مجلة الرسالة/العدد 353/رسالة الشعر
→ من وراء المنظار | مجلة الرسالة - العدد 353 رسالة الشعر [[مؤلف:|]] |
وحي الطبيعة الغربية ← |
بتاريخ: 08 - 04 - 1940 |
رَجْعُ أياَّمي. . .
للأستاذ محمود الخفيف
كَنْتَ يا قَلْبُ قَدْ نَسِيتَ الْحَنيناَ ... وَتَأَسَّيْتَ عَنْ هَواكَ سِنيناَ
أَخْرَسَ اليَأسُ لحنَ ماضِيكَ دَهْراً ... وَأَلِفْتَ الْجَوَى وَعِفْتَ الأ نَيناَ!
تخفقُ اليومَ للِزَّمان الغَرِيضِ ... طاَفَ بالدِّفْءِ والسَّعى المُسْتَفِيضِ
خَفْقَةَ الرَّاسِفِ الْجَرِيحِ المُعَنَّى ... رَفَّ للِطَّيْرِ بالْجَناحِ المَهِيضِ
هَتَفَتْ في الضُّحَى شوادِي الرَّبيعِ ... وكَسَا السِّحْرُ كلَّ وَادٍ مَرِيعٍ
وَجَرَتْ مِنْ أُرْغُوِ لِهِ فَرْحَةُ المَوْ ... سِمِ لَحْناً وَهَامَ رَاعى القطيع
لَمَحَاتُ الرَّبيعِ في تَرْناَمِهْ ... والرَّخِيُّ الشَّذِيُّ مِنْ أنْسَامِهْ
فَسَّرَ اللَّحْنَ كلُّ مُصْغٍ طَرُوبٍ ... بالْمُنَى الضَّاحِكاتِ مِنْ أَحْلاَمِهْ
رَفٌّ في لَحْنِهِ شَبَابُ الزَمانِ ... وَخَيالُ الصِّبا وَضِحْكُ الأمانِي
وَشَدَا فِيهِ حُبَّةُ فَكَسَاهُ ... رَجْع أَحْلاَمِهِ أَحَبَّ المعانِي
كلُّ حَيٍّ هَفاَ إلَى أَلْحْانِهْ ... ومَعَاني الرِّضاءِ في تَحْنَانِهْ
أنَا وَحْدِي اللَّهِيفُ فُي فَرَحِ الكَوْ ... ن الوَحيدُ الغريبُ في مِهْرَجَانِهْ!
أَيْنَ منِّى في الرَّوْضٍ فِتْنَةُ أَمْسِى ... أيَّ سِحْرٍ فَقَدْتُ؟ والَهْفَ نَفْسي
أوَ لَيْسَتْ يا قَلْبُ هَذي ربُوعي ... وَرُؤَى جنَّتِي وَبَهْجَةُ حِسِّي؟
كلُّ حُسْنٍ أَرَاهُ بَيْنَ يَدَيَّا ... هَامِسٌ بالرِّثَاءِ في أُذُنَيَّا
غابَ سِرُّ الجمالِ عَنْ مَوْسِمِ الزّ ... هْرِ وَهَيْهاتَ أن يُردَّ عَلَيَّا!
أَسْلَمَتْني نواَضِرُ الزّهَرَاتِ ... لِمعَاَني الُّذبُولِ مِنْ خَطَرَاتي
صَوَّحَتْ وَيْلاَهُ خُضْرُ الأماني ... وانْطَوَى السَّحْرُ من رَبَيعِ الحَياةِ
أَينَمَا سِرْتُ ذَكَرَتنِي مَآلي ... بَعْدَ عَيْشي الغَرِيرِ، هَذِي المجالي
أَيُّ شيء أَخّافُ ثَمَّ عَلَيْهِ ... بَعْدَ مَوْتِ المُنَى، وَشِيكَ الزوالِ؟
زَمَنُ الوَرْدِ كَمْ هَفَا لإبايِهْ ... أَمسِ قَلْبي وَتاَق بَعْدَ ذَهَابِهْ
كَمْ رَفَفْنَا مِثلَ الفراشاتِ فيهِ ... وَنَهَلنَا السُّرُورَ مِن أكوابِهْ كَمْ غَنِمْنَا الجمَالَ في أَيسحَارِهْ ... وَاجْتَلَيْنَاهُ فِي مُتُوعِ نَهارِهْ
وَعَشِقْنَا النَّارَنْج في الروضِ تَسْرِي ... نَفَحَاتُ الرَّبيعِ مِن نُوَّارِهْ
وَهَشَشْنَا للِكَرْمِ حَوْلَ الضِّفَافِ ... أَرْقَطَ الظِّلِّ، خَافِقَ الألفَافِ
نَاضِر العُودِ، كم تَرَى العَينُ فيه ... للِرَّبيعِ الجدِيدِ مِنْ أَطيَاف
زَهْرَتِي فِي الرَّبيع أَنْضَرُ حُسْناً ... مِنْ بَوَاكِيرِهِ وَأَجْمَلُ يُمْنَا
وَهَيَ أَشْهَى شّذًى وَأَبْهَجُ بِشْراً ... وَاهْتِزَازاً بِهِ وَأَرْهَفُ غُصْنَاً
تُنْقِصُ الوَرْدَ سِحْرهُ وَجْنَتَاهَا ... وَسَنَى الكَوْنِ لَمْحَةٌ مِن سَنَاهَا
تَقْطَعُ الرَّوضَ كالفَرَاشَةِ وَثباً ... لَيْسَ غيرُ الجَمالِ دُنْيَا مًنَاها
كم حَلَلْنَا عَلَى الضّفَافِ مَقِيلا ... وَعَرَفْنَا الُّكُونَ لَحْناً جَميِلا
وَاسْتَرَحْنَا هُنَاكَ حَتَّى تَرَامَتْ ... رُقْعَةُ الظّلِّ فانتَهَبْنا الأصِيلا
نَجْعَلُ الصُّبْحَ إِنْ طَلَبْنَا الرَّوَاحَا ... مَوْعِداً نَسْتَعِيدُ فِيهِ المِرَاحَا
فتَرَانَا الرّياضُ وَالصُّبْحُ وَسْنَا ... نُ سَبَقْنَا إلى الشّثرُوقِ الصَّبَاحَا!
إنْقضَى الحُلْمُ فيِ ظِلاَلٍ وَوَرْدِ ... أنا ذا اليومَ أَثْقُلُ الخطْوَ وَحْدِي
أَوْحَشَتْ جَنَّتيِ وأضحت رؤاها ... وشذاها البَهيجُ مَبْعَتَ وَجْدِي
كم حَوىَ اليَوْم كَلُّ وَادٍ عَشيِبِ ... مِنْ طُيُوفٍ تَلجُّ فِي تَعذيِبي
يُوجعُ النَّفْسَ فيه مَرْأَي خَلِيٍّ ... وَمُحِبٍّ يَصْغِى به لِحَبيبِ
قّدْ تَوَلّى بَعْدَ الثّلاثينَ عامُ ... فيمَ يا قّلْبُ هّذِهِ الأوْهَامُ؟
أَيُّها القَلْبُ لَمْ تَعُدْ طِفْلاً ... فِيمَ تَصّبو؟ هَلْ تَنفَعُ الأحلامُ؟
(الخفيف)