الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 355/المنبوذ

مجلة الرسالة/العدد 355/المنبوذ

بتاريخ: 22 - 04 - 1940


للأديب فؤاد بليبل

جَائِعٌ لفَّهُ الضَنَى بِرِدَائِهْ ... أَيْنَ نَارُ الجَحِيمِ مِنْ أَحْشَائِهِْ

لَفَظَتْهُ الحَيَاةُ فَهْوَ شَرِيدٌ ... يَصِلُ البُؤسَ صُبْحَهُ بِمسائِهْ

شَاحِبُ الوَجْهِ نَاحِلُ الجِسْمِ طَاوٍ ... تَتَمَشَّى الأوصابُ في أعْضائِهِ

وَعَلى جِسْمِهِ بَقَايَا رِدَاء ... تتبدَّى العظامُ منْ أجزائه

باهتِ اللونِ مثل بشرِتهِ شَكْ ... لاً، يضُمُّ الشقاَء في أنْضائه

خِرَقٌ رَثَّهٌ عَلى جَسَدٍ با ... لٍ وَقَدْ زادَ الضنى في ألتِوائه

شَبَحٌ منطوٍ على كبد حرٍّ ... ى ونفسٍ قد رُوِّعَتْ بشقائه

غائرُ المقلتينِ أنهَكَهُ الجو ... عُ وأذكى الاوارَ في أمعائه

فكأنَّ السقامَ ما يرتديه ... وكأنَّ الشقاَء من أسمائه

وكأنَّ الجحيمَ ما هو فيه ... وكأنَّ الزمانَ من أعدائه

كلّما شامَ بارقاً من رَجاء ... فجعَ اليأسُ قلبَهُ برجائه

ضائِعٌ في الوُجودِ جدُّ شقّيٍ ... يجمعُ البؤسَ كلَّه في كسائه

ضاربٌ في النجادِ لا جادَهُ الغي ... ثُ ولا شوكها أرتوي من دمائه

ركبَ العُمْرَ لَّجْةً وَهْوَ فيها ... زَوْرَقٌ نازحُ الشواطئ تائه

هشَّم الموجُ جانبيهِ وألقَى ... بِشِرَاعَيْهِ في غياهبِ مائه

وَرَمَاهُ الإعصارُ في كلِّ قاعٍ ... واحتَواهُ الخِضَمُّ في أنوائه

نَالَ منهُ القنوط كلَّ منالٍ ... وتنحى أهلُ الوَرَى عن عزائه

هائمٌ في القفارِ لم يؤوِهِ ع ... شٌ ولا ابتلَّ رملها من بكائه

يتلقى على الهجير شقياً ... أينَ لفحُ الهجيرِ من بُرَحَائه

لائذٌ بالفرارِ من دهره الطا ... غي وأينَ المفرُ من أرزائه

آبقٌ والشقاءُ جيشٌ لُهامٌ ... زاحفٌ من أمامِهِ وورائه

كلّما هَزَّ للزمانِ قناةً ... حَطْمَتْهَا الأيامُ في أحشائه

أنْكَرَ الناسُ ما يقاسي وقالوا ... مجرمٌ يخدع الوري بريائه وأشَاحوا عنه الوُجوهَ احتقاراً ... وتواصَوا بنَبْذِهِ وازدرائه

زَعَمُوهُ عبثاً عليهم ثقيلاً ... وَهُمُ المُثقلون من أعْبائه

حَمَّلوُهُ آثامَهم وأحَلُّوا ... دَمَهُ لا بتئاسِهِ واجتدائه

عَذَبوهُ بالجوع ظُلْما وراحوا ... يشبعونَ الذئابَ من أشلائه

طَرَدُوهُ عن أن يشاركَ حتى الك ... لب في ما يَعَافُهُ من غذائه

شَرَّدُوهُ في الأرضِ من خوفهمِ مِنْ ... هـ وَجَدَّتْ جُنُودُهم في اقتفائه

أيَّ شرٍ يخشونَهُ من شريدٍ ... يتبارى الجميعُ في إيذائه؟!

ألهَذا الطريدِ أَنْشَأْتُمُ السج ... نَ وأَعْدَدْتُمُ القنا للقائه؟!

ألهذا الضعيفِ أشرعتم الرم ... حَ وَخِفْتُمْ من بطشهِ واعتدائه؟

ألهذا الفقير هَيْأتُمُ السو ... طَ وحَذَّرتُمُ الورى من عطائه؟

أيُّها المفترونَ مِمّ تخافو ... نَ أَمِنْ ذُله وفرط عيائه؟!

وتردِّيه في التعاسةِ والبُؤ ... سِ وطولِ اكتآبه وبلائه؟!

أم هُوَ الدهر أعزَّ أولى اليُسْ ... رِ وأخنى ظلماً على فقرائه!

سفَّهوا رأَيهُ وربَّ فقيرِ ... تُسْتمدُّ الآراءُ من آرائه

وأَبى الأغنياء أَنْ ينصفوه ... ويحَ هذا الزمان من أغنيائه!

لا تَلَومُوه إن تمرَّد أو ثا ... رَ وهزَّ الوُجُودَ مِن أَرْجَائه

أَنُتُم سقتموه للإثْمِ سَوْقاً ... فعذروهُ إن لجًّ في غُلَوَائه

هاجَهُ ظلْمُكْم فثارَ عليكم=وأَثَارَ الكمينَ من شحنائه