلة الرسالة - العدد 356 رسالة الشعر [[مؤلف:|]] |
العمر الضائع ← |
بتاريخ: 29 - 04 - 1940 |
صخرة المكس
للدكتور إبراهيم ناجي
تعال نزف للثغر السلاما ... ألست ترى على الثغر ابتساما
ألم تشعر كأن يديْ عزيز ... مسحن لك المواجع والسَّقاما
كأن خطي الُعبابِ خطى حبيب ... كأن الموج أفئدة ترامى!
سلاماً يا عروس الماء إني ... أحبك لا أملَّ بك المقاما
أسير إلى لقائك نضو شوق ... وأرجع عن ربوعك مستهاما
أراك فتنتشي روحي وقلبي ... كأني قد سقيت بك المَداما
وإن طوى البساط فنصب عيني ... عليك خيال أحبابي القدامى
وإن طاح الزمان بكأس حبي ... فلا الساقي نسيت ولا الندامى!
فؤادي قم بنا نذكر شجانا ... لصخر في جوار المكس قاما!
تعال ولا تقل هذا جماد ... وكيف تروم بالصخر اعتصاما؟
فكم في الحيّ من قلب أصم ... تنكر أو تجاهل أو تعامى
وكم صخر أحس بما عنانا ... وما عرف الحديث ولا الكلاما
وكم في الناس من رجل قويٍ ... شديد البأس يقتحم اقتحاما
تعرض للحوادث لا يبالي ... تلقاها نصالاً أم سهاما!
فإن عرضت له الذكر الخوالي ... رأيت الكون في عينيه غاما
عرته الرجفة الكبرى وراحت ... جيوش الصبر تنهزم انهزاما!
بربك أيها الأنوار ماذا ... صنعت بساهر ألِف الظلاما
بربك أيها الأمواج ظلت ... على الشطآن ترتطم ارتطاما!
أتيتك أبتغي منك التأسي ... وانشد في نواحيك السلاما!
أراك فتحت لي شجناً جديداً ... وكنت أروم للماضي التآما!
وهيتُ، وخانني جلدي، وإلا ... فهذى الدمعة الحرَّي علاما!
أيا بلد التأسي كيف أنسى ... زماني فيك كهلاً أو غلاما! ويوم أتيت مكتئباً عليلاً ... أحس البين يدنو والحماما!
أجرجر فيك أقدامًا ثقالاً ... واجمع من عزيمتي الحطاما!
وعلاتي وأدوائي كبار ... شربن دمي وأبلين العظاما!
أراك فلا أبالي بالمنايا ... واحمد عند شاطئك الختاما
وكم طاف الرفاق وغادروني ... كعّواد ومرّوا بي كراما!
تمر بي الحياة ولست أدري ... أيوم مَرَّ أم قضيت عاما!
عرفتك والشتاء يمد ظلاً ... وينشر في جوانبك الغماما
عرفتك والمصيف عليك زاه ... وقرن الشمس يضطرم اضطراما
عرفتك والعواصف فيك غضبي ... نشرن على محياك القتاما!
عرفتك و (الفلائك فيك بيض) ... مجنحة يحاكين الحَماما
عرفتك هادئاً والفجر غاف ... كأن البحر وسده فناما!
عرفتك كالصديق بكل حال ... وكنت شراب روحي والطعاما
وملحك في دمي، وشذاك باق ... وهذا الصوت أسمعه دواما!
تعاليْ صخرة الماضي أجيبي ... وقوفك وانتظارك ذا إلاما
لقيت من العباب كما لقينا ... من الأيام قرعاً واصطداما!
كأنك للورى هَدفٌ وهذي ... جموع تبتغي أمراً جساما!
إذا ما أخفقوا رجعوا فرادى ... وإن همّوا وجدتهم زحاما!
فؤادي إن تغيرت الليالي ... فمثلك من رعى فيها الذماما!
بلغنا كعبة الآمال فاخشع ... ودعنا في مناسكها قياما
خذ السلوان من حجر صموت ... فما أحْرَاك بالحجر استلاما!
بربكِ أين أحلامٌ غوال ... وعمرٌ قد قطعناه نياما
نسقاه أمانيَ أو خيالاً ... ونطعمه قصيداً أو غراما!
وعهد كان فيكِ ربيع وَرْد ... كهذا اليوم حسناً وانسجاما!
ناجي