مجلة الرسالة/العدد 352/الفيلسوف المجهول
→ وحي الطبيعة الغربية | مجلة الرسالة - العدد 352 الفيلسوف المجهول [[مؤلف:|]] |
الأدب في أسبوع ← |
بتاريخ: 01 - 04 - 1940 |
(إلى روح المرحوم الدكتور علي العناني بك)
للأستاذ عبد الرحمن الكيالي
ضلت ركاب الفكر عن أخباره ... فسعت تحت الخطو في آثاره
سبق الزمان إلى الزمان فقصرت ... عن شأوه الأيام في مضماره
هتفت بأذنيه الهموم وجلجلت ... في صدره الهمسات من أفكاره
فسمت به فوق السماء وأرسلت ... نغماته بالسحر من أوتاره
كالنجم أفرط في العلو وإنه ... ليذود لحظ الطرف عن إبصاره
لم يصبه للمجد طيف لم تزل ... همم النفوس تُساق في تياره
ورمى الخلود بنظرة لو صادفت ... طوداً أشم لدُكَّ من أقطاره
ما الخلد في عينيه إلا ومضة ... للوهم ترفل في شفيف دثاره
فتكت بأوطار النفوس ولم تكن ... لتفوز باللمحات من أوطاره
ما ضره ليل تجهم حوله ... وأحاطه بالسود من أستاره
والعود يذهب في الرماد إذا التلظي ... وهج اللهيب يشف عن أسراره
فليرتفع عن دهره متكبراً ... وليجف هذا الدهر عن إكباره
وليشد في مزماره مترنماً ... ويرى النعيم الحق في مزماره
فدعوه لا تتسمعوا نغماته ... نغماته وقف على إسكاره
لا تنفحوه بالكؤوس فقلبه ... كأس تصفق في يدي خماره
ملئت بمعسول العقار ولم تكن ... لهواتكم تسمو لرشف عقاره
فليطلع الفجر الوضئ وخلفه ... حجب ترد العين عن أنواره
وليكتم الروض الأريج عبيره ... عن كل مشتم سوى أزهاره
وليحم ذو اللب الكبير شعاعه ... أن تُخطف الأبصار من إسفاره
نفحاته قدسية جياشة ... فاضت بماء القلب من قيثاره
ما بالها سلكت سبيلاً موحشاً ... يرتاح فيه العقل من أسفاره
نسلته من دنيا الفتون ولم تكن ... ترضى بهذا الكون من سمار فنضا الكرى عن مقلتيه مغرد ... للفجر يهتف بانتعاش نهاره
كشف الصباح لناظريه فأبصرا ... صبح الأنام يموت في أسحاره
دفن الرقاد قلوبهم برموسه ... وحبا الرياء نفوسهم بشعاره
فانساب تحت الليل يقبس لمعة ... كالمستجير من الصقيع بناره
وازوّر عن أفق الظلام مُغبراً ... تتقطع الأعناق دون غباره
متبتل ترك الأنام وراءه ... ونجا يحطم من وثيق إساره
حتى إذا نسج الظلام حياله ... ثوب الفناء ولفه بإِزاره
أرست نوازعه وأشرق لبه ... ورمى الأزمة في يدي أقداره
فتطايرت آماله من قلبه ... مذعورة النسمات من إعصاره
وترنمت في ثغره ضحكاته ... بالسخر ترسل من فحيح جماره
ورد الحياة وفر عن آفاقها ... مستهزئاً بقدومه وفراره
(الخليل - فلسطين)
عبد الرحمن الكيالي